الإصلاح والنهضة يهاجم الحركة المدنية: تسير خلف "تريندات مأجورة"    أفراح واستقبالات عيد القيامة بإيبارشية الوادي الجديد والواحات .. صور    انفوجراف.. توقعات بنمو الطلب العالمي على الصلب    نقيب الفلاحين يحذر: سعر الثوم يصل ل 150 جنيها في تلك الحالة    إزالة 164 إعلاناً مخالفاً خلال حملة مكبرة في كفر الشيخ    جيش الاحتلال الإسرائيلي: تنفيذ 50 غارة جوية على رفح    سنؤذيك.. أمريكا تهدد المدعي العام للجنائية الدولية    غارة إسرائيلية تدمر منزلا في عيتا الشعب جنوب لبنان    قرار مفاجئ.. فرج عامر يعلق على لقطة طرد حسام حسن بمباراة الزمالك    بيزود الشك.. نجم الزمالك السابق يفتح النار على حكم مباراة سموحة    احتفالاً ب شم النسيم.. إقبال كبير على حديقة صنعاء في كفر الشيخ|صور    أثناء زفة عروسين .. إصابة 5 أشخاص بينهم 3 أشقاء فى حادث تصادم بقنا    فيفو تكشف موعد إطلاق هاتفها المميز Vivo X100 Ultra    تصريح خاص ل "صدى البلد" .. بلال صبري يعلن أسباب توقف فيلم نور الريس    بإطلالة شبابية.. ليلى علوي تبهر متابعيها في أحدث ظهور    محمد عدوية يشعل حفل أعياد الربيع في المنوفية    صالة التحرير ترصد معاناة سيدة من مرض سرطان العظام والصحة تستجيب    ضحايا احتفالات شم النسيم.. مصرع طفل غرقًا في ترعة الإسماعيلية    موعد إجازة عيد الأضحى 1445 للطلاب والبنوك والقطاعين الحكومي والخاص بالسعودية    ثقافة الإسماعيلية تحتفل بأعياد الربيع على أنغام السمسمية    بعد فوز ليفربول على توتنهام بفضل «صلاح».. جماهير «الريدز» تتغنى بالفرعون المصري    زيادة في أسعار كتاكيت البيّاض 300% خلال أبريل الماضي وتوقعات بارتفاع سعر المنتج النهائي    صانع الدساتير يرحل بعد مسيرة حافلة، وفاة الفقيه الدستوري إبراهيم درويش    مائدة إفطار البابا تواضروس    طلاب جامعة دمياط يتفقدون الأنشطة البحثية بمركز التنمية المستدامة بمطروح    خاص| مستقبل وطن: ندين أي مواقف من شأنها تصعيد الموقف ضد الشعب الفلسطيني    قبل عرضه في مهرجان كان.. الكشف عن البوستر الرسمي لفيلم "شرق 12"    في 6 خطوات.. اعرف كيفية قضاء الصلوات الفائتة    غداً.. «التغيرات المناخية» بإعلام القاهرة    صحة الإسماعيلية.. توعية المواطنين بتمارين يومية لمواجهة قصور القلب    رفع الرايات الحمراء.. إنقاذ 10 حالات من الغرق بشاطئ بورسعيد    عضو ب«الشيوخ» يحذر من اجتياح رفح الفلسطينية: مصر جاهزة لكل السيناريوهات    الأهلي يُعلن تفاصيل إصابة عمرو السولية    لسهرة شم النسيم 2024.. طريقة عمل كيكة البرتقال في المنزل    أمينة الفتوى تكشف سببا خطيراً من أسباب الابتزاز الجنسي    لقاء علمي كبير بمسجد السلطان أحمد شاه بماليزيا احتفاءً برئيس جامعة الأزهر    المصريون يحتفلون بأعياد الربيع.. وحدائق الري بالقناطر الخيرية والمركز الثقافي الأفريقي بأسوان والنصب التذكاري بالسد العالي يستعدون لاستقبال الزوار    عقوبة التدخل في حياة الآخرين وعدم احترام خصوصيتهم    الصحة تعلن إجراء 4095 عملية رمد متنوعة مجانا ضمن مبادرة إنهاء قوائم الانتظار    نانسي عجرم توجه رسالة إلى محمد عبده بعد إصابته بالسرطان.. ماذا قالت ؟    في العام الحالي.. نظام أسئلة الثانوية العامة المقالية.. «التعليم» توضح    التعليم العالي: تحديث النظام الإلكتروني لترقية أعضاء هيئة التدريس    إصابه زوج وزوجته بطعنات وكدمات خلال مشاجرتهما أمام بنك في أسيوط    في خطوتين فقط.. حضري سلطة بطارخ الرنجة (المقادير وطريقة التجهيز)    المستشار حامد شعبان سليم يكتب :الرسالة رقم [16]بنى 000 إن كنت تريدها فاطلبها 00!    مفوضية الاتحاد الأوروبي تقدم شهادة بتعافي حكم القانون في بولندا    مصر تحقق الميدالية الذهبية فى بطولة الجائزة الكبرى للسيف بكوريا    متى يُغلق باب تلقي طلبات التصالح في مخالفات البناء؟ القانون يجيب    "كبير عائلة ياسين مع السلامة".. رانيا محمود ياسين تنعى شقيق والدها    لماذا يتناول المصريون السمك المملح والبصل في شم النسيم؟.. أسباب أحدها عقائدي    ضبط 156 كيلو لحوم وأسماك غير صالحة للاستهلاك الآدمي بالمنيا    التعليم تختتم بطولة الجمهورية للمدارس للألعاب الجماعية    إزالة 9 حالات تعد على الأراضي الزراعية بمركز سمسطا في بني سويف    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 6-5-2024    استشهاد طفلان وسيدتان جراء قصف إسرائيلي استهدف منزلًا في حي الجنينة شرق رفح    خالد الغندور: علي معلول ليس نجما في تونس.. وصنع تاريخا مع الأهلي    عاجل - انفجار ضخم يهز مخيم نور شمس شمال الضفة الغربية.. ماذا يحدث في فلسطين الآن؟    ميدو يوجه رسالة إلى إدارة الزمالك قبل مواجهة نهضة بركان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاتجاه شرقا
تگنولوجيا الإبداع الأدبي الياباني

أضواء علي الأدب الياباني الحديث و المعاصر في ال 150 عاما الأخيرة
لماذا لا نعمق الاتجاه الي الشرق في المعرفة؟ لماذا نطلب اللجوء الي الغرب دائما ؟
أين الثقافة الشرقية؟ ما الذي نعرفه عن الإبداع الأدبي والفني في الهند واليابان والصين وشرق آسيا؟
لقد نجح المبدعون الشرقيون في الفوز بالجوائز العالمية وأهمها جائزة نوبل.. كان آخر من حصل عليها في الأدب الكاتب الصيني مويان، وقبله نجيب محفوظ ، وقبلهما سلسلة من الأدباء والعلماء والساسة.. أين معرفتنا نحن أبناء الشرق بوجداننا وآدابنا وفنوننا وثقافاتنا؟
طرحنا في الآونة الأخيرة صفحات واسعة بمناسبة حصول مويان علي نوبل، منذ إعلان فوزه، حتي كلمته في الأكاديمية السويدية، مرورا بنصوص من إبداعاته وتداعيات فوزه.
