منذ قرابة الشهرين، اختفي المحقق الخاص روبرت مولر وفريقه عن الأنظار تماما، وكانت كل تحركاتهم طي الكتمان، ومولر للتذكرة هو رئيس لجنة أنشأتها وزارة العدل الأمريكية للتحقيق فيما إذا كانت روسيا تدخلت بشكل أثر علي نتيجة الانتخابات الأمريكية الرئاسية عام 2016، وكذلك ما إذا كان قد حدث تواطؤ بين حملة الرئيس دونالد ترامب وموسكو في تلك الأثناء. ولكن اختفاء مولر وفريقه، كان بتوجيهات من وزارة العدل، حيث كان الحرص واضحاً علي عدم توجيه أي اتهامات سياسية لترامب ومعسكره الجمهوري، علي مدار الستين يوماً الماضية، كي تنتفي أي شبهة تأثير علي انتخابات التجديد النصفي للكونجرس التي جرت الأسبوع الماضي، وأفضت إلي انتكاسة لرئيس الولاياتالمتحدة، إذ أصبح الحزب الديمقراطي أغلبية في مجلس الشيوخ، مما يجعل الباب مفتوحاً علي مصراعيه، لإنشاء مزيد من اللجان للتحقيق في اتهامات طالت ذمة ترامب المالية وعلاقاته المشبوهة بروسيا. غير أن هذا لم يكن كل شيء في ذلك الأسبوع شديد التوتر والعواصف السياسية في أمريكا.. عواصف أطاحت بوزير العدل جيف سيشنز، ذلك الرجل الذي رفض مرارا وتكرارا مطالب ترامب بحل لجنة مولر وإنهاء عملها، ولم يكن في الأمر مفاجأة حيث إن ترامب لم يُخف سخطه علناً عدة مرات علي سيشنز بسبب رفضه المساس بمولر وفريقه، وكان سيشنز حريصاً علي التوضيح بأنه استقال بضغط من ترامب. وفي مسار موازٍ، تبادل الجمهوريون، وعلي رأسهم ترامب، والديمقراطيون الاتهامات بشأن نتائج انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، التي ما زالت نتائجها غير مؤكدة في ولاية فلوريدا رغم مرور أيام علي الاقتراع. وقال ترامب أمام الكاميرات إن "ما يحدث في فلوريدا مشين". وبعدما ألقي بكل ثقله من أجل نتيجة لم تعلن رسميا حتي الآن بعد انتخابات الثلاثاء الماضي، أكد الرئيس الأمريكي بالنبرة نفسها أن المرشح الجمهوري لمجلس الشيوخ في فلوريدا ريك سكوت "فاز بسهولة"، بينما فرز الأصوات مازال مستمرا. وفي المقابل، رد زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر بالقول: "في أي ديمقراطية، لا يمكن لأحد ولا حتي الرئيس، أن يمنع فرزا قانونيا للأصوات". وأضاف: "لن نسمح بذلك، ولن نسمح لأحد بسرقة هذه الانتخابات". ويبدو أن فلوريدا ستشهد فرزا جديدا للأصوات في الأيام المقبلة، إذ إن الفارق بين ريك سكوت والسيناتور الديمقراطي المنتهية ولايته بيل نلسون ضئيل جدا، ولم يكن يتجاوز 18 نقطة مئوية، أي أقل من 15 ألف صوت في ولاية تضم 21 مليون نسمة. وفي الوقت نفسه، تقدمت المرشحة الديمقراطية لمجلس الشيوخ في أريزونا كيرستن سينيما (42 عاما)، علي منافستها الجمهورية مارثا ماكسالي (52 عاما) المدعومة من ترامب، التي كان فوزها مؤكدا في هذه الولاية الأمريكية بعد فرز كل الأصوات تقريبا، حسب النتائج الرسمية للتصويت. وفي حال فوز الديمقراطية سينيما فستكون الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ أقل مما كان متوقعا. وكانت سينيما تتقدم علي منافستها الجمهورية مساء الخميس الماضي بفارق تسعة آلاف صوت، حسب سلطات الولاية. قرارات ترامب المثيرة للجدل لم تتوقف عند حد إقالة سيشنز من منصبه، حيث استبدله بآخر يُدعي ماتيو وايتيكر، وهو رجل أعمال ونائب عام سابق، ويعمل تحت إمرة سيشنز في وزارة العدل منذ أغسطس 2017، وله علاقات وثيقة بالبيت الأبيض. وفي يوليو من نفس العام كان وايتيكر قد دعا علناً في حوار مع شبكة »NN إلي قطع التمويل الفيدرالي عن المحقق مولر وفريقه، مما سيعني "توقف التحقيق بالتبعية". وبعد شهر من ذلك التصريح، نشر علي حسابه بتويتر مقالاً يعود إلي موقع Philly.com، بعنوان "نصيحة إلي محامي ترامب: لا تتعاون مع كتيبة الإعدام التي يقودها مولر". ولكن الإعلان عن تعيين وايتيكر خلفاً لسيشنز لم يكن مصحوباً بتوضيح ما إذا كان الوزير الجديد سوف يتولي مباشرة الإشراف علي تحقيق لجنة مولر أم لا. إدانة خلال الثمانية عشر شهراً الماضية، مدة عمل لجنة مولر، انتهي الرجل إلي إدانة 32 شخصاً، من بينهم 26 رعايا روس، ومن القائمة الأمريكية خضع 4 أفراد للمثول أمامه شخصياً، وهم: الجنرال مايكل فلين مستشار ترامب الذي أمضي في منصبه 22 يوماً فقط ثم استقال بعد افتضاح أمر