الشوربجي: زيادة بدل التدريب والتكنولوجيا للصحفيين بقيمة 600 جنيه    عبد الصادق الشوربجي: زيادة بدل التدريب والتكنولوجيا تعكس تقدير الرئيس لدور الصحافة المصرية    معركة كشف الزيف    ضبط 300 ألف بيضة فاسدة تحتوي على دود وحشرات في الغربية    محمود عصمت: شراكة "أميا باور" نموذج يحتذى به في مشروعات الطاقة    محافظ الغربية ووزير الري يتفقدان مجرى نهر النيل فرع رشيد    المندوبة الأمريكية بمجلس الأمن: الحرب يمكن أن تنتهي إذا تركت حماس السلاح    جماعة الضلال    التعادل يحسم لقاء ليفربول وكريستال بالاس.. وركلات الترجيح تحسم لقب الدرع الخيرية    أيمن صلاح: منتخب ناشئي اليد يستهدف التتويج بالمونديال    الثانوية العامة الإليكترونية    جهود دبلوماسية.. مصر تستعيد كنوزها من قلب أوروبا    بسنت شوقي تجرب "حمام الثلج" لأول مرة: "مستحيل أعمله في مكان أحلى من الساحل"    مهرجان شرم الشيخ للمسرح يطلق استمارة المشاركة في مسابقات الدورة العاشرة    «الصحة» تنظم زيارة لمستشار الرئيس الكولومبي لتفقد منشآت طبية    بدء اختبارات المرشحين للعمل بالأردن في مجالات اللحام وتصنيع وتركيب هياكل معدنية    بحوزته كمية كبيرة من البودرة.. سقوط «الخفاش» في قبضة مباحث بنها بالقليوبية    البورصة تتلقى طلب قيد شركتى جيوس للمقاولات واعمل بيزنس للتدريب    بروتوكول تعاون بين البنك الأهلي المصري وشركة "بيرنس كوميونتي"    تسجيل منتجي ومالكي العلامات التجارية حسب «الرقابة على الصادرات والواردات»    الداخلية تكشف ملابسات واقعة التعدي على صاحب محل بشبرا الخيمة    محافظ بورسعيد يستقبل الطفلة فرح ويعد بفتح حساب التضامن فى اسرع وقت    زلزال بقوة 3.7 ريختر يضرب عاصمة مدغشقر ويثير قلق السلطات    الجوازات والهجرة تواصل تقديم خدماتها للمترددين عليها    تفاصيل انتهاء المدة المحددة للتظلم على نتيجة الثانوية العامة 2025.. فيديو    حبس المتهم بإلقاء ماء نار على طليقته فى الوراق    قطع المياه فى مدينة نبروه بالدقهلية غدا لمدة 12 ساعة لإصلاح تسريب بالمنطقة    فلوريان فيرتز يتوّج بجائزة أفضل لاعب ألماني لعام 2025    "كيف وأين ولماذا مات؟!".. محمد صلاح يهز عرش الاتحاد الأوروبي بتساؤلات جريئة حول استشهاد بيليه فلسطين.. صحف العالم تحتفي بشجاعة "الفرعون" فى مواجهة يويفا.. و800 شهيد حصيلة جرائم الإبادة الإسرائيلية بحق الرياضيين    مصادر إسرائيلية: ترامب يضغط لمنع احتلال قطاع غزة والتوصل إلى صفقة    تفاصيل لقاء أشرف زكى مع شعبة الإخراج بنقابة المهن التمثيلية.. صور    فى انطلاق ملتقى "أهل مصر".. 8 ورش إبداعية استكمالا لمسيرة دعم وتمكين المرأة    الإمارات ترحب بإعلان التوصل إلى اتفاق السلام بين أذربيجان وأرمينيا    إصابة 6 أشخاص بينهم طفلة بإطلاق نار جماعى فى بالتيمور الأمريكية    التعليم العالى: براءة اختراع جديدة لمعهد تيودور بلهارس فى إنتاج بروتينات علاجية    الصحة: حملة "100 يوم صحة" قدّمت 38.3 مليون خدمة طبية مجانية خلال 25 يومًا    تحرير 125 مخالفة عدم الالتزام بغلق المحلات خلال 24 ساعة    النصر السعودي يتعاقد مع مارتينيز مدافع برشلونة    