المجلس الأعلى للجامعات يوافق على إنشاء جامعة سوهاج التكنولوجية    تعرف على موعد الصمت الدعائي لانتخابات مجلس الشيوخ 2025    بنك الأهلى فاروس يقترب من إغلاق إصدارين للصكوك ب8 مليارات جنيه فى الاستثمار الطبى والإنشاءات    رئيس هيئة قناة السويس: نلتزم بالدور المحوري للقناة في تحقيق الاستدامة لسلاسل الإمداد العالمية    مصر تستورد 391 ألف طن من الذرة وفول الصويا لدعم احتياجات السوق المحلية    شيخ الأزهر يعلِّق مكالماته لتهنئة أوائل الشهادة الثانوية ويلغي المؤتمر الصحفي للنتيجة تضامنًا مع غزة    وزير الطاقة السوري يزور السعودية لتعزيز التعاون الثنائي    تجدد القتال لليوم الثالث بين كمبوديا وتايلاند ووقوع ضحايا ومصابين    الأهلي يعلن إعارة يوسف عبد الحفيظ إلى فاركو    الأهلي يعلن انتقال وسام أبو علي إلى كولومبوس كرو الأمريكي    محمد شريف: شارة قيادة الأهلي تاريخ ومسؤولية    عقوبة الإيقاف في الدوري الأمريكي تثير غضب ميسي    وزير الشباب: تتويج محمد زكريا وأمينة عرفي بلقبي بطولة العالم للاسكواش يؤكد التفوق المصري العالمي    الداخلية تكشف ملابسات فيديو طفل يقود سيارة وتضبط المتورطين في الجيزة    أمّ المصلين بالأزهر رمضان الماضى.. 86% مجموع محمد احمد حسن من ذوى البصيرة    مدين يشارك تامر حسني كواليس حفل "العلمين"    كلمتهم واحدة.. أبراج «عنيدة» لا تتراجع عن رأيها أبدًا    سميرة عبدالعزيز في ندوة تكريمها: الفن حياتي.. وبرنامج «قال الفيلسوف» هو الأقرب لقلبي    دور العرض السينمائية تقرر رفع فيلم سيكو سيكو من شاشاتها.. تعرف على السبب    عالم أزهري: تجنُّب أذى الأقارب ليس من قطيعة الرحم بشرط    ناهد السباعي تتربع على عرش التريند بسبب إطلالة جريئة    تقرير فلسطيني: إسرائيل تسيطر على 84% من المياه بالضفة    فحص 394 مواطنا وإجراء 10 عمليات باليوم الأول لقافلة جامعة المنصورة الطبية بشمال سيناء    وكيل صحة الدقهلية يوجه المستشفيات برفع كفاءة الأداء والتوسع في التخصصات الدقيقة    إخلاء سبيل زوجة والد الأطفال الستة المتوفيين بدلجا بالمنيا    غدا آخر موعد للتقديم.. توافر 200 فرصة عمل في الأردن (تفاصيل)    الرئيس السيسي ونظيره الفرنسي يؤكدان ضرورة إيصال المساعدات الإنسانية لأهالي قطاع غزة    صور| ترامب يلعب الجولف في مستهل زيارته إلى أسكتلندا «قبل تظاهرات مرتقبة»    بيراميدز يقترب من حسم صفقة البرازيلي إيفرتون دا سيلفا مقابل 3 ملايين يورو (خاص)    أحمد حسن كوكا يقترب من الاتفاق السعودي في صفقة انتقال حر    أكسيوس عن مصادر: أعضاء بإدارة ترامب يقرون سرا بعدم جدوى استراتيجيتهم بغزة    انتقال أسامة فيصل إلى الأهلي.. أحمد ياسر يكشف    الأزهر يرد على فتوى تحليل الحشيش: إدمان مُحرّم وإن اختلفت المُسميات    محافظ البحيرة: 8 سيارات لتوفير المياه في المناطق المتضررة بكفر الدوار    وزير قطاع الأعمال يتابع مشروع إعادة تشغيل مصنع بلوكات الأنود بالعين السخنة    نجاح جراحة ميكروسكوبية دقيقة لاستئصال ورم في المخ بمستشفى سوهاج الجامعي    سميرة عبد العزيز في ضيافة المهرجان القومي للمسرح    الإنجيلية تعرب عند تقديرها لدور مصر لدعم القضية الفلسطينية    مصر تدعم أوغندا لإنقاذ بحيراتها من قبضة ورد النيل.. ومنحة ب 3 ملايين دولار    انخفاض سعر الدواجن المجمدة ل 110 جنيهات للكيلو بدلا من 125 جنيها بالمجمعات الاستهلاكية.. وطرح السكر ب30 جنيها.. وشريف فاروق يفتتح غدا فرع جديد لمبادرة أسواق اليوم الواحد بالجمالية    وزير الأوقاف يحيل مخالفات إلى التحقيق العاجل ويوجه بتشديد الرقابة    حبس أنوسة كوته 3 أشهر وتعويض 100 ألف جنيه في واقعة "سيرك طنطا"    أبو