السلام عليك يا أيها النبي ورحمة الله وبركاته وتحياته وتجلياته.. السلام عليك يا من ناداك ربك ، واصطفاك، وناجاك، وأدناك فكنت قاب قوسين أو أدني. السلام عليك يا من خاطبك ربك وحدك بصيغة (يا أيها النبي) فكل من دونك محب وأنت حبيب الله..! أصلي عليك وأصلك في كل طرفة عين.. وفي كل رعشة طرف.. وفي كل ذبذبة نفس.. وقد علمتنا كيف (نهجر) ل (نهاجر)، وكيف نفكر ونمنهج حركة حياتنا فلا خوف علينا ولا نحن نحزن، أو يفترض ذلك ،إذا أقمنا المنهج وتوسمنا المنهاج ، بلغة زماننا ومكاننا . وأسلم لك تسليم إدراك طاعة متصلة وطاعة منفصلة.. وأنت الذي حولت المطلق إلي نسبي ضمن حدود الله، وهذه هي جوهرسنتك في الزمان والمكان والإنسان يا من أعدت انسجام الانسان مع الوجود كله، بمن فيه وما فيه!. أصلي عليك يا سيدي صلاة محب ، بالفؤاد والقلب والعقل والروح والنفس المطمئنة والراضية والمرضية والأمارة بالخير واللوامة والزكية وما دون ذلك، صلاة ينفطر لها التكوين القابض علي جمر دينه مستمسكا ومتشبثا بعروة أهداب حروف اسمك ورسمك وسمتك وصوتك وصمتك وكلك. أصلي عليك ياسيدي بكل جوارحي وملامحي..وشواهدي ومشاهدي..ومعالمي وملامحي..وقواعدي وقوائمي.. وظواهري وبواطني .. تسليم إنسان ليس فقط مجرد كائن مسلم مؤمن، بل إنسان عالمي ومواطن عالمي، يعيش في قلب القرن الخامس عشر الهجري، ويقف علي مشارف القرن الحادي والعشرين الميلادي : يحدق ويحلق، وينظر ويناظر، بمعطيات عصره، وعطاءات أصله، فيشهد هاتفا بعمق وحق :أنك أنت أنت سيدنا محمد الإنسان النبي الرسول، الذي أعاد ولا يزال يعيد انسجام الانسان مع الوجود كله . السلام لك وعليك ياسيدي يا من جئتنا من أنفسنا، عزيز عليك ما عنتنا.. حريص علينا، وبنا رؤوف رحيم .. وللعالمين أجمعين رحمة.. ألست أنت رحمة رب العالمين للعالمين، ورسالتك هي العالمية (برؤيتها الانسانية ) والعولمة (بمفهومها الكوني البريء)والعلمانية(بشرطية العلم والدين) والحداثة والمعاصرة (كرموز للتحولات الجوهرية في تاريخ البشرية )وهل يعقل أيات الله إلا العالمون ؟!. ( واعلموا أن فيكم رسول الله) نعم .. أنت فينا يا رسول الله ،نحن أصحاب النفس الطويل في الشوط الانساني، آين الامبراطوريات المعاصرة التي تعاقبت علي البشرية؟ اين امبراطورية القرن الثامن عشر (الفرنسية) وأين امبراطورية القرن التاسع عشر (البريطانية التي غابت عنها الشمس وغابت هي ايضا)، وفي نهاية القرن العشرين واختفت الامبراطورية السوفييتية في غمضة عين! وبقيت الأمريكية والتي يقول الباحثون والمحللون الأمريكيون انفسهم انها هي التي كانت مرشحة للانهيار ! لقد تداولوا الايام أوبالأحري هي التي تداولتهم ، بأربعة معسكرات فكرية شكلت ملامح القرن العشرين: الشيوعية أو المادية الجدلية (روسيا) والوجودية(فرنسا) والتحليلية( بريطانيا) والبراجماتية ( أمريكا)، وقد أثبتت الأيام والمغامرات انها مؤقتة بعد أوهمت البشرية بأنها (الفردوس) فاذا بها تحطمت وتناثرت والبقية تترنح، وتتململ، وتتملص من مصيرها المنتظر، وتتقلص في ذاتها لأنها تحمل أسباب فنائها في ذاتها! راحوا يقرنون الدين بالديناميت، ويقترفون ربط الدين بالسكين، ويختلقون السببية المزيفة بين الإسلام والاستسلام والإنكار والانفجار. نعم .. أنت فينا يا رسول الله.. مهما يزعمون أنهم أخرجونا من التاريخ.. وصيرونا جزءا من الجغرافيا.. وجعلونا رقعة مكدسة مزينة ببعض المال والنفط.. لكن: أي تاريخ هذا؟ وأية جغرافيا هذه؟ وأية حضارة تلك التي تسكر علي دماء الدول وأحشائها.. انه لشرف - لو نعلم عظيم - أن أخرج كإنسان مسلم من هذا التاريخ الذي لابد وأن يسقط من حساب البشرية وحساباتها حين يتحدث التاريخ الحقيقي.. وينطق التاريخ الحق.. بالحق .. وصولا الي الحقيقة ! . لقد تشكلت مؤخرا في الغرب جبهة للوقوف في وجه المد الديني في مختلف أنحاء العالم ونشرت احدي الصحف الأوروبية ذلك تحت عنوان (الحملة الصليبية للمحفل الأكبر) وورد في الخبر ان محفل الشرق الكبير الماسوني سينظم اجتماعات ومؤتمرات ومسيرات لحماية العلمانية أمام تطور الحركات الاسلامية، واختزلت الإشكالية في السؤال : دين أو لا دين!. وصرح بيير راجاشي الاستاذ الأعظم للمحفل الماسوني بأن العلمانية والليبرالية تتعرضان لهجوم مكثف من قبل الأديان وانه تقرر تشكيل الجبهة العلمانية ضد الجبهة الدينية، وهذه الجبهة العلمانية تتشكل من بعض الاشتراكيين واللادينيين ومؤيدي الفكر الغربي والماسونيين اعضاء نوادي الروتاري والليونز(!!). هذه واحدة من التحديات الكبري التي تواجهني كإنسان مسلم لا يعادي احدا ، لكنه يتخذ من السماحة نورا وسراجا للسير في شارع العصر الحديث بانفعالاته وتفاعلاته وتكتلاته، انهم هم الذين يشعلون الصراع معي، فأنا المسالم لا الاستسلامي،. هكذا علمتني يا سيدي..لكن الثأر الحضاري لا يزال موجودا.. والتحديات ما اكثرها هي التي يجب ان تشغلنا فننشغل بها بدلا من الانشغال والمشاغلة في امور تستهلكنا، وبأمور تدمينا، وتلقينا تحت سنابك العصر، الذي لايعترف الا بالقوة.. والقوة لم تعد قوة عضلات ولا قوة رصاص.. القوة قوة العقل والفكر والانتماء لا قوة الديناميت. نعم .. أنت فينا يا رسول الله . ان فينا من يهرب الي القرن الأول الهجري، ويحاول ان يعيش قرنه الحالي بمقاييس الماضي ومعايير الموروث، لكن فينا ايضا من يواجه تحديات العصر، ولا يهمل الزمان ولا المكان، ولا يغتال التاريخ ولا يسقط العقل، هذا موجود وذاك ايضا، انه فعل وتفاعل وانفعال، المهم انه داخل الذات الواحدة!. وفينا من يطلب يغتال الحاضر ويطلب اللجوء الي الماضي فيمكث فيه كسلا فكريا، لكن ايضا فينا من يقدم قراءة معاصرة للقرآن وفهما معاصرا للسنة، ويكفي ان الخيط القوي الواصل بين السلف والخلف هو التوحيد ، وفينا من يستسلم لمحاولات فك العقل الاسلامي واعادة تركيبه ومحاولة صياغته من جديد لصالح الخصوم، لكن فينا ايضا من يتحدي ويتصدي ولهذه الألاعيب التي تبرق فجأة لتحترق فجأة، وفينا من جمد فكره فتجمد! وفينا ايضا الذي ينهض ويركض بمرجعيته العرفية و المعرفية، ولكل مرحلة