ونفرد اليوم هذه الصفحات للأدب الياباني سردا وشعرا ومعرفة، من خلال قلم الدكتور عصام حمزة أستاذ الدراسات اليابانية بكلية الآداب جامعة القاهرة وهو هنا يختص (أخبار الأدب) بالترجمة المباشرة من اللغة اليابانية الي اللغة العربية، بعد أن عكف في الأسابيع الأخيرة علي انجاز هذا الملف.اخبار الادب
د. عصام رياض حمزة - أستاذ الدراسات اليابانية - جامعة القاهرة
تحاول السطور التالية إلقاء الضوء علي صفحات من الأدب الياباني عبر فترة زمنية تمتد لما يقرب من خمسة وسبعين عاما، منذ أن بدأت اليابان الانفتاح علي العالم بعد فترة عرفت ز بعصر العزلة ز استمرت لما يزيد عن قرنين من الزمان أغلقت فيهما الحكومة العسكرية اليابانية آنذاك ،كل قنوات التلقي والتواصل مع الدول الغربية والاستعمارية منها بصفة خاصة، التي كانت تقترب من منطقة الشرق الآسيوي وتهدد أقاليمها بالغزو العسكري والاحتلال ،بعد أن سبقت ذلك بإقامة علاقات تجارية مصحوبة بأنشطة ثقافية، اتخذت ثوبا تبشيريا في بعض الأحيان ؛ واستطاعت بالفعل في سنوات لاحقة أن تجعل من تلك الأقاليم مستعمرات لها أخذت تستنزفها لقرون تالية، وحتي لاتقع بلادهم فريسة سهلة في براثن الاستعمار الغربي، اختار اليابانيون أن يبقوا في عزلة اختيارية ، تتيح لحكامهم معرفة بعض مما كان يجري في العالم من خلال بعض الأخبار والمعلومات التي كانت تأتيهم بها بعض سفن الصين وهولندا ،وهما الدولتان التان سمحت حكومة ز توكوجاواس العسكرية (1603-1867) لسفنهما بالوصول إلي جزيرة زديجيماس في أقصي الجنوب، وتبادل البضائع تحت رقابة صارمة من عمال الحكومة، الذين كانوا يكتبون تقارير عن كل ما جاءت به تلك السفن من أخبار، وعندما اكتشف اليابانيون في النصف الثاني من القرن التاسع عشر مدي الفارق الحضاري والتقني الذي صار بينهم وبين الدول الغربية الكبري، قرروا الانفتاح علي العالم والاتصال مع الدول الغربية المتقدمة، والعمل علي اللحاق بها بل والتفوق عليها، وذلك أيضا حتي لا تقع بلادهم فريسة للدول الاستعمارية، وفي عام 1868 بدأ اليابانيون في إقامة دولتهم الحديثة التي عرفت بدولة ز ميجيس والتي معها بدأ العصر الحديث في اليابان، وكما اجتهد اليابانيون في دراسة النظم السياسية والاقتصادية في الدول الغربية المتقدمة ، كان عليهم معرفة المكونات الفكرية والثقافية للإنسان الذي حقق ذلك التقدم والنهضة لتلك الدول فكان للترجمة في مختلف المجالات باع كبير في تقديم الانجازات الغربية في كل المجالات للمجتمع الياباني ووضع يده علي أسرار تقدمها ، فبدأ اليابانيون من حيث انتهي الآخرون .
الرواية الحديثة
لم يكن الأدب استثناء من ذلك كله ؛فقدأخذ اليابانيون في ترجمة العديد من النصوص الأدبية عن اللغتين الانجليزية والفرنسية، التي شجعت الحكومة الجديدة علي تعلمهما وأرسلت بعضهم في بعثات لدراستها والترجمة عنهما، وقد اجتذبت القصص المترجمة اهتمام الجيل الجديد من الشباب الذين لم تعد تجذبهم تلك الموضوعات الشعبية القديمة التي أبلتها القصص التقليدية، وشاعت في العقد الثاني لعصر ميجي ترجمات اثمانون يوما حول العالمب واألف ليلة وليلة ب واروبنسون كروزوب وغيرها حيث أيقظت لدي الجيل الجديد الرغبة في امتلاك الحلم ، وأوحت إليه بأنماط جديدة لفن القصة والرواية .كما ازدهرت أيضا في نفس الفترة ترجمات لبعض الروايات السياسية التي تتحدث عن كفاح الشعوب الطامحة لتحقيق مجتمعاتها المثالية، بل إن بعض الذين عملوا بالسياسة من ذوي المواهب الأدبية قد استلهموا من التاريخ السياسي والاجتماعي لشعوب أخري ومن سير أبطال قوميين ضحوا من أجل تحقيق أحلام شعوبهم نماذج ملهمة لروايات رأي فيها الشباب الياباني آنذاك ما يلهب حماسه وهويبني دولته الحديثة، من هذه الروايات اقصص مثيرة في حكم الدولب للسياسي والكاتب (يانو ريوكيه1850-1919) ، وللكاتب والسياسي أيضا (توكاي سانشي 1852-1922) رواية بعنوان القاء الأخيارب يتخيل فيها أن بعضا من قادة الثورات وحركات التحرر من دول مختلفة في قارات مختلفة أيضا قد التقوا مصادفة وأخذ كل منهم يحكي تجربته ويناقش مع الآخرين ماقاموا به، وللكاتب نفسه بحث تاريخي موسع ضمه كتاب بعنوان اتاريخ مصر الحديثب إلا أن هذا النوع من الروايات مالبث أن تراجع حين نجح اليابانيون في وضع أول دستور حديث للبلاد ، وانتخاب أعضاء البرلمان في عام 1890
المذهب الواقعي
