أعاد تقرير حديث صادر عن منظمة ( EQUAL MEASUکES 2030)، الذي نشر للعموم خلال الأسبوع الأول من شهر يونيو -حزيران- الجاري قضية المساواة بين الجنسين في العالم إلي واجهة الاهتمام، بالنظر إلي المعطيات الدقيقة والمذهلة التي حفل بها هذا التقرير، الذي تضمن ترتيبا ل 129 دولة في العالم، فيما يتعلق باحترامها للمعايير والمؤشرات الخاصة بالمساواة بين الجنسين، كما هي متضمنة في وثيقة »التنمية المستدامة لسنة 2030» الصادرة عن الأممالمتحدة، وهي حقائق صادمة بما للكلمة من معني إذا ما وضعت في سياق ما يرفع من شعارات رنانة في العالم، والتي تدعي تسريع وتيرة تحقيق مساواة حقيقية بين الرجل والمرأة فوق تراب هذه البسيطة، التي تعج بالتناقضات والتباينات والاختلافات. يقول معدو التقرير إن البحث شمل 129 دولة في العالم حيث تعيش 95 بالمائة من الساكنة النسائية العالمية، واستندوا في هذا التصنيف إلي رزمة كبيرة من المعايير والمقاييس، المعتمدة من طرف الأممالمتحدة والبنك العالمي ومنظمة الصحة العالمية، وصلت إلي 51 معيارا ومؤشرا مدرجة ضمن أهداف التنمية المستدامة سنة 2030، ومنها بالخصوص محاربة المجاعة، والحق في الولوج لتعليم جيد، الاستفادة من خدمات صحية لائقة، والتصدي للتغيرات المناخية، والحق في الولوج إلي الشغل، ومعدل الوفيات عند الولادة، ومعدل الحياة لدي النساء والفتيات، وسهولة الولوج إلي الانترنت، والتوفر علي حساب بنكي، والشعور بالأمن والاستقرار، وغيرها من المعايير والمؤشرات، التي قادت معدي التقرير إلي التوصل إلي لنتائج تفرغ ما يقال ويروج حول النهوض بأوضاع المرأة في العالم، من جزء هام جدا من محتواه يضعف من مصداقيته. من ذلك مثلا الإقرار بأن 40 بالمائة من الساكنة النسائية في العالم (ما يناهز 1٫4 مليار نسمة من النساء) يعشن في دول وصفت بالفاشلة، فيما يتعلق بتحقيق المساواة بين الرجال والنساء. واعتمد التصنيف علي تنقيط يتراوح ما بين صفر نقطة، مما يعني انعداما مطلقا للمساواة بين الرجال والنساء، ومائة نقطة كأعلي معدل لتحقيق وضع مثالي بالنسبة لهذه المساواة، وكانت المفاجأة أن أية دولة في العالم لم تنل هذه المرتبة المثالية، بل ولم تقترب منها، وأن أول دولة حققت أعلي تنقيط هي الدنمارك بتنقيط وصل إلي 89.9، واعتبرت أول دولة في العالم تستجيب لأعلي نسبة من المعايير والمؤشرات المعتمدة في هذا التصنيف فيما يتعلق بالمساواة بين الجنسين، الذكر والأنثي، بيد أن المعدل العالمي لم يتجاوز 65.7 وهو معدل جد متواضع لا يتناسب وحجم الشعارات، التي لا يتواني المجتمع الدولي بما في ذلك الدول المتقدمة، التي لم يهدأ لها حماس، في التسويق لجهود كبيرة بذلتها لتقريب هوة الفوارق بين النساء والرجال في العالم. و تكشف المعطيات المتضمنة في هذا التقرير، أن قضية المساواة بين الجنسين ليست بالسهولة التي يروج لها البعض، خصوصا في العالم الغربي، الذي لا تزال فيه النساء محرومات حتي من أسمائهن العائلية بعد الزواج، إذ تسلبن هويتهن لفائدة الرجال، وأن المسألة أكثر تعقيدا من ذلك بكثير، وأن اتهام دين معين بالحيلولة دون تحقيق هذه المساواة، له بعد سياسي وعنصري أكثر من أي بعد آخر، وأن تقنين الزواج بين المرأتين أو الرجلين، إنما يفضح الفشل الذريع في تحقيق المساواة بين الجنسين، بل ويزيد تحقيق هذه المساواة صعوبة، لأنه يعمق العزلة والتباعد بين الجنسين، ويفتح أبواب الدمار الحقيقي أمام الأسرة، التي تنبني وتستند علي الجنسين ككائنين وجدا أصلا لضمان استمرار الحياة الإنسانية فوق الأرض. وهي قضية لا يمكن أن يدعي البرلمان السويدي بأنه طوي ملفها، حينما وضع خطة لتحقيقها وحدد معايير لها، من قبيل المساواة في التعليم وربح المال، وتقاسم الاهتمام بالأطفال والشئون المنزلية، ووضع حد لعنف الرجال ضد النساء، والمساواة في الحق في الصحة والرعاية، ولكن مع ذلك لم تحتل السويد مراتب متقدمة في التصنيف الجديد، ولم تفلح الدول الأوروبية في فرض هذه المساواة، بل اكتفت بجهود قد تكون من ضمن الأسباب الرئيسية، التي بوأت الدول الأوروبية المراتب الأولي في العالم،والتي تعرف أعلي معدلات انتحار الرجال أكثر من النساء. والقضية في تقديرنا لها تفسير تاريخي وسوسيولوجي صرف، بحيث أن التوزيع العادل للسلطة التي امتلكها الرجل علي امتداد حقب طويلة من التاريخ، مما كانت له تداعيات علي منظومة التشريعات وعلي الأسباب، التي مكنت تقاليد معينة من أن تسود داخل الأسرة وفي المجتمع، تتطلب جهودا أكثر جدية وصرامة، وتستوجب تغييرات عميقة في سلوكيات الفرد والجماعة داخل المجتمع،والتي يجب أن تحدث في مناهج التربية والتكوين والفكر والثقافة وفي الأسرة والإعلام، مما يستوجب مزيدا من الوقت. ولعل من المفارقات التي ساهمت في تعطيل تفعيل حقيقي للمساواة بين الجنسين تمثل أساسا، في أن كثيرا من الجهود تبذل وكثيرا من البرامج تسطر لتحقيق هدف ضد طبيعة الكون، ويتمثل في السعي نحو جعل الرجل والمرأة كائنين بشريين متشابهين، وهذا ما يبدو واضحا وجليا، من خلال السماح بالزواج بين الرجلين أو بين المرأتين، المناقض للطبيعة البشرية وحتي الكونية، عِوَض حصر التركيز علي اعتبار الرجل مختلفا عن المرأة فيزيولوجيا وطبيعيا، لكن استفادتهما من الحقوق لا يجب أن تستند إلي طبيعة الجنس، علي أساس أن الاعتراف بالاختلاف الطبيعي هو الضمانة لتحقيق التكافؤ بين الرجل والمرأة، كمواطنين أولا وأخيرا، يتمتعان بمواصفات مفهوم حقيقي وكامل للمواطنة. قضية المساواة بين المرأة والرجل تحولت في كثير من مناطق العالم إلي عمل جمعوي مدني يمثل مصدر إثراء بواسطة مال أجنبي يسعي إلي تدمير الهويات الوطنية.