مصابيحها، ولكل حلبة فرسانها. ولكن رغم كل ذلك، ياسيدي، لدينا من أهل العلم أجيال جديدة تمثل الضفة الاخري، وتجعل أمورنا اكثر استواء، تتواصل مع الأصيل من القديم، وتتفاعل مع العصر الحديث ، حين تمزج العلم بالايمان، تخرج القرآن العظيم من دفتي (المصحف) وتنظر به الي الكون وتناظر به من يتحاورون مع الأسرار الكونية أو يحاولون. سيدي .. يا أيها المدثر .. دثرنا بصلاتك أو بعض صلاتك.. فإن في صلاتك ما يمنحنا العفو والعافية والمعافاة.. ويعزز فينا الحياة..صل علينا يا سيدي، ربما تنشرح صدورنا التي تجثم فوقها كوابيس اللامبالاة.. صل علينا لنتدثر، ونخبيء سوءات تقصيرنا وعورات قصورنا، فلربما نستحي، وأنت مبعوث السماحة والصراحة والهداية والعناية والرعاية والانزال والتنزيل والبلاغ والتبليغ. تصور سيدي، وأنت الانسان الأوحد في التاريخ القيم والوسيط والمعاصر، بل منذ بدء الخليقة وحتي الآن، أنت الأوحد يا سيدي الذي سجلت كل أقواله وأفعاله، وحركاته وسكناته، وثوابته ومتغيراته، ورغم ذلك، لايوجد لدينا كتاب نبوي واحد جامع شامل لأحاديثك الشريفة، ان لدينا ستة كتب هي المصدرية التي نستند اليها في (الحديث) وهذا ما يحيرني وغيري أيضا، وحتي هذه الكتب مليئة بالأحاديث الموضوعة، وفيها الاسرائيليات المرعبة، لم يدرس فقهاؤنا وعلماؤنا السنة كما ينبغي، فالخلط موجود، والروايات متعددة، والحديث في كتاب بسند ضعيف، ونفس الحديث في كتاب آخر متفق عليه، وفي ثالث بين.. بين.. وهكذا.. نحن في بلبلة يا سيدي.. بل الأكثر من ذلك ان احاديثك يا سيدي تحتاج دراسات علمية دقيقة، ودراسات أكاديمية معاصرة، تستفيد من معطيات العصر، وتجعلنا متفاعلين معها، كما تفاعل معها الأوائل حسب أرضيتهم المعرفية فكانوا أكثر منا حداثة وادراكا وعقلانية، ليت علماؤنا يقدمون علي هذه الخطوة الجبارة، يتجاوزون الخلافات المذهبية، ويبتعدون عن العصبية، وان كان كل هذا يدور في فلك محبتك، لكني اريد ان نحبك حبا علميا وعمليا وعقلانيا ايضا. سيدي .. يا أيها المزمل ..علمتنا يا سيدي، الاجتهاد وتحركت أنت بنفسك، فكنت الأسوة والقدوة والجذوة، تحركت بفكرك ووعيك ونفسك وعقلك وبشريتك وفطنتك وإنسانيتك وظروفك الزمانية والمكانية، وعلمتنا الحركة، وأدخلت في لغتنا وحضارتنا، كل أفعال وصفات وأسماء الحركة بعد ان سيطرت عليها مقولة (البكاء وقوفا ) لكنا سكنا وسكتنا.. وغلّقنا ابوابنا وانغلقنا.. واكتفينا بأنفسنا.. وكفونا أنفسنا.. فانكفأنا علي وجوهنا.. وضاع منا الطريق إلا قليلا! . علي يديك تعلمنا الحرية يا رسول الحرية، حررتنا وحضرتنا وكسرت أغلالنا، وعتقت أفكارنا، لكننا لم نستوعب كمتا ينبغي أن يكون، فأصبحنا نغل انفسنا، ونقيد طاقاتنا، ففقدنا عنصر (المقاومة) في الحياة.. وفهم كثير منا وأفهمنا الكثير دوننا أن الاسلام هو الاستسلام.. والتسامح هو التفريط.. والتصالح هو الانكسار.. والسلام هو الخضوع!. علمتنا يا سيدنا ان كل شيء في الاسلام (حركة).. الاسلام نفسه حنيفية سمحاء.. لكننا - في معظمنا - جمدنا وتجمدنا.. وتعلبنا إلا قليلا .. نتلقي الفعل حولنا ولا نتفاعل مع عالمنا.. طغت ثوابتنا علي متغيراتنا.. فاختل التوازن. واقفون.. وصار أغلبنا جامدين مسجونين في خيوط أوهن من خيوط العنكبوت؟!. نعم .. أنت فينا يا رسول الله . يا من يصلي الله عليك وملائكته.. صل علينا يا سيدنا. فإن صلاتك سكن لنا، في عصر يعز فيه السكن، وتعز فيه السكينة، وتتقطع الأرحام الإنسانية في دنيا مسكونة بالهزات والأزات والأزمات، وتتمزق الصلات في أيام يحاول أصحابها أن يعصفوا بثوابتنا، ويخلوا بتوازننا، ونحن بدورنا ننساق مشغولين ومنشغلين ومشتغلين بالصراخ في الآبار، والصراع في الديار، والصداع بالانهيار، نحن منهكون ومنهمكون وممزقون وغير متناغمين وغير منسجمين حتي مع أنفسنا، ولا ندرك معني ان ميلاد سيدنا أعاد انسجام الانسان مع الوجود كله! فما أحوجنا الي نظرة منك.. ونفحة منك.. ولفحة منك.. وقبضة من أثرك! تركت فينا يا سيدي (ما إن تمسكنا) به فلن نضل بعدك أبدا.، إن (الشرطية) هنا يا سيدي هي (الحبل السري)الذي يريدون ان يقطعوه، سكاكينهم حادة، وحارة، ومسنونة، ومن يملك السكين فدونه مسكين، ونحن يا سيدي متمسكون ممسوكون مسكونون بالأوجاع.. لكننا نقاوم ونقوم، حين تتجلي مناسبة مولدك يا سيدي، فنتخلي عن الهوامش، ونتحلي بإيقاظ المزيد من الشعور القومي. وتؤجج فينا نار الولاء. أخبرك يا سيدي ان نورك لما يزل فينا متوهجا.. بل في الدنيا كلها.. وما هذا الرعب الكامن في أعماقهم.. وما محاربة ذلك بكل الوسائل الا الدليل علي (التوهج المحمدي). أرجوك يا سيدي ان تصلي علينا فإن صلاتك سكن لنا.. وقلق لهم.. صلاتك نور لنا.. ونار عليهم مؤصدة! أخبرك يا سيدي اننا نخوض قرنا جديدا.. متدثرين برداء محبتك.. حتي وان صارت قلوب بعضنا علي بعضنا أشد من الحجارة قسوة.. لكنها أرحم من قسوتهم، وشراستهم المتحضرة، وحقدهم الدفين. أخبرك يا سيدي ان شجرتنا لا تزال مثمرة ويانعة، وإلا ما كل هذه الحجارة التي يقذفوننا بها ليل نهار في وسائلهم الاعلامية، في محافلهم.. في مؤلفاتهم.. في اختراعاتهم.. في صواريخهم... في تواطئهم.. في.. في.. في.. ! أخبرك يا سيدي .. اننا لم نعدم الأمل.. ولن نعدمه.. ما دامت مآذننا مشتعلة ب (الله أكبر).. وقلوبنا ليست غلفا، وان حاولوا اغلاقها بأقفالهم، او حتي بأقفالنا، وهم مدهنون في ذلك.. ساعون الينا بكل المساعي والأفاعي..! لكن صحوتنا.. صيحتنا.. صرختنا.. لاتضيع أدراج الرياح.. فالصباح فينا يتنفس.. والليل اذا عسعس أشعل فينا الفجر بلياليه العشر.. وأوقد فينا نار الايمان.. الايمان ذلك الرائع والمروع.. المدثر باليقين.. فيا أيها المدثر.. تتوهج فينا دعوة الله اليك.. قم فأنذر.. وربك فكبر.. السلام عليك يا سيدي .. من مليار مسلم وثلث المليار مسلم المؤمن بك والشاهد أنك محمد رسول الله ونبي الله . السلام علينا وعلي عباد الله الصالحين ، يتجلي من الثاني عشر من شهر ربيع الأول. اللهم صل علي سيدنا محمد صلاة : ترضيك .. وترضيه .. وترضي بها عنا يا رب العالمين .