كان لظهور ما عرف مجازا زبالرواية السياسية ز أثر محمود في جذب انتباه المثقفين اليابانيين والمعنيين منهم بفنون الأدب إلي إعادة النظر في ز فن الرواية ز ش ورفض ذلك زالتوجه ز النفعي الذي كانت تنحاه القصص اليابانية في عصورها الوسطي حيث كانت تكتب فقط لتلقي مواعظ تحث علي عمل الخير ، ومحاربة الشر . ففي عام 1885م ظهر كتاب اماهية الرواية ب للكاتب ( تسوبوأوتشي شويو 1859-1935)، والذي نادي فيه بضرورة الواقعية في التصوير الأدبي للأحداث الروائية والتحليل النفسي للشخصيات، موضحا مايجب أن تكون عليه الرواية اليابانية الحديثة؛ وبدأ بتطبيق ذلك في بعض أعمال روائية، لكنها لم تلق القبول المناسب، فالمذهب الواقعي لم يكن مستساغا ككل شئ جديد في بدايته، إلا أن آراء (تسوبوأوتشي) وجدت لدي بعض من اطلع علي الآداب الأجنبية قبولا وصدي ، كان من بينهم (فوتاباتيه شيميه1864-1909) الذيكان محبا للأدب الروسي، ومتأثرا بآراء نقاده مثل بلنسكي (1811-1848) الذي عرف باهتمامه بالفكر الاجتماعي في الأدب ، فأصدر في العام التالي 1896م كتابه االنظرية الكاملة للروايةب دعا فيه للرواية الواقعية وقال :إن الرواية الحقيقية هي التي تستعير الواقع ثم تصوره راصدة لمشاعر أبطالها، وأصدر روايته الأولي االسحاب الطافيب في الفترة من 1897 إلي1899 والتي يعتبرها مؤرخو الأدب المعاصرون الرواية الأولي في الأدب الياباني الحديث علي الرغم مما رأوه فيها من عدم تكامل منطقي للأحداث، وافتقارها إلي الحبكة الدرامية ، لكنهم يقدرون للكاتب نجاحه في تصويره الصراع النفسي لبطل الرواية ،إلا أن الرواية لم تحظ بالفهم والقبول الكافيين لدي القراء حين صدورها، مما جعل (فوتاباتيه) يشك في قدراته الأدبية، ورأي أن ينسحب من عالم الرواية ويكتفي بأن يكون مترجما للأدب الروسي، فترجم بعضا من أعمال (تسرجينيف 1818-1883) لكن الدعوة إلي المذهب الواقعي، ساهمت في إحياء نزعة قومية مضادة رأت فيه انحيازا إلي الفكر الغربي، مما دفع البعض للبحث في التراث الأدبي الياباني محاولا أن يجد فيه ما هو واقعي، كان من بين هؤلاء ( أوزاكي كويو1867-1903) الذي أعاد النظر في الأدب الياباني في عصوره الوسطي، وانتقي من بين أدبائها ابن القرن السابع عشر ( إيهارا سايكاكو1642 -1693) الذي وجد أن أعماله لم تخل مما يمكن أن يطلق عليه زالواقعية الأدبيةس فقد خرج عما درج عليه كتاب عصره إذ اختار نماذج أعماله من واقع مجتمعه وصورها بأسلوب أدبي مميز، جعل أوزاكي ينحاز إليه ويتعلم من واقعيته التراثية مثلما تعلم من (تسوبوأوتشي) و(فوتاباتيه) وتأثر بآرائهما في الرواية، وكانت قصتهس شيطان الذهبس في 1897والتي نشرت مسلسلة لمدة خمس سنوات، تتناول إحدي صور المجتمع الياباني بعد الحرب اليابانية الكورية(1894-1895)إلا أن العمر لم يتح للمؤلف أن يكملها ، حيث غادر الدنيا ولم يعرف القراء نهاية الرواية ، التي نالت شهرة كبيرة ، وذاع صيت (أوزاكي) ولم يدر أنه صار بذلك علما أدبيا في نهاية القرن التاسع عشر.يشارك (أوزاكي) الشهرة عند الإشارة لأعلام الأدب الياباني في فترة نهاية القرن التاسع عشر كاتب آخر اتخذ المذهب الواقعي في الكتابة التي اختار لها مناخا تراثيا ؛ إنه (كودا روهان) (1867-1947) من أشهر أعماله زبرج المعبد ذو الخمس طوابقس1892ويلاحظ أن أعمال (كودا) كانت تجري فيها روح الساموراي التي يظهر اعتزاز اليابانيين بها عند كل لقاء لهم بمظاهرالحضارة الغربية ، كما نري في مجمل انتاجه الأدبي أثر التعاليم الكنفوشية التي تحض علي النظام والتحلي بالأخلاق والسعي الدؤب لإتقان العمل بل والتميز في كل مايقوم به الفرد.كذلك أبت (هيجوتشي إيتشيو(1872-1896) رغم حياتها القصيرة إلا أن تترك علامة مميزة في تاريخ الأدب الياباني الحديث، فكتبت روايات تتناول مشكلات المرأة في مجتمع مضطرب لم تستقر فيه قيمه ومعاييره، مجتمع في حالة انتقال من مكوناته الإقطاعية إلي ما يراد له الدخول إليه من أطر الحداثة منها اصور غائمةب و االليلة الثالثة عشرةب نشرتهما عام 1895 ونالت قصتهالأخريس امقارنة أعواد الخيزران» جائزة النقاد .
الرومانسيون
تزامن ظهور المذهب الرومانسي مع المذهب الواقعي في ثمانينيات القرن التاسع عشر، كما لم يقع أصحابه أيضا في أسر تقاليد العصر الإقطاعي السابق ،وانما انتهجوا نهجا يقترب من النزعة الرومانسية الأوربية التي اكتملت رؤاها في النصف الأول من القرن نفسه، فاهتموا بالفردية المطلقة، والتصوير الصادق للنفس الإنسانية .من رواد هذا المذهب ، (موري أوجاي1862 --1922) في مرحلته الأدبية الأولي، بعد الحرب اليابانية الكورية(1894-1895) والتطور الرأسمالي السريع والمفاجئ في المجتمع الياباني ومانتج عنه من حالات الاضطراب وعدم الاستقرار، ظهرت روايات ذات مضمون أعمق مما قدمته الواقعية ، تتناول الجوانب المتوارية في المجتمع ، مثل أعمال (إيزومي كيوكا 1873-1939)س دورية ليلس وسغرفة الجراحة ز وسقديس المرتفعاتس كما يعد( توكتومي لوقا1868-1926)أيضا من أشهر كتاب الرومانسية اليابانية ، حيث وجه أعماله لإبراز أثر القيود التي وضعها النظام القديم علي الأسرة والعلاقات بين أفرادها ومن أعماله :س الطبيعة والحياةس و ز كتاب الذكرياتس الذي روي فيه سيرته الذاتية وذاع صيته بين القراء وخاصة بين الشباب ، كذلك تميز (كونيكيدا دوبو1871-1908) بأسلوبه الشعري المرهف في رواياته اسهول موساشيب واالعم جينب واأناس لا ننساهمب لكنه في سنواته الأخيرة صار يميل أكثر إلي المذهب الطبيعي .
