رئيس جامعة القناة يشهد المؤتمر السنوي للبحوث الطلابية لكلية طب «الإسماعيلية الجديدة الأهلية»    مصر والأردن تبحثان تنفيذ أوبرا تجمع الحضارتين الفرعونية والنبطية    السعودية تحذر من الدخول لهذه الأماكن بدون تصريح    برلمانى: التحالف الوطنى نجح فى وضع أموال التبرعات فى المكان الصحيح    الرئاسة الفلسطينية: استيلاء إسرائيل على معبر رفح من الجانب الفلسطيني تجاوز الخطوط الحمراء    حزب الغد: نؤيد الموقف الرسمى للدولة الفلسطينية الداعم للقضية الفلسطينية    إدارة مودرن فيوتشر في الإمارات للتفاوض على شراء ناد جديد    حالة وفاة و13 مصابًا الحصيلة النهائية لحادث انقلاب ميكروباص بصحراوي المنيا    مركز السينما العربية يكشف عن أسماء المشاركين في فعالياته خلال مهرجان كان    الكشف على 1209 أشخاص في قافلة طبية ضمن «حياة كريمة» بكفر الشيخ    رئيس«كفر الشيخ» يستقبل لجنة تعيين أعضاء تدريس الإيطالية بكلية الألسن    مواصفات سيارة تويوتا كامري ال اي ستاندر 2024    عزت إبراهيم: اقتحام إسرائيل لرفح الفلسطينية ليس بسبب استهداف معبر كرم أبو سالم    أول أيام شهر ذي القعدة غدا.. و«الإفتاء» تحسم جدل صيامه    أيهما أفضل حج الفريضة أم رعاية الأم المريضة؟.. «الإفتاء» توضح    الرئيس الكازاخستاني: الاتحاد الاقتصادي الأوراسي يمكنه توفير الغذاء لنحو 600 مليون شخص    كوارث خلفتها الأمطار الغزيرة بكينيا ووفاة 238 شخصا في أسبوعين.. ماذا حدث؟    مرصد الأزهر لمكافحة التطرف يكشف عن توصيات منتدى «اسمع واتكلم»    «لا نعرف شيئًا عنها».. أول رد من «تكوين» على «زجاجة البيرة» في مؤتمرها التأسيسي    سلمى الشماع: مهرجان بردية للسينما الومضة يحمل اسم عاطف الطيب    موعد وعدد أيام إجازة عيد الأضحى 2024    وزير التعليم يُناقش رسالة ماجستير عن المواطنة الرقمية في جامعة الزقازيق - صور    بالفيديو.. هل تدريج الشعر حرام؟ أمين الفتوى يكشف مفاجأة    حزب العدل: مستمرون في تجميد عضويتنا بالحركة المدنية.. ولم نحضر اجتماع اليوم    عام المليار جنيه.. مكافآت كأس العالم للأندية تحفز الأهلي في 2025    «البترول» تواصل تسجيل قراءة عداد الغاز للمنازل لشهر مايو 2024    توت عنخ آمون يتوج ب كأس مصر للسيدات    «اسمع واتكلم».. المحاضرون بمنتدى الأزهر يحذرون الشباب من الاستخدام العشوائي للذكاء الاصطناعي    حسن الرداد يكشف عن انجازات مسيرته الفنية    «فلسطين» تثني على اعتراف جزر البهاما بها كدولة    .. ومن الحب ما قتل| يطعن خطيبته ويلقى بنفسه من الرابع فى أسيوط    محافظ أسوان: مشروع متكامل للصرف الصحي ب«عزبة الفرن» بتكلفة 30 مليون جنيه    السنباطى رئيسًا ل «القومى للطفولة» وهيام كمال نائبًا    وكيل وزارة الصحة بالشرقية يتفقد مستشفى الصدر والحميات بالزقازيق    مناقشة تحديات المرأة العاملة في محاضرة لقصور الثقافة بالغربية    رئيسة المنظمة الدولية للهجرة: اللاجئون الروهينجا في بنجلاديش بحاجة إلى ملاجئ آمنة    «تويوتا» تخفض توقعات أرباحها خلال العام المالي الحالي    كريستيانو