سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
آداب «الاختلاف».. احترمها الإسلام ويحتاجها الوطن العلماء: مساحة لتلاقي الأفكار.. والشريعة أكدت حرية الاعتقاد ٫٫٫ خبراء التربية: مطلوب ترسيخها في المناهج وتدريب الطلاب عليها
من حكمة الله في خلقه أن جعلهم مختلفين، في الأشكال والألوان والأديان، لاختبار مدي قدرتهم علي التفاعل والتعايش، واحترام أنماط التفكير وأساليب الحياة.. العلماء والخبراء يوضحون كيف نجعل من الاختلاف وقودًا للتكاتف والتراحم بين أبناء الوطن: وجهات نظر يؤكد د. عبد الناصر الجعفري، أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة أنه من الناحية اللغوية فإن الخلاف والاختلاف من مادة واحدة، ولكن جري الاستعمال علي أن يكون الاختلاف إنما هو في التنوُّع والتعدُّد، وهذا أمر محمود، وقد وجد الخلاف بين الناس منذ وجد الإنسان في الدنيا، وذلك لحكمة عليا، وإذا كان تعدد الآراء والأفكار ليس كله شرًّا، بل من طبيعةِ الناس أن يختلفوا في وجهات النظر واستنتاجات الفكر، فلكلٍّ حظُّه من العقل والحكمة، فإنه يجب الاستفادة من تعدد الآراء بالقدر الذي يتيح لنا الوصول للحق بالطريق الصحيح. ويوضح د. الجعفري أنه يمكننا أن نجعل الخلاف فرصة لتدريب النفس علي الحوار، وعلي سعة الصدر والتأدب بمفاهيم القرآن كالعدل مع المخالف، وحسن الظن به، وحمل كلامه علي أحسن محامله، وتفعيل النصيحة بطرقها وآدابها، وفرصة كذلك للتعمّق في فقه المسألة وفهم القضية ومعرفة وجه الدلالة فيها، ويعد الاختلاف الصحيح علامة صحة في المجتمع، بل من سبل تحرير العقل الذي يؤدي إلي النهضة والإصلاح، لأن الكثير من الخلافات سببها الأساسي هو هوي الأنفس والتكبر والعناد المتبادل مما يعقد المشكلة ويوصلها إلي طريق مسدود رغم أن المشكلة يمكن حلها بقليل من التنازل أوالكلمة الطيبة. أدب إسلامي يؤكد د. خالد عبد العال أحمد، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر أن الاختلاف عند علماء اللغة هوأن يأخذ كل طرفٍ طريقًا غير طريق الآخر من غير منازعة ولا شقاق، والاختلاف بين الناس من آيات الله تعالي في خلقه، وسيبقي الخلاف بين البشر ما دامت هناك حياة، ولوشاء الله تعالي لجمع الناس علي كلمة واحدة، قال تعالي (ولوشاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم)، أي لم يخلقهم لأجل الاختلاف، وإنما لأجل غاية الاختلاف. ويوضح د. عبد العال أن الاختلاف بين الناس تتعدد مجالاته، ومن أهمها: الاختلاف في الدين، وهذا النوع من الاختلاف وضع الإسلام له ضوابط من أهمها: أن الحوار بين الأديان المختلفة هومساحة تتلاقي فيها الأفكار، ولا يعني أبدًا التحقير من أي دين، ولا يعني كذلك الإكراه علي معتقد معين؛ فإن حرية الاعتقاد أمر كفله الإسلام، فقال تعالي (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)، وقال آمرًا نبيه الكريم أن يقول بعد النصح والبيان (لكم دينكم ولي دين)؛ وكذلك الاحترام الشخصي المتبادل بين أطراف الحوار، ولنا في رسولنا صلي الله عليه وسلم القدوة والأسوة الحسنة؛ ففي رسائله إلي الملوك كان يُصدِّرها بالقول الطيب، وبما اعتاده هؤلاء الملوك من عبارات المدح والثناء، بل أرشد النبي إلي معاملة الناس جميعًا علي اختلافهم- بالحسني؛ فقال: (وخالق الناس بخلقٍ حسن). تنوع لا تضاد الشيخ محمد الجوهري، أحد علماء الأوقاف، يوضح أن الاختلاف في الفقة الإسلامي اختلاف تنوع وغني وليس اختلاف تضاد وتناقض، وأن المشرع أراد أن تكون في الأمة مذاهب يمكن للإنسان أن يتخير منها ما يشاء بحسب ظروفه وأحواله.. ويشير إلي أن هذا الدين كالماء والهواء لا يمكن لأحد أن يحتكره، كما أن الاختلاف المحمود هوما فيه مصلحة للأمة، ونحن نعاني مشكلة من بعض الشباب الذين وصفهم النبي صلي الله عليه وسلم بأن أحدنا يحقر صلاته أمام صلاتهم وصيامه أمام صيامهم يتمسكون بالدين لكن تمسكهم بالدين يذهب بهم إلي التشدد، إلي حد أنه لايري الحق إلا فيما يفعله، هؤلاء يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية. في المناهج أما د. أمين أبوبكر، أستاذ التربية بجامعة 6 أكتوبر فيشير إلي أننا نحتاج إلي غرس قيم أدب الاختلاف والتعامل لدي أبنائنا، وفي مناهجنا الدراسية، وفي أدب التعامل الأخلاقي، كاحترام الآخر، والإحسان إليه، وعدم سوء الظن به، وعدم تصيد الأخطاء له، وأدب التعامل العلمي، كالقدرة علي إبداء الرأي، والموضوعية وإنصاف الرأي الآخر، والبحث عن الحقيقة، ومن أدب التعامل الاجتماعي مع الرأي الآخر التكيّف وقبول الاختلاف، والبعد عن إسقاط الآخر اجتماعيًا، وحق إبداء الرأي.. ويوضح أنه علينا أيضا غرس آداب الاختلاف لدي الأبناء من خلال بناء محتوي كتب التربية الدينية، والعمل علي تفعيل دور الأنشطة الطلابية، وعقد الندوات وورش العمل فيما يتعلق بالاختلاف، وأدب الاختلاف، وتدريب المعلمين علي كيفية تدريس أدب الاختلاف المتضمنة في محتوي المقررات، وكيفية استخلاصها، وإبراز مضامينها، وغرس مكارم الأخلاق من أجل بناء الشخصية المصرية الإنسانية المتكاملة وزرع الانتماء للدين والوطن والهوية واللغة الأم، وتعزيز مبدأ الحوار والإقناع مع الشباب وبخاصة الأسر والمدارس والجامعات، وتعويد الأبناء علي احترام آراء الآخرين، وتقبل التعامل معهم، ومساعدتهم في اختيار الرفقاء الصالحين، وضرورة الاهتمام بكل الوسائط الإعلامية، والاستفادة منها في ترسيخ آداب الاختلاف في النفوس.