المذهب الطبيعي
تأثر الطبيعيون اليابانيون سريعا بالمذهب الطبيعي الأوروبي الذي اعتمد علي ما اتخذته العلوم الطبيعية من منهج وما توصلت إليه من نتائج في مبحثه عن الإنسان وقضاياه ، وكذلك المنهج العلمي للعلوم الاجتماعية الذي أفاد منه الطبيعيون الأوروبيون في تناولهم لقضايا مجتمعاتهم، وعلي الرغم من أن المترجمين اليابانيين قد أسرعوا في نقل أعمال أصحاب المذهب الطبيعي في أوروبا إلي اللغة اليابانية ، إلا أن الطبيعيين اليابانيين لم تكن لهم رؤيتهم المجتمعية الخاصة رغم تأثر بعضهم بأعمال الفرنسي( إميل زولا) مثل (كوسوجي تينجاي1865-1952) الذي أصدر روايته ز الأغنية الشائعةس1901م، وكان يؤمن كغيره من أصحاب المذهب الطبيعي الياباني في مراحله الأولي أن ز الطبيعة هي الطبيعة ، ليست خيرا وليست شرا، والرواية يجب أن تسرد كما هي في طبيعتها، ولا علاقة لها بوجهة نظر المؤلفس أما (شيمازاكي طوسون1872 -1943) ، فقد بدأ حياته الأدبية شاعرا رومانسيا ،لكنه تحول إلي فن الرواية متأثرا بالمذهب الطبيعي، عندما أصدر روايته الشهيرة اتحطيمب 1906م والتي تعد العمل المميز لهذا المذهب .
ما لبث أن لجأ اصحاب المذهب الطبيعي إلي التجارب الذاتية لهم أو لمن يعرفون ، وجعلوها مادة لقصصهم ، ولعل روايته الطويلةس قبل الفجرس التي أكملها عام 1935م بعد قرابة سبع سنوات منذ أن أخذ في نشرها مسلسة علي صفحات إحدي المجلات الأدبية المعروفة نموذجا لذلك الاتجاه، فقد جعل من السيرة الذاتية لوالده موضوعا لها، واستمد أحداثها مما مر بأبيه من تجارب عاشها في تلك الحقبة المرتبكة في العقدين الأولين من عصر ميجي .وعلي نهج (شيمازاكي) أصدر (تاياما كاتاي - 1871-1930) روايته االفراش»، التي تتناول ما يوحي بأنه سيرة ذاتية، إلا أن الرواية أثارت ردود فعل قوية في المجتمع الياباني . لكنه استمر علي مذهبه ونهجه في رواية أخري له باسم زمدرس في الأريافس كان النقاد المؤيدون للمذهب الطبيعي في الأدب يرون فيه حركة تنويرية لاغني عنها لتطور الحركة الفنية في المجتمع ، وظهرت مقالات نقدية كثيرة أشادت بأعمال رواده والمنتمين له . لكن علي الجانب الآخركانت هناك رؤي أخري تختلف في تقييم المذهب الطبيعي .
النزعة الجمالية
في نهاية العقد الأول من القرن العشرين ، ظهرت مجموعة جديدة من الكتاب تري أن أصحاب المذهب الطبيعي لايرون غير الجانب المظلم من الحياة ولا يقع نظرهم إلا علي النماذج السلبية ، ولا يعلون في أعمالهم من القيمة الفردية للإنسان، لكن بعض النقاد رأي أن تأثير المذهب الطبيعي يكمن في عمق الأعمال الأدبية لهؤلاء الجماليين، ولعل أشهر كتابهم كان (ناجاي كافو 1879-1959) الذي قضي الخمسة أعوام الأولي من القرن العشرين مرتحلا بين أمريكا وفرنسا ، وتأثر حتي التشبع بالحضارة الغربية، وصار في موقف الرافض والمستنكر للمجتمع الياباني وثقافته في عصر ميجي؛ ظهر ذلك في روايته ز قصة أمريكاس التي مزج فيها مارآه في رحلاته في أمريكا ببعض القصص القصيرة بأسلوب رومانسي ممتع عبر فيها عن عدم رضاه بما ينتهجه المجتمع الياباني تحت اسم الحداثة ، وأتبعها برواية أخري بنفس النسق هي ز قصة فرنساس ؛ ولم يجد أمامه ما يؤكد عدم رضاه عن واقع المجتمع إلا أن يتوجه باهتمامه إلي عصر (توكوجاوا) عصر ما قبل التحديث وثقافة ذلك العصر فيكتب روايته ز نهر سوميداس متخذا من العادات ، ونسق الحياة في زإيدوس وهو الاسم القديم للعاصمة مادة لروايته.وقد وصف النقاد (ناجاي) وأصحاب مذهبه بالمترفين المرفهين الذين يمتلكون رفاهية الوقت، ولا يشغلهم في الحياة سوي طلب الاستمتاع بها ؛ ولعل هذا الوصف ينطبق كثيرا علي (تانيزاكي جونئتشيرو 1886-1965)الذي لم تكن لديه علي الأقل تلك الرؤية النقدية للحضارة مثل (ناجاي) ، وإنما اتجه بأدبه نحو المرأة لا يري منها في رواياته غير الأنثي ومفاتنها ، فيفرط في تصوير السعي وراء الرغبات الجسدية ، وعرفت رواياته بأنها تبرع في تصوير العلاقة بين الرجل والمرأة بطرق غير معتادة ، تتجاوز كل خطوط حمراء عرفها المجتمع وحرص عليها في الظاهر تحت إطر الأخلاق والتقاليد، حتي عرف أدبه بالأدب زشيطاني النزعةس ورأي فيه ناقدوه أنه يخلو من الثراء الجمالي ، وأن (تانيزاكي) نفسه قد لايكون لديه فكر يوجه كتاباته . لكن كان هناك من رأوا فيه رغم ذلك قدرته الغنيه علي الخيال وجملا وصفية براقة جاذبة للقارئ ؛ كانت ز الوشمس و ز الشيطانس وس غرام البلهاءس من رواياته الأولي التي كتبها ونال بها شهرته السابقة ، قبل أن ينتقل ليعيش في غرب اليابان، حيث المدن القديمة زناراس وس أوساكاس وسكيوتوس العاصمة القديمة لليابان ، المهد القديم للثقافة اليابانية لما يقرب من عشرة قرون، و التي تحمل العبق القوي لكل كلاسيكيات الشعب الياباني قبل أن تنتقل الأضواء إلي العاصمة الجديدة زطوكيوسوما حولها . تأثر أدب (تانيزاكي) بحياته الجديدة، وانتزعت منه ذلك الميل للحداثة الغربية وغلبت عليه النزعة الكلاسيكية التي صورت اهتمامه الجم بكل ما هو ياباني خالص، وهكذا لم يجد الجماليون في نهاية مطافهم ما هو أجمل مما حولهم من تراث جمالي أدبي يعودون إليه في نهاية رحلتهم في فن الرواية .