رونالدو يأمر بضم نجم مانشستر يونايتد لصفوف النصر.. والهلال يترقب    أحدثهم هاني شاكر وريم البارودي.. تفاصيل 4 قضايا تطارد نجوم الفن    11 جثة بسبب ماكينة ري.. قرار قضائي جديد بشأن المتهمين في "مجزرة أبوحزام" بقنا    المشدد 10 سنوات لطالبين بتهمة سرقة مبلغ مالي من شخص بالإكراه في القليوبية    فرقة الحرملك تحيي حفلًا على خشبة المسرح المكشوف بالأوبرا الجمعة    «8 أفعال عليك تجنبها».. «الإفتاء» توضح محظورات الإحرام لحجاج بيت الله    عامود إنارة ينهي حياة ميكانيكي أمام ورشته بمنطقة البدرشين    رئيس قطاع التكافل ببنك ناصر: حصة الاقتصاد الأخضر السوقية الربحية 6 تريليونات دولار حاليا    الزمالك يكشف مفاجآت في قضية خالد بوطيب وإيقاف القيد    تعمد الكذب.. الإفتاء: اليمين الغموس ليس له كفارة إلا التوبة والندم والاستغفار    الأرصاد تعلن تفاصيل حالة الجو اليوم.. فيديو    ذكرى وفاة فارس السينما.. محطات فنية في حياة أحمد مظهر    صحة المنيا تقدم الخدمات العلاجية ل10 آلاف مواطن فى 8 قوافل طبية    صالح جمعة معلقا على عقوبة إيقافه بالدوري العراقي: «تعرضت لظلم كبير»    لمواليد 8 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    الصحة: فحص 13 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة    إخماد حريق في شقة وسط الإسكندرية دون إصابات| صور    سيد معوض: الأهلي حقق مكاسب كثيرة من مباراة الاتحاد.. والعشري فاجئ كولر    إعلام فلسطيني: شهيدتان جراء قصف إسرائيلي على خان يونس    «النقل»: تصنيع وتوريد 55 قطارا للخط الأول للمترو بالتعاون مع شركة فرنسية    رئيس إنبي: نحن الأحق بالمشاركة في الكونفدرالية من المصري البورسعيدي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من قلب جحيم العنصرية.. سيرة ترويها مناضلة أفريقية
نشر في محيط يوم 01 - 01 - 2008


سيرة ترويها مناضلة أفريقية
في أمسية قاهرية ضمت عددا كبيرا من أهل الثقافة والإعلام ، احتفى المشروع القومي للترجمة بإصدار سيرة مترجمة للعربية كتبتها المناضلة الجنوب أفريقية زبيدة جعفر بعنوان "جيلنا" ، والتي اعتبرها النقاد نسج كامل لقطعة من حياة، تسجل العديد مما يمكن أن يوصف بالمسكوت عنه يجسد معاناة المؤلفة في مواجهتها للسلطة الطاغية ، ولهتلر بدون الشارب كما تصفه .
محيط – سميرة سليمان
وتبدأ بقولها :
"حكيت لمحكمة الحقيقة والمصالحة كيف عذبوني في السجن وقال لي القاضي اگتبي.. وهذه حگاية جيلنا".
" أما عن كيف خرجت السيرة للنور فلقد طلب القاضي آلبي ساشز من زبيدة أن تكتب تجربة حياتها منذ عشر سنوات قبل صدور كتابها ،فبدأت زبيدة في نسج قصة حميمة ، إن كل لحظة خيط في هذا النسيج، الولادة، المستشفي، الأم- الجدة ثم خيط آخر عن الزوج الهارب، عن السفاح الذي يطاردها، عن رمز السلطة المطلقة الذي هددها بتفكيك عروق جنينها وقتل زوجها، ثم تنتقل بنا إلى خيط آخر، الطفلة روشكا تولد، ثم تكبر، من يعتني بها أثناء قيام الأم بكتابة هذا العمل، محنة طلاقها، طلب الطلاق، ذكرياتها عن السفاح الذي يعذبها " .