ليمون يهنئ أوائل الثانوية الأزهرية من أبناء محافظة المنوفية    بعد إصابة 34 شخصًا.. تحقيقات لكشف ملابسات حريق مخزن أقمشة وإسفنج بقرية 30 يونيو بشمال سيناء    ما حكم تعاطي «الحشيش»؟.. وزير الأوقاف يوضح الرأي الشرعي القاطع    مصرع سيدة أسفل عجلات قطار بمدينة إسنا خلال توديع أبناؤها قبل السفر    "القومي للطفولة" يشيد بقرار محافظ الجيزة بحظر اسكوتر الأطفال    الدفاع المدني في غزة يحذر من توقف مركباته التي تعمل في التدخلات الإنسانية    إصابة سيدة في انهيار منزل قديم بقرية قرقارص في أسيوط    الصحة تدعم البحيرة بأحدث تقنيات القسطرة القلبية ب46 مليون جنيه    تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء.. تحرير 154 مخالفة عدم الالتزام بغلق المحلات في مواعيدها    مقتل 4 أشخاص في روسيا وأوكرانيا مع استمرار الهجمات الجوية بين الدولتين    رسميًا إعلان نتيجة الثانوية الأزهرية 2025 بنسبة 53.99% (رابط بوابة الأزهر الإلكترونية)    وزير الثقافة ناعيًا الفنان اللبناني زياد الرحباني: رحيل قامة فنية أثرت الوجدان العربي    سعر الخضار والفواكه اليوم السبت 26-7-2025 بالمنوفية.. البصل يبدأ من 10 جنيهات    وزير الزراعة اللبناني: حرب إسرائيل على لبنان كبدت المزارعين خسائر ب 800 مليون دولار    كيف احافظ على صلاة الفجر؟.. أمين الفتوى يجيب    بعد «أزمة الحشيش».. 4 تصريحات ل سعاد صالح أثارت الجدل منها «رؤية المخطوبة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نجيب محفوظ غاب الأستاذ .. عن زمن اللصوص .. والكلاب
نشر في الصباح يوم 11 - 12 - 2012


كتبت عن الحارة كحارة.. وعن الحارة كوطن
لم يمض يوم دون أن أحصل على معرفة جديدة
رفضت جائزة واحدة.. قبلها يوسف إدريس
خرجت من لحظات الشك الدينى بقلبى لا عقلى
عبدالناصر والسادات بطلان تراجيديان
لم يكتب نجيب محفوظ سيرته الذاتية، رغم أنه قام بمحاولتين لكتابتها، إلا أنه من تلقاء نفسه قام بتمزيقهما، مبررًا ذلك بأن الناس «لا تحب أن يكشف أحد أسرارها، والسيرة الذاتية نوع من كشف أسرار الآخرين، أنت لم تستأذنهم فى ذلك، وهم لم يسمحوا به، قد تكون لى أخت وخلافاتها مع زوجها عادية، ولكنها لا تحب أن يعرفها أحد، لو كتبت عنها لظنت أنى أفضحها فى الدنيا كلها، هذه بيئتنا وعلينا أن نسايرها».
الباحث إبراهيم عبدالعزيز سعى فى كتابه الصادر هذا الأسبوع من سلسلة كتاب اليوم الثقافى، إلى كتابة سيرة محفوظ، حيث تتبعها معتمدا على أقواله وتصريحاته فى الصحف المختلفة وأحاديثه على مدى سنوات عمره المديد، جمع كل ذلك مراعيا أن تعبر عن تسلسل مراحل حياته من الطفولة إلى الكهولة، وما حفلت به حياته من كفاح أدبى، وتشابك مع قضايا المجتمع وهمومه وآلام الوطن وآماله وانتصاراته وانكساراته، وقد صدر الكتاب الذى يحمل عنوان «نجيب محفوظ بقلم نجيب محفوظ.. سيرة وطن»، بمناسة ذكرى ميلاده ال101.
فى السطور القادمة سنقرأ سيرة محفوظ بذات كلماته وانفعالاته وتشبيهاته ورؤاه.
حياته
فى البداية يصف صاحب نوبل حياته قائلا: إن حياتى مثل «تورتة الفرح» تستطيع بالسكين أن تقطعها إلى مراحل، كل مرحلة على حدة، الميلاد 11 / 12 / 1911، التخرج مايو 1934، التوظف نوفمبر 1934، أول شىء نشر لى فى الصحف 1928، أول كتيب مترجم قدمته عام 1932، أول رواية 1939، تاريخ زواجى 27 / 9/ 1954، يوم ميلادى، موعد الإنسان مع رحلة شقاء تتخللها لحظات سعادة تأتى وتروح كالبرق، أنا نجيب محفوظ عبدالعزيز إبراهيم أحمد الباشا (السبيلجى) و«السبيلجى» هذه لقب مثل الحرافيش أطلقها أدهم رجب، فقد كان لى جد ناظر كتاب، وللكتاب سبيل، وكنت أحكى لهم هذه الحكاية عن شغل زمان، فقالوا لى «اطلع يا بن السبيلجى».