مع بداية العقد الثاني من القرن العشرين ، أصدرت مجموعة من الشباب الذين ينتمون إلي طبقة النبلاء - والتي كانت علي قمة المجتمع الياباني حتي الحرب العالمية الثانية - ، مجلة أدبية أسموها ز شيراكاباس أو ( السنديانة البيضاء ) اتخذت اتجاها يرفض ما يقوم به الطبيعيون من تناول للجوانب المظلمة في المجتمع ، وتصوير الجوانب الرديئة والرغبات المتدنية في النفس البشرية، فجاءت أعمالهم داعية لاحترام الذات لما فيها من الجوانب الإنسانية، مما دفع النقاد ليطلقوا علي هذا الاتجاه ز المثالية الجديدةس. من رواد هذه الجماعة ومؤسسيها (موشانوكوجي سانياتسو)(1885-1976).
الواقعية الجديدة
(جماعة الفكر الجديد) هي التي تبني أصحابها مذهب الواقعية الجديدة ، الذي يتأمل الحياة بنظرة هادئة متأنية ويصورها بعد أن يضيف إليها تفسيره الخاص ذا الصبغة الفلسفية والمعرفية العاقلة ولعل من أبرز كتاب هذه الجماعة أكوتاجاوا ريونوسكيه (1892-1972) واحد ممن تتلمذوا علي (ناتسوميه)، وحظي بتشجيع كبير منه عندما نشر قصته الأولي زأنفس وكان يتخذ من التراث الأدبي القديم مادة لقصصه مثل زراشومونسوسعذاب الجحيمس كما استمد موضوعات بعضها من أحداث العصور الوسطي، وكذلك الفترة الأولي من عصر ميجي،و أفاد أيضا من الحكايات الهندية والصينية القديمة مثلس خيط العنكبوتس وس توشي شونسكان يكتب كل قصصه تلك بتفسيره ورؤيته الخاصة لها كأديب في القرن العشرين يعيش في مجتمع حديث يسقط موضوعاته علي قضاياه ، مثل قصة ز كاباس وس حياة عبيط ز كما أنه كان معتزا باسلوبه وفلسفته الخاصة في اختياره لمادته وطريقته في معالجتها ، لكنه ظل حبيس القصة القصيرة فشعر أنه قد أتي بكل مالديه ولن يستطيع الخروج من الشرنقة التي وضع نفسه فيها ، فاختار الانتحار بدواء منوم، وترك موته المفاجئ أثرا سيئا علي رفاقه وأدباء عصره .
أدب البروليتاريا
بدأ يتخذ صورة واضحة في السنوات الأولي من عشرينات القرن الماضي، واستطاع أن يسهم في تكوين قوة كبيرة في الساحة الأدبية ، فقد كان ظهوره مصاحبا لحركة ( البروليتاريا) الداعية لإعطاء الشرائح الدنيا من المجتمع حقوقها الإنسانية في العدالة والحرية ، والمطالبة بحقوق الطبقة العاملة ، إلا أنه تعرض لاضطهاد شديد من السلطات والمناهضين في فترة رأت فيها الطبقات المستفيدة من الحروب التي كانت قد بدأتها اليابان في القارة الآسيوية - والتي بدأت بما يعرف بحادث منشوريا عام 1931م - في هذا النوع من الأدب ما يعرقل مسار مصالحها ، فلم يكن أمام أدباء البروليتاريا إلا الاختفاء ، و إنهاء نشاطهم الأدبي عام 1934م ، وحل كل ما كونوه من جمعيات أدبية، ومن أشهر روايات أدباء البروليتاريا ، ما كتبه ( هاياما يوشيكي 1894-1945) بعنوان ز أناس يعيشون في البحرس عن تجربته الخاصة في تكوين نقابة لعمال سفن الفحم في أحد موانئ جزيرة هوكايدو في شمال اليابان أثناء الحرب العالمية الأولي وكفاح هؤلاء العمال ضد الطبقية علي سفينة الفحم وس مدينة بلا شمسس للكاتب (توكوناجا سوناؤ 1899-1958) عن الإضراب العام الذي قام به اتحاد عمال المطابع والذي شارك فيه الكاتب كعضو نقابي، وصوره بداية ذلك الإضراب ومراحل تطوره حتي اكتماله في إطار قصصي .
