المحترفون الأجانب في الدوري المصري - نيجيريا الأكثر تمثيلا.. و4 قارات مختلفة    بحضور نائب محافظ سوهاج.. الزميل جمال عبد العال يحتفل بزفاف شقيقة زوجته    زيلينسكي: لا مؤشرات على استعداد روسيا لإنهاء الحرب    الاحتلال يعتدي على فلسطينيين ومتضامنين أجانب في خربة ابزيق شمال طوباس    برلين تدين الهجمات الإسرائيلية على الصحفيين في غزة    صفعة جديدة على وجه الاحتلال.. قرار صندوق الثروة السيادية النرويجى بسحب استثماراته من إسرائيل إشارة لتغير ميزان الموقف الأوروبى مستقبلا.. حظر الأسلحة على الكيان ضربة موجعة يجب استثمارها دوليا    "بلومبرغ": البيت الأبيض يدرس 3 مرشحين رئيسيين لرئاسة الاحتياطي الفيدرالي    حقيقة رفض الأهلي عودة وسام أبو علي حال فشل انتقاله إلى كولومبوس    المصري يتعاقد مع الظهير الأيسر الفرنسي كيليان كارسنتي    الأهلي مهدد بخسارة نجميه أمام فاركو    ديانج ينتظر موقفه مع ريبيرو ويؤجل ملف التجديد    الكشف المبكر عن تعاطي المخدرات لأعضاء الرياضة في مصر ضمن الاستراتيجية القومية    تضم 14 متهما.. حبس شبكة دعارة داخل نادٍ صحي بالعجوزة    حجز عامل نظافة بتهمة التحرش بسيدة داخل مصعد في الشيخ زايد    أسعار الذهب اليوم في مصر.. تراجع مفاجئ وعيار 21 يسجل رقمًا جديدًا وسط ترقب السوق    دنيا سمير غانم: "أول مرة أقدم أكشن كوميدي وسعيدة بوجود كايلا"    الآن رسميًا.. موعد فتح تقليل الاغتراب 2025 وطريقة التحويل بين الكليات والمعاهد    المحادثات الأمريكية الروسية تدفع الذهب لخسارة جميع مكاسبه    رسميًا بعد الانخفاض الجديد. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الثلاثاء 12 أغسطس 2025    نجم الأهلي السابق: صفقات الزمالك الجديدة «فرز تاني».. وزيزو لا يستحق راتبه مع الأحمر    استبعاد مصطفى شوبير من تشكيل الأهلي أمام فاركو.. سيف زاهر يكشف مفاجأة    طلبات جديدة من ريبيرو لإدارة الأهلي.. وتقرير يكشف الأقرب للرحيل في يناير (تفاصيل)    مصطفى شلش يكتب: التحالف التركي- الباكستاني- الليبي    وسائل إعلام سورية: تحليق مروحي إسرائيلي في أجواء محافظة القنيطرة    متطرف هاجمته الخارجية المصرية.. 22 معلومة عن وزير مالية إسرائيل بتسلئيل سموتريتش    محكمة الأسرة ببني سويف تقضي بخلع زوجة: «شتمني أمام زملائي في عملي»    رئيس «الخدمات البيطرية»: هذه خطط السيطرة علي تكاثر كلاب الشوارع    تبين أنها ليست أنثى.. القبض على البلوجر «ياسمين» بتهمة نشر فيدوهات خادشة للحياء العام    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الثلاثاء 12 أغسطس 2025    د. آلاء برانية تكتب: الوعى الزائف.. مخاطر الشائعات على الثقة بين الدولة والمجتمع المصري    عليك التحكم في غيرتك.. حظك اليوم برج الدلو 12 أغسطس    أصالة تتوهج بالعلمين الجديدة خلال ساعتين ونصف من الغناء المتواصل    بدأت حياتها المهنية ك«شيف».. 15 معلومة عن لارا ترامب بعد صورتها مع محمد رمضان    استغلي موسمه.. طريقة تصنيع عصير عنب طبيعي منعش وصحي في دقائق    «مشروب المقاهي الأكثر طلبًا».. حضري «الزبادي خلاط» في المنزل وتمتعي بمذاق منعش    محمد سعيد محفوظ يروى قصة تعارفه على زوجته: رسائل من البلكونة وأغاني محمد فؤاد    أحاديث السياسة على ألسنة العامة    انقلاب مقطورة محملة بالرخام أعلى الطريق الأوسطى...