يحلو للكثيرين عندما يحاولون رصد اتجاه عام أو رؤية جمعية أن يلتمسوا ذلك في الأمثال الشعبية، فقد تم جمع كم هائل منها، كما أنها أكثر أنواع المأثورات الشعبية دوراناً علي الألسنة، وقرباً من الحياة اليومية للناس. لكنهم يغفلون للأسف الشديد عن أمر غاية في الأهمية، إذ لا يمكن أن ننظر في المثل مهدرين سياقه الذي بدونه يفقد قيمته ومصداقيته، وهو ما أطلق عليه الأقدمون زمضرب المثلس؛ فالناس لا يروون الأمثال، كما يروون الحواديت أو النكات، ولا يحدث مثلاً أن يلقي إنسان صديقاً أو زميلاً فيسأله عن آخر مثل سمعه، كما يسأله عن آخر نكتة سمعها مثلاً. وفي هذا السياق يري البعض أن هناك أمثالاً يناقض بعضها البعض، ويدللون علي وجهة نظرهم هذه بمثلين شهيرين هما، »القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسودا وباصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيبا. فالأول يحث علي التدبير والتوفير تحسباً لما قد تأتي به الأيام، أما الثاني فهو يحبذ الإنفاق اعتمادًا علي ما سيأتي، وما هو مخبوء الذي سيأتيه بمجرد إنفاقه ما في جيبه. وهذا قد يبدو صحيحاً أمام النظرة السطحية التي تعتمد علي تفسير نص المثلثين ودلالتهما المباشرة دون نظر إلي سياق الاستخدام. إن المثلين في الحقيقة لا يتناقضان في واقع الحياة، إذ يرتبط كل منهما بموقف أو مواقف يؤديان فيها وظائف محددة تتسق مع الوظائف التي تؤديها المأثورات الشعبية في حياة أصحابها. إن المثل الأول يقال عادة للمبذر الذي يبعثر ماله أو الذي ينفقه دون نظر في العواقب، والذي يوصف أحياناً في التعبيرات الشعبية بأن بإيده مخرومةا وأنباللي معاه مش لها أي أن ماله ليس ملكاً له، وإنما هو للآخرين. أما المثل الثاني فيقال للبخيل الذي يكتنز المال ويحرص عليه والذي قد يوصف أيضاً في التعبيرات الشعبية بأنه بما يطلعش القرش إلا بطلوع الضرس«، فهذا هو الذي يطلب منه المثل أن يصرف ما في الجيب، وقد يضيف قائل المثل مثلاً آخر في هذا السياق.. يا أخي بالكفن مالوش جيوبا. ولسناً في حاجة إلي القول أن المثل الأول لا يمكن أن يقال للبخيل الذي يعرف أن القرش الأبيض، وكل القروش أياً كان لوها تنفع مهما كان لون الأيام أيضاً، في حين أن المثل الثاني لا يمكن أيضاً أن يقال للكريم الذي ينفق عن سعة، أو للسفيه الذي يبعثر ماله يميناً وشمالاً. يقودنا هذا إلي الحديث عن بعض النتائج التي انتهي إليها باحثون نظروا في الثقافة الشعبية ليتعرفوا من خلالها علي الرؤية الجمعية للناس يرتبط بشئون حياتهم وقيمهم ومثلهم.. إلخ ولعلنا هنا ننظر فيما انتهوا إليه عن الرؤية الجمعية للمرأة فيما اختاروه من أمثال شعبية للتدليل علي ما اعتبروه يمثل هذه الرؤية السلبية التي تحقر من شأنها في مقابل الإعلاء من شأن الرجل، وأنها رؤية تعادي المرأة ولا تنسب إليها أي فضائل، بل علي العكس فإنها تلصق بها كثيرا من الصفات الذميمة من فساد الرأي، ولؤم، وطمع، وخيانة... وما إلي ذلك. وهم فيما انتهوا إليه وقعوا دون قصد فيما أشرنا إليه من إهدار للسياقات والمواقف التي تستخدم فيها الأمثال وعلاقات مستخدميها ببعضهم البعض. ويتناسي هؤلاء أن المرأة ليست كياناً مطلقاً، وإينما تتعدد أدوارها بتعدد وظائفها وعلاقاتها في الحياة فهي الأم والأخت والابنة والزوجة... إلخ ولم نعثر طوال حياتنا مع المأثورات الشعبية مثلاً واحدًا يذم الأم أو الابنة أو الأخت وإنما يركز الأمثال التي ينظر إليها باعتبارها تقلل من شأن المرأة وتهينها إذا فهمناها من خلال سياقاتها ومضاربها علي علاقة واحدة هي المرأة/ الزوج وليست المرأة علي إطلاقها رغم استخدامها المرأة عامة دون تحديد لأدوارها أو علاقاتها. إن واقع الحياة يجعل العلاقة الزوجية علاقة خاصة، لا يشبه فيها أحدٌ أحدًا، وتختلف عن علاقات الأمومة أو الأبوة أو الأخوة، فهذه وما يرتبط بها من سلوك تنتج رؤية جمعية سائدة، تؤكدها العادات والتقاليد والأديان؛ فلا يمكن أن نتصور أن أحدًا يصف أمه بالسفاهة أو اللؤم أو أن يقول بآمن للحية ولا تآمن للمرأةا قاصدًا أمه، كما أن هناك أمثالاً موازية تصف الرجل/ الزوج بذات الصفات بيا مآمنه للرجال يا مآمنه للميه في الغربالا فالرجال هنا خونة لا يؤمنون، ولعلنا نتساءل هل المقصود بالرجال هنا هو الرجل مطلقاً أم الأزواج باللي بيلعبوا بديلهما. علي أية حال إن للمرأة في الثقافة الشعبية مكانة عالية تؤكدها صور لنسوة في الحواديت والسّير يضرب بهن المثل في الوفاء والشجاعة، وغير ذلك من الفضائل، بل إن بعضهن قد أَخْمَلْنَ كثيراً من الرجال إلي جانبهن، كالجازية في سيرة بني هلال علي سبيل المثال، وغيرها كثيرات. ويكفي أن نعرف أن الثقافة الشعبية المصرية قد أبدعت سيرة فريدة لا نظير لها في مأثورات الشعوب كافة، بطلتها امرأة لخصت كل الفضائل الإنسانية المعتبرة لدي المصريين، هي سيرة الأميرة ذات الهمة.. وتعيش بلدي وأهل بلدي.