نصوص من الشعر الياباني الحديث
في الحب .. الطبيعة.. الگون.. الإنسان
شيمازاكي طوسون
1- أتدرين
( من ديوان البراعم الخضراء 1879م)
أتدرين
أن ينفلت لحن وحيد من فم عصفور خريف حائر؟
أتدرين
بريق لؤلؤة مختبئة بقاع بحر غائر هادر؟
أتدرين
ذرات نجم تسبح في هدأة ليل لا يدري بها سوسن صبح زاهر؟
أتدرين
بلحن أوتار كامن في قلب فتاة غضة لم تدر بعد كيف تعزفه؟
2- ثمرة جوز هند
( من ديوان ا البرقوق المتساقطب 1901م)
حملتها الأمواج من جزيرة بعيدة لا تعرف اسمها
بعيدا عن شواطئ الوطن شهورا فوق الأمواج
شجرتها القديمة مازالت هناك تورف أوراقها
مازالت أفرعها تلقي بظلالها مترامية
مازلت مثلها أتوسد أمواج الشطآن
أقضي ليالي رحلتي وحيدا تحملني الأمواج
بين يدي أحملها إلي صدري ،تجدد أحزان الفراق
تغرب شمس البحر ، تساقط معها دموع الاغتراب
تتراكم أمواج الليل مشفقة ، أفلن أعود يوما إلي موطني ؟
الزيزفون سوسوكيدا كيوكين
( من ديوان أغاني المهدس 1918م)
إن هززت فرع الشجرة
تسقط الثمرة الذهبية
إن كانت لك أخت واحدة
سيكون صيفكما سعيدا
الأخت الوحيدة التي كانت
ذهبت دون أن أدري إلي بلد بعيد
تراها تجمع ثمار صيفية
هكذا في ظل شجر لا أعرفه ؟
البحر في مايو يوسانو أكيكو
( من االأعمال الشعرية الكاملةب1929م )
آه ، البحر يعلو .. يعلو
صدر شهر مايو الشاب الحنون
البحر اللازوردي يعلو
كثافة المذهبات في لوحات ز كاناؤكاس
الخطوط السميكة في نقوشس كوئيتسوس
رهف إحساس ز شاراكوس
يذيبها البحر كلها كأنها لحن واحد ،و ..يعلو
علي مداه نقطة مستديرة لشراع أحمر
يبدو كحلمة ثدي البحر الجميلة
وحولها
الآن يزداد البحر اضطرابا
يعلو .. ويعلو .. ويعلو
آه ، حياة شابة تعلو
معي ... البحر يعلو
كاناؤكا : رسام شهير من القرن التاسع الميلادي
كوئيتسو : فنان تشكيلي شهير من القرن السابع عشر
شاراكو: من أشهر رسامي لوحات ا أوكييهب في القرن الثامن عشر
شبه جملة كيتاهارا هاكشو
( من ديوان ز ذكريات ز 1911م)
ياصديقي المسكين ، يارفيق أيام الشباب
اليوم أيضا أذهب للمدينة لأصبغ وجهي بعذراواتها
لا تحتقرني ، فمازلنا بعد ، مازلنا بعد صغار القلوب
لم تفارق أجسادنا رائحة لبن الماعز الرقيقة
أيتها الفتيات
إني حزين
لأني لم أتكلم
شيئا واحدا أريد قوله :
أرغب في البكاء وحيدا
أركن بيدي إلي زجاج النافذة البارد
أري الوادي في شمس المغيب بعيدا يشتعل احمرارا
وحيدا أرغب في البكاء .
ثلاث قصائد تاكامورا كوتارو
1- طريق السفر (من ديوان طريق السفرب1915م)
أمامي لا طريق
ورائي يبدأ طريق
آه ، أيتها الطبيعة
يا أبي
يا أبي الكبير الفسيح ، يامن أوقفتني علي قدمي
احمني ، لا تصرف عينيك عني
دائما اغمرني بقوة روحك الأبوية
لأجل طريق السفر هذا الطويل
لأجل طريق السفر هذا الطويل

2- ا النعامة البائسة 1928م
ما الممتع في اقتناء نعامة
في خمسة عشر مترا مربعا في حديقة للحيوان ؟
أليست سيقانها واسعة الخطي جدا؟
أليست رقبتها طويلة جدا؟
ألا يهترئ جناحاها في بلاد تسقط فيها الثلوج ؟
ستأكل كسرات الخبز اليابس عندما تجوع
لكن ألا تتطلع عيناها دائما إلي البعيد؟
ألا تحترق كأنها لا كانت ولا كان العالم ؟
ألا تتأهب في انتظار أن تهب الآن رياح زرقاء؟
ألا تلتفت برأسها الساذج الصغير نحو حلم ممتد بلا حدود ؟
إنها لم تعد بعد تلك النعامة ، أليس كذلك
أيها الإنسان كفاك هذه الأفعال .
3 إلي من رحلت
( من ديوان مقتطفات تشيكو1931م )
تصحو العصافير مثلك في الفجر وتدق علي النافذة
تتفتح زهور زجلوكسينياس مثلك في صمت علي وسادتي
هواء الصبح مثل البشر يوقظ كل شراييني
عطرك ينعش غرفة نومي في الخامسة صباحا
أدفع الملاءات البيضاء وأمد ذراعي
أستقبل بسماتك في شمس صباح صيفي
تهمسين لي : ما اليوم ياتري ؟
تقفين مثل صاحب سطوة
أصير لك طفلا
تصيرين لي أمي الشابة
إنك ما تزالين ، ما تزالين هناك
لقد صرت أنت كل الكائنات ، وتغمرينني
أظنني لا أستحق حبك
لكن حبك يغض الطرف عن كل الأشياء ويضمني
هاجيوارا ساكتارو
النظر إلي قمم الأشجار الخضراء
(من ديوان االنباح نحو القمرب 1918م)
في شارع خلفي لمدينة فقيرة وحيدة
تنمو في بؤس شجرة خضراء
أبحث عن الحب ،
أبحث عن فقيرة قلب تحبني
ترتعش يدها فوق الذؤابات الخضراء
ترتعش دائما للمشاعر الرقيقة ، حين تبحث عن حبي
في الأماكن العالية .
في مدينة بعيدة ، بعيدة كنت شحاذا
يالبؤس قلبي الجائع
اقتات علي رائحة البصل الفاسد واللحم وذرف دموعه
بقلب شحاذ بائس أجوب شوارع المدينة الخلفية
القلب الباحث عن الحب يأتي
بعد وحدة حزينة ، وعناء طويل ..طويل
يتوق لهفة لمشاعر هائلة كالبحر
من أعلي قمة شجرة خضراء نابتة في أرض بور علي جانب طريق
طارت خفاقة وريقة شجر .
صفحات من الرواية اليابانية الحديثة
كان الرابع والعشرين من شهر يونية، عندما رقي (إيشيدا شوسكيه) إلي) رتبة مقدم أركان حرب، ووصل إلي (كوكورا). كانت الثالثة صباحا عندما صعد من السفينة التجارية التي تسير بين (توكوياما) و (موجي .
كان يعرف أن الاستقبال الذي يقوم به الجيش في الأقاليم شديد الحفاوة، لذا ارتدي (إيشيدا) زيه الرسمي المناسب لذلك الوقت، وثبت به الأوسمة والنياشين.
كان هناك نقيب أركان حرب قديم قد جاء إلي رصيف المرفأ منوبا عن زملائه.