صور    انتشال سيارة سقطت بالترعة الإبراهيمية بطهطا.. وجهود للبحث عن مستقليها.. فيديو    إطلاق منظومة التقاضى عن بعد فى القضايا الجنائية بمحكمة شرق الإسكندرية.. اليوم    التنسيق يكشف الخطوة التالية ل364946 ترشحوا بالمرحلتين الأولى والثانية 2025    كيفية شراء سيارة ملاكي من مزاد علني يوم 14 أغسطس    حدث بالفن | حقيقة لقاء محمد رمضان ولارا ترامب وجورجينا توافق على الزواج من رونالدو    أخبار 24 ساعة.. 271 ألفا و980 طالبا تقدموا برغباتهم على موقع التنسيق الإلكترونى    أهم الأخبار العربية والعالمية حتى منتصف الليل.. دعم أوروبي للخطوات الأمريكية لوقف حرب أوكرانيا.. الأمم المتحدة: مستشفيات غزة تكتظ بالمرضى وسبل النجاة من المجاعة منعدمة.. واستشهاد 13 بينهم 8 من منتظري المساعدات    8 سبتمبر نظر دعوى حظر تداول "جابابنتين" وضمه لجداول المخدرات    الشاي الأخضر.. مشروب مفيد قد يضر هذه الفئات    هل يشعر الموتى بالأحياء؟.. أمين الفتوى يجيب    4 تفسيرات للآية «وأما بنعمة ربك فحدث».. رمضان عبدالمعز يوضح    أجمل عبارات تهنئة بالمولد النبوي الشريف للأهل والأصدقاء    محافظ الأقصر يبحث رفع كفاءة الوحدات الصحية واستكمال المشروعات الطبية مع وفد الصحة    قيادات تعليم السويس تودّع المدير السابق بممر شرفي تكريمًا لجهوده    الهيئة الوطنية للانتخابات تعلن نتيجة انتخابات مجلس الشيوخ مساء غد    أنا مريضة ينفع آخد فلوس من وراء أهلي؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    التعليم تصدر بيانا مهما بشأن تعديلات المناهج من رياض الأطفال حتى ثانية إعدادي    أمين الفتوى: الحلال ينير العقل ويبارك الحياة والحرام يفسد المعنى قبل المادة    الصحة: 40 مليون خدمة مجانية في 26 يومًا ضمن «100 يوم صحة»    بعد تعنيفه لمدير مدرسة.. محافظ المنيا: توجيهاتي كانت في الأساس للصالح العام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هوامش للكتابة:
عالمية النزعة الاستشراقية الجديدة
نشر في أخبار الأدب يوم 04 - 06 - 2010

مفهوم »عالمية الأدب« واحد من مفاهيم الهيمنة في سياقاته الشائعة، أنتجته وأشاعته نزعة المركزية الأوربية الأمريكية، بهدف أن تجعل من أدب العالم كله أدبا مكتوبا من منظورها، وبما يؤكد سيطرتها ولذلك فأي تحليل نقدي لخطاب العالمية سرعان ما يكتشف، إذا غاص وراء السطح، أنه مفهوم يؤكد ويشيع عالمية غير عالمية في واقع الأمر أقصد إلي عالمية لا تنصرف دلالاتها إلي كل العالم ، بل إلي بعض أقطاره فحسب، وتشمل عددا بعينه من دول المركز الأوربي الأمريكي التي لا تزال تهدف إلي الهيمنة علي بقية أقطار الكرة الأرضية، وإبقائها تحت سيطرتها، وذلك بجعل معاييرها الخاصة في الثقافة والإبداع معايير عامة ومفروضة، أهمها مبدأ المشابهة الذي يفرض علي أدب الهوامش تشبّهه بأدب المركز وإلا خرج من جنة العالمية الأدبية، وقد أشاع هذا المفهوم مثقفو التبعية الذين وقعوا في أسر أيديولوچيات المركز الأوربي الأمريكي علي نحو شعوري أو لا شعوري، فأصبحوا محاكين أمناء لمعايير المركز، دون مراعاة لخصوصية ثقافاتهم وهوياتهم الحضارية ويمكن للقارئ أن يجد تفاصيل هذا الكلام المجمل في كتابي عن «الهوية الثقافية والنقد الأدبي« الذي صدر عن »دار الشروق« بالقاهرة في الشهر الماضي .
