بينما أتابع ما يحدث في مصر ونلمسه جميعا تحت قيادة وتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي وسعيه الدؤوب إلى النهوض بمصر لتعود إلى مكانتها التي تستحقها في كافة المجالات بصفة عامة، وفي مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بصفة خاصة، حيث يشدد سيادته على أهمية قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات كعنصر أساسي في دعم خطط مصر التنموية، عادت بي الذاكرة إلى الوراء قليلا وتذكرت الزيارة التى نظمتها لنا جامعة بكين أثناء دراستى للحصول على دبلوم الوسائط المتعددة عام 1998، إلى مدينة "شينتشن" الصينية، وهي مدينة صناعية كبرى تقع في جنوبي الصين بالقرب من هونغ كونغ على مساحة شاسعة تبلغ مليونا و500 ألف متر مربع. شملت الزيارة عدداً من الشركات والمصانع التى تشهد على النمو المتسارع للصين، ومن ضمنها إحدى شركات إنتاج الهواتف الأرضية المحلية في ذلك الوقت، وهي شركة هواوي التى تأسست عام 1987، وأخذت على عاتقها منذ بداية تأسيسها الاعتماد على نفسها في تطوير وتصنيع معدات الاتصال، وهو الهدف الذي نجحت الشركة في تحقيقه بعد أن كانت هذه المعدات تستورد من الغرب. هذا النجاح الذي حققته الشركة، جاء استجابة للإستراتيجية الواضحة التي وضعتها حكومة الصين في ثمانينيات القرن الماضي لتطوير البنية التحتية للاتصالات في كافة أنحاء البلاد، وذلك تنفيذا لقرار حاسم اتخذته الحكومة الصينية بالاعتماد على الذات، وتقليل دور الشركات الغربية في مجال الاتصالات، وارتكزت هذه الإستراتيجية على تأسيس عدد من الشركات المحلية القادرة على تصنيع وتطوير معدات وأدوات الاتصال. خلال الزيارة، شرح لنا المسؤول بالشركة معنى كلمة هواوي في اللغة الصينية، موضحاً أنها تتكون من مقطعين هما "هوا" أي "الزهرة"، إلاّ أنّ الكلمة لها معنى آخر أصبح متعارفا عليه مؤخرا وهو "الصين"، والجزء الثاني "وي" أي "الإنجاز الرائع"، وبذلك تكون الترجمة الحرفية لكلمة هواوي هي "إنجاز رائع للصين". وتُعد هواوي من أوائل الشركات الفاعلة في مجال البحث والتطوير المخصص لمستقبل شبكات الجيل الخامس، إذ بلغت استثماراتها في هذا المجال أكثر من ستمائة مليون دولار حتى عام 2018، ومع نهاية 2013 كانت الشركة قد انضمت إلى أكثر من 170 من المؤسسات العالمية المتخصصة بوضع معايير ومقاييس تكنولوجيا قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات، ويتيح الجيل الخامس من تكنولوجيا الاتصالات اللاسلكية سرعات جيجابت واتصالات أكثر قوة. واستنادا إلى هذه التكنولوجيا، فإن إنترنت الأشياء، وتطبيقات الواقع الافتراضي، والمجتمعات الذكية، والسيارات بدون سائق من جملة مجالات أخرى، ستحقق الغاية المنشودة منها، وستُحدث تأثيراً هائلاً على حياة الأفراد. بدأت هذه الشركة برأس مال ضئيل للغاية لا يزيد على 3500 دولار أمريكي، وقامت الشركة بزيادة استثماراتها في مجالي البحث والتطوير لتصنيع تقنيتها الخاصة، وبحلول عام 1990 كان فريق العمل مكونا من 55 موظفا في مجالي البحث والتطوير. وفي عام 1996 اتخذت الحكومة الصينية سياسات قوية وجادة لدعم وتشجيع الشركات التكنولوجية المحلية، والعمل على التقليل من استخدام المنتجات الغربية المنافسة، وكان ذلك من اللحظات الفارقة والهامة في تاريخ شركة هواوي، حيث نضجت الشركة وحققت نجاحات باهرة ليس فقط على المستوى المحلي، وإنما أيضا على المستوى العالمي. ففي يناير 2017 وبعد أن كثفت الشركة كل اهتمامها لأعمال البحث والتطوير في مجالات التكنولوجيا، خطفت الشركة الأضواء بعد أن تصدرت قائمة براءات الاختراع في مكتب براءات الاختراع الأوروبي. وفي عام 2018، بلغت قيمة علامتها التجارية 8.4 مليارات دولار أمريكى مقارنة ب 7.3 مليارات دولار أمريكي في 2017. وقد افتتحت الشركة أكثر من 500 مركز في 45 دولة، ولديها خُطط مستقبلية للسيطرة على السوق الصينية بشكل كامل وهي تهدف إلى افتتاح أكثر من ألف متجر في كافة أنحاء الصين، كما دخلت الشركة الصينية في شراكات مع آلاف الموزعين وتجار التجزئة في جميع أنحاء العالم، ليرتفع عدد شركائها وموزعيها في العالم إلى أكثر من 70 ألفا، جلبت لها نسبة نمو إيرادي بأكثر من 71% في 2018. وهذه النجاحات التي حققتها شركة هواوي على المستويين المحلي والعالمي، جعلتها تصبح الآن ثالث أكبر شركة مصنّعة ومصدرة للهواتف الذكية في العالم بعد شركتي سامسونغ وآبل، حيث تستحوذ على حوالي 5% من حجم السوق العالمية. وفي حقيقة الأمر، يُعد استعراض تطور تجربة العالم في مجال الاتصالات والخدمات التكنولوجية والمعلوماتية، بمثابة داعم ومساند للوقوف على نقاط القوة والضعف، واستنباط العديد من الدروس المستفادة، التى تساعد على توضيح معالم خارطة الطريق المؤدي إلى ريادة مصر في هذا المجال، ليس على مستوى دول منطقة الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا فحسب، بل أيضا على مستوى العالم. في نهاية فبراير 2018 أقامت الجمعية الدولية لشبكات الهاتف المحمول GSMA المؤتمر العالمي للهواتف المحمولة في برشلونة بأسبانيا، وهو تجمع سنوي عالمي لصناعات الهواتف المحمولة والصناعات المتعلقة بها. ويقدم المؤتمر تغطية عميقة لوضع صناعة الهواتف المحمولة الحالية والمستقبلية، مع تسليط الضوء على مساحات محددة للتطور بالإضافة إلى آخر التحديثات التكنولوجية، وإستراتيجيات النمو. ويدير هذا المؤتمر خبراء معروفون على مستوى العالم في مجالات ريادة الأعمال والابتكار، ويتضمن برنامج المؤتمر محاضرات، وورش عمل، ومناقشات تفاعلية، واجتماعات رتب لها مسبقا مع المستثمرين ومسابقات بين الشركات الناشئة. وقد شاركت مصر في فعاليات المؤتمر بوفد رفيع المستوى، وشهد الدكتور عمرو طلعت وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات مراسم توقيع مذكرة تفاهم بين الشركة المصرية للاتصالات وشركة هواوي العالمية، بهدف تحقيق شراكة إستراتيجية بين الشركتين في مجال الحوسبة السحابية- وهو مفهوم حديث في عالم تكنولوجيا المعلومات يُعنى بتقديم التقنيات الحاسوبية عند الحاجة كخدمات في أي وقت وباستخدا