قصة تخفي مئات القصص
كان يمكن لقصة زبيدة جعفر في السجن أن تكون شيئا عاديا لا يذكره أحد، في ظل وجود آلاف القصص المتشابهة لولا القاضي "آلبي ساشز" الذي مثلت أمامه زبيده في إطار جلسات "الحقيقة والمصالحة"، وهي محاكمات لم تكن تستهدف إصدار أحكام بالحبس علي من اقترفوا جرائم الفصل العنصري وهم كثر، وإنما كانت بمثابة عملية اعتراف وتطهر ومحاولة لعلاج الجروح العميقة والآلام الرهيبة التي أصيب بها الملايين من الأغلبية المضطهدة السود والملونين وهم وغالبيتهم الساحقة من أصوله هندية وآسيوية..
فقد روت زبيدة للقاضي ما حدث لها وكيف عذبوها حتى كادت أن تفقد طفلتها بعد أن تم ضربها وحقنها بمحاليل تؤدي إلي إجهاضها وتسميم جسدها، علي الرغم أنها لم تحمل سلاحا أبدا في وجه مضطهديها ولا حتى مجرد سكينا أو حتى عصا، كانت صحفية صغيرة شابة، تهرع من مكان إلي آخر لتغطية الأحداث والمصادمات والمظاهرات السلمية حيث كانت قوات الفصل العنصري تواجه أغنيات المتظاهرين وهتافاتهم بالرصاص الحي..
غلاف الكتاب في طبعته الإنجليزية
تروي في سيرتها : " فرانز موسترت له سمعة مريعة. ليس هو من قام بتعذيبي أثناء الاعتقال الأول. كان من سوء حظي أن وقعت في براثن سبايكر فان ويك المشهور بشناعته. لن انسي طوال حياتي عيني أبي في ذلك الصباح عندما رأيت سبايكر للمرة الأولي. استيقظت لأجد أبي منحنيا فوقي، قائلا: "زبيدة شرطة الأمن هنا. انهضي يا ابنتي".
وبالرغم من أنني كنت نصف نائمة، فقد كنت غير مبالية. "لا تقلق يا أبي سأتحدث معهم" قلتها وأنا أهم بالنهوض، أنزلت قدميًّ من تحت الفراش وبعد مرجحة تردد وكسل وضعتهما في الخف أسفل السرير. كنت وقتها قد أمضيت شهورا في تغطية أحداث الانتفاضات في كيب تاون، كنت أجري بين مشاهد ومواقع المقاومة كمكوك لا يتوقف. شئ ما في عيني أبي ادخل الشك إلي ثقتي البسيطة وجعلني أسأله: "من بالداخل يا أبي؟".
تحولت عيناه البنيتان إلي لون عسلي مُخضَر وضاقت حدقتا عينيه قليلا مما أعطاني إشارة حمراء بالتريث. همس أبي لي برفق وازعه الخوف: "إنه سبايكر فان ويك بنفسه يا زبيدة".

عينان سوداوان خرزيتان، ووجه أبيض كامد، وشعر أسود لامع يتدلى علي جانبي وجهه وجبينه. هتلر بدون شارب " .
يقول لها عند اعتقالها:
"ليس لديك ما تقولينه الآن، لكني سأعطيك ما يساعدك علي البوح. اعلم بالضبط ما يجب علي أن أفعله معك. لقد "أعددت مستحضرا كيميائيا من أجلك، إذا كنت غير راغبة في التعاون".
كان يضحك ضحكة صفراء ساخرة: "تعرفين ماذا سيفعل هذا بطفلتك؟ سيقتلها، ستحترق بداخلك".
وتصف لحظات الولادة وشعورها عند رؤية طفلتها قائلة: "هذه هي الطفلة الصغيرة التي هددني الضابط بأن يقتلها، بأن يحرقها داخل جسدي. إنها جزء مني، من لحمي ومن دمي، كان من الممكن أن تؤدي إلى موتي الروحي.
