«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علي هامش جائزة نجيب محفوظ، الشيوعي.الأخير يتحدث عن الفن والسياسة والحياة..
سعدي يوسف: لست عدواً للثورة
نشر في أخبار الأدب يوم 03 - 08 - 2012

أنا ضحية الأنظمة المستبدة ودفعت ثمناً فادحاً من أجل الثورة
مايجري بسوريا نفس مقدمات غزو العراق
الربيع العربي إعادة استعمار والثورة المصرية البريئة الوحيدة من التدخل الأجنبي
أي ربيعٍ عربي مقال نثري وليس قصيدة واللبس مسئولية القاريء
تفاديت إفساد علاقتي مع درويش باسم
حجازي وصراعي مع أدونيس يبدأ من بيروت
لست معنياً ب «نوبل» لأني لا أريد
أن أضع نفسي بموضع أدونيس
الساسة كلهم كذابون والشاعر
هو الصادق لأنه بلا مصلحة
خيباتي في الحب تؤذيني كثيراً«، أبدأ بهذه الجملة التي كانت خاتمة حوارٍ طويلٍ مع الشاعر العراقي الكبير سعدي يوسف، لألخص كم هو رقيقٌ وهائمٌ بالحياة، حتي ولو علي مشارف الثمانين. لا تخدعكم تصريحاته الصدامية، ولا المبالغات الإعلامية بشأن ما يحبه وما ينحاز إليه، وبالطبع من يهاجمه ويعاديه. المسألة أبسط بكثيرٍ عندما يقترب الواحد من شخصٍ من أجمل الصعاليك، يرتدي قرطاً فضياً في أذنه، وجعراناً مصرياً في قلادةٍ انجليزية وقبعة مقلوبة، وتي شيرت كاجوال، ويشرب البيرة منذ الصباح.الشاعر الكبير الذي أخافني عدد مجاميعه الشعرية والنقلات فيما بينها، وصراعاته مع مجايليه من الشعراء، ومع وطنه الذي يفصله عنه »الاحتلال«، ووجهه في الصور عندما يتجهم، كان أقرب إلي زميل دراسة وأنا أحاوره بمقهي »ريش« بوسط المدينة، ليؤكد عملياً »أنه لست متعالياً لكنني حريص علي موقفي الذي يمثل بذاته تعالياً علي الخيانات والساسة الكاذبين...«، في عباراتٍ مكثفة سريعة جاوب وعلق »الشيوعي الأخير« علي عديد أسئلة حول مواقفه من الشعر والثورات والجوائز والحياة والمجايلين، بعد أيامٍ من اقتران اسمه بالراحل الكبير نجيب محفوظ الذي تسلم جائزة باسمه من اتحاد كتاب مصر، وإلي نص الحوار:
ما أهمية أن تذكر ضمن سيرتك الذاتية علي موقعك: »شهد حروباً، وحروباً أهلية، وعرف واقع الخطر، والسجن، والمنفي«؟
هذه الجملة القصيرة هي ملخص سيرة لي، تتضمن تاريخاً طويلاً وأحداثاً أثرت في حياتي، وتحمل كل كلمةِ بها عديد تفاصيل ومعلوماتٍ، وأعتبرها مهمة جداً لأنها تقدمني للقاريء بشكلٍ سريعٍ، لذا ذكرتها من أجل إلقاء الضوء علي سيرتي ملخصةً.
وكيف تكون نتيجة ذلك أن تعادي الثورات العربية؟
أنا لم أكن يوماً معادياً للثورة. حياتي كلها كُرست من أجل الثورة، من أجل التغيير في العالم العربي، ودفعت لقاء ذلك ثمناً فادحاً بالسجن والنفي، ومواجهة حملات شرسة من السباب والشتائم، والإهانات، وما زلت أواجه، ومازلت أعتبر نفسي ثورياً.
الإشكال، منذ سنتين، أنني أبديت رأياً مبكراً فيما حدث من إعادة استعمار للبلدان العربية وسمي ربيعاً عربياً، فحتي التسمية نفسها لم تكن لنا، جاء بها الأمريكان واستعملناها نحن بوسائل الإعلام. و تحت هذا الغطاء مازال الاستعمار الغربي للعرب مستمراً: ليبيا جري احتلاله، والعراق طبعاً تعرض لغزوٍ كاملٍ، وتونس كان الانقلاب فيها مدبراً من الخارج، وما يجري بسوريا هو نفس المقدمات التي جرت لاحتلال العراق وليبيا.
