"دينية النواب": إقرار قانون "تنظيم الفتوى" خطوة نحو خطاب ديني موحد    الفاتورة شرط أساسي.. متحدث "البترول": تعويضات لمتضررين من أزمة البنزين "كاش"    رويترز عن مصدر: سيتم الإفراج عن الأسير ألكسندر عيدان يوم الثلاثاء    رئيسة الحزب الاشتراكي الألماني تعلن اعتزامها عدم الترشح مجددا لهذا المنصب    على أمل تعثر نابولي... إنتر ميلان يتجاوز تورينو بثنائية في الدوري الإيطالي    بعد تعادل ليفربول وأرسنال.. جدول ترتيب الدوري الإنجليزي    استدعاء فنان شهير للتحقيق في واقعة دهس موظف بكرداسة    "سيكو سيكو" في المقدمة.. تركي آل الشيخ يكشف آخر إحصائيات شباك التذاكر السعودي    وفاة سيدة في عملية ولادة قيصرية بعيادة خاصة والنيابة تنتدب الطب الشرعي بسوهاج    البرلمان العربي يوجّه رسائل عاجلة للأمم المتحدة وحقوق الإنسان واليونسيف لإنقاذ أطفال غزة    «بيانولا» «نوستالجيا» «ابن مين» حركة مسرحية ساخنة منتصف العام    محمد توفيق: قابلت صنع الله إبراهيم بعد رفضه جائزة ال100 ألف جنيه.. وتعلمت منه كيف تدفع ثمن أفكارك    ترامب: سأعلن الخبر الأكثر أهمية بعد قليل    أول تعليق من هانز فليك بعد اكتساح برشلونة نظيره ريال مدريد في الدوري الإسباني    تنطلق 22 مايو.. جدول امتحانات الصف الأول الإعدادي الترم الثاني 2025 محافظة أسيوط    مركز السينما العربية يمنح جائزة الإنجاز النقدي للناقد العراقي عرفان رشيد والقبرصي نينوس ميكيليدس    أمينة الفتوى: لا حرج في استخدام «الكُحل والشامبو الخالي من العطر» في الحج.. والحناء مكروهة لكن غير محرّمة    الاعتماد والرقابة الصحية: القيادة السياسية تضع تطوير القطاع الصحي بسيناء ضمن أولوياتها    البترول تنفي وجود تسريب غاز بطريق الواحات.. لا خطر في موقع الحادث السابق    القبانى يُظهر «العين الحمرا»..وتساؤل عواد يثير الجدل فى السوشيال ميديا    بث مباشر.. مدبولي يستقبل 150 شابًا من 80 دولة ضمن النسخة الخامسة من "منحة ناصر"    وزير الخارجية والهجرة يلتقي قيادات وأعضاء السلك الدبلوماسي والقنصلي    جيش الاحتلال: نقل لواء المظليين من الجبهة السورية إلى غزة لتوسيع الهجوم    النائب محمد طارق يكشف كواليس إقرار قانون تنظيم الفتوى    قريباً.. «الأوابك» تصدر تقريرها الربع سنوي حول تحليلات وبيانات وتوقعات السوق العالمي    الإفتاء توضح كيف يكون قصر الصلاة في الحج    هل هناك حياة أخرى بعد الموت والحساب؟.. أمين الفتوى يُجيب    إصابة طالبة سقطت من الطابق الثالث داخل مدرسة فى بشتيل بالجيزة    محافظ شمال سيناء يستقبل رئيس الهيئة العامة للاعتماد والرقابة الصحية    محافظ الغربية: إطلاق أكبر قافلة طبية علاجية بمركز قطور    محامية: نشوز الزوج يمثل خطرًا كبيرًا على تماسك الأسرة    وزير الخارجية الفرنسي: العلاقات مع الجزائر «مجمدة تمامًا»    حملات مكثفة لإزالة الإشغالات والتعديات بمدينة العاشر من رمضان    فرص مفاجئة.. اعرف حظ برج الجوزاء في النصف الثاني من مايو 2025    سقوط مسجل شقى خطر بحوزته 25 كيس أستروكس معدة لتوزيعها بالفيوم    تفاصيل ضبط المتهم بالتعدي على الكلاب الضالة في البحيرة    نقيب الصحفيين الفلسطينيين: إسرائيل تشن ضدنا حرب إبادة إعلامية    محافظ أسوان يوجه للإسراع بإستكمال المشروعات المدرجة ضمن خطة الرصف بنسبة 98 %    الصور الأولى من فيلم هيبتا: المناظرة الأخيرة    الرياضية: النصر يقترب من الموافقة على رحيل لابورت    طرح 3 شواطئ بالإسكندرية للإيجار في مزاد علني| التفاصيل والمواعيد    جنى يسري تتألق وتحرز برونزية بطولة العالم للتايكوندو للناشئين تحت 14 سنة    السكرتير العام المساعد لبني سويف يتابع سير منظومة العمل بملف التصالح بالمركز التكنولوجي في الواسطى    فتح باب التسجيل للتدريبات الصيفية بمكاتب المحاماة الدولية والبنوك لطلبة جامعة حلوان    خلف الزناتي: تنظيم دورات تدريبية للمعلمين العرب في مصر    انطلاق قافلة دعوية مشتركة بين الأزهر الشريف والأوقاف    رئيس ائتلاف ملاك الإيجارات القديمة يرفض مشروع قانون الحكومة    محافظ الشرقية يشهد حفل قسم لأعضاء جدد بنقابة الأطباء بالزقازيق    الأحوال المدنية تستخرج 32 ألف بطاقة رقم قومي للمواطنين بمحل إقامتهم    هل يجبُ عليَّ الحجُّ بمجرد استطاعتي، أم يجوزُ لي تأجيلُه؟.. الأزهر للفتوى يوضح    وزير الخارجية يؤكد على موقف مصر الداعي لضرورة إصلاح مجلس الأمن    تأجيل محاكمة 41 متهم ب "لجان العمليات النوعية بالنزهة" استهدفوا محكمة مصر الجديدة    خبر في الجول - عمر خضر يقترب من الغياب أمام غانا بسبب الإصابة    ارتفاع كميات القمح المحلي الموردة للشون والصوامع بأسيوط إلى 89 ألف طن    محافظ الدقهلية يحيل مدير مستشفى التأمين الصحي بجديلة ونائبه للتحقيق    ماذا يحدث للشرايين والقلب في ارتفاع الحرارة وطرق الوقاية    عاجل- البترول تعلن نتائج تحليل شكاوى البنزين: 5 عينات غير مطابقة وصرف تعويضات للمتضررين    الدوري الفرنسي.. مارسيليا وموناكو يتأهلان إلى دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زهرة
يا زمانَ مصرَ، عُدْ إليّ!
نشر في أخبار الأدب يوم 27 - 01 - 2013

أخيرًا سأكفُّ عن العبث بالساعة البيولوجية التي تعملُ في رأسي منذ شهور. سأتوقّفُ عن إرغام عقاربها علي التلكؤ والتأخر عشر ساعات كلَّ يوم. سأكف عن الحياة المقلوبة: نهاري ليلٌ، وليلي نهار! سأنتهي من حساب الوقت ومعاتبة جرينيتش علي كل هذا العذاب. أخيرًا، أخيرًا عدتُ إلي مصر.
أمضيتُ الشهور الثلاثة الماضية بالجنوب الأمريكي في ولاية الذهب: كاليفورنيا. أقصي غرب الكرة الأرضية، حيث المحيط الهادي، المحيط الكهل، الذي اكتشفه الأسبانُ في بدايات القرن السادس عشر ومنحوه اسم "بحر الجنوب"، ثم أطلق عليه البرتغاليُّ فيردينادو ماجلان اسم: البحر الهادئ، عام 1521 .
شهورٌ ثلاثة، أنظرُ إلي ساعة الحائط، ثم أخصم ساعتين، ثم أقلب النهارَ ليلا، والليل نهار، فأعرف توقيت القاهرة. فالشمس تزور الشرق المصريَّ أولا، ثم تتهادي نحو الغرب لتصل حيث أكون بعد عشر ساعات، تفصل بين توقيت القاهرة وتوقيت كاليفورنيا. وما لي بتوقيت أمريكا؟! ذهني وقلبي وروحي مضبوطة علي توقيت بلادي التي لا أعرف ولا أحبُّ سواها. الساعة الآن في القاهرة الخامسة صباحًا لأنها في ساعة كاليفورنيا السابعةُ مساءً. وفي العاشرة صباحًا هنا، ستكون الساعة الثامنة مساء بتوقيت مصر الطيبة.
درّبتُ نفسي علي الحياة المعكوسة طوال الشهور تلك. أسهرُ الليلَ الأمريكيَّ لأعيش نهار القاهرة. وحين ينام المصريون ليلا، أنام نهار الأمريكان، فأنفصل عنهم بالمكان والزمان، لأن مكاني وزماني معقودان بناصية القاهرة. طقسٌ شاقٌّ عليك أن تمارسه بفرح، كي تخفّف من آلام الغربة وفراق الوطن.
حين اعتصم الثوّارُ أمام الاتحادية، كنتُ أسهر عليهم. أطلب لهم البطاطين والمياه عبر "تويتر"؛ فيستجيبُ أهالي مصر الجديدة الطيبون. وحين تم الاعتداءُ عليهم، أوجعتني كل وجيعة أصابت كل ثائر ضحّي بأمنه كي يحرر بلاده من لصوص البلدان والثورات. ضربني الرصاصُ الذي أسقط الصحفي النبيل "الحسيني أبو ضيف"، كما ضرب كلَّ مصريّ ومصرية. وأدمت جسدي السياطُ التي أدمت جسد "مينا فيليب" ورفاقه عذابُ المغترب عذابان، في لحظات قهر الأوطان. عذابُ تعذيب الوطن، وعذاب لوم النفس علي البعد الاضطراري. كان عليّ المكوث أكثر بأمريكا، لأنني لم أكمل علاجي هناك. لكن أوجاعَ الغربة أعسرُ من أوجاع الجسد. فاخترتُ الوجعَ الأيسر وعدتُ لأقف مع أشقائي علي باب 25 يناير، يوم العملية الجراحية الصعبة التي ستخوضها الأمُّ لانتزاع الورم السرطانيّ.
أخيرًا دخلتُ بيتي. النباتاتُ تتلفّتُ لي وتنظر إلي حقيبة السفر بعتاب! بعضُها حيٌّ وبعضها اختار أن يزيّن الجنةَ للراحلين. القطط كبرت جدًّا. يبدو أن أسرتي كانت تعوّضها عن فراقي بمزيد من الطعام حتي توحّشت وازداد الشعرُ كثافة وطولا. ساعة الحائط الخاصة بأمي معطلة؟! ألم أخبركم أن في صوتها يسكن صوتُ أمي؟ وأن في صمتها تأكيدًا علي رحيل أمي، هي الحقيقة التي أرفضُ تصديقها؟ لا تتركوا الساعة تتوقف عن الرنين كيلا يصمتَ صوتُ الأمهات اللواتي يتركن طفلاتهن ويطرن إلي حيث تطير الأمهاتُ ولا يعدن أبدًا.
ها هي تعمل من جديد، العقاربُ الفضيةُ تدور، وحركة الثواني تُصدر "التكتكة" المحببة، والبندول يروح ويجيء ليملأ البيت بالونس والنور. أمي تملأ المكان من جديد، وتجول بين الغرف لتشيع الدفءَ والمحبة.
الساعةُ الآن الثانية عشر ظهرًا، أي العاشرة مساء في مصر. تبًّا! أنا الآن في مصر! توقفي أيتها الحسابات في رأسي. أريحيني واستريحي. الثانيةُ عشرة ظهرًا تعني الثانيةَ عشرة ظهرًا. النهارُ يعني النهارَ، والليلُ يعني الليلَ، والعصرُ هو العصرُ. يا زمانَ مصرَ عدْ إليّ. فلا زمانَ إلا زمانُك. ولا مكان إلا مصر. ولا دفء ثمة، إلا دفء هذه الطيبة التي نهجرها كمدًا ونعود إليها فرحًا. عاد الزمانُ إليّ، وعاد المكان. فمتي تعودُ مصرُ التي أعرفها؟ وحشتيني، أوي يا مصر!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.