لقائه بمسؤولين روس سراً، وجورج بابادوبلوس الذي كان مسؤولاً عن العلاقات الخارجية في حملة ترامب، وبول مانافورت، مدير حملة ترامب الانتخابية في الفترة من مايو إلي يوليو 2016، وكذلك مساعده ريك جيتس. والأربعة متهمون، بدرجات متفاوتة، بالحنث بالقسم والتآمر علي الولاياتالمتحدةالأمريكية، وغسيل أموال، والتهرب الضريبي. في الأسابيع الأخيرة، واصل فريق مولر تحقيقاته، بمقابلات أجريت بشكل سري مع عدد من الشهود أمام هيئة محلفين بمحكمة فيدرالية بواشنطن، ووفقاً لوسائل إعلام أمريكية، فإن مولر مهتم الآن بلقاء، روجر ستون، الذي عمل لوقت طويل مخططاً ومستشاراً لحملة ترامب.. روجر ستون صديق الرئيس الأمريكي متواجد الآن علي رادار مولر لسبب في غاية الأهمية، وهو أن الرجل كان يتفاخر في أثناء الحملة الانتخابية عام 2016، بأنه علي علاقة بموقع التسريبات الشهير "ويكيليكس" ومؤسسه جوليان أسانج، علماً بأن "ويكيليكس" نشر رسائل من البريد الإلكتروني لعدد من الشخصيات الديمقراطية في حملة هيلاري كلينتون منافسة ترامب في الانتخابات، ولهيلاري نفسها، وذلك إثر تعرض أجهزتهم للاختراق من قبل قراصنة روس. وما إن شرع المحقق مولر في تحقيقه، حتي تراجع روجر ستون عن تصريحه السابق، وأكد أنه لا علاقة له بأسانج وموقعه المتخصص في التسريبات. أما أندرو ميلر، فهو مساعد لروجر ستون ورفض الاستجابة لمذكرة استدعاء طالبته بالمثول أمام هيئة محلفين، بحجة أن التحقيق الذي يجريه مولر غير دستوري، وهنا تعرض لإدانة من قاضٍ بتهمة ازدراء المحكمة ومن المفترض أنه خضع لجلسة استماع سرية الخميس الماضي. جبهة أخري جبهة أخري فتحها المحقق الخاص روبرت مولر، وتلك علي دونالد ترامب شخصياً، حيث إن الرئيس الأمريكي متهم بعرقلة سير العدالة، وذلك من خلال قيامه يوم العاشر من مايو 2017 بإقالة جيمس كومي رئيس المباحث الفيدرالية FBI السابق، حيث كان كومي ينوي القيام بنفس ما يفعله مولر حالياَ. وفي هذا الإطار أرسل مولر 40 سؤالاً مكتوباً إلي فريق المحامين الخاص بترامب، وبعد الإقالة القسرية لسيشنز، اتضح أن محامي الرئيس تفاوضوا مع مولر للإجابة علي 12 سؤالاً فقط، علي أن يتم إرسال الإجابات إليه مكتوبة في منتصف نوفمبر الجاري، وهو ما وافق عليه مولر. وفي الوقت ذاته، رفض محامو ترامب، وعلي رأسهم رودلف جولياني عمدة نيويورك، أكثر من طلب لمولر كي يلتقي ترامب شخصياً، ويبدو الهدف من ذلك الرفض هو الخوف من اتهام ترامب بالحنث بالقسم. ويبدو هذا الرفض أو الخوف، إن صح التعبير، من لقاء المحقق مولر متناقضاً مع ما صرح به ترامب نفسه بعد انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، حيث أكد في مؤتمر صحفي أنه سيسمح باستكمال تحقيق مولر حتي النهاية، وأنه ليس لديه ما يخشاه، و"للمرة الألف لا تواطؤ بين حملتي والكرملين". ترامب كان شديد العدوانية وفاقداً السيطرة علي أعصابه في المؤتمر، ورد بفظاظة منقطعة النظير علي صحفيين طرحوا عليه أسئلة بخصوص تصريحاته الغريبة عن إطلاق النار علي مهاجرين متوجهين من المكسيك صوب الحدود الأمريكية، وكذلك عن إلقاء البعض بالمسؤولية فيما يخص إرسال طرود مفخخة لشخصيات محسوبة علي الحزب الديمقراطي، وإلي قناة »NN التي لا تتوقف عن انتقاده، حيث يري كثيرون أن خطاب ترامب المعادي بشراسة تجاه الحزب الديمقراطي والقناة الشهيرة أدي إلي ذلك. ولكن ذروة الإثارة في المؤتمر الصحفي، كانت حينما تجاهل ترامب سؤالاً من جيم أكوستا، الذي يعمل ل»NN وكان السؤال عما إذا كان الرئيس يشعر بالقلق من عمل المحقق مولر، وحينما أصر أكوستا علي طرح السؤال مرة أخري، قال له ترامب بنبرة عدائية وملوحاً بيده: "أنت شخص وقح ولا تُطاق، وأنا لا أخشي شيئاً علي الإطلاق، وعلي ال»NN أن تشعر بالعار لأن شخصا مثلك يعمل لديها". فيما حاولت موظفة بالبيت الأبيض نزع الميكروفون من يد أكوستا. وحينما جاء الدور علي بيتر ألكساندر، وهو صحفي يعمل لقناة »NB، لكي يوجه سؤاله، فإذا به يدافع عن زميله أكوستا، حيث قال لترامب:"إنه صحفي مجتهد ويتحرك ويعمل مثلنا"، ورد عليه ترامب:" وأنت أيضاً لا تثير إعجابي، أنت لست ضمن الأفضل"، وما إن انتهي المؤتمر الصحفي حتي أعلن البيت الأبيض سحب تصريح الدخول الخاص بجيم أكوستا.