بيلد: النصر يتوصل لاتفاق مع كينجسلي كومان.. وعرض جديد لبايرن    كهرباء الإسماعيلية يتعاقد مع لاعب الزمالك السابق    السيسي يوافق على صرف البدل النقدي المقترح من الحكومة للصحفيين    موعد إجازة المولد النبوي 2025 وأبرز مظاهر الاحتفال في مصر    لست قادرا على الزواج ماذا افعل؟.. يسري جبر يجيب    حكم قضاء المرأة الصلاة التي بدأ نزول الحيض في أول وقتها.. المفتي السابق يوضح    ملتقى المرأة بالجامع الأزهر: تجربة المدينة المنورة في العهد النبوي نموذجا يحتذى به في جهود النهوض بالأمة    أمين الفتوى يوضح حكم الصلاة أو الصيام عن المتوفى غير الملتزم وطرق إيصال الثواب له    ميكروباص يصدم 9 أشخاص على طريق كورنيش الإسكندرية (صور)    محاولة تفجير فاشلة.. محاكمة المتهمين في قضية «خلية المطرية الإرهابية»    سلامة الغذاء: حملات رقابية ميدانية استهدفت 333 منشأة غذائية الأسبوع الماضي    وزير الري يتابع حالة المنظومة المائية بالمحافظات وموقف إيراد نهر النيل    جيش الاحتلال يعلن اعتقال 70 فلسطينيا في الضفة الغربية    فران جارسيا يربح رهان ألونسو ويثبت أقدامه في ريال مدريد    في هذا الموعد.. علي الحجار يحيي حفلًا غنائيًا في مهرجان القلعة للموسيقى والغناء    مقتل 6 جنود لبنانيين بانفجار ذخائر أثناء محاولة تفكيكها في جنوب لبنان    حظك اليوم الأحد 10 أغسطس 2025 وتوقعات الأبراج    دعاء صلاة الفجر.. أفضل ما يقال في هذا الوقت المبارك    سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن في عطلة الصاغة الأسبوعية الأحد 10 أغسطس 2025    «لا أريد آراء».. ريبيرو ينفعل بعد رسالة حول تراجع الأهلي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمهات الثورة في أفريقيا:بطلات زيمبابوي المجهولات!
نشر في أخبار الأدب يوم 17 - 05 - 2019

مئات الآلاف من النساء في مختلف مدن وقري الجنوب والغرب والشرق الإفريقي قدمن أرواحهن وأبدانهن فداء ولم يسجل التاريخ أسماءهن بل اكتفي بذكر أسماء وبطولات الرجال. وأذكر بهذه المناسبة كتاب (أمهات الثورة) الذي أصدرته مجموعة من الطلائع النسائية في زيمبابوي بعد حصولها علي الاستقلال عام 1980 رصدن فيه بطولات وتضحيات ما يقرب من 500 امرأة حافظن علي استقرار وتماسك المجتمع ومنظومة القيم الإفريقية في زيمبابوي خلال فترة الكفاح المسلح ضد نظام »إيان سميث»‬ العنصري وأثناء غياب الرجال في الجبهة واعتقال الزعماء (جوشوا نكومو ورفاقه من قادة حزب الزابوا) ونفي الآخرين (موجابي وقادة حزب الزانو).
وتتمثل بطولات نساء زيمبابوي المجهولات في زيمبابوي علي امتداد سنوات طويلة. ولا أنسي لقائي مع السيدة »‬شينا مانو» وزوجها من قادة النضال الوطني في زيمبابوي وقد أمضيا في سجون المستعمر العنصري 15 عاما دفاعاً عن حقوقهما الوطنية وتركا أطفالهما الثلاثة في رعاية الجيران من نساء القبيلة اللاتي منحنهم الرعاية المادية والمعنوية وزوّدنهم بمعين لا ينضب من الصمود والانتماء للوطن. لقد أصبحوا بعد استكمال دراستهم بعد الاستقلال أطباء وصارت شقيقتهم أخصائية اجتماعية تعمل في أحد ملاجئ الأيتام لرعاية أبناء الشهداء في حرب التحرير.
