كان يوما عصيبا علي مختلف الأصعدة صنفته من أسوأ ايام حياتي إن لم يكن أسوأها وربما إحساسي بذلك اليوم سوف يعاد تصنيفه لاحقا إذا صادفت أياما أخر، ولم يكن غير مقصود أني تعمدت النزول قبل وجهتي بمحطة فقد فعلت ذلك لا لقتل الوقت الفائض فحسب بل فعلت دلك لأخرج ما علق بي من رواسب الغضب في طاقة المشي وصرت أحصد الخطوات تحت قدمي حصدا مدفوعة بكل ما أوتيت من عنفوان الشباب فقط عينان معلقتان في السماء لا تتعاليان عن رمق البشر بل تضجرت منهم لحد الانكفاء علي الذات ووسط تلك الحالة التي كدت معها لا أشعر بالزحام حيث غطي نحيبي الداخلي علي الأصوات من خارج الأذن وإذا بعينيَّ تسقطان علي حين غرة علي هيكل عظمي متحرك أشبه منه للإنسان فقط جسد نحيل نحولا مرضيا وبشرة مجعدة تنم عن بلوغ العمر أرذله وعلة سقيمة علي ظهر منحنٍ انحناء تاما لم يكن منظرا غريبا منفردا فأرجاء الأرض تطفح بالكواهل الذين جار علي صباهم الزمن لكن وجه الغرابة جاء في كون السيدة صاحبة هذا الجسد المتهالك تنظف الأرض وترتدي ثياب عاملة نظافة لم تمد يدها للمارة ولم تجلس في مكان عام وتظهر علتها فقط كانت تنظف الأرض وترمق المارة بنظرات عميقة تختصر آلاف الكلمات وتخترق مسافات جمة إذا أصابك سهم عينيها، عني أنا خفت حدة قدميَّ كثيرا ولبرهة من الزمن شعرت أن عمرا أضيف فوق عمري وتفاعلت معها بكل جوارحي إلي حد الأوج غير أن ما خفف من حدة هذا المنظر كثيرا هو رؤية كثير من المارة يتعاطفون معها بالفكة الكثيرة وأصابتني حسرة شديدة عندما أدركت أن مصروف جيبي قد نفد ذلك اليوم وأني لا أمتلك رفاهية التخلي عن بعض الفكة فقد أعود سيرا علي قدمي إذا فعلت ذلك فغادرتها وقلبي يعتصر حزنا وعيناي كانتا قد أسقطتا دمعتين كنت قد استمتُّ كي لا أسقطهما حزنا علي حالي ساعات طويلة صبيحة دلك اليوم البارد. إن كل ما ناجيت به ربي في تلك الليلة هو أن أراها مرة أخري وهو ما لم يحدث حتي الآن.