"هيا يا زبيدة، كلما أسرعتي في الإجابة علي الأسئلة، سأقوم أنا شخصيا بأخذك إلي المنزل".
"أما إذا لم تفعلي، فستفقدين طفلك ولن تري زوجك مرة أخري، سوف يشنق نفسه في زنزاته مستعينا بأغطية الوسادات، إننا نقوم بالترتيبات لذلك، إنه بالفعل يتناول تلك الحبوب الصغيرة".
"إنه يقوم بطحنها وأستطيع أن أشم الرائحة النفاذة تتبخر عبر مسام جلده".
"أخبريني الآن، لماذا كنتم تصنعون تلك الأعلام؟ لماذا؟.
وقتها كنت أقول لنفسي لقد جربت المرور بتلك اللحظة عدة مرات. أرجو من الله أن يعطيني القوة لأفعلها: تستطيع أن تفعل ما تشاء. لا أستطيع أن أوقفك، ولكن لا تتوقع مني أن أتعاون معك.. إنك تحمي سياسة التفرقة العنصرية، وأنا أحاربها، ليس لديَّ ما أقوله".
سبب الاعتقال
تروي زبيدة القصة التي بسببها طاردته الشرطة هي وزوجها قائلة: سأروي القصة التي كان كبار الضباط في شرطة الأمن سيموتون لمعرفتها.
روشكا، القصة كلها تبدأ بعد شهر من تكونك في رحمي، أتى رجل اسمه "جو آدم" ليزور والدك، كان ناشطا سياسيا في الجبهة الديموقراطية المتحدة U D F وكان هاربا مثل أبيك ومثلي، قال إن السيدة مانديلا (زوجة نيلسون مانديلا) قد ذهبت إلي ناشط آخر من نشطاء الجبهة الديموقراطية المتحدة اسمه "تشيرل كارلوس" لتخبره أنها تتوقع الإفراج عن ماديبا (هو ماديبا نيلسون هولي شاشا مانديلا، وماديبا هو اسم القبيلة التي ينتمي إليها الزعيم نيلسون مانديلا) قريبا، وكان الكومنولث بصدد إرسال مجموعة من الشخصيات البارزة إلي البلاد في يناير وكان من المقرر أن يتقابلوا مع ماديبا، وربما يتم إطلاق سراحه قبل اللقاء أو بعده.
وذكرت السيدة مانديلا أن المشكلة في أننا كنا نريد الإعداد للترحيب به وأن هذه المسئولية من المفترض أن تقع علي ويسترن كيب، وقد أرسل شيريل زميله جو للعثور علي والدك لأنه، كما تعرفين، مشهور بقدراته الفائقة علي التنظيم، وقد بادر بشن كثير من الحملات.
متى ينتهي التمييز العنصري
اقترح والدك علي جو أن نفكر في صنع آلاف من الأعلام لنخزنها في كل بلدة توقعا للإفراج.
وكان المنطق من وراء ذلك أنه حتى لو قرروا حظر التجمعات أو فرضوا قيودا علي مانديلا بأي طريقة كانت، سيكون من الصعب علي الدولة أن تمنع الآلاف من الناس من حمل الأعلام في المدن والبلدات الريفية.

وقد ناقش والدك هذا معي وأدركنا أنه سيكون من المستحيل الاعتماد علي الرفاق في ميتشيل بلين ليحيكوا آلاف الأعلام. وعادة ما كانت صديقة والدك "فيرونكا سميرز" هي التي نعتمد عليها في حياكة الأعلام من أجل الاجتماعات ، ولكن مكينة خياطة واحدة صغيرة وعاملة واحدة لم يكن هو ما نحتاجه في تلك الحالة.كان علينا أن نقوم بعملنا في أحد المصانع. قمت بعمل مسح لأسماء أصحاب المصانع المختلفة في ذاكرتي ثم تذكرت فؤاد كارلي، وذهبت لأقابله واكتشفت انه لم يعد يملك المصنع، ولكنه كان يعمل في بيع الملابس بالجملة للمحال الصغيرة، لكنه قال إنه سيأتي بخطة وإنه لن يخذلنا.