وقد صاحب الإيديولوچيا الأدبية لمفهوم »عالمية الأدب« إيدلوچيا مكملة في مدي هيمنة المركز علي الأطراف أعني نزعة الاستشراق التي كشف عن أبعادها وأهدافها المستترة إدوار سعيد، سواء فيما كتب عن »الاستشراق« أو «الثقافة والإمبريالية» وترتبط نزعة الاستشراق بإيديولوچيا هيمنة موازية، لحقها صعود إيديولوچيا العولمة، وتهدف إلي تحقيق أمرين أولهما إبقاء صورة الشرق المتدني الغريب والعجيب والمتخلف والمقموع في آن في أذهان الغربيين، تبريرا لضرورة الهيمنة الاستعمارية علي هذا الشرق والإبقاء علي نهب ثرواته الطبيعية، وثانيها إيهام أبناء هذا الشرق العجيب بتخلفهم الأبدي الذي هو مصدرالإعجاب بهم، والفتنة بعوالمهم، وذلك بما يبقي الشرق المتخلف علي تخلفه، مصدرا لثروات منهوبة، ومتحفا لعجائب البشر وغرائب عوائدهم .
ومن الواضح أن تزايد صعود العولمة، وجاذبية إيديولوچياتها الجديدة في الهيمنة الاقتصادية والثقافية، أسهم في تزويد المركزية الأوربية الأمريكية بنوع جديد من الطاقة، أعادت معها إنتاج نزعة الاستشراق في ثوب جديد، فظهرت بدايات »عالمية الاستشراق الجديد« التي تهدف إلي الهيمنة تحت أقنعة جديدة، غدت مفاهيمها الأدبية وإيديولوچياتها المصاحبة واضحة، بارزة، ساعية إلي الهيمنة في السنوات الأخيرة، خصوصا بعد أن أصبحت حركات التحرر الوطني ذكريات زمن جميل مضي .

وتختلف نزعة عالمية الاستشراق الجديد المعولم عن النزعة القديمة لعالمية الأدب والاستشراق القديم معا، في أنها أكثر مكرا ومراوغة، وأحدث أساليب، وأقوي نفوذا، وإن كانت لحسن الحظ لم تفرض نفوذها علي مراكز الدراسات الأدبية الرصينة التي تحتضن دراسات نقض المركزية وخطاب ما بعد الاستعمار، ولا علي الجوائز الأدبية العالمية التي اعتدل مسارها، بعد أن فرض كتاب
الهوامش المقموعة إبداعهم الذي لا يزال يحصد جوائز نوبل العالمية والبوكر البريطانية وجونكور الفرنسية، وهو الأمر الذي اعتدل بمسار هذه الجوائز وغيرها، فأصبح من الصعب الارتداد بها إلي الوراء وتهدف عالمية الاستشراق الجديد إلي تطوير صورة الهيمنة علي العالم الثالث الغارق في التبعية إلي اليوم، والبرهنة علي ضرورة استمرار الوصاية عليه، وتمريضه بجرعات الديموقراطية التي لا تقي الشعوب من سطوة الحكام الذين لا يزالون في قبضة أو حماية الولايات المتحدة التي تمارس ازدواجا فاضحا في التعامل مع الشعوب، وتتحدث عن دعم الديموقراطية والسلام العادل، بينما هي أقوي نصير للسفاحين من حكام إسرائيل وذابحي الأطفال والنساء الفلسطينيين وأضيف إلي ذلك حقوق الإنسان التي ترفع لواءها بينما تنكرها عمليا في معتقل جوانتانامو وقبله معتقل أبو غريب، ناهيك عن قانون «باترويت» الذي هو ألعن من قانون الطوارئ المصري ولا غرابة أن تشيع العولمة المؤمركة نزعة عداء لكل ما يتصل بالخصوصيات الثقافية الوطنية، والاستقلال الوطني التام، تناصرها أذرعة أخطبوط اقتصادي، تتمثل في منظمة التجارة العالمية وغيرها من المنظمات التي تمتد من سياتل التي شهدت أول احتجاج علي وحشية العولمة إلي بقية العواصم الأوربية المتحالفة بشركاتها المتعددة والمتعدية الجنسية مع العولمة الأمريكية .
