لأول مرة يكشف الكاتب محمد سلماوى، رئيس اتحاد كتاب مصر، والأمين العام لاتحاد الأدباء والكتاب العرب، فى حوار خاص ل«اليوم السابع» عن مفاوضات إحدى مكتبات الجامعة الأمريكية لشراء ما لديه من أرشيف خاص بأديب نوبل العالمى، وعميد الرواية العربية «نجيب محفوظ» ورفضه لهذه الصفقة التى كانت ستدر عليه أموالاً طائلة تقدر بملايين الدولارات، مفضلاً أن يلتزم بوعده بإهداء ما لديه لمتحف «محفوظ» والذى من المنتظر أن يتم الانتهاء منه فى منطقة الجمالية، يقول «سلماوى» إنه منذ عامين حضرت إلى مصر شخصية أجنبية قالت بأنها تجمع تراث نجيب محفوظ، لإحدى المكتبات التابعة للجامعة الأمريكية، وقالت بأنهم علموا بأن لدىّ أشياء كثيرة عن «محفوظ»، وكنوع من الإغراء لقبول الصفقة، أشارت إلى أنهم قاموا بشراء الأرشيف الكامل للروائى الأمريكى «جون أبدايك» بعشرة ملايين دولار، من أرملته، ولكننى قلت لهم بأنه يجرى الاستعداد لإنشاء متحف ل«نجيب محفوظ»، وأننى أفضل أن يكون ما لدى عن «محفوظ» فى هذا المتحف فى وطنه مصر، مضيفًا، ولكنهم تمكنوا من شراء أشياء أخرى من مصادر متعددة، وللأسف أنها بدلاً من أن تحفظ فى مكتبة هذه الجامعة الأمريكية العريقة، عرضت فى مزاد فى لندن منذ بضعة أشهر، ولولا التدخل لما كان للمزاد أن يتوقف، ومع ذلك لا أعرف لماذا لم يتم الانتهاء من المتحف حتى الآن، وأرى أن هناك تكاسلاً شديدًا غير مبرر فى مسألة الانتهاء من المتحف حتى الآن، بعد مرور ستة أعوام على ذكرى رحيل «محفوظ» أتمنى من وزير الثقافة الدكتور محمد صابر عرب أن يفتتح هذا المتحف فى عهده، لأنه لا يحتاج إلا لبضعة أشهر، ولدينا ذكرى ميلاد «محفوظ» بعد أشهر، وأطالبه بأن يفتتح فى الحادى عشر من ديسمبر المقبل، وكان ينبغى ذلك فى الذكرى المئوية الأولى للميلاد، لكنها مرت مرور الكرام. وحول توقعاته بعرقلة إتمام مشروع المتحف، خاصة أننا فى ظل الحكم الإسلامى، يؤكد «سلماوى» على أن هناك استحقاقات ثقافية ينبغى على أى حكومة أن تلبيها، وإذا لم تفعل ذلك تكون أخفقت، ولا أرى أن أى حكومة فى مصر يمكنها أن تتجاهل الاستحقاقات الثقافية لهذا البلد، لأن هذا الوطن هو بلد ثقافة، وقيمته وتاريخه معتمد على الثقافة، لا على الاقتصاد المترامى الأطراف، فمصر غزت المنطقة الإقليمية بالكتاب وبالأغنية وبالفيلم، وبقامات كبيرة مثل «محفوظ» و«أم كلثوم» و«العقاد» وجميع القامات الثقافية الكبرى، ولا أفهم أن تأتى حكومة إخوان وتتجاهل واجبها الثقافى نحو هذا الوطن، وإلا فلماذا تكون هناك وزارة ثقافة. ويرى «سلماوى» أنه فى حالة إتمام المتحف فعلى الجميع أن يشارك فى افتتاحه، لأن قيمة «نجيب محفوظ» ليست حكرًا على الأدباء، ولا يجب أن يكون افتتاح المتحف قاصرًا على رئيس الجمهورية أو وزير الثقافة، لأن الذى يعطى القيمة ل«محفوظ» ليس الرئيس، ولكن غيابه أمر مشين للرئيس، وإذا لم يفتتحه فهو يعزل نفسه، لأن «محفوظ» من القلائل الذين شكلوا وجدان هذا الوطن، وظل يكتب لسبعين عامًا، وعاصر خلال هذه الفترة أهم التطورات السياسية التى مرت على مصر، من ثورة 19 والفترة ما بين الحرب العالمية الأولى والثانية، ومن النضال ضد الاحتلال البريطانى لثورة 1952 لما حدث بعد الثورة والتحول الاجتماعى، إلى مجىء السادات والانفتاح الاقتصادى، والفساد حينها، إلى عصر «مبارك» وكنت أتمنى أن يمتد به العمر ليشاهد ثورة يناير التى تكمل هذه الدورة وتحقق لمحفوظ الكثير من القضايا التى ظل يطالب بها طوال حياته، فتكاد تكون أعماله هى سجلا تاريخيا لأهم ما مرت به مصر. ويقول «سلماوى»: الحقيقة أننى رأيت نجيب محفوظ بشكلٍ واضح فى ثورة الخامس والعشرين من يناير المجيدة، وكأن من قام بها هم أبناؤه، لأنه طوال حياته كان رجلاً ضد القهر والاستبداد والديكتاتورية، وطالما طالب بالحرية، وكان فكره متقدمًا عن عصره، ولكن للأسف أن الثورة انحرفت وأوصلتنا إلى الحكم الإسلامى، والحقيقة أن «محفوظ» تنبأ بذلك، وهذا ما قاله الناقد الإسرائيلى الشهير «ماتتياهو بيليد»، الذى كتب فى الستينيات عن ثلاثية محفوظ، وتوقف عند أحد الأبطال فى الثلاثية ممن ينتمون للتيار اليسارى ويميل إلى الاشتراكية ويتحدث عن الماركسية، وكيف كان عقيمًا ولم ينجب أبناءً، فى حين أن البطل الآخر، والذى كان ينتمى باتجاهه إلى التيار الإسلامى، أنجب وكانت له ذرية مستمرة، وكانت هذه نبوءة من «محفوظ» بأن المستقبل سيكون للاتجاه الإسلامى. ويؤكد رئيس اتحاد الكتاب على أن التعرض للقامات الكبرى مثل «نجيب محفوظ» يؤثر بالسلب على التيارات الإسلامية التى تسعى لتشويه صورته الآن، مشيرًا إلى أن محاولة اغتيال «محفوظ» كانت نقطة تحول فى مشاعر المواطنين فى ذلك الوقت، لأن الاتجاه الإسلامى الوليد، كان يتصدى للاستبداد السياسى وكانت الناس تتعاطف معه، فحينما تم اغتيال رفعت المحجوب، لجأ القتلة للأحياء الشعبية وقام الناس بحمايتهم، إلى أن وقع الاعتداء على «محفوظ» فشعر الجميع أن هؤلاء لديهم أجندة خاصة، ليس فقط فى الاعتداء على ممثلى السلطة الجائرة، وإنما على قامات هذا الوطن وراياته، وهنا حدث التحول فى الرأى العام. ومن المواقف الصعبة التى يتذكرها «سلماوى» خلال معايشته لرحيل «محفوظ»، كيف قامت الشرطة العسكرية بتفتيش جثمانه قبل مشاركة المخلوع «مبارك» فى مراسم الجنازة خوفًا من وجود متفجرات، فيقول: فى الحقيقة أننى أصبت بدهشة كبيرة، فعلى المستوى الشخصى توجد حرمة للأموات، فتمرير جهاز المفرقعات على جثمانه خوفًا من دس متفجرات فيه مسألة غير إنسانية وانتهاك لحرمة الأموات، وقلت لهم ذلك، فقالوا إن الجهاز لن يمس الجثمان فقط سيمر من فوقه، وأصبت بصدمة أكبر على المستوى الوطنى، حين أدركت أن هذا الحكم وصل لدرجة من التسلط جعلت الأمن هو الذى يسود والاعتبارات الأمنية هى التى لها الأولوية فى كل شىء، حتى لو كان مَن أمامهم أمواتا، وكتبت هذه الواقعة فى نفس عام رحيل «نجيب محفوظ» ولكن «مبارك» لم ينفِها أو يعتذر عن الواقعة.