المطر يتساقط متسارعا. من الآن لن يستغرق القطار ساعة حتي (كوكورا). في نزل يسمي (كاواؤ) يطهون له طعاما ويتناوله . منذ أن انبلج الصبح والنقيب يجري هنا وهناك يهتم بشأن التذاكر ، ويعتني بأمرالأمتعة وما إلي ذلك من أمور.
من نافذة القطار ، تبدو منازل صغيرة تصطف متلاصقة أعلي المنحدر ، ترك كل بيت بابه مفتوحا، النساء والأطفال أشباه عراة، من البيوت من يتناول طعام فطوره الآن . حدثه الضابط بأنها منازل لعمال يقومون بأعمال مثل أعمال البناء أو مايشابهها.
يخرج إلي مابين حقول الأرز. انتهي غرس الشتلات. من حين لآخر يبدو الفلاحون وهم يسيرون علي مفارق الحقول مرتدين أغطية من القش ، حاملين علي عاتقهم سلالا من الخيزران .
تقترب) كوكورا) شيئا فشيئا . أول مايبدو له منازل منطقة اللهو في حي (أساهي) . كل بيت منها يضع فرشا حمراء علي شرفة طابقه الثاني . ليس لها أن تنشر في مثل هذا اليوم ، ربما ينشرونه هكذا لأنها تمطر كل يوم .
صوت اصطكاك العجلات عندما يمر القطار فوق الكوبري الحديدي أعلي نهر ( موراساكي). بعد قليل يصل إلي (كوكورا) المحطة الأخيرة . كثير من المستقبلين علي رأسهم رئيس الأركان . حياهم جميعا بتحية لا بأس بها ، ثم ذهب إلي نزل يسمي (تاتسومي) في منطقة (موروماتشي .
حضرتنا فقط.. ناتسوميه سوسيكي
حضرتنا قط . ليس لي اسم بعد. لا أدري أبدا أين ولدت. كل ما أتذكره أنني فقط كنت أموء امياو ..مياوب في مكان مظلم رطب. هنا رأيت للمرة الأولي ما يسمي اإنسانب. بل إنني سمعت فيما بعد أنه يقال له اطالب علم« ، وهو فيما يبدو أسوأ أنواع الإنسان. مما يحكي عن طلاب العلم هؤلاء أنهم أحيانا ما يمسكون بنا، ويسلقوننا، ثم يأكلوننا. لكني في ذلك الوقت لم تكن عندي هذه الأفكار ، فلم أظن أنهم مخيفون إلي هذه الدرجة . لكن عندما وضعت علي راحة يده، ورفعت سريعا إلي أعلي ، شعرت فقط أنني أطير بخفة . عندما اطمأننت قليلا في راحة يده، رأيت وجه اطالب العلمب . أعتقد أنها كانت المرة الأولي التي أري فيها ما يسمي بالإنسان .
إن شعوري بما اعتقدت أنه شئ غريب في تلك اللحظة، مازال باقيا حتي الآن .أولا، الوجه الذي يجب أن يكون مزدانا بالشعر كان أملس مثل غلاية الماء ، ولقد التقيت بعد ذلك بالكثير من القطط ، و لم أر منهم من به مثل هذا العيب . ليس ذلك فقط، بل أن منتصف الوجه يبرز بدرجة كبيرة، ومن فتحة في هذا البروز أحيانا ما ينفث الدخان. في الحقيقة يضايقني ذلك إذ يشعرني بالاختناق . عرفت مؤخرا أن هذا هو التبغ الذي يشربه الإنسان .
جلست قليلا شاعرا بالراحة داخل راحة يد اطالب العلمب هذا، لكن مالبث أن بدأت حركة بسرعة غير عادية، ولا أدري هل تحرك بطالب العلم»، أم أنا فقط من تحرك ؟، فقد دارت عيناي بسرعة وشعرت بالغثيان، واعتقدت أنني هالك لا محالة؛ حينها سمعت صوت ارتطام ، وخرجت من عيني نار . أتذكر ما حدث عند ذلك الحد، مهما حاولت بعد ذلك التفكير في الأمر، لا أعرف ما عساه يكون قد حدث .
تحطيم .. شيمازاكي طوسون
اتخذ من معبد (رينجيه) مسكنا. فقد قرر (سيجاوا أوشيماتسو) فجأة أن يغير مسكنه . كانت الغرفة التي قرر أن يستأجرها تقع في ركن بالطابق الثاني في الجزء المجاور لمسكن الرهبان .
المعبد واحد من نيف وعشرين معبدا في حي ( إيياما) بمنطقة ( شيموميئوتشي) في مقاطعة ( شينشو) ، وهو معبد قديم يتبع مذهب ( جودوشين )؛ فإذا جلس متكئا إلي النافذة في الطابق الثاني وجال بناظريه من خلالها ، سيبدو له جانب من حي ( إيياما) وقد حالت دونه أشجار ز الجنكوس الكبيرة . إنها حقا الأرض الأولي للبوذية في مقاطعة (شينشو) ، فهي مدينة صغيرة تبدو فيها العصور القديمة شاخصة أمام عينيه ؛ في طريقة بناء المنازل علي الطراز العجيب للبلاد الشمالية ، بأسطحها المصنوعة من سيقان البوص والعوارض الخشبية ، وتلك المعاول ذات الأطراف المنحنية المخصصة لإزالة الثلوج في الشتاء و الموضوعة فوق الأسطح ، والمعابد التي تظهرعالية هنا وهناك ، وحتي ذوائب الأشجار ، كل ذلك المشهد للمدينة الموحية بالقدم يبدو وقد أحاط به دخان البخور .
مدرس في الأرياف .. تاياما كاتاي
كان قلب)كيوزو) وحيدا. كانت حاله تنحدر تدريجيا إلي وضع سلبي ، سواء في حياته الفعلية، أو في الحب، أو في تحصيله للعلم. صار يشعر كأنه قد حشر بين عمودين .
يجري تفسير أمور هذه الدنيا ببساطة بما يظهر منها علي السطح فقط . إذا لم تفتح قلبك وتحك عما في أعماقه، لا بل حتي لو حكيت بكل دقة عما في أعماق قلبك ، لن يفهم الآخرون حقسقة ما به بسهولة.
الدنيا جيدة وليست جيدة، سيئة وغير سيئة ، سعيدة وغير سعيدة . كل واحد مهما كان هو أيضا إنسان، ولكل ما يناسبه من الاطمئنان والسعادة .