والنتيجة هي إيديولوچيا جديدة، تشيعها أجهزة إعلام تظهر أسوأ ما في العالم الثالث من خلال أدباء متوسطي القيمة، تكمن أهميتهم في استخدام أعمالهم الأدبية أو الفنية، بوعي منهم أو دون وعي، في إبراز صورة فاسدة متخلفة عن عالم لن تصلحه إلا الديموقراطية الأمريكية والسلام الأمريكي الذي فعل ما فعل في العراق وأفغانستان لا من أجل الإنسانية الحقيقية، وإنما من أجل السيطرة علي منابع الثروة وأدوات الإنتاج وعلاقاته هكذا ترعي نزعة عالمية الاستشراق الجديد مجموعة من الأعمال الأدبية والفنية التي ينتجها العالم الثالث بوجه عام، والعالم العربي بوجه خاص، وهي أعمال تتوافر فيها صفات التشهير وفضح أشكال التخلف البشع في كل مكان، والفساد المستشري علي كل مستوي، بهدف التسويق لهذه الأعمال بعد ترجمتها وتوزيعها، بعد الترويج الإعلامي لها علي نحو غير مسبوق ومن هنا نشأت ظاهرة الروايات الرائجة محدودة القيمة الإبداعية التي ألقي حولها صديقي روجر آلان بحثا مهما عن نماذجها العربية، في أحد المؤتمرات بالولايات المتحدة ورغم إعجابي ببحث روجر آلان الذي أرسله لي، فلا أزال أري أنه لم يردّ ظاهرة الروايات العربية الرائجة محدودة القيمة في الغرب الآن إلي أسبابها العميقة لقد أشار إلي رواية رجاء الصانع «بنات الرياض» وإلي رواية علاء الأسواني «عمارة يعقوبيان»، وروايات أحلام مستغانمي، وفي الطريق »برهان العسل« لسلوي النعيمي، ويمكن إضافة رواية تسليمة نسرين الشهيرة »لاجا« أو »العار« وقد تساءل روجر آلان في حزن وتعجب عن الأسباب التي
تجعل «عمارة يعقوبيان» أعلي توزيعا من ثلاثية نجيب محفوظ أو «أولاد حارتنا» و«بنات الرياض» أشهر من روايات هدي بركات وعلوية صبح ورضوي عاشور وسلوي بكر وغيرهن، أو تجعل »عمارة يعقوبيان« أكثر انتشارا في الفرنسية بما لا تصل إليه رواية جمال الغيطاني »التجليات« التي حصلت علي جائزة رفيعة في الترجمة إلي الفرنسية والإجابة موجودة بعد تمعن، ومؤداها أن نزعة عالمية الأدب الممزوجة بنزعة الاستشراق الجديد تعولمتا، فأصبحتا أميل إلي توزيع روايات العالم الثالث الفضائحية التي لا تترك فسادا أو قمعا أو شذوذا أو انحرافا إلا وتبديه مبرزة صورا بشعة في تخلفها .

مؤكد أن »عمارة يعقوبيان« قد أعجبت نقادا مثلي، وقت صدورها، رأوا فيها جسارة وشجاعة، سواء في الكشف عن الفساد والمسكوت عنه في الواقع، أخلاقيا واجتماعيا وسياسيا، والكشف عن مبرر رأته الرواية لانتشار الإرهاب الديني الذي ترجع الرواية مسؤوليته إلي فساد الدولة وأجهزتها القمعية، وليس إلي طبيعة الفكر المتطرف الذي خلق الإرهاب الديني، وأسهم في توجيه آليات مقاومته بأي سبيل ولقد نجحت «عمارة يعقوبيان» جماهيريا لإنطاقها المسكوت عنه في ذلك الوقت، قبل أن تنطق جرائد المعارضة كل المقموع من الخطاب السياسي الاجتماعي الاقتصادي الأخلاقي، وأصبحت الرواية فيلما سينمائيا، ومسلسلا تليفزيونيا ناجحا، وارتفعت أرقام توزيعها عربيا إلي ما يقارب أو يزيد علي عشرين ألف نسخة وعدد لافت من الطبعات وكان نجاح الرواية المذهل مرتبطا بلحظة صدورها، قبل أن ينفجر الخطاب السياسي المقموع للجمهور القارئ في جرائد المعارضة ولم يكن غريبا أن تكون أغلب المقالات المكتوبة عنها ذات