ويحضرني لقاء طويل مع الصديقة الراحلة »‬سالي موجابي» حرم رئيس جمهورية زيمبابوي التي تركت وطنها الأول غانا، وجاءت مع زوجها إلي زيمبابوي وكانت قد عاشت مع زوجها قصة حب فريدة أثناء وجوده بالمنفي في غانا. وتولت رئاسة الحركة النسائية في زيمبابوي وقد حدثتني بصراحة شديدة عن الحصار الاجتماعي الذي يطوق المرأة الزيمبابوية، وعدم تقدير تضحياتها أثناء حرب التحرير بسبب سطوة الثقافة الذكورية التي تهمش نضال آلاف النساء وتحاول إعادة المرأة إلي دورها العبودي السابق علي مرحلة النضال الوطني. وتحدثت طويلاً عن ضرورة البدء في إعداد حملات ممتدة لتحرير عقول النساء والرجال من تركة الموروثات الثقافية والاجتماعية التي تجرهم وتجر معهم مجتمع زيمبابوي بكامله إلي الوراء.
قالت: إن التعليم ومشاركة المرأة في النضال الوطني وفي مختلف الأنشطة المهنية والاجتماعية علاوة علي مسئولياتها الأسرية.. كل ذلك لم يشفع للمرأة ولم يغير نظرة الرجل والمجتمع لها بل ظلت أسيرة النظرة الدونية من جانب المجتمع القبلي الذكوري الذي لا ينظر إليها كشريك كفء للرجل، ولكنه يعتبرها أداة لإمتاع الرجل وتلبية احتياجاته وإنجاب وتربية أطفاله وخادمة مطيعة لأوامره وليس من حقها أن تثور أو تتمرد علي هذا الوضع المفتقر للعدالة والإنصاف بل يعتبر الطلاق بالنسبة للمرأة مرادفا للجحيم والنبذ من المجتمع!
وتتعجب »‬سالي موجابي» من خضوع كثير من النساء لهذا المنطق الذكوري المعوج وكانت تري أن مأساة المرأة الإفريقية تكمن في إذعانها للوضع المزري الذي ورثته عن الجدات والأمهات علاوة علي عدم ثقتها بنفسها وعدم تقديرها للأدوار البطولية التي تقوم بها سواء داخل الأسرة أو بالنسبة للمجتمع ككل.
أما »‬ويني مانديلا» فقد تشاركنا علي البعد في إنشاء لجان للدفاع عن »‬مانديلا» والمطالبة بالإفراج عنه وظلت المراسلات بيننا لعدة سنوات سبقت إطلاق سراح »‬مانديلا» ثم التقينا في قاعة الاحتفالات الكبري بجامعة القاهرة عند حضورها برفقة زوجها الزعيم مانديلا للحصول علي الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية التي منحتها له كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، دعوتها إلي منزلي بقليوب لتناول فنجان من الشاي مع والدتي الراحلة بهية فهمي التي استقبلتها بحفاوة بالغة وحدثتها عن »‬شفيقة محمد» أول شهيدة برصاص الاحتلال البريطاني في ثورة 1919وعن كفاح »‬هدي شعراوي» و»سيزا نبراوي» والأمهات المصريات الصامدات، ثم قدمت لها هدية ثوباً فلسطينياً كانت قد أهدته إلي»فاطمة البرناوي» المناضلة الفلسطينية عقب خروجها من السجن الإسرائيلي حيث أمضت عشر سنوات بتهمة تفجير أحد دور السينما في فلسطين المحتلة.
تحدثت »‬ويني مانديلا» عن نضالها كأم وزوجة ومواطنة إفريقية خلال ربع قرن فترة اعتقال الزعيم مانديلا في جزيرة روبن عندما ترك لها طفلتين كبراهما في الرابعة من عمرها والثانية عامان وشرحت لنا كيف انغرست في صفوف الفقراء ومنحت جل طاقاتها وكيانها للدفاع عن حقوقهم وكرامتهم وحقوق وطنهم في السيادة وكيف تعلمت منهم الكثير حينما التحمت بتفاصيل معاناتهم وكفاحهم اليومي من أجل البقاء بهامات مرفوعة في وطن اغتصبه البيض ونهبوا موارده وتحكموا في مصائره علي مدي 350 عاما هي عمر نضال شعب جنوب إفريقيا ضد البيض المغتصبين القادمين من الشمال.