جمعت إليزابيث عدد من الخيَّاطات، وكنا مداومين لا نتوقف.
كان لابد أن نصبغ المادة بشكل خاص بالأخضر والذهبي. كان من السهل شراء القماش الأسود.
وكان علي النساء ان يعملن طوال المساء علي مدى خمسة أيام. وللأسف، في اليوم الخامس، قام رجال مسلحون بأقنعة سوداء بمحاصرة المصنع، اقتحموه وألقوا القبض علي الجميع. شخص ما باعنا لهم ، لكننا لم نعرف من هو بالتحديد .
بعد ذلك بأسبوعين، قبض علينا انا ووالدك في آثلون، لسبب ما كانت شرطة الأمن تتوقعنا في ذلك الشارع الجانبي، كانت البنادق موجهة صوبنا، علي طريقة ما تشاهدينه في أفلام السينما، قادونا إلى السيارة وكانت هناك طائرة حوامة تحلق فوقنا، وضعوا القيود في يدي والدك، ودفعوه لحافلة الشرطة، ووضعوا القيود في معصميَّ، ووضعوا فجأة حدّا لحالة إعيائي الصباحي.
تم إطلاق سراحنا بعد شهرين، وكان ماديبا ما زال في السجن وكانت آمالنا تخفت. بعد ذلك ببضعة أسابيع، تحطمت آمالنا عندما هاجمت قوات الدفاع أهداف المؤتمر الوطني الأفريقي في بتسوانا وزيمبابوي، وزامبيا " .
تحدث في الندوة عدد من كبار المثقفين المصريين من بينهم الخبير بالشئون الأفريقية مدير مركز البحوث العربية حلمي شعراوي الذي وصف الكتاب بأنه "غير من الكثير من قناعاته عن المنطقة التي يعرفها منذ نصف قرن إلى جانب كشفه عن موهبة أدبية وصحافية فريدة".
كما أبدى إعجابه ب "التعذيب الذي ولد هذا الإبداع"، وفي الحقيقة فقد قدم حلمي شعراوي عرضا لسنوات الكفاح الطويلة في جنوب إفريقيا، وكيف جمعت ما بين فلسفة غاندي القائمة علي اللاعنف، وصولا إلي كفاح حزب المؤتمر الوطني الإفريقي السلمي، حتى تحول إلي الكفاح المسلح في مواجهة عمليات القتل الواسعة التي قام بها نظام الفصل العنصري.
تقول زبيدة بكتابها عن سياسة الفصل العنصري: لم أكن أعرف ماذا أقول. أدركت فجأة أن هذه الطفلة ليس لديها فكرة عن العِرق. لم أقدم لها قط هذا المفهوم، كيف لي أن أفسر لها الآن أنها لا تستطيع الذهاب إلي المياه لأن هذا شاطئ للبيض وأنها ليست من البيض. لم أكن راغبة في قول هذا.
كانت روشكا تصر. ماذا ينبغي أن أقول؟
لم أكن أصدق نفسي. "حسنا روشكا، لا يمكنك أن تذهبي إلي المياه لأنك لست من البيض".
مانديلا .. حين يتحدث
قالت عايدة العزب موسي في كلمتها بالندوة : "كتاب زبيدة من أفضل الكتب التي قرأتها عن السيرة الذاتية لمؤلفة إفريقية ذات جذور آسيوية، وهو ما يفتح الباب أمام نقاش حول الوجود الهندي في جنوب إفريقيا وبالذات دور المرأة التي لم تكتب أدبا نسويا، وإنما ناضلت كأم وزوجة لشهداء ومعتقلين، بالإضافة إلي أنها اعتقلت واضطهدت واستشهدت هي الأخرى، ولكن ما قدمته كاتبه مثل "نادين جورديمر" و"زبيدة" زلزل نظام الفصل العنصري وكشف صفحة من أسوأ صفحات الاضطهاد في تاريخ الإنسانية"
تصف الكاتبة لحظة خروج نيلسون مانديلا قائلة: "إنها اللحظة التي ظللنا ننتظرها،
كانت الشمس تشرع في الغروب عندما ظهرت السيارة المرسيدس السوداء التي تقل مانديلا وهي تنزلق ببطء عبر الحشود أمام سيتي هول. تم اقتياده عبر الفوضى إلى المبني ثم إلى الشرفة. وسط العاصفة الثلجية، لم يكن لديه نظارة القراءة فعرض عليه أحد الرفاق نظارته. كنت أرى وجهه بشكل غائم في وقت الغسق، فيما بدأ حديثه:
"الأصدقاء والرفاق مواطنو جنوب افريقيا، أحييكم جميعا باسم السلام والديمقراطية والحرية للجميع".