طابع سياسي، أو بأقلام سياسيين ولم يشغل كثيرون أنفسهم بالسؤال عن القيمة الإبداعية لعمل نجح في إنطاق المقموع من الخطاب المجتمعي، وقام بمهمة ناجحة في التنفيث الصعب في ذلك الوقت ولذلك كان من المنطقي أن يسيل لعاب المترجمين الأجانب الذين تسارعوا إلي ترجمتها إلي لغات المركز الأوربي الأمريكي، ووصلت أرقام توزيعها إلي أرقام غير مسبوقة وهرعت دار نشر «بنجوين» الشهيرة إلي ترجمة »بنات الرياض« لرجاء الصانع، ولا تأبه برفض روجر آلان القيام بالترجمة إلي الإنجليزية فتلجأ إلي مارلين بوث، سعيا وراء ربح مؤكد، ولعاب جماهيري يسيل، فلم يسبق أن كتبت شابة سعودية طبيبة أسنان بهذه الجرأة، وكشفت عن العالم السري المقموع والغريب لبنات الرياض، وعن مدي غير مسبوق من التخلف وهو عمل تجاري بحت، والترجمة مربحة إلي حد غير عادي، كما في حالة تسليمة نسرين التي أصبحت دون استحقاق أدبي لا تقل شهرة عن طارق علي وحنيف قريشي وأرونداتي روي، وأكثر شهرة من أهداف سويف التي تباعدت عنها، عمدا، أضواء عالمية الاستشراق الجديد لدفاعها عن الفلسطينين وتعرية ما يحدث لهم من قوات الاحتلال الإسرائيلي وليس مصادفة، والأمر كذلك، ما أُعلن عن استعداد تسليمة نسرين، هذه الأيام، لتسلم جائزة سيمون دي بوفوار الفرنسية التي سيسلمها إياها، وفق ما ذكر في شبكات الإعلام، الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وسوف يكون ذلك امتدادا للسياق الذي أدّي إلي منح الملكة البريطانية إليزابيث لقب فارس للكاتب الهندي الأصل سلمان رشدي صاحب رواية« آيات شيطانية» وهي رواية أقل قيمة من روايتيه السابقتين أطفال منتصف الليل و»العار« اللتين ترجمتهما وزارة الثقافة السورية، قبل ضجة «آيات شيطانية» التي جعلتها فتوي الخوميني بإباحة دم صاحبها من أشهر روايات العالم وهي فتوي كانت تبريرا لتحرك أجهزة الإعلام المؤدلجة عالميا، كي ترفع من قيمة «آيات شيطانية» بما وضعها في مصاف روايات أعلي منها شأنا فنيا، وأرفع قيمة إبداعية ولكن من الذي قال إن القيمة الإبداعية هي العامل الحاسم في مثل هذه الأحوال؟ فالأهم هو استغلال هذه الروايات، وردود الفعل الحمقاء عليها، في سبيل التحقير من شأن المسلمين ودينهم الذي أساء إليه سفاؤهم بالدرجة الأولي .
وأمثال روايات تسليمه نسرين أو رجاء الصانع أو أحلام مستغانمي سلعة تسيل لعاب شرائح قرائية عريضة مؤدلجة في الغرب، تجذب المتحكمين في السوق التي تُغذيها رغبة تحقيق أقصي قدر من الأرباح أولا، وتأكيد أن العوالم التي تشير إليها هذه الروايات من الأفضل أن تبقي تحت رعاية دول العولمة الحاكمة إلي أن تبرأ من أمراض الفساد والاستبداد والشذوذ والتقاليد الجامدة التي تعوق اللائذين بشجرة الزيتون العتيقة من أن يلحقوا بما أسماه توماس فريدمان داعية العولمة الشهير القطيع الإلكتروني للعولمة التي هي المستقبل الواعد، في كتابه ذائع الصيت »السيارة لكزس وشجرة الزيتون« ويبدو أن النجاح المذهل لعمارة يعقوبيان قد أغري صاحبها بكتابة «شيكاغو» التي جاءت أقل جودة وأقرب إلي الرداءة فنيا، ربما بسبب قصدية إسالة لعاب القارئ الغربي وإرضاء فضوله، فتضاءلت درجة الصدق فيها، وإن تعالي صوت ترحيب المعارضة السياسية لها، فكان من الضروري أن تذيعها وتتبني الترويج لها أجهزة أعلام عالمية، يسيطر عليها الإعلام اليهودي الذي جعل من كاتبها نجما عالميا ومعولما في آن .