إذا كنت تقصد التدخل الأجنبي فماذا تقول في مصر؟
ما حدث في مصر مختلفٌ تماماً، لأن المصريين لم يستعينوا بجيوش أجنبية، ظل الناس يقدمون الشهداء والجرحي ويناضلون عاماً ونصفاً حتي تمكنوا من إزاحة حسني مبارك، وكان للجيش الوطني دورٌ كبيرٌ في الحفاظ علي تماسك البلاد ووحدتها. لأن بقاء الجيش موحداً كفل وحدة البلاد.
كيف تحملت ردة الفعل علي موقفك، هذا الذي عده البعض انحيازاً للأنظمة الدكتاتورية لأنك مستفيدٌ منها؟
كيف؟ وأين هي الاستفادة وأنا لم أكن يوماً ذا منصبٍ في هذه الأنظمة؟، بالعكس كنت ضحيتها، سُجنت ونُفيت وشُردت من قبل تلك الأنظمة. وعموماً الناس الآن معي، صاروا يقولون إن فلانا قال رأياً مبكراً وأثبت الزمن صحته.
لكن لماذا اخترت إعلان هذا الموقف شعراً عبر قصيدة «أي ربيع عربي»؟
ومن قال إن هذه قصيدة؟،
هي مقال نثريٍ قصير جداً، لا أدري كيف تم تلقيها شعراً، اللوم علي القاريء الذي لم يستطع التمييز بين الشعر والنثر، ماذا أفعل له أنا؟، لست مسئولاً عن تصنيفها شعراً، ومن ثم الهجوم عليها بمنطق الشعر.
أهنئك علي جائزة نجيب محفوظ وافتتح بها سؤالك عن إشكالية «نوبل.. سعدي يوسف.. أدونيس..
أشكرك، لكن في الواقع ليس الحديث عني فيما يخص نوبل كثيراً ومتواتراً كما يحدث مع أدونيس، لم أفكر يوماً، علي الإطلاق، بهذا الأمر، صحيح أن لي صديقاً بالسويد أخبرني منذ أكثر من ثلاث سنوات بأن اسمي علي قائمة المرشحين، لكني لم أتابع أي شيءِ حول الموضوع ولم أستفسر إذ لم أكن معنياً بالأمر، لأنني لا أريد أن أضع نفسي بموضع أدونيس.
بمعني؟
بمعني لا أريد أن يقول أحد إن هناك شخصاً آخر يتحدث عن هذه الجائزة، فأدونيس مثلاً منذ أواخر الثمانينيات، كان يعتقد أنه المؤهل أكثر للجائزة، ويتجدد الكلام حولها كل عامٍ، ومضي أكثر من 20 عاماً دون أن يحصل عليها.
السبب العميق للصراع المعلن مع أدونيس؟ وهل هو صراع شخصي أم منافسة شعرية؟
لا يوجد بيننا أي صراعٍ. نحن صديقان نلتقي في شئون كثيرة، وليست بيننا خصوماتٍ في الواقع، ولا احتكاكات، أو سجالات، بالعكس كثيرٌ من مراحل حياتنا كانت مشتركة، فمثلاً في حصار بيروت كنا ننزل كلانا إلي ملجأٍ تحت الأرض، وفي باريس كنت أزوره باستمرار، وعندما كان يذهب إلي سوريا كنت أذهب إلي قريته ونلتقي بمنزله هناك قريباً من بلدة جبلة.
لكن بعض الصحفيين بخاصةٍ في لبنان يثيرون ذلك من حينٍ إلي آخر، ويسألونه فيقول لهم لا شيء بيننا، ونفس الشيء معي،الأمر كله افتراء حقيقي.
هل مازلت ناقماً علي العراق الجديد؟
والله أنا بلدي محتلٌ وأنا ناقمٌ علي الاحتلال. لا أحد ينقم علي بلده، وإن كنت أسعي إلي شيءٍ فإلي تحرير بلدي. وعلاقتي بالمثقفين العراقيين جيدة، يبعثون إلي بكتبهم وأبعث لهم برأيي، وأحياناً أقدم لبعضها مقدمات قصيرة، لكن موقفي السياسي واضح وثابت لأي إنسانٍ بسيط.
وماذا عن إعلانك أنك لا تتشرف بعراقيتك؟
ما قلته ببساطة إنني لا أتشرف بالعراق المستعمر، وأتشرف بالعراق الوطني، لكن الإذاعة الأمريكية نقلت الخبر مشوهاً وبثته إلي كل مكان في العالم علي طريقة »ولا تقربوا الصلاة».