النجاح وعدم النجاح لا قيمة لهما عند تقييم الشخصية. كثيرون يضعون تقييمهم بمثل هذا المعيار، لكنني أري أن التقييم الصحيح هو الذي يوضع بمعيار مايقتدي به المرء وسلامة ذوقه الشخصي ، فقد يكون لشخص رقيق الحال شخصية عظيمة.
السير في ليل مظلم.. شيجا ناؤيا
كان ملتحفا بالمعطف مباعدا قليلا بين قدميه ، ومع ذلك كان من حين لآخر يكاد أن يسقط من اهتزاز السفن الشديد مع ارتفاع الأمواج، ومن الريح التي تهب في مواجهته . كانت الريح تهب بين شعر رأسه الذي بقي دون أن يضع عليه قبعة، ثم شعر بحكة في عينيه عندما أوقعت الريح بعض رموشهما . شعر أنه الآن محاط بشئ غاية في الكبر، لا أعلي له ولا أسفل، لا أمام له ولا وراء، لا يسرة له ولايمني ، ظلام بلا حدود، وفي وسطه تماما يقف هو هكذا . كل الناس الآن نائمون داخل بيوتهم ، وهوفقط يقف هكذا وحده في مواجهة الطبيعة نائبا عن كل الناس . استحوذ عليه ذلك الإحساس المبالغ فيه ، ومع ذلك لم يستطع التغلب علي شعوره بأنه يتم امتصاصه شيئا فشيئا إلي داخل شئ ما كبير كبير .
......... في ليل هادئ، لا تسمع فيه حتي أصوات طيور الليل ، تحته غلالة من ضباب رقيق، لا تري فيه أبدا أنوار القري ، لايري فيه إلا نجوما، لا يرنو تحتها إلا إلي هيكل هذا الجبل الجاثم في غلالة الظلمة يشعره كأنه ظهر حيوان هائل ؛ كان يفكر أنه الآن قد خطا خطوة علي طريق يفضي إلي الأبدية. لم يشعر ولو لبرهة بالخوف من الموت .
( مقتطفات) من القصة القصيرة
خيط العنكبوت.. أكوتاجاوا ريونوسكيه
حدث ذلك ذات يوم . كان بوذا يسير وحده في الفردوس متجولا حول حافة بركة اللوتس . كانت أزهار اللوتس المتفتحة داخل البركة كلها بيضاء مثل البلورات، ومن البتلات الذهبية اللون في منتصفها يفوح عبير زكي لايوصف ، يملأ بعبقه الأرجاء . كان يبدو أن الفردوس في تمام الصبح .
أخيرا توقف بوذا عند حافة البركة ، ونظر من بين أوراق اللوتس التي تغطي صفحة المياه إلي ما تحتها. كان مايقع تحت بركة اللوتس في الفردوس مباشرة هو الدرك الأسفل للجحيم. ولهذا كانت مشاهد النهر الذي يعبره المذنبون (*)، وجبل الإبر المدببة تبدو واضحة جلية من خلال المياه الصافية ما لوكانت بلورة زجاجية ، وكأنها تري بعدسة مكبرة .
وإذا بعينيه تقعان في قاع الجحيم علي مشهد لرجل يرتعد مع غيره من المذنبين يسمي ( كانداتا) . كان (كانداتا) هذا لصا كبيرا، قتل بشرا، وأشعل النار في بيوت ، واقترف العديد من الشرور والآثام؛ إلا أنه يذكر له عملا واحدا صالحا ؛ ففي ذات مرة ، كان هذا الرجل يمضي في طريقه عبر دغل كثيف ، ورأي عنكبوتا صغيرا يحبو في بطء علي جانب الطريق . رفع (كانداتا) قدمه وهم أن يدهسه فيقتله ، إلا أنه تراجع عن فكرته قائلا في نفسه : الا،لا ، إن هذا وإن كان ضئيلا فهو كائن فيه حياة، ومهما يكن أشفق عليه أن أسلبه هكذا تلك الحياةب . وهكذا ، فقد أنقذ ذلك العنكبوت إذ لم يقتله آنذاك .
ذكر بوذا لكانداتا إنقاذه العنكبوت وهو يشاهد الجحيم ؛ فأراد ان ينقذ هذا الرجل من الجحيم إن استطاع ، جزاء ذلك العمل الوحيد الصالح الذي قام به . وللمصادفة الحسنة ،عندما نظر بجانبه وجد واحدا من عناكب الفردوس في لونه الزبرجدي فوق ورقة لوتس ، يغزل خيطه الفضي الجميل . أخذ بوذا ذلك الخيط في رقة بين يديه ، وأدلي به من بين زهور اللوتس البيضاء التي تشبه البلور ، ليتدلي من تحتها بعيدا في خط مستقيم تجاه قاع الجحيم .
000
هنا في قاع الجحيم ، كان(كانداتا) مع غيره من المذنبين في بركة الدم يطفو ويغرق . كان الظلام حالكا أينما نظروا . كانوا للحظات يظنون أن هناك شيئاً يلوح لهم في تلك الظلمة ، وما كان أشد انقباض قلوبهم حين يوقنون أنها لمعة أنصال الإبر هناك في جبل الإبر المريع .
كان الصمت المطبق يخيم فوقهم كالصمت داخل القبور ، وقليلا ماكان يسمعهم من شئ إلا زفرات المذنبين ؛ فالذين يسقطون إلي هنا قد خارت قواهم مما لاقوه من أصناف العذاب في الجحيم ، فلم تعد لديهم حتي قوة للتأوه أو البكاء . حتي (كانداتا) اللص الكبير كان أيضا مثلهم يغص حلقه بالدماء في بركة الدم ، فتصدر عنه حشرجة كضفدع يحتضر .
إلا أنه في لحظة ما ، رفع (كانداتا) رأسه عن غير عمد ، ونظر إلي الفراغ أعلي بركة الدم ، فإذا في بقلب الظلام الدامس الساكن ، يهبط من السماء البعيدة البعيدة خيط عنكبوت فضي يلمع في خط واحد رفيع مستقيم، كأنما يخشي أن تراه أعين الناس، ويكاد يتدلي ليصل إليه .
ما إن رأي (كانداتا) هذا حتي صفق بيديه فرحا رغما عنه .إذا تمسك بهذا الخيط ، وصعد متتبعا إياه، لاشك أنه سيخرج ناجيا من الجحيم. لا، بل ربما ينجح فيصل حتي يدخل الفردوس. إن فعل ذلك فلن يساق به ليصعد جبل الإبر ، ولن يدفع به إلي الغرق في بركة الدم .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.