"أرسل بتحياتي الخاصة للشعب في كيب تاون، هذه المدينة التي أصبحت وطني لعقود ثلاثة. لقد مثلت مسيراتكم الجماهيرية وغيرها من أشكال النضال مصدرا دائما للقوة لجميع السجناء السياسيين".
أيها الرفاق:
ليس لديَ كلمات منمقة للتحدث اليوم فيما عدا القول إن حياتي منذ اللحظة هي ملك يديكم".
"إن التدمير الذي سببته سياسة الفصل العنصري في شبه قارتنا لا يعد ولا يحصي. ولقد تشتتت آلة الحياة الأسرية لملايين الناس، ملايين من الناس مشردون بلا مأوى بلا عمل، اقتصادنا يسكنه الخراب وشعبنا متورط في الكفاح السياسي".
مانديلا
"إن لجوءنا إلي الكفاح المسلح عام 1960 مع تشكيل الجناح العسكري للمؤتمر الوطني، كان عملا دفاعيا بحتا ضد عنف سياسة الفصل العنصري، ومازالت العوامل التي اقتضت ضرورة الكفاح المسلح موجودة حتي يومنا هذا، ليس لدينا خيار سوي الاستمرار، وإننا لنأمل في خلق مناخ يؤدي في القريب العاجل إلي استقرار متفق عليه، بحيث يصبح من الممكن انتفاء الحاجة إلي الكفاح المسلح".
قبلت روشكا علي خديها، وعلي جفنيها وعلي أنفها وحضنتها بينما كان صوته الثري يصل إلي الختام بكلمات من بيانه الشهير الذي ألقاه عام 1964 من قفص المحكمة:
"لقد حاربت ضد سيطرة البيض وحاربت ضد سيطرة السود. لقد انحزت لنموذج مجتمع ديموقراطي وحر يعيش فيه الجميع معا في انسجام وفرص متكافئة. نموذج آمل أن أعيش لأحققه. ولكن إذا اقتضي الأمر فإنني علي استعداد للموت من أجله".
انتخاب الحرية

من جهته قال الشاعر زين العابدين فؤاد مراجع الترجمة العربية للكتاب: "اعتقد أننا في حالة احتفال رغم الظروف السيئة التي تمر بها المنطقة، وهذا الاحتفال يؤكد معنى التواصل الحضاري الذي هو جوهر عملية الترجمة، مشيرا إلى أهمية الكتاب والكاتبة.
وتابع: تعرفت عليها بعد قراءة كتاب الشاعرة الإفريقية أنكي كروخ الذي يحمل عنوان "وطن في جمجمتي" ويكشف دور زبيدة جعفر النضالي هي وغيرها ".

وتحدث المترجم ربيع وهبة عن تجربته في ترجمة الكتاب و قال " جاء العمل في الكتاب نتاج صدفة اللقاء مع الدكتور مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية الذي أهداني نسخة الكتاب " وأكد وهبة على أهميه النص كنموذج حي لنضال الحركات الاجتماعية على أرض الواقع "

وفي كتابها تصف زبيدة لحظات انتخاب ماديبا أو نيلسون مانديلا قائلة: "
تكونت خطوط ثعبانية عديدة عبر الحديقة المقاربة للمنزل تصل رءوسها إلي المركز المدني. الناس يتحركون، نساء ورجال، بيض وسود، بقبعات وكابات بأغطية رأس ومعاطف. مظلات ملونة ترتشق على الخط الذي لا ينتهي من الناخبين المتشوقين.