مؤرخ الطبقة الشعبية
يكشف محفوظ عن سر نبوغه فى تصوير الطبقات الشعبية المصرية، وكيف تعد رواياته قراءة دقيقة لتاريخ هذه الطبقة قائلا: أنا أعتقد أن الطفولة مخزن لكل أديب لأنها الفترة التى يتلقى فيها الحياة بتلقائية كاملة، وليس من خلال نظرية أو فلسفة أو أى شىء آخر، وتختلط فى وجدانه، ويعود الأديب إلى فكرتها وإيقاعاتها، أو كونى ولدت فى بيئة كبيئة الجمالية جعلت التعاطف الوجدانى بينى وبين الأحياء الشعبية من الحقائق الثابتة والمؤثرة فى حياتى، كذلك كون والدى موظفا ثم تاجرا ومن أصحاب الدخول المحدودة باعتباره من الطبقة الوسطى أو الوسطى الصغيرة، فهذا بلا شك له أثر آخر فى شخصيتى، وكونى قاهرى المولد والنشأة والحياة فهذا أيضا له تأثيره على شخصيتى الفنية، بل شخصيتى الاجتماعية بوجه عام، وقد كتبت عن الحارة كحارة، وكتبت عن الحارة كوطن، وكتبت عن الحارة كالوطن الأكبر والبشرية، فالحارة بحبى لها جعلت منها مدخلى إلى أى تعبير، وقد أخطأ البعض فظن أننى أكرر نفسى، فكل كاتب يكتب من زاوية معينة عن تجارب مهما تعددت فهى محدودة برؤية واحدة هى رؤيتة الخاصة التى تتمدد خلال أعماله المتباينة، وتتكون منها حدود عالمه الفنى.. ولهذا أنا أعتبر أن ما يتهم به بعض الكتاب من أنهم يكررون أنفسهم، أعتبره دلالة على الأصالة عندهم، فالتنوع المطلق لا يحظى به إلا المقتبسون!!، والحقيقة أن أى أديب يرتبط فعلا وواقعا ببيئته ولا يستطيع أن يكتب عن غيرها دون أن يفتعل، «فهاردى» الروائى الإنجليزى المعروف تكلم طوال حياته الفنية عن قرية واحدة، و«مارسيل بروست» الرجل الذى غير تاريخ الرواية العالمية بأكمله كان يعيش واقعا وفنا على الهامش من حياة باريس، وأذكر أن أول رواية كتبتها فى حياتى كانت عن فلاحين فى قرية سميتها «أحلام القرية»، وجاءت شيئا مضحكا بمقياسى الفنى الآن، لأنها كانت نتاجا مفتعلا ومتعسفا لتصوير مجتمع لا أدرى عنه شيئا، المجتمع الذى كنا نعيش فيه - أيام نشأته الأولى كانت فيه طبقة شعبية، وأخرى أرستقراطية، وثالثة يصح أن نسميها أو نصفها بين الشعبية والأرستقراطية، لأن الطبقة الوسطى العليا تنضم بما لها وبأحلامها إلى الاستقراطية، ولهذا أقول إن طبقتى هى الوسطى باعتبارى ابن موظف، إن مفهوم الطبقة لم يكن فى ذهنى يوما من الأيام وأنا أكتب، ولكن الكاتب ينتسب عادة إلى مجموعة من المجتمع لا يستطيع بحكم صدقه الفنى أن يكتب عن سواها، فانفعالاته انعكاس انفعالاتهم، وتجاربه صورة من تجاربهم وهم منه وهو منهم، ولذلك يكتب عنهم».
عشق السينما
وربما يكون من أكثر الأدباء عشقا للسينما، وهو - أيضا- صاحب إنتاج وفير من كتابة السيناريوهات، كما تحولت بعض أعماله إلى الشاشة الكبيرة، ولم يكن عشقه للسينما وليد لحظة، بل تربى على هذا الحب، وبدأ يشاهد الأفلام، وهو ابن الخامسة: «شاهدت أول فيلم سينما ولم يتجاوز عمرى خمس سنوات، كانت فى حينا أقدم دار سينما، ودخولها كان بتعريفة (خمسة مليمات)، كانت سينما بيت القاضى تقع بجوار بيتنا، وأعتقد أنها كانت أول دار سينما فى مصر، فقد كان ذلك فى أوائل القرن الماضى، وكنت أذهب إليها فى الأعياد، وكان موقعها فى مقطع من الكلوب المصرى فى خان جعفر، وحين انتقلنا إلى الإقامة فى العباسية بعد ذلك بسنوات كنت آخذ أصدقائى لأريهم المنطقة التى جئت منها، وكنا فى بعض الأحيان نجد السينما مغلقة، وصاحبها يجلس فى الكلوب، فكنا نطلب منه أن يفتحها لنا، فكان يجىء بالمفاتيح ويفتح لنا السينما كى نشاهد فيلم «شارلى شابلن» ونعطيه ما فيه القسمة، أى أنها كانت سينما بالطلب، لقد أحببت السينما حبا كبيرا وأنا طفل حتى كانوا يخرجوننى منها بالقوة لأنى فى بعض الأحيان كنت أقيم فيها، وذلك برغم أن صاحب سينما بيت القاضى لم يكن لديه سوى فيلمين فقط يعرضهما لكل من يرغب، وكنت أشاهد الأفلام نفسها كل مرة، أحدهما ل«شارلى شابلن»، والثانى