تعرف كم أنت محظوظ لأكثر من سبب: تواصل الإنتاج والحمدلله، تسامح الناس معك دائماً رغم تصريحاتك الصدامية طول العمر نسبةً بشعراء آخرين كالسياب وأمل دنقل وكثيرين، إلي أي مدي يؤثر ذلك علي الكتابة؟
ليس عندي شئ أفعله سوي الكتابة، وبالذات الشعر. مؤخراً اتفقت مع الهيئة العامة للكتاب علي طباعة أعمالي الكاملة، هي سبعة مجلدات، تقع في ثلاثة آلاف وخمسمائة صفحة، مشروع ضخم فعلاً.
هل تعتبر أن عبد المعطي حجازي ظلمك عندما لم يمنحك جائزة الملتقي الأول للشعر العربي ومنحها لدرويش؟
لا. تلك أيضاً كانت محاولة للوقيعة بيني وبين محمود درويش لكننا تفادينا إفساد العلاقة الحميمة بيننا. حجازي صاحبي، في مصر وفي باريس كنت أزوره ويستقبلني هو وزوجته دائماً، وأنا ليست لي عداوة مع شاعر أبداً.
البعض يعتبرك من الصعاليك »العظام«.. هل الصعلكة موقف؟
نعم، فمثلاً أنا لا أؤمن بالملكية، ودائم التنقل بين البلدان، ولم أرتبط بمؤسسةٍ أو سلطة أو نظام، لكنني أشعر بأنني امتلكت الحرية المطلقة، و حياتي اليومية هي حياة إنسان يبتهج بالحياة ويستمتع بها، يلبس جيداً، يأكل جيداً، ويشتري أغلي الأنبذة، ويعيش مستوي معيشةٍ عاليا بشكل ما، لكنني صعلوك بالمعني العربي للصعلكة الذي ينطبق علي الشاعر المتحرر من كل قيود وسلطة القبيلة.
لم أهتم بالمتصوفة لأنهم مؤمنون، ولذلك فإن التصوف محدود الأفق. ولأن التصوف مؤمن فإنه لا يقدم إشكالا.. هل يعني ذلك أن قلقك الوجودي هو محفز الشعر لديك؟
نعم، الأوروبيون يفضلون شعر التصوف العربي ويهتمون بترجمته، ويهملون القصائد التي تعبر فعلاً عن مشكلات مجتمعنا، وتاريخنا والموقف من الثقافات الغربية و كأن الشعر العربي هو فقط شعر التصوف. إشارتي بأنني لا أعتد بشعر التصوف، سببها أولاً أن المتصوفة مؤمنون، ثم لأن الشعر نفسه ضعيف، فابن الفارض مثلاً مقلد، وشعر التصوف الإسلامي محدود هو مجرد تمجيد للخالق وليست لديه أسئلة، والفن دائماً يثير أسئلة.
حدثنا عن اللغة هل تكتب بلغة غير العربية.. وهل تضع في حساباتك جمهوراً غير الجمهور العربي؟
أحياناً أكتب مقالاتٍ وقصصا قصيرة بالإنجليزية، لكنني لا أكتب الشعر إلا باللغة العربية، وقد أترجم بعض النصوص إلي الإنجليزية أو لا أفعل. أيضاً أنا التقيت مع عديد من شعراء العالم الآخرين قالوا إنهم لا يكتبون إلا باللغة الأم، ولا يمكن أن يكتبوا بلغةٍ أخري.
المسألة لا تتعلق فقط بالشاعر وإنما تتعلق أيضاً بالناس، فأنا أكتب إلي جمهور عربي، ولا يعنيني، خصوصاً في الفترة الأخيرة، إلقاء قصائدي إلي 20 أو 25 عجوزا انجليزية في قاعة، لا أحتاج إليهن ولا أطلب رضاءهن، لذا تركت الأنشطة التي من هذا النوع، وهي كثيرة في أوروبا لكن مع الوقت يضجر المرء منها لأنها سخيفة وبلا معني.
رغم تصالحك مع قصيدة النثر نجدك منزعجاً من كتابها هل يعني ذلك أنك لا تعترف بأيٍ من الشعراء
الموجودين في الساحة العربية من كتاب هذه القصيدة؟
ولماذا التعميم؟
أنا لا أستطيع أن أعمم. رغم ما ورد عني من موقف سلبي تجاه قصيدة النثر أرحب بها باعتبارها شكلاً، لا أقول جديداً، لأنها موجودة منذ القرن ال19 في أوروبا وفي الولايات المتحدة. أرحب بها كشكلٍ يضاف إلي أشكال التحديث الأخري في القصيدة المعاصرة. اعتراضي أن قصيدة النثر عند «بودلير» في فرنسا،
و«والت ويتمان» في أمريكا كانت من أجل إنزال الشعر من برجه العاجي، والاهتمام بأحوال الناس، ف»بودلير» ارتبطت قصيدته بفتح ميدان «البوليفار» في باريس الذي أتاح للناس أن تمشي أكثر في الشوارع، وسلط الضوء في أول قصيدة نثر علي ناس فقراء، وهذا كان يعني شيئاً كبيراً. و»والتويتمان» في الجهة الأخري من العالم أيضاً اهتم في عمله الشهير «أوراق العشب» بناس عاديين في أمريكا، أما قصيدة النثر العربية في أكثر نصوصها فليست لها علاقة بالشارع وإنما بهواجس ذاتية وتهويمات شخصية، ليست لها علاقة بالناس، وإنما بالفرد، وهذا الشيء أبعد قصيدة النثر العربية عن الحياة، بدلاً من أن يهتم الشاعر بحياة الناس.