وتضيف: دخلت أخيرا إلي مكان التصويت. قادني أحد الموظفين إلي المائدة التي يجب أن أبرز عندها تحقيق الشخصية. غمست إبهامي في الحبر لضمان عدم التصويت مرتين. أرشدوني إلى صف من الأكشاك حيث يمكنني أن أنظر علي ورقة الاقتراع من خلال حجاب. كان الأمر يبدو غير واقعي بالمرة.
رأيت وجه ماديبا "نيلسون مانديلا" ووضعت العلامة بجانب حزبه. كان يبتسم ابتسمت أنا أيضا ردّا علي ابتسامته بينما كنت أرفع الورقة من علي المائدة.
لقد اخترته هو وحزبه ليكونوا رعاة للديموقراطية التي حاربنا جميعا من أجلها. كنت في تلك اللحظة آمل ان يكون مفهوما لدي الجميع أننا لم نحارب من أجل الحرية لحزب سياسي بل من أجل حرية جنوب أفريقيا لكي ننتمي إليها ونعيش فيها، من أجل المعاملة العادلة للجميع" .
تجربة شخصية
لأن الكتاب سيرة حياة روت زبيدة جعفر تفاصيل تجربة أليمة مرت بها وعايشت تفصيلاتها وهي تجربة طلاقها حيث تقول: "..تركت بيتنا وانتقلت إلي بيت أبي. وجدت أنه من الصعب أن أشرح لها – لابنتها تقصد – لماذا تركت والدها.
لقد منحت هذا الرجل قلبي وروحي وامتلكهما. إنه الوحيد الذي كانت لي علاقة حقيقية معه بعد اعتقالي وتعذيبي. لقد مر بالصدمات نفسها وأصبح مهووسا علي نحو مشابه بالرغبة في الإطاحة بنظام جلب لنا كثيرا من الحزن.
كيف يتأتى للمرء أن يشرح لطفلة صغيرة تعقيدات علاقات وجدانية بين الكبار؟
وها أنا الآن علي وشك التوقيع علي ورقة ستنهي إلي الأبد علاقة الزواج بيني وبينه. كنت علي وعي مؤلم بأن العلاقة الزوجية هي التي سننهيها وليست العلاقة بيننا. أذكر حينما قررنا الزواج وفق الشعائر الإسلامية، ولكن قبل الاحتفال كان عليه التحول إلي الإسلام. حيث إنه وفقا لديني لا يمكنني أن أتزوج من رجل غير مسلم ليس علي استعداد للتحول إلي الإسلام.
وتصف زبيدة وقت وقوع الطلاق قائلة: أوضحت له "للشيخ" أنني لم أكن أريد مناقشة التفاصيل عن سبب طلبي للطلاق. "أعتقد أن هذا أمر يعنينا نحن الاثنين فقط".
زبيدة : الألم لغة بشرية
الكاتبة زبيدة جعفر وجهت الشكر للحاضرين وعبرت عن سعادتها بالوجود في القاهرة قائلة:
" نحن مطالبين الان بكسر هذه الحلقة المفرغة من العنف لنعرف كيف نتخلي عن الرغبة في الانتقام من اجل ان ننجح في خلق مجتمع مؤمن ب "التعايش المشترك " فالعالم يشهد الآن الكثير من العنف وهذه الحالة سيتوارثها أطفالنا ونحن في جنوب افريقيا نعمل بقوة لكي لا يتحمل اولادنا عبء هذ الفترة "
بالرغم من ان الألم شئ إنساني مشترك بين الجميع، فإنه يبقي دائما ذا خصوصية ما لدى كل شخص.
هناك من كانوا يتعجبون من قدرة ماديبا أو مانديلا على الغفران والتسامح ، وللعجب فإنه كان لديه من القدرة ما يجعله يتناول الشاي مع بيتس فيرويرد، زوجة أحد المهندسين الرئيسيين لسياسة التفرقة العنصرية، لكنه لا يستطيع التوافق مع ويني زوجته ورفيقة عمره.
