فيما يشبه الصمت، قابلنا الذكري 101 لميلاد نجيب محفوظ، حتي وزارة الثقافة لم تلتفت إليه بكل هيئاتها ومؤسساتها. هذا الاستقبال العبثي لذكري ميلاد أديب نوبل، أزعجني جدا، فاتصلت بالدكتور صابر عرب وزير الثقافة، وقلت له: ألم يزعجك هذا الصمت المريب من قبل الوزارة تجاه أديب بحجم وقيمة محفوظ، فقال: بالتأكيد هذا الأمر يزعجني، لكن يجب أن تنظر إلي المشهد برمته.. الحالة المزاجية العامة للمصريين الآن، هي الاكتئاب الجمعي والقلق والترقب.. فنحن نمر بظرف تاريخي صعب، فهل من الممكن وسط هذه الأجواء أن نقيم الندوات والمؤتمرات عن محفوظ، ومن سيضمن المشاركة سواء من قبل الحاضرين أو المساهمين في الحدث. عدت لأسأله: ألا تشعر وأنت مؤرخ .. أن عدم الاحتفال بمحفوظ يعني القطيعة بين ثورة يناير 2011، وثورة 1919 التي يعد محفوظ ابنا شرعيا لها، وكذلك ثورة 1952، أجاب: الأمر ليس بهذه الدقة.. فالتاريخ تراكم، مثل تراكم الطبقات الجيولوجية، فأنت لا تقدر أن تفصل ثورة يناير عن فترة حكم الرئيس السابق مبارك، وعن حقبة السادات، وعن ثورة 1952، وفترة جمال عبد الناصر، المشهد يوصل لبعضه البعض، وأن عدم الاحتفال اللائق بمحفوظ، يعود كما سبق أن قلت لك إلي حالة »الاكتئاب الحالية«. لكن رغم ما قاله لي وزير الثقافة، يستحق محفوظ أن يخطط لاحتفال كبير عنه، وأن نسعي مرة أخري لقراءة أعماله، التي تعد جزءا مهماً من تاريخ هذا الشعب، فسيرة صاحب نوبل- أيضا- فيها ما يجب أن يطلع عليه ويعيه شباب الأدباء، خاصة مرحلة التكوين، وربما يكون الكتاب، الذي صدر هذا الأسبوع في سلسلة كتاب اليوم الثقافي عن مؤسسة أخبار اليوم، بعنوان »نجيب محفوظ بقلم نجيب محفوظ.. سيرة وطن«، للباحث إبراهيم عبد العزيز، جدير بالقراءة، فهو يلقي الضوء علي صاحب نوبل من خلال تتبع مراحل حياته من الطفولة إلي الكهولة، وما حفلت به من كفاح أدبي، وتشابك مع قضايا المجتمع وهمومه وآلام الوطن وآماله وانتصاراته وانكساراته. وأعتقد أننا لو تأملنا جيدا ما قاله محفوظ، لخرجنا من حالة الاكتئاب التي نعيشها، وذلك عندما نحتكم إلي كلماته، وخاصة عن الوطنية، وندرك أنها فعل وليس قولاً مرسلاً، وإنها إنتماء لوطن، وليس لجماعة أو حزب أو تكتل فيقول« »هناك في حياتي بعض الثوابت مثل الوطنية، فمهما اختلفت قناعتي السياسية وتبدلت إلا أن إحساسي الوطني هو حقيقة قائمة لا تتغير ولا تتبدل .فإني أنتمي لجيل كانت السياسة جزءا من تكوينه . ففي بدايات القرن كانت قضية الاستقلال وجلاء القوات الانجليزية حقيقة من حقائق الحياة . وكان الزعيم سعد زغلول هو رمز هذه القضية بل كان رمزا للوطنية ذاتها، ولذلك فقد نشأت علي حب مصر. وحتي الاشتراكية في سنوات النضج لم تنجح في زعزعة هذا الشعور بالوطنية الذي كان حقيقة ثابتة، فهناك مثلا من جعلوا الاشتراكية العالمية تزيح الوطنية، لكن الوطنية وان اتجهت عندي إلي العالمية.إلا انها لا تذوب أبدا في هذه العالمية ، وقد وجدنا أن الوطنيات التي كنا قد تصورنا أنها ذابت في الاتحاد السوفيتي قد عادت مرة أخري تطل برأسها كحقيقة ثابتة لا يمكن إنكارها . وإني أشعر بأن معرفتي بمصر ليس بها أي مناطق جهل أوعدم معرفة، فلا أستطيع أن أقول إن هناك مالا أعرف فيما يختص بمصر، وأنا لا أقصد هنا المعرفة الإحصائية الموجودة في الأرقام والبيانات وإنما اقصد المعرفة الكلية التي تجيء من القلب . إن مصر هي بلد من البلدان امتازت بأنها كانت من أوائل بلدان العالم التي فتحت طريق الحضارة، وهي تتلخص في طيبة وفكاهة وسماحة وذكاء أهلها ، وأيضا في الصبر واحتمال المكاره«.