ل«فانتوم»، وهو بطل مثل «ماشيست» لكنهما كانا يلهبان خيالى، فقد كنت طفلا فى الخامسة من عمرى، وأذكر أننى كى أذهب إلى السينما كانت تصحبنى من بيتنا سيدة كانت تعمل عندنا، وكانت ما إن تدخل السينما حتى تغط فى نوم عميق، وكنت أنا أتفرغ لمشاهدة الأفلام، انتقلت فى الصبا من سينما بيت القاضى إلى سينمات أخرى أكثر حداثة مثل سينما أوليمبيا وسينما إديال، فقد كانت كل منهما تعرض أفلاما جديدة بدلا من الفيلمين اليتيمين اللذين كان يملكهما صاحب سينما بيت القاضى، ولم يكن يعرض غيرهما، كنت أحب الذهاب إلى السينما مرة أسبوعيا، وكانت أغلب الأفلام أجنبية وكلها مغامرات، وكنت أفضل أفلام رعاة البقر، كان يخيل إلى أنى قد ولدت فى قرية من قرى رعاة البقر لكثرة الأفلام التى شاهدتها فيها، وقد وصل عشقى للسينما إلى درجة أننى اشتريت سينما صغيرة كانت عبارة عن علبة صغيرة بها منظار ومكان توضع فيه شمعة داخل العلبة، وكنا نغلق علينا الغرفة ونطفئ الأنوار ونشاهد الصور أمامنا على الحائط، أما الأفلام فكنت أشتريها من محل أمام سينما أوليمبيا، وكانت تلك أول جامعة بالنسبة لى فتحت ذهنى على جميع المعارف فى الأدب والفنون، وما زلت أذكر مشهد المحل وصاحبه الجالس فيه الذى كان يبيع هذه الأفلام كما تباع الكتب، لم يعد هناك شىء من هذا الآن، فحين أقارن هذه الأفلام البدائية بأفلام الفيديو الآن أو ما يعرف باسم CD ROM أجد فرقا هائلا، فقد كانت السينما التى كنت أملكها بسيطة فى كل شىء، لكنها كانت مبهرة بالنسبة لى فى صباى، وكان من الأفلام التى ما زلت أذكر أننى اشتريتها فيلم «مسكو» الكوميدى الذى يذكره أبناء جيلى جيدا، كنا نذهب كل يوم جمعة إلى سينما أوليمبيا فنشهد أفلام المغامرات العنيفة، ونخرج لنجد هذه الروايات معلقة تحت بواكى شارع محمد على فنشتريها لنعيش مرة أخرى فى هذا الجو الصاخب العنيف الذى يصنعه فى أخيلتنا أبطال القصص والأفلام. والفتوات كعادتهم فى استخدام القوة احتلوا داخل سينمات معظم الحفلات الأساسية والعامة، كنت أرى الخناقات بينهم تقريبا كل أسبوع، كانوا يدخلون فى أرض المماليك، ولما يكسروا بعض يأتى اللورى ويحملهم إلى قسم الجمالية.
لاعب كرة قدم
وقبل أن تمتلك الكتابة حياته، كان نجيب محفوظ لاعبا متميزا فى فريق شارع العباسية، وكان يلاعب فرق الشوارع الأخرى، بشكل منتظم، «وظللت لسنوات ألعب الكرة إلى أن دخلت الجامعة فعرضوا علىّ أن أكون فى فريق الكلية، لكنى أيقنت أنه قد جاء وقت المكتبة فتحولت من الكرة إلى القراءة، تولد حبى لكرة القدم عندما كنت أشاهد مباراة بين الفريقين المصرى والإنجليزى، وكان الفوز فى النهاية للمصريين، هزتنى هذه النتيجة لأننى كنت أعتقد أن الإنجليز لا ينهزمون، كانت الكرة زمان شيئا عظيما يهتم به الجميع، وكانت هى الميدان الوحيد الذى حينما كنا نقابل فيه الإنجليز نضربهم دون أن يتمكنوا من ضربنا، فكثيرا ما كنا نسحقهم سحقا، وكان قلب الدفاع فى الفريق المصرى هو المرحوم «على الحسنى» وكان من فتوات بولاق وكان يضرب الإنجليز كل كتف وكتف بدون أن يضرب رصاصا فيتدحرج الإنجليزى على الأرض، فلم تكن ضربة الكتف تعتبر «فاول» فى ذلك الوقت، لذلك كنا نجابه الإنجليز فى الكرة بلا خوف، وكانت النتائج تفرح الشعب كما فرحته اليوم، لكن فى الماضى كنا ننتصر على الإنجليز، أما اليوم فنحن ننتصر على أحزاننا. كنت لاعبا حريفا كما يقولون، ولو كنت مستمرا فى هذا لكنت لاعبا مشهورا فى أحد النوادى الكبرى، انتمائى للزمالك انتماء تاريخى حيث بدأت علاقتى به منذ كان اسمه «نادى المختلط» مع انتقال حسين حجازى له فقد تمنيت فعلا أن أكون ابنا لحسين حجازى أسطورة الكرة المصرية، وعندما كنت أتدرب على الكتابة كانت شخصيات أولى رواياتى – التى لم تنشر كلها – عن لاعبى كرة القدم. أراها رياضة ومتعة وفرصة للتفكير والصحة والعافية، الكل يقول الآن: فى العجلة السلامة».