ولأن "الحقيقة والمصالحة" مفهوم يحتاج إلي توضيح تقول عنه مقدمة الكتاب: من حسن حظ جنوب إفريقيا قد ناقشت كيف تتعامل مع الماضي، ليس بإدارة الظهر ولكن في خلال سنوات لتفاوض علي سقوط النظام العنصري تماما ، وبعد عذابات تمكن الشعب من وضع الفقرة التالية في دستور جنوب إفريقيا:
"إن تبني هذا الدستور يضع الأساس لشعب جنوب إفريقيا كي يعبر الإنقاسامات التي جرّحته في الماضي، والتي ولّدت أفظع الانتهاكات لحقوق الإنسان، والتي اعتدت علي أبسط المبادئ، والتي خلقت ثقافة وتراث الكراهية والخوف والذنب والانتقام، إن كل هذه العوامل يمكن معالجتها علي أساس الحاجة للفهم وليس الانتقام، الحاجة لإعادة التأهيل وليس للثأر.
إننا لكي نتقدم نحو المصالحة وإعادة البناء يُمنح العفو علي ما ارتُكب من جرائم وأفعال مرتبطة بالأهداف السياسية ومورست أثناء مسير الصراع في الماضي.
ودعت جعفر خلال الندوة إلى "إنهاء أشكال التمييز على أساس الجنس أو اللون أو العرق في العالم" معتبرة أن "الوقت قد حان لان نتعاون ونتقارب وهذا هو التحدي الرئيس الذي علينا ان نعمل على مواجهته من اجل الانسانية".
وقد قال القاضي الذي طلب منها وشجعها علي كتابة هذا الكتاب عن "جيلنا":
" إن عبقرية هذا الكتاب تكمن في حميميته، تكتب زبيدة حول الحب والشوق وتقسيم المجتمع إلي أجناس، عن الطلاق والقسوة، عن اليهودية في مدينة نيويورك، عن الصراع مع الإسلام.
هذه قصة من الداخل عن واحدة من أهم حركات تاريخنا المعاصر، إن المخطوطة أخاذة، إنها تأخذنا بحميمية وتكثيف خلال أحداث كثيرة مرت بها جنوب أفريقيا في تحولها من نظام الفصل العنصري إلي الديمقراطية، إن المخطوطة تجعلني أكثر ثراء، تحرك فيّ مشاعر كثيرة أهمها الفخر".

ويختتم الكتاب بهذه الكلمات:
ليست القضية داخل البعض منا، بل في كل واحد فينا.
وبمجرد أن نترك نورنا يشرق، فنحن بالعاطفة نسمح للآخرين بعمل الشئ نفسه.
ومادمنا متحررين من خوفنا،
فإن حضورنا إنما يحرر الآخرين تلقائيا"
المصدر مجهول، ولكنه يُنسب بشكل واسع إلي نيلسون مانديلا.
الكاتبة في سطور
زبيدة جعفر كاتبة وصحفية من مواليد "كيب تاون " 26 يناير 1958 ، درست القانون والصحافة واللغات الإفريقية في بلادها ثم سافرت إلى أمريكا بعد سقوط النظام العنصري ودرست الصحافة مرة أخري في جامعة " كولومبيا " كما تم اختيارها مفوضة للجنة المستقلة للإعلام بعد أول انتخابات ديمقراطية في بلادها
في ديسمبر 1994 حصلت على جائزة خاصة من مجلة "وجهات نظر الإسلام" وهي أول جريدة يصدرها المجتمع المسلم في نيويورك ثم حصلت على جائزة اتحاد الصحافة من نيويورك ونشرت عدة كتب ودراسات منها : "قصة بيبي داوود" ، و"من أجل حرية بناتنا" "والنضال من أجل قانون الحريات"، "العدالة في مرحلة انتقالية"، و"كيف تعامل الألمان مع آلام الحرب العالمية الثانية: دروس لجنوب أفريقيا تحت عنوان العدالة في مرحلة انتقالية"، كما نالت العديد من الجوائز المحلية والدولية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.