محمود درويش محمد الماغوط أدونيس وأحمد عبد المعطي حجازي كيف تري هذه الأسماء شعرياً وشخصياً؟
كلهم أصدقائي وكلهم شعراء جيدون، ربما هناك تفاوت وتمايز بينهم لكن جميعهم شعراء
كبار أسهموا بدورهم في تطوير القصيدة في هذا البلد أو غيره ودخلوا في البانوراما الواسعة للشعر العربي.
من أهم وأجمل دواوينك «الأخضر بن يوسف» لماذا يكون الإنسان رائعاً كل هذا الحد عندما يتحدث عن سيرته الذاتية؟
لأن المادة المتوافرة تكون أكثر ثباتاً وملموسية وبالإمكان السيطرة عليها، أحياناً تكون المادة مائعة وزئبقية وغير ممسوكة، لكن خبرتك الشخصية تكون مسيطرا عليها أساساً.
وإلي أي مدي تمثلك هذه الشحصية الشعرية؟
إلي حد كبير. فقد صار حولي نوع من الأسطورة، صار الناس يقولون إن فلانا متشرد، متنقل، لديه مغامرات وهذا به شيء من الحقيقي وشيء من الوهم، وصرت أنا سعيدا بهذا الموضوع. وكذلك مابيني وبين الأخضر بن يوسف، هذه الشخصية التي اختلقتها ثم اختلطت علي المسألة فأصبحت أصدق نفسي أنني هذا الشخص. وبالمناسبة هذا الديوان تحول إلي فيلم تستطيعين مشاهدته علي موقعي الإلكتروني، وهو فيلم مهم جداً لأنه يضعني بين الحقيقة والواقع بمنزلي ولقطات أخري بالغابة وغيرها.
باط الشعر بالحواس، اليومي والمعيش، المادية بمعني اللا ميتافيزيقا يقرب شعرك من مفهوم التدوين أو السيرة الذاتية إلي أي مدي تعتبر ذلك حقيقيا؟
الحواس هي وسيلة الارتطام الأولي. أنا لا أبدأ القصيدة من فكرة أبداً وإنما من الحاسة لأنها العلاقة الأولي مع الطبيعة والكون، الأفكار لا تستثيرني علي الإطلاق كمدخل أو كوسيلة لبداية أي نصٍ، أؤمن فقط بالصورة وأعتبرها تشكل العمود الفقري للنص، وفيما يخص السيرة فلا بد أن يكتب الواحد عن تجاربه وعن خبرته المباشرة.
ماذا عن الأوديسا هل توغلت فيها أم مازالت تخطيطاً؟
الأوديسا كانت مشروعاً بدأته ثم انصرفت عنه لانشغالي بمشاريع أخري، أهم من وجهة نظري، هي لا تزال تخطيطاً كتبت به صفحتين منذ عشر سنين، ولا أعرف حتي أين هي بالمكتبة الآن، وليست عندي رغبة في العودة إليها قريباً، ربما أكون مشغولاً أكثر بالطبعة الجديدة من أعمالي الكاملة.
وماذا عن الشيوعي الأخير لماذ كل هذا التمسك به لدرجة منحه ديواناً كاملاً وما العلاقة بينه وبين الأخضر بن يوسف؟
الشيوعي الأخير هو التجلي الجديد للأخضر بن يوسف، شخصية دون كيشوتية لها علاقة بالحياة اليومية، وتشبه الأخضر بن يوسف من حيث كونها شخصية مبتدعة تمثل أحداً هو سعدي يوسف.
بعد كل هذه السنوات والمنجز الكبير كماً وكيفاً مالذي يمكن أن تقوله عندما تتحدث عن الشعر؟
أقول أنا مجنون، كيف كتبت كل هذا الشعر؟!.. هناك بالتأكيد نوع من الجنون واختلال المقاييس.
القفزات كانت واسعة بين كل مرحلة شعرية وأخري...
نعم فأنا أتخلي بالكامل عن مرحلة جمالية معينة وانتقل لأخري