«طب فيكم من يوحد الله.. كان فيه واحد ملك..وما ملك إلا الله.. الملك عنده بنت.. مستحلية للجواز.. فواحد مثلا زى الأستاذ يطلب بنت الملك.. قاله: اللى ياخد بنتى مايعزمش الضيف.. قال.. الله!.. ماعزمش الضيف ازاى؟...». حدوتة «الساحر والعروسة» واحدة ضمن عشرات الحواديت التى استند إليها الدكتور خالد أبوالليل فى دراسته «المرأة والحدوتة» التى نشرتها دار العين ككتاب يدور حول الإبداع الحكائى الشعبى للمرأة المصرية. التقى الباحث بعدد من راويات الحواديت مدونا فى كتابه الذى يقع فى 318 صفحة-عددا كبيرا من الحواديت الشعبية التراثية منها «الحطاب والفرخة اللى بتبيض دهب»، «على ونجارش»، «الحمار اللى سرق برسيم الفرخة»، «حاكية فرط الرمان» وغيرها.. الدكتور خالد أبوالليل تحدث معنا عن دراسته للحدوتة الشعبية كفن تراثى وما تربطه من علاقة بالمرأة. انطلقت فى دراستك من انتقادك لاعتبار الأدب الشعبى أدبا ذكوريا، فلماذا؟ هناك لبس سيطر على الكثير من المتخصصين فى الأدب الشعبى ولدى كثيرين أيضا ممن هم خارج هذه الدائرة، يعتقدون أن الأدب الشعبى ينتقص من مكانة المرأة ،وذلك بالاستشهاد بالأمثال الشعبية مثل «لما قالوا دى بنية اتهدت الحيطة عليا» والحكايات التراثية كما فى أدب ألف ليلة وليلة الذى أظهرها كثيرا كخائنة، فى حين أن الأدب الشعبى لا يتحيز لأى من الجنسين، فهو ليس ذكوريا ولا نسائيا وإذا وجد ما يستحسنه فى المرأة أو فى الرجل يمتدحه، والدليل تحذيره من خيانة الرجل فى الأمثال أيضا مثل «يا مآمنة للرجال يا مآمنة للميه فى الغربال» أو «الأب يطفش والأم تعشش». لماذا اخترت الحدوتة من بين روافد الأدب الشعبى الأخرى لتبحث علاقتها بالمرأة؟ هذا جزء من مشروعى، فأنا أردت الرد على الزعم بأن الأدب الشعبى أدب ذكورى سواء فى الأمثال أو الحواديت أو الفوازير وغيرها، وبدأت بالحدوتة كتطوير لورقة بحثية قمت بتقديمها فى مؤتمر دولى فى كرواتيا وقبلها فى النرويج عن المرأة والفولكلور لبحث ارتباط المرأة بالحدوتة فى الأدب الشعبى، التى تكاد تكون فنا نسائيا بعكس فن السيرة الأقرب إلى الفنون الذكورية، وكذلك ما يطلق عليها «المثلات» وهو جمع مثل، ويقصد بها قصة مضرب المثل وأيضا الحديث، فى حين يجمع فن السهراية بين المرأة والرجل، أما البكائيات فهى فن نسائى صرف، وفن الحدوتة ارتبط بفن حكى الأم التى تحفظ وتروى فى سياق أسرى، خاصة فى السياق الريفى أو القبلى الذى كان يحجم من ظهور المرأة العلنى، فى حين تحافظ الحدوتة على حدود مملكتها فى البيت، والرجال أقل إقبالا على حكاية الحواديت فى الريف لأنهم يرون فى الأمر تشبها بالنساء، ولاحظت ذلك فى دراستى الميدانية عندما طلبت من أحد الرجال الكبار فى العمر أن يروى لى حدوتة،وعندها غضب بشدة وقال «الحدوتة من الشيطان يا أستاذ»، وبعدها علمت أن مدخلى فى السؤال كان خطأ، لأننى أحرجته أمام الجلوس باعتبار أن الحدوتة أدب نسائى. التقيت بعدد من الراويات خلال دراستك الميدانية كيف وجدت هذه المقابلات؟ اكتشفت المرأة المصرية خلال الدراسة الميدانية التى قمت بها فى محافظة الفيوم بمختلف مراكزها بدءا من أبشواى وطامية وسنورس وإدفا ومركز الفيوم، واحتفظت بمادة فيلمية وصوتية لهذه اللقاءات وتحدثت مع سيدات كبار فى عمر السبعين أذكر منهن الست راوية التى تحفظ كنزا من الحواديت وتعول أسرة بالكامل، وفى المقابل هناك سيدات رفضن أن أذكر أسماءهن فأشرت إليهن فى الدراسة بحروفهن الأولى مثل الراوية (س). وهل لفتت انتباهك حواديت بعينها؟ أحب هذا الفن بشكل عام، فالحدوتة الشعبية لا تقول أفعل ولا تفعل ولكنها تطرح نماذج لا نزال نتحاكى بها كالشاطر حسن وست الحسن والجمال، ولفت نظرى التأثير الكبير للأدب الشعبى وأقيسه بالحواديت المتداولة حتى اليوم، ومع ذلك فهناك حالة تشبه النسيان أقيس ذلك على جميع صنوف الفنون الشعبية. هل لا يزال هناك جمهور للحدوتة؟ المجتمعات تمر بعدد من المراحل لتنتقل من المرحلة الشفاهية، لذلك هناك مسئولية لتناقل الأدب الشعبى المعتمد على الحكى كالحدوتة، فالعديد من المجتمعات فى العالم جمعوا تراثهم فى المرحلة الشفهية احتراما لهويتم الثقافية، فنحن فى مرحلة انتقالية مهمة نحتاج فيها إلى توثيق تراثنا الشعبى من جهة وإعادة تقديمه للجمهور الجديد وطفل الإنترنت بشكل يليق مع الأدب الشعبى ويتماشى مع روح العصر من جهة أخرى، فالحدوتة ليست كما يقدمها التليفزيون المصرى الآن فى شكل مذيعة وحولها بعض الأطفال، بل هى طقس حميم وفن حكائى، نريد هذه المعادلة. لماذا تزخر الحواديت الشعبية بقصص مفزعة كحكايات الغولة وأبو رجل مسلوخة؟ الحدوتة فى جانب منها باقى أساطير قديمة، مثل أسطورة أولاد الشمس والقمر، وأساطير فرط الرمان والمراية والدبوس، فالحدوتة من خصائصها الميل إلى التناول السحرى والخيالى، بما يمكن أن يصدقه الطفل ويستمتع به، فلغة الحدوتة مختلفة عن الأمثال الشعبية التى لا تلائم الطفل. قمت بتسمية إحدى الحواديت الشعبية «حدوتة سندريللا المصرية» فكيف جاءت هذه التسمية؟ سندريللا نمط عالمى فى الحواديت، وهناك اتجاهات تقول إن سندريللا تلك شخصية مصرية قديمة، وسميتها حكاية معاصرة عن سندريللا. إلى أى مدى تجد أن حفظ تراث الأدب الشعبى يعانى من مشكلة؟ الأدب الشعبى يعانى أزمة المجتمع كله وهى أزمة الهوية، وأقيس ذلك فى تقديرنا للاحتفال بأعيادنا القومية، هويتنا تتراجع والثقافة الشعبية تحتضر، فمعظم من روى لى الحواديت مات، من بينهم سيدة كانت تحفظ عددا كبيرا من الحواديت والفولكلور البدوى، ولا أحد مثلا يذكر المؤدية خضرة محمد خضر رغم أنها من أجمل الأصوات التى تشعرك فى غنائها بالهوية المصرية ،فهناك تهميش للأدب الشعبى، وأتساءل ما مصير هذا التراث بعد موت أصحابه؟.