وربما كان اتكاء علاء الأسواني علي نفسه، في شيكاغو، هو سبب مضاف إلي ما ذكرت، فعمارة يعقوبيان
تسير علي خطي نجيب محفوظ، وتتكئ علي رواياته، خصوصا تلك التي تعتمد علي فضاء مكاني محدود، تدور فيه أحداث يسهم فيها أبطال ينتسبون إلي شرائح أو طبقات اجتماعية متخالفة أو متصارعة، كما حدث في ميرامار و ثرثرة فوق النيل ومضت عمارة يعقوبيان في الطريق نفسه، محافظة علي منحي الواقعية النقدية التقليدية، ولكن بعد أن قلبت الفضاء الأفقي للبنسيون ميرامار أو العوامة ثرثرة فوق النيل إلي فضاء رأسي يتمثل في عمارة يعقوبيان ولم يتوقف الأمر علي ذلك، فقد أضافت يعقوبيان توابل الشذوذ والقمع الجنسي، ناهيك عن الفساد السياسي والخراب الاقتصادي والاتجار باسم الدين أو تحويله إلي ساتر يخفي عورات الاستغلال الذي ينخر في كل شيء، ويطول أكبر رؤوس الوطن المحيط بعالم العمارة، وبقدر ما انفجرت عمارة يعقوبيان كالقنبلة، وقت صدورها كان لأثرها ما يشبه التفريغ لبخار الغضب المكتوم في نفوس القراء والمشاهدين، خصوصا بعد تحويل الرواية إلي مسلسل وفيلم ولكن لم يكن الانفجار علي الدرجة نفسها في حالة «شيكاغو» التي اختلفت جماهيريتها، فقد اتكأ صاحبها علي تجربته الروائية الخاصة درس دبلوم طب الأسنان في جامعة شيكاغو دون عون من أحد إلا الرغبة في تكرار التوليفة الفضائحية التي أنجحت عمارة يعقوبيان ودفعت بها إلي الترجمة والأسواق الرائجة التي تدعمها عولمة الاستشراق الجديد، معتمدا ربما علي أن نجاح عمارة يعقوبيان سوف يدعم شيكاغو ويسمح بنشر مجموعته الأولي نيران صديقة التي قيل إن محمد البساطي رفض السماح بنشرها، فأعيد نشرها معززة مكرمة، رغم النقد القاسي الذي وجهه الناقد فاروق عبد القادر للمجموعة، لكن صوته الصادق ضاع في الضجيج الإعلامي .

ومن المؤكد أن رواية يعقوبيان لو أعيد نشرها اليوم، ما أحدثت التأثير الذي أحدثته عند صدورها الأول، فقد قامت المعارضة بالتنفيث عن السخط المكتوم الذي لا يزال يخرج علي صفحات جرائد المعارضة وأدوات إعلامها في مصر ولا بأس في أن تصبح رجاء الصانع، بعد تسليمة نسرين، في هذا السياق، نجمة تنافس نجمات السينما، وأن يصل توزيع رواية »برهان العسل« لسلوي النعيمي إلي أرقام غير عادية، وأن تكون قيد الترجمة لإطلاقها في سوق العولمة الثقافية ولا غرابة أن تفتح دور النشر العالمية ذراعيها لعلاء الأسواني، فاتحة أمامه نعيم الشهرة التي لم يحلم بها نجيب محفوظ صاحب «أولاد حارتنا» التي وردت في حيثيات منحه جائزة »نوبل« ولا بن أوكري النيجيري الذي كتب عن »طريق الجوع« ولا أرونداتي روي صاحبة »رب الأشياء الصغيرة«، اللذين حصلا بروايتيهما علي جائزة البوكر البريطانية ولا عجب من ترجمة ما كتب نجمنا المصري المعولم إلي ثمان وعشرين لغة في مائة من دول العالم، فهذا من رضاء العولمة ونزعة عالمية الاستشراق الجديد التي نعيش زمنها ونواجه تحدياته في آن، وأولها السؤال هل يصنع ضجيج إعلام معولم قيمة كاتب أصيل مثل نجيب محفوظ وبن أوكري وشينوا أتشيبي وأورهان باموق وبهاء طاهر وإبراهيم أصلان؟ والقائمة تطول في مدي السؤال الذي يقود إلي السؤال الخاص بأسباب عدم الاحتفاء بالقيمة الأصيلة في حياتنا المضطربة علي امتداد العالم الثالث، خصوصا العالم العربي المقموع والمستَغَلّ من العالم الأول .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.