كما تحدثت ويني عن معاناتها عندما كانت تقوم بزياراتها الدورية لزوجها الزعيم إذ كانت تقطع الرحلة من جوهانسبرج إلي كيب تاون وسط قيود شديدة الصرامة وكانت تستقل قاربا بخاريا من شواطئ كيب تاون إلي السجن المعزول في جزيرة روبن (کoben Island). ولم تكن المسافة البحرية تزيد علي خمسة كيلو مترات ولكنها كانت مليئة بالدوامات البحرية القاتلة وقد جربت بنفسي هذه الرحلة المرعبة خلال زيارتي لكيب تاون عام1996 حيث كانت الباخرة الصغيرة تعلو وتهبط مثل الريشة في مهب الريح خصوصا عندما اقتربت من الجزيرة. وتكمل ويني حديثها ذا الشجون وتقول: (كنت أري مانديلا لمدة ساعة لا تزيد وأدفع ثمنها أسبوعاً طريحة الفراش بسبب الدوار وآلام المعدة التي كانت تنتابني عقب كل زيارة).
وقد أتيح لي أن أشهد لحظة طلاق ويني من مانديلا أثناء زيارتي السرية الأولي لجنوب أفريقيا في مايو1991 عند عودتي من ناميبيا التي شهدت احتفالات استقلالها بدعوة من الزعيم »‬سام نجوما» رئيس ناميبيا. وعندما وصلت إلي المبني الضخم الذي يضم حزب المؤتمر الإفريقي ويقع وسط مدينة جوهانسبرج أمام صحيفة (ستار) استقبلني رفاق الكفاح الإفريقي الذين عرفتهم وعاصرت نضالهم في القاهرة (5 ش حشمت بالزمالك مقر الجمعية الإفريقية) علي امتداد سنوات طويلة وخرج الزعيم مانديلا من الاجتماع، وأخبروني أن هذا الاجتماع قد انعقد علي عجل لاتخاذ قرار سياسي خطير يقضي بإعلان طلاق الزعيم مانديلا لزوجته ورفيقة نضاله ويني، وذلك حفاظاً علي استمرارية المفاوضات من أجل إلغاء النظام العنصري وتحقيق استقلال جنوب إفريقيا خصوصاً بعد أن تصاعدت الحملات المعادية التي استهدفت جر الزعيم إلي المحاكم دفاعاً عن زوجته التي لفقوا لها الاتهامات المزيفة لتشويه نضالها. ولم يكن هناك حل سوي إعلان الطلاق بناء علي رغبة وموافقة ويني التي ضحت بكل شيء من أجل كرامة وسيادة وطنها الإفريقي.
وتأتي في الخاتمة قصتي مع الدكتورة »‬ونجاري ماتاي» التي سعيت إلي لقائها عام 1988 أثناء زيارتي لكينيا بعد أن سمعت وقرأت عنها الكثير خصوصا كفاحها البطولي من أجل الحفاظ علي البيئة ونجاحها في إقامة الحزام الأخضر حول العاصمة نيروبي وسائر المدن الكينية وحملاتها المكثفة من أجل حماية المساحات الخضراء ومعاركها الجسورة في مواجهة السلطات الحاكمة وتجار الأوطان وأخيرا نجاحها في زرع 30 مليون شجرة في مختلف أنحاء إفريقيا.
حدثتني بنبرة لا تخلو من الأسي الممزوج بالكبرياء والإصرار، وكانت تطل من عينيها نظرات الثقة والتفاؤل الذي لم أصادفه لدي امرأة أو رجل من قبل قالت: (هل تتخيلين أن ما تعتبرينه أنت وغيرك من آلاف الإفريقيات قوة إرادة وصلابة في الحق وإصرارا علي قهر الموروثات المتخلفة وأطماع الحكام والتجار لحماية حقوقنا المشروعة في بيئة نظيفة تكسوها المساحات الخضراء وتظللها أشجار الياسمين والمانجو.. كل هذه الصفات اعتبرها القاضي حيثيات مقنعة لحسم دعوي الطلاق لصالح زوجي الذي اعتبرني مسترجلة ولا أصلح للاستمرار معه في حظيرة الزواج التقليدي ولكن هذا لن يثنيني عن الاستمرار في طريقي) وبالفعل واصلت وانجاري ماتاي نضالها وأكملت تربية أبنائها الثلاثة وقدمتهم هدية لمجتمعها الذي لم تبخل عليه بل منحته الكثير وألهمت أجيالاً كاملة من النساء الإفريقيات في مجتمعات ذكورية تشتد حاجتها لنضال ملايين النساء والرجال المستنيرين والقادرين علي إنجاز التغيير الحقيقي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.