مصادر متنوعة للمعرفة والثقافة
لقد عرف صاحب نوبل كيف يكوّن نفسه منذ الصغر، فإلى جانب الكرة «أحببت الاستماع للموسيقى، وكنت أهتم بتعلم المصارعة والملاكمة وألعاب القوى ورفع الأثقال، كنت أريد أن أكون مثل أبطال السينما، كما كنت أواظب على رحلات المدرسه إلى جميع الأماكن الأثرية والمتاحف حيث كنت أفرح بالصحبة واللعب والمشاهدة وتلقى المعلومات دون أن نحس أننا نتعلم».
حب السياسة
مثله مثل الكثير من أبناء جيله اهتم بالسياسة، ورأى فى سعد زغلول رمزا للقضية المصرية، وسعى بكل قوة إلى معرفة تفاصيل الشخصية المصرية وأسرار تكوينها: هناك فى حياتى بعض الثوابت مثل الوطنية، فمهما اختلفت قناعتى السياسية وتبدلت، إلا أن إحساسى الوطنى هو حقيقة قائمة لا تتغير ولا تتبدل. فإنى أنتمى لجيل كانت السياسة جزءا من تكوينه. ففى بدايات القرن كانت قضية الاستقلال وجلاء القوات الانجليزية حقيقة من حقائق الحياة. وكان الزعيم سعد زغلول هو رمز هذه القضية بل كان رمزا للوطنية ذاتها، ولذلك فقد نشأت على حب مصر. وحتى الاشتراكية فى سنوات النضج لم تنجح فى زعزعة هذا الشعور بالوطنية الذى كان حقيقة ثابتة، فهناك مثلا من جعلوا الاشتراكية العالمية تزيح الوطنية، لكن الوطنية وإن اتجهت عندى إلى العالمية. إلا انها لا تذوب أبدا فى هذه العالمية، وقد وجدنا أن الوطنيات التى كنا قد تصورنا أنها ذابت فى الاتحاد السوفيتى قد عادت مرة أخرى تطل برأسها كحقيقة ثابتة لا يمكن إنكارها.
وإنى أشعر بأن معرفتى بمصر ليس بها أى مناطق جهل أو عدم معرفة، فلا أستطيع أن أقول إن هناك ما لا أعرف فيما يختص بمصر، وأنا لا أقصد هنا المعرفة الإحصائية الموجودة فى الأرقام والبيانات وإنما أقصد المعرفة الكلية التى تجىء من القلب. إن مصر هى بلد من البلدان امتازت بأنها كانت من أوائل بلدان العالم التى فتحت طريق الحضارة، وهى تتلخص فى طيبة وفكاهة وسماحة وذكاء أهلها، وأيضا فى الصبر واحتمال المكاره، الذى يتصفون به وتلك الصفة الأخيرة شربناها طوال تاريخنا بخيرها وشرها، فى بعض الأحيان يستعصى علىّ فهم بعض سلوكيات العنف الغريبة على وطننا وتاريخه لأنها لا تتفق مع الطبيعة التى نعرفها عن مصر، وهى تدعو للدهشة: من أين جاءت خاصة فى هؤلاء الشبان الجدد! لأن الطبيعة التى عاش بها هذا الشعب سبعة آلاف سنة سيكون لها الغلبة فى النهاية، فهذه الظاهرة الدخيلة هى نتيجة لظروف طارئة وستزول بزوال الظروف التى أوجدتها. إن ثقتى بهذا الشعب ما زالت كما كانت، ونظرتى للإرهاب ورفضى له مازال أيضا كما كان».
قراءاته الأولى
وعن قراءاته الأولى التى ساهمت فى تكوينه يقول محفوظ: «بدأت حياتى الفكرية بقراءات هزيلة لم تكن لتخلق لى ثقافة أو تصنع منى أديبًا، حتى لو واظبت على قراءتها ألف عام، بدأت قراءتى بالروايات البوليسية (سنكلير) و(جونسون) و(ميلتون توب) وغيرها من الروايات التى كان يترجمها حافظ نجيب بتصرف وكانت منتشرة هى وأمثالها فى أيام طفولتنا، ولم تكن هناك بالطبع كتب خاصة بالأطفال على أيامنا، لذلك كانت هذه الروايات هى كل قراءتى الأولى فى أواخر المرحلة الابتدائية وأوائل الثانوى، ثم بدأت بعد ذلك الاطلاع على أمهات التراث العربى، وأعمال الأدباء أمثال المنفلوطى، وطه حسين، فقد قرأ على حد تعبيره لكل قمة من القمم، كما اطلع محفوظ على الروايات الأجنبية «لم تكن قراءاتى حكرًا على التراث الأدبى وحده وإنما كنت أحاول التعرف إلى الآداب الأجنبية أيضًا، ولقد كنت أقرأ الأدب الإنجليزى فى عز كراهيتى للمحتل البريطانى، وكان البعض يظن أنه ينبغى مقاطعة الأدب الإنجليزى لأنه سيجعلك تتحول إلى جانب الإنجليز، لكنى كنت أجد الأدب الإنجليزى يجعلك تثور أكثر على الاحتلال لأنه أدب إنسانى راق لا يقبل الضيم ولا الظلم ويدعو إلى الحرية والمساواة. لقد كان الأدب الإنجليزى من أسباب تمردنا على السياسة البريطانية تمامًا مثل خطب
سعد زغلول، وهكذا كنت تجد مثلاً أن العقاد قائد الحملة فى الهجوم على الإنجليز، مدرسته فى النقد إنجليزية الأصل، وقد كان هو المدافع عن الأدب الأنجلو ساكسونى ودخل معركة كبيرة مع طه حسين ضد الأدب اللاتينى».
