رئيس صحة النواب يكشف موعد إصدار قانون المسؤولية الطبية    محافظ القليوبية يفتتح موسم حصاد القمح ويتفقد الوحدات الإنتاجية في كلية الزراعة بجامعة بنها    وزير النقل: تشغيل التاكسي الكهربائي الأربعاء المقبل في العاصمة الإدارية    لقطات فيديو توثق قصف الاحتلال لحي الصبرة جنوب غزة وتدمير برج لعائلة الأشرم    وزير التموين: إطلاق 7 قوافل مساعدات لغزة تحمل 615 طناً (صور)    «القاهرة الإخبارية»: مستوطنون يشعلون النار في محيط مقر الأونروا بالقدس    وزير الشباب: القيادة السياسية حدودها السماء في تطوير الرياضة    نتائج منافسات الرجال في اليوم الثاني من بطولة العالم للإسكواش 2024    الدوماني يعلن تشكيل المنصورة أمام سبورتنج    ضبط وكر لتصنيع المخدرات في مدينة بدر    «الأرصاد» تكشف حقيقة وصول عاصفة بورسعيد الرملية إلى سماء القاهرة    «سنرد في الوقت المناسب».. أول بيان رسمي من مركز تكوين بعد حملة الهجوم عليه    رئيس صحة الشيوخ: نقف دائمًا إلى جانب حقوق الأطباء    رئيس حزب الاتحاد: مصر صمام الأمان للقضية الفلسطينية    اجتماع لغرفة الصناعات الهندسية يكشف توافر 35% من مستلزمات صناعات الكراكات بمصر    التنمية المحلية: استرداد 2.3 مليون متر مربع بعد إزالة 10.8 ألف مبنى مخالف خلال المراحل الثلاثة من الموجة ال22    وزيرالمالية: الرئيس السيسي يشدد على صون الأمن الاقتصادي لتحسين معيشة المواطنين    الحفاظ على زيزو.. ماذا ينتظر الزمالك بعد نهائي الكونفدرالية؟    عقوبة استخدام الموبايل.. تفاصيل استعدادات جامعة عين شمس لامتحانات الفصل الدراسي الثاني    البابا تواضروس يدشن كنيسة "العذراء" بالرحاب    بعد ثبوت هلال ذي القعدة.. موعد بداية أطول إجازة للموظفين بمناسبة عيد الأضحى    قرار جديد من القضاء بشأن محاكمة المتهم بقتل 3 مصريين في قطر    ضبط المتهمة بالنصب والاحتيال على المواطنين في سوهاج    في محكمة الأسرة.. حالات يجوز فيها رفع دعوى طلاق للضرر    محافظ أسوان: توريد 137 ألف طن قمح من النسبة المستهدفة بمعدل 37.5%    تسلل شخص لمتحف الشمع في لندن ووضع مجسم طفل على جاستن بيبر (صور)    اللجنة العليا لمهرجان المسرح المصري تجتمع لمناقشة تفاصيل الدورة ال17    باسم سمرة يكشف سر إيفيهات «يلا بينا» و«باي من غير سلام» في «العتاولة»    الإمارات تهاجم نتنياهو: لا يتمتع بأي صفة شرعية ولن نشارك بمخطط للمحتل في غزة    استشاري تغذية علاجية يوضح علاقة التوتر بالوزن (فيديو)    إحالة العاملين بمركز طب الأسرة بقرية الروافع بسوهاج إلى التحقيق    وزيرة التضامن تشهد عرض المدرسة العربية للسينما والتليفزيون فيلم «نور عيني»    المفتي يحسم الجدل بشأن حكم إيداع الأموال في البنوك    «صفاقة لا حدود لها».. يوسف زيدان عن أنباء غلق مؤسسة تكوين: لا تنوي الدخول في مهاترات    منها المهددة بالانقراض.. تفاصيل اليوم العالمي للطيور المهاجرة للبيئة    تشكيل مانشستر سيتي – تغيير وحيد في مواجهة فولام    التنمية المحلية: تنفيذ 5 دورات تدريبية بمركز سقارة لرفع كفاءة 159 من العاملين بالمحليات    بسبب «البدايات».. بسمة بوسيل ترند «جوجل» بعد مفاجأة تامر حسني .. ما القصة؟    جدول ترتيب الدوري الإنجليزي قبل مباريات اليوم.. فرصة مانشستر سيتي الذهبية للصدارة    ضرب الشحات «قلمين».. اعلامية تكشف شروط الشيبي للتنازل عن قضيته (فيديو)    وزير الصحة: تعليمات من الرئيس السيسي لدعم أطباء مصر وتسخير الإمكانيات لهم    وزير الأوقاف: هدفنا بناء جيل جديد من الأئمة المثقفين أكثر وعيًا بقضايا العصر    بعد وصفه ل«الموظفين» ب«لعنة مصر».. كيف رد مستخدمي «السوشيال ميديا» على عمرو أديب؟    رئيس هيئة الرعاية الصحية يتفقد المستشفيات والوحدات الصحية بالأقصر    مصرع مهندس في حادث تصادم مروع على كورنيش النيل ببني سويف    جهاز المنصورة الجديدة: بيع 7 محال تجارية بجلسة مزاد علني    توريد 164 ألفا و870 طن قمح بكفر الشيخ حتى الآن    شروط وأحكام حج الغير وفقًا لدار الإفتاء المصرية    «الصحة»: نتعاون مع معهد جوستاف روسي الفرنسي لإحداث ثورة في علاج السرطان    حادثة عصام صاصا على الدائري: تفاصيل الحادث والتطورات القانونية وظهوره الأخير في حفل بدبي    الشيبي يهدد لجنة الانضباط: هضرب الشحات قلمين الماتش الجاي    مجلس الأمن يدعو إلى إجراء تحقيق مستقل وفوري في المقابر الجماعية المكتشفة بغزة    كرم جبر: أمريكا دولة متخبطة ولم تذرف دمعة واحدة للمذابح التي يقوم بها نتنياهو    طائرات الاحتلال الإسرائيلي تقصف منزلًا في شارع القصاصيب بجباليا شمال قطاع غزة    عمرو دياب يحيى حفلا غنائيا فى بيروت 15 يونيو    هل يجوز للمرأة وضع المكياج عند خروجها من المنزل؟ أمين الفتوى بجيب    رسائل تهنئة عيد الأضحى مكتوبة 2024 للحبيب والصديق والمدير    هل يشترط وقوع لفظ الطلاق في الزواج العرفي؟.. محام يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هوامش للكتابة:
عالمية النزعة الاستشراقية الجديدة
نشر في أخبار الأدب يوم 04 - 06 - 2010

مفهوم »عالمية الأدب« واحد من مفاهيم الهيمنة في سياقاته الشائعة، أنتجته وأشاعته نزعة المركزية الأوربية الأمريكية، بهدف أن تجعل من أدب العالم كله أدبا مكتوبا من منظورها، وبما يؤكد سيطرتها ولذلك فأي تحليل نقدي لخطاب العالمية سرعان ما يكتشف، إذا غاص وراء السطح، أنه مفهوم يؤكد ويشيع عالمية غير عالمية في واقع الأمر أقصد إلي عالمية لا تنصرف دلالاتها إلي كل العالم ، بل إلي بعض أقطاره فحسب، وتشمل عددا بعينه من دول المركز الأوربي الأمريكي التي لا تزال تهدف إلي الهيمنة علي بقية أقطار الكرة الأرضية، وإبقائها تحت سيطرتها، وذلك بجعل معاييرها الخاصة في الثقافة والإبداع معايير عامة ومفروضة، أهمها مبدأ المشابهة الذي يفرض علي أدب الهوامش تشبّهه بأدب المركز وإلا خرج من جنة العالمية الأدبية، وقد أشاع هذا المفهوم مثقفو التبعية الذين وقعوا في أسر أيديولوچيات المركز الأوربي الأمريكي علي نحو شعوري أو لا شعوري، فأصبحوا محاكين أمناء لمعايير المركز، دون مراعاة لخصوصية ثقافاتهم وهوياتهم الحضارية ويمكن للقارئ أن يجد تفاصيل هذا الكلام المجمل في كتابي عن «الهوية الثقافية والنقد الأدبي« الذي صدر عن »دار الشروق« بالقاهرة في الشهر الماضي .
وقد صاحب الإيديولوچيا الأدبية لمفهوم »عالمية الأدب« إيدلوچيا مكملة في مدي هيمنة المركز علي الأطراف أعني نزعة الاستشراق التي كشف عن أبعادها وأهدافها المستترة إدوار سعيد، سواء فيما كتب عن »الاستشراق« أو «الثقافة والإمبريالية» وترتبط نزعة الاستشراق بإيديولوچيا هيمنة موازية، لحقها صعود إيديولوچيا العولمة، وتهدف إلي تحقيق أمرين أولهما إبقاء صورة الشرق المتدني الغريب والعجيب والمتخلف والمقموع في آن في أذهان الغربيين، تبريرا لضرورة الهيمنة الاستعمارية علي هذا الشرق والإبقاء علي نهب ثرواته الطبيعية، وثانيها إيهام أبناء هذا الشرق العجيب بتخلفهم الأبدي الذي هو مصدرالإعجاب بهم، والفتنة بعوالمهم، وذلك بما يبقي الشرق المتخلف علي تخلفه، مصدرا لثروات منهوبة، ومتحفا لعجائب البشر وغرائب عوائدهم .
ومن الواضح أن تزايد صعود العولمة، وجاذبية إيديولوچياتها الجديدة في الهيمنة الاقتصادية والثقافية، أسهم في تزويد المركزية الأوربية الأمريكية بنوع جديد من الطاقة، أعادت معها إنتاج نزعة الاستشراق في ثوب جديد، فظهرت بدايات »عالمية الاستشراق الجديد« التي تهدف إلي الهيمنة تحت أقنعة جديدة، غدت مفاهيمها الأدبية وإيديولوچياتها المصاحبة واضحة، بارزة، ساعية إلي الهيمنة في السنوات الأخيرة، خصوصا بعد أن أصبحت حركات التحرر الوطني ذكريات زمن جميل مضي .

وتختلف نزعة عالمية الاستشراق الجديد المعولم عن النزعة القديمة لعالمية الأدب والاستشراق القديم معا، في أنها أكثر مكرا ومراوغة، وأحدث أساليب، وأقوي نفوذا، وإن كانت لحسن الحظ لم تفرض نفوذها علي مراكز الدراسات الأدبية الرصينة التي تحتضن دراسات نقض المركزية وخطاب ما بعد الاستعمار، ولا علي الجوائز الأدبية العالمية التي اعتدل مسارها، بعد أن فرض كتاب
الهوامش المقموعة إبداعهم الذي لا يزال يحصد جوائز نوبل العالمية والبوكر البريطانية وجونكور الفرنسية، وهو الأمر الذي اعتدل بمسار هذه الجوائز وغيرها، فأصبح من الصعب الارتداد بها إلي الوراء وتهدف عالمية الاستشراق الجديد إلي تطوير صورة الهيمنة علي العالم الثالث الغارق في التبعية إلي اليوم، والبرهنة علي ضرورة استمرار الوصاية عليه، وتمريضه بجرعات الديموقراطية التي لا تقي الشعوب من سطوة الحكام الذين لا يزالون في قبضة أو حماية الولايات المتحدة التي تمارس ازدواجا فاضحا في التعامل مع الشعوب، وتتحدث عن دعم الديموقراطية والسلام العادل، بينما هي أقوي نصير للسفاحين من حكام إسرائيل وذابحي الأطفال والنساء الفلسطينيين وأضيف إلي ذلك حقوق الإنسان التي ترفع لواءها بينما تنكرها عمليا في معتقل جوانتانامو وقبله معتقل أبو غريب، ناهيك عن قانون «باترويت» الذي هو ألعن من قانون الطوارئ المصري ولا غرابة أن تشيع العولمة المؤمركة نزعة عداء لكل ما يتصل بالخصوصيات الثقافية الوطنية، والاستقلال الوطني التام، تناصرها أذرعة أخطبوط اقتصادي، تتمثل في منظمة التجارة العالمية وغيرها من المنظمات التي تمتد من سياتل التي شهدت أول احتجاج علي وحشية العولمة إلي بقية العواصم الأوربية المتحالفة بشركاتها المتعددة والمتعدية الجنسية مع العولمة الأمريكية .
والنتيجة هي إيديولوچيا جديدة، تشيعها أجهزة إعلام تظهر أسوأ ما في العالم الثالث من خلال أدباء متوسطي القيمة، تكمن أهميتهم في استخدام أعمالهم الأدبية أو الفنية، بوعي منهم أو دون وعي، في إبراز صورة فاسدة متخلفة عن عالم لن تصلحه إلا الديموقراطية الأمريكية والسلام الأمريكي الذي فعل ما فعل في العراق وأفغانستان لا من أجل الإنسانية الحقيقية، وإنما من أجل السيطرة علي منابع الثروة وأدوات الإنتاج وعلاقاته هكذا ترعي نزعة عالمية الاستشراق الجديد مجموعة من الأعمال الأدبية والفنية التي ينتجها العالم الثالث بوجه عام، والعالم العربي بوجه خاص، وهي أعمال تتوافر فيها صفات التشهير وفضح أشكال التخلف البشع في كل مكان، والفساد المستشري علي كل مستوي، بهدف التسويق لهذه الأعمال بعد ترجمتها وتوزيعها، بعد الترويج الإعلامي لها علي نحو غير مسبوق ومن هنا نشأت ظاهرة الروايات الرائجة محدودة القيمة الإبداعية التي ألقي حولها صديقي روجر آلان بحثا مهما عن نماذجها العربية، في أحد المؤتمرات بالولايات المتحدة ورغم إعجابي ببحث روجر آلان الذي أرسله لي، فلا أزال أري أنه لم يردّ ظاهرة الروايات العربية الرائجة محدودة القيمة في الغرب الآن إلي أسبابها العميقة لقد أشار إلي رواية رجاء الصانع «بنات الرياض» وإلي رواية علاء الأسواني «عمارة يعقوبيان»، وروايات أحلام مستغانمي، وفي الطريق »برهان العسل« لسلوي النعيمي، ويمكن إضافة رواية تسليمة نسرين الشهيرة »لاجا« أو »العار« وقد تساءل روجر آلان في حزن وتعجب عن الأسباب التي
تجعل «عمارة يعقوبيان» أعلي توزيعا من ثلاثية نجيب محفوظ أو «أولاد حارتنا» و«بنات الرياض» أشهر من روايات هدي بركات وعلوية صبح ورضوي عاشور وسلوي بكر وغيرهن، أو تجعل »عمارة يعقوبيان« أكثر انتشارا في الفرنسية بما لا تصل إليه رواية جمال الغيطاني »التجليات« التي حصلت علي جائزة رفيعة في الترجمة إلي الفرنسية والإجابة موجودة بعد تمعن، ومؤداها أن نزعة عالمية الأدب الممزوجة بنزعة الاستشراق الجديد تعولمتا، فأصبحتا أميل إلي توزيع روايات العالم الثالث الفضائحية التي لا تترك فسادا أو قمعا أو شذوذا أو انحرافا إلا وتبديه مبرزة صورا بشعة في تخلفها .

مؤكد أن »عمارة يعقوبيان« قد أعجبت نقادا مثلي، وقت صدورها، رأوا فيها جسارة وشجاعة، سواء في الكشف عن الفساد والمسكوت عنه في الواقع، أخلاقيا واجتماعيا وسياسيا، والكشف عن مبرر رأته الرواية لانتشار الإرهاب الديني الذي ترجع الرواية مسؤوليته إلي فساد الدولة وأجهزتها القمعية، وليس إلي طبيعة الفكر المتطرف الذي خلق الإرهاب الديني، وأسهم في توجيه آليات مقاومته بأي سبيل ولقد نجحت «عمارة يعقوبيان» جماهيريا لإنطاقها المسكوت عنه في ذلك الوقت، قبل أن تنطق جرائد المعارضة كل المقموع من الخطاب السياسي الاجتماعي الاقتصادي الأخلاقي، وأصبحت الرواية فيلما سينمائيا، ومسلسلا تليفزيونيا ناجحا، وارتفعت أرقام توزيعها عربيا إلي ما يقارب أو يزيد علي عشرين ألف نسخة وعدد لافت من الطبعات وكان نجاح الرواية المذهل مرتبطا بلحظة صدورها، قبل أن ينفجر الخطاب السياسي المقموع للجمهور القارئ في جرائد المعارضة ولم يكن غريبا أن تكون أغلب المقالات المكتوبة عنها ذات
طابع سياسي، أو بأقلام سياسيين ولم يشغل كثيرون أنفسهم بالسؤال عن القيمة الإبداعية لعمل نجح في إنطاق المقموع من الخطاب المجتمعي، وقام بمهمة ناجحة في التنفيث الصعب في ذلك الوقت ولذلك كان من المنطقي أن يسيل لعاب المترجمين الأجانب الذين تسارعوا إلي ترجمتها إلي لغات المركز الأوربي الأمريكي، ووصلت أرقام توزيعها إلي أرقام غير مسبوقة وهرعت دار نشر «بنجوين» الشهيرة إلي ترجمة »بنات الرياض« لرجاء الصانع، ولا تأبه برفض روجر آلان القيام بالترجمة إلي الإنجليزية فتلجأ إلي مارلين بوث، سعيا وراء ربح مؤكد، ولعاب جماهيري يسيل، فلم يسبق أن كتبت شابة سعودية طبيبة أسنان بهذه الجرأة، وكشفت عن العالم السري المقموع والغريب لبنات الرياض، وعن مدي غير مسبوق من التخلف وهو عمل تجاري بحت، والترجمة مربحة إلي حد غير عادي، كما في حالة تسليمة نسرين التي أصبحت دون استحقاق أدبي لا تقل شهرة عن طارق علي وحنيف قريشي وأرونداتي روي، وأكثر شهرة من أهداف سويف التي تباعدت عنها، عمدا، أضواء عالمية الاستشراق الجديد لدفاعها عن الفلسطينين وتعرية ما يحدث لهم من قوات الاحتلال الإسرائيلي وليس مصادفة، والأمر كذلك، ما أُعلن عن استعداد تسليمة نسرين، هذه الأيام، لتسلم جائزة سيمون دي بوفوار الفرنسية التي سيسلمها إياها، وفق ما ذكر في شبكات الإعلام، الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وسوف يكون ذلك امتدادا للسياق الذي أدّي إلي منح الملكة البريطانية إليزابيث لقب فارس للكاتب الهندي الأصل سلمان رشدي صاحب رواية« آيات شيطانية» وهي رواية أقل قيمة من روايتيه السابقتين أطفال منتصف الليل و»العار« اللتين ترجمتهما وزارة الثقافة السورية، قبل ضجة «آيات شيطانية» التي جعلتها فتوي الخوميني بإباحة دم صاحبها من أشهر روايات العالم وهي فتوي كانت تبريرا لتحرك أجهزة الإعلام المؤدلجة عالميا، كي ترفع من قيمة «آيات شيطانية» بما وضعها في مصاف روايات أعلي منها شأنا فنيا، وأرفع قيمة إبداعية ولكن من الذي قال إن القيمة الإبداعية هي العامل الحاسم في مثل هذه الأحوال؟ فالأهم هو استغلال هذه الروايات، وردود الفعل الحمقاء عليها، في سبيل التحقير من شأن المسلمين ودينهم الذي أساء إليه سفاؤهم بالدرجة الأولي .
وأمثال روايات تسليمه نسرين أو رجاء الصانع أو أحلام مستغانمي سلعة تسيل لعاب شرائح قرائية عريضة مؤدلجة في الغرب، تجذب المتحكمين في السوق التي تُغذيها رغبة تحقيق أقصي قدر من الأرباح أولا، وتأكيد أن العوالم التي تشير إليها هذه الروايات من الأفضل أن تبقي تحت رعاية دول العولمة الحاكمة إلي أن تبرأ من أمراض الفساد والاستبداد والشذوذ والتقاليد الجامدة التي تعوق اللائذين بشجرة الزيتون العتيقة من أن يلحقوا بما أسماه توماس فريدمان داعية العولمة الشهير القطيع الإلكتروني للعولمة التي هي المستقبل الواعد، في كتابه ذائع الصيت »السيارة لكزس وشجرة الزيتون« ويبدو أن النجاح المذهل لعمارة يعقوبيان قد أغري صاحبها بكتابة «شيكاغو» التي جاءت أقل جودة وأقرب إلي الرداءة فنيا، ربما بسبب قصدية إسالة لعاب القارئ الغربي وإرضاء فضوله، فتضاءلت درجة الصدق فيها، وإن تعالي صوت ترحيب المعارضة السياسية لها، فكان من الضروري أن تذيعها وتتبني الترويج لها أجهزة أعلام عالمية، يسيطر عليها الإعلام اليهودي الذي جعل من كاتبها نجما عالميا ومعولما في آن .
وربما كان اتكاء علاء الأسواني علي نفسه، في شيكاغو، هو سبب مضاف إلي ما ذكرت، فعمارة يعقوبيان
تسير علي خطي نجيب محفوظ، وتتكئ علي رواياته، خصوصا تلك التي تعتمد علي فضاء مكاني محدود، تدور فيه أحداث يسهم فيها أبطال ينتسبون إلي شرائح أو طبقات اجتماعية متخالفة أو متصارعة، كما حدث في ميرامار و ثرثرة فوق النيل ومضت عمارة يعقوبيان في الطريق نفسه، محافظة علي منحي الواقعية النقدية التقليدية، ولكن بعد أن قلبت الفضاء الأفقي للبنسيون ميرامار أو العوامة ثرثرة فوق النيل إلي فضاء رأسي يتمثل في عمارة يعقوبيان ولم يتوقف الأمر علي ذلك، فقد أضافت يعقوبيان توابل الشذوذ والقمع الجنسي، ناهيك عن الفساد السياسي والخراب الاقتصادي والاتجار باسم الدين أو تحويله إلي ساتر يخفي عورات الاستغلال الذي ينخر في كل شيء، ويطول أكبر رؤوس الوطن المحيط بعالم العمارة، وبقدر ما انفجرت عمارة يعقوبيان كالقنبلة، وقت صدورها كان لأثرها ما يشبه التفريغ لبخار الغضب المكتوم في نفوس القراء والمشاهدين، خصوصا بعد تحويل الرواية إلي مسلسل وفيلم ولكن لم يكن الانفجار علي الدرجة نفسها في حالة «شيكاغو» التي اختلفت جماهيريتها، فقد اتكأ صاحبها علي تجربته الروائية الخاصة درس دبلوم طب الأسنان في جامعة شيكاغو دون عون من أحد إلا الرغبة في تكرار التوليفة الفضائحية التي أنجحت عمارة يعقوبيان ودفعت بها إلي الترجمة والأسواق الرائجة التي تدعمها عولمة الاستشراق الجديد، معتمدا ربما علي أن نجاح عمارة يعقوبيان سوف يدعم شيكاغو ويسمح بنشر مجموعته الأولي نيران صديقة التي قيل إن محمد البساطي رفض السماح بنشرها، فأعيد نشرها معززة مكرمة، رغم النقد القاسي الذي وجهه الناقد فاروق عبد القادر للمجموعة، لكن صوته الصادق ضاع في الضجيج الإعلامي .

ومن المؤكد أن رواية يعقوبيان لو أعيد نشرها اليوم، ما أحدثت التأثير الذي أحدثته عند صدورها الأول، فقد قامت المعارضة بالتنفيث عن السخط المكتوم الذي لا يزال يخرج علي صفحات جرائد المعارضة وأدوات إعلامها في مصر ولا بأس في أن تصبح رجاء الصانع، بعد تسليمة نسرين، في هذا السياق، نجمة تنافس نجمات السينما، وأن يصل توزيع رواية »برهان العسل« لسلوي النعيمي إلي أرقام غير عادية، وأن تكون قيد الترجمة لإطلاقها في سوق العولمة الثقافية ولا غرابة أن تفتح دور النشر العالمية ذراعيها لعلاء الأسواني، فاتحة أمامه نعيم الشهرة التي لم يحلم بها نجيب محفوظ صاحب «أولاد حارتنا» التي وردت في حيثيات منحه جائزة »نوبل« ولا بن أوكري النيجيري الذي كتب عن »طريق الجوع« ولا أرونداتي روي صاحبة »رب الأشياء الصغيرة«، اللذين حصلا بروايتيهما علي جائزة البوكر البريطانية ولا عجب من ترجمة ما كتب نجمنا المصري المعولم إلي ثمان وعشرين لغة في مائة من دول العالم، فهذا من رضاء العولمة ونزعة عالمية الاستشراق الجديد التي نعيش زمنها ونواجه تحدياته في آن، وأولها السؤال هل يصنع ضجيج إعلام معولم قيمة كاتب أصيل مثل نجيب محفوظ وبن أوكري وشينوا أتشيبي وأورهان باموق وبهاء طاهر وإبراهيم أصلان؟ والقائمة تطول في مدي السؤال الذي يقود إلي السؤال الخاص بأسباب عدم الاحتفاء بالقيمة الأصيلة في حياتنا المضطربة علي امتداد العالم الثالث، خصوصا العالم العربي المقموع والمستَغَلّ من العالم الأول .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.