دور دار الكتب
وقد اعتمد محفوظ كثيرا على دار الكتب المصرية لتكون مصدرا مهما لتوفير الكتب له، ويعتبر توفيق الحكيم بمثابة الأستاذ له، وأن روايته عودة الروح، لا تقل جمالا وسحرا عن البؤساء لفيكتور هوجو، وفاوست لجوته، وأن العقاد مثل له قيمة كبيرة، وكان أول من لفت نظره إلى الاهتمام بالفن التشكيلى عامة، وبفن الفنان الكبير محمود سعيد على وجه الخصوص، والعقاد أول من تنبأ بفوز محفوظ بجائزة نوبل، وجاء ذلك فى حديث تليفزيونى، وتحققت هذه النبوءة بعد ربع قرن.
الجوائز
وخلال مشواره الإبداعى فاز بالكثير من الجوائز، منها جائزة قوت القلوب الدمرداشية، وجائزة مجمع اللغة العربية، وفاز بجائزة الدولة التقديرية مرتين، القديمة وكانت تسمى جائزة فؤاد ثم فاز مرة أخرى بجائزة الدولة التقديرية بعد ثورة 1952، وفاز- أيضا- بجائزة مبارك، التى تعتبر أعلى جائزة مصرية، وتم تغيير مسماها بعد ثورة 25 يناير2011 لتسمى جائزة النيل، أما الجائزة التى رفضها فيقول: «وهناك جائزة عرضت علىّ ولم يعرف بها أحد، وهى جائزة مجلة «حوار» وكان يشرف عليها «توفيق الصايغ».. ذات يوم وأنا قاعد مع شلة الحرافيش حضر د.لويس عوض – الله يرحمه – وقال لى: توفيق الصايغ طلب أن أجس نبضك بالنسبة لموافقتك على قبول جائزة القصة، وكانت (2500) جنيه. قلت له إن الرجل شخصية ممتازة، ولكن لا أعرف شيئا عن سمعة المجلة وتمويلها، فالأكرم أن أبعد عن الشر. وقلت للدكتور لويس ألا يعرضها على بطريقة رسمية من الأول، فهذا أكرم لهم ولى، والمسألة انتهت ولم يعرف بها أحد غيرى أنا والدكتور لويس. ثم عرضت بعد ذلك نفس الجائزة على د.يوسف إدريس الذى وافق على ترشيحه ثم عندما نالها رفض تسلمها، حيث قيل أيامها إن تمويلها من المخابرات الأمريكية».
التنظيم الشديد
وعن التنظيم الشديد الذى اشتهر به صاحب نوبل يقول: «أحيانا يقولون إنى مهندس الرواية المصرية، وحبى للهندسة والعلوم الرياضية أكسبنى ذهنا مرتبا ومنطقيا، وساعدنى على تنظيم حياتى، وهذا التنظيم كان ضرورة لأنى كنت موظفا ملتزما بمواعيدى، وأريد أن أتفرغ لفنى الذى أحبه، فحددت له وقتا ثابتا لا أتنازل عنه، ثم إنى أحب الناس ومرتبط بأصدقائى فخصصت لهم وقتا محددا وإذا لم أكن منظما بهذه الصورة لما أنجزت أى شىء فى حياتى، للأسف الأدب عندنا لا يعتبر مهنة، ولذلك لا يعيش الكاتب ملكا.. «كوليام جولدنج» بعد حصوله على نوبل وطبع 3 ملايين نسخة من روايته «لورد الذباب» أو «ملك الذباب»، الأديب عندنا طفيلى، عند تخرجى من الجامعة كان لابد من وظيفة تؤمن لى حياتى، الشىء الوحيد الذى كنت أتمناه هو: لو كان فى إمكانى أن أتفرغ للأدب منذ مطلع شبابى، لم يكن هناك خيار، لابد من الوظيفة، وكان الخيار فيها فقط بين وظيفتين: إما العمل بالتدريس أو العمل ككاتب بإدارة الجامعة، ووجدت أن العمل فى الوظيفة الكتابية بالجامعة هو الذى سيعطى لى فرصة لممارسة هوايتى الأساسية وهى كتابة القصة والرواية، ولأننى كنت فى هذا الوقت على يقين من أن عملى الأساسى هو الكتابة، وأن الوظيفة ليست إلا أكل عيش وتأمينا لحياتى.. فاخترت الوظيفة التى لا تعطلنى عن هذا العمل الأساسى، وبدأت أنظم حياتى على هذا الأساس رغم أن الرواية لم تكن فنا معروفا وليس لها من يحترفها فى مصر وكانت تأتى على هامش اهتمامات الكتاب والمفكرين، فمثلا كتب العقاد «سارة» وكتب طه حسين «الأيام» ولم يظهر الكاتب الفنان المحترف حتى هذا الوقت».
الشك والقلق
وعن لحظات الشك والقلق الدينى الذى انتابه يقول: «حاولت أن أخضع يقينى الدينى لعقلى وفشلت، لكننى خرجت منها بعد أن قرأت القرآن جيدا، فقد أدركت من قراءاتى له أن القلب هو الوسيلة الأكثر نجاحا فى كل ما يمس الغيبيات والعقائد، الدين ضرورى، هذه الفترة كانت أليمة وقاسية على النفس لأنها استمرت فترة طويلة نسبيا حوالى أربع سنوات، لكنى خرجت منها كما خرج الإمام الغزالى، المفكر الإسلامى المعروف الذى سمى عدو الفلسفة وإن كان هو فى رأيى خير من شرحها، ومؤلفاته تقترب من ال 200 كتاب طاف فيها بجميع مجالات المعرفة، وانتهى الأمر إلى الشك الفلسفى الذى أسلمه إلى التصوف، فوجد فيه اليقين، لكنه يقول: إن الوصول إلى المعرفة الكاملة لا يكون بالتعليم وإنما بما أسماه الذوق، أى أن يذوق المرء الحقيقة لكى يعرفها، فهناك فرق بين أن تعرف ما هى الصحة وشروطها وبين أن تكون صحيحا، والمعرفة الحقه عند الصوفية هى أن تعيش الحقيقة لا أن تعقلها، خرجت من لحظات الشك كما خرج الغزالى، أى خرجت بقلبى لا بعقلى، خرجت منها باليقين لكنه يقين الإيمان، أما العقل فقد سحب اليقين وراءه، فى تلك الفترة لم أكن قد بدأت الكتابة بعد، لكنك يمكن أن تجد لها أصداء فيما بعد فى روايات مثل «الطريق» أو «الشحات»، حيث محاولة معرفة المطلق معرفة عقلية، وهى محاولة تفشل فى الروايتين، فى «الطريق» يسعى البطل لمقابلة والده ليتعرف عليه أو ليبادله السلام لكنه لا يصل إليه أبدا رغم شعوره الأكيد بوجوده، أما فى «الشحات» فهناك خطوة متقدمة على ذلك هى أن البطل يتنازل عن المطلق حين يشعر به بقلبه، أى يتنازل عن المعرفة العقلية فى مقابل المعرفة القلبية بعد أن يكتشف البطل فى نهاية الرواية أن هناك معرفة أخرى هى المعرفة القلبية».
قصة «أولاد حارتنا»
وتعتبر رواية أولاد حارتنا من أكثر الأعمال التى جلبت لمحفوظ المشاكل من مصادرة، ولإقدام شاب لم يقرأها على محاولة قتله، إلا أنه ينظر إليها باعتبارها رواية تنتصر للدين، ويكشف فى السطور التالية الأسباب الحقيقية لكتابتها: «أولاد حارتنا فى الأصل رواية دينية إيمانية تنتصر للدين وتؤكد ضرورته فى الحياة إلى جانب العلم، لأن سيطرة أحدهما على الحياة خطر كبير، وإذا كان العلم يحقق للإنسان التحرر والتقدم، فإننى أرى أن الدين الحق والتمسك بصحيح مبادئه يحقق للإنسان التحرر والتقدم، فإننى أرى أيضا أن الدين حق والتمسك بصحيح مبادئه أهداف نبيلة، ويوفر له طمأنينة نفسية لا حدود لها، كما لا أجد تناقضا بين الدين والعلم، فهما معا يحققان للإنسانية حضارتها وتقدمها فالعلم والدين صنوان لا يختلفان ولا يفترقان عن بعضهما، بل هما يكملان بعضهما، فالعلم قائم على الدين والدين قائم على العلم، وإلا فكيف يكون حال الدين عند جاهل؟ وأحب أن أقول حتى رواية «أولاد حارتنا» التى أساء البعض فهمها لم تخرج عن هذه الرؤية، ولقد كان المغزى الكبير الذى توجت به أحداثها أن الناس حين تخلوا عن الدين، مثلا فى «الجبلاوى» وتصوروا أنهم يستطيعون بالعلم وحده ممثلا فى «عرفة» أن يديروا حياتهم على أرضهم «التى هى حارتنا، اكتشفوا أن العلم بغير الدين قد تحول إلى أداة شر، وأنه قد أسلمه إلى استبداد الحاكم وسلبهم حريتهم، فعادوا من جديد يبحثون عن «الجبلاوى»، والذى دفعنى لكتابة هذه الرواية - وهى أول رواية أكتبها بعد قيام الثورة – هو تلك الأخبار المتناثرة والتى ظهرت فى تلك الفترة حوالى 1958 عن الطبقة الجديدة التى حصلت على امتيازات كثيرة بعد الثورة وتضخمت قوتها حتى بدأ المجتمع الإقطاعى الذى كان سائدا فى فترة الملكية يعود مرة أخرى، مما ولد فى نفسى خيبة أمل قوية، وجعل فكرة العدالة تلح على ذهنى بشكل مكثف، وكانت هذه هى الخميرة الأولى للرواية، ولو لم يكن فيها البعد الرمزى كان يصح أن تثير شيئا آخر–سياسى – وهى أثارته بضرر، ولما وجدوا شيئا أقوى–الدين– يكتمها، – سكتوا. مثلما تخاطب الرواية البشر، كانت تخاطب رجال الحكم فى فترة 1959 التى صدرت فيها، بعد نشوة انتصارات لا حصر لها، وبدأنا نسمع كلاما سيئا، فكان الواحد يريد أن يقول لهم: هل أنتم من صنف الرسل والأنبياء وما يمثلونه من قيم العدالة.. أم أنتم تقفون فى صف الفتوات؟ أعتقد أن المعنى لم يغب عن خطتهم إلى أن وجدوا وقفة أكبر من الفتوات – وهى الدين – فأثاروها، وكان يصح أن تثير الرواية مشاكل سياسية، إن شرط الحضارة المعاصرة أنه لا بد أن يكون لها عمودان تقوم عليهما هما: العلم والإيمان. إن هذه الرواية اتهمت ظلما بأنها تقتل القيم الروحية فى وقت هى فيه رواية تبحث عن القيم الروحية، ولا أريد أن أذكر بحيثيات جائزة نوبل كى لا أتهم أننى أردد وجهة نظر الغرب، ولكن لا بأس من أن أذكر أن الفقرة الأخيرة فى هذه الحيثيات تقول إن هذه الرواية تناول صاحبها «بحث الإنسان الدءوب عن القيم الروحية»، وهذا تقدير جاء من الأغراب، أليس هذا شيئا محزنا؟ إن هذه الرواية أولاد حارتنا ليست مصادرة إلا فى مصر، وهى فى الوقت نفسه متداولة شرقا وغربا، فى البلاد الإسلامية فى المشرق والمغرب، وفى البلاد الغربية فى أقصى الغرب، وفى هذه المساحات الشاسعة على الكرة الأرضية، فى الجهات الأربع لم يعترض عليها مسلم واحد سواء من المسلمين العاديين أم المتخصصين».
عبدالناصر والسادات بطلان مأساويان
ويرى صاحب المئوية السادات وعبدالناصر باعتبارهما بطلين مأساويين مثل أبطال التراجيديا اليونانية، وانتهى كلاهما نهاية مأساوية: «عبدالناصر كان نصيرا للفقراء وألغى الطبقات، لذلك فإن المصرى العادى لا ينسى هذا، ويغفر كل الأخطاء، لذلك تجد فى كل مظاهرة يحيون عبدالناصر برفع صوره والهتاف باسمه، وكان يجب أن يأخذ السادات مكانه إلى جانب عبدالناصر، لكن للأسف لم يحدث هذا (ولكن) بمرور الزمن سيحب الشعب المصرى السادات كما يحب عبدالناصر، فكما حرر عبدالناصر الطبقات الفقيرة، فقد ذقنا طعم الانتصار على يد السادات الذى حقق استقلالنا التام باستعادة سيناء، والتاريخ لن يترك خيرا فعله عبدالناصر أو السادات من أجل شعبهما، لأنهما قدما أعمالا عظيمة، وفى رواية «أمام العرش» أعطيت كلا منهما ما يستحقه وما يؤخذ عليه، على قدر الإمكان، وفى النهاية أدخلتهما «الجنة» لإنجازاتهما العظيمة».
عندما بكى نجيب محفوظ
دموعه كانت عزيزة عليه، لذا لم يبكِ فى حياته سوى أربع مرات: «يوم مات سعد زغلول.. الوحيد الذى تمنيت أن أراه ولم أستطع هو سعد زغلول، وفى أول مظاهرة اشتركت فيها وكان عمرى 15 سنة لم أتمكن من رؤيته من الكتل البشرية المحيطة به، الشخص الوحيد الذى حلمت به أكثر من مرة هو سعد زغلول، فمن الجائز لأنه لم يصادفنى الحظ ورأيته رؤية العين، أحلم بأنه استيقظ من رقدته الأخيرة وخرج من أكفانه، الغريب أننى أصحو من الحلم وأنا منهك شاعر بالإرهاق، يا سعد كم هتفت باسمك بصوتى المسرسع وأنا صبى، ويا مصطفى النحاس.. كم هتفت باسمك بصوتى الجهير وأنا شاب، واليوم فى شيخوختى مازالت ذكراكما تمدنى بالنور إذا احتاج النهار إلى دليل، (وبكيت) يوم مات أبى، ويوم عرفت أن المنفلوطى رجل ميت منذ زمن بعيد، وكنت ألتهم كل كتاباته وقررت أن أتعرف عليه، وبكيت مرة رابعة سنة 1932 يوم أقامت السيدة روزاليوسف حفلة تمثيلية خيرية، وتبرعت بإيرادها لقرية احترقت عن آخرها، وكانت قد اعتزلت التمثيل واشتغلت بالصحافة وصارت لها فيها مكانة مرموقة. فلما تألمت من أجل القرويين الذين شردتهم النيران، اشتركت فعلاً فى التمثيل بالقيام بالدور الأول فى مسرحية (غادة الكاميليا) أجادت أيما إجادة بل أبدعت، حتى سالت دموعى تجاوبا وانفعالا بروعة التمثيل».
هذه مقتطفات من السيرة الذاتية لصاحب نوبل، ألقت الضوء على نشأته وتكوينه والجوائز التى حصل عليه، والآراء التى آمن بها، لتكون هذه السيرة متاحة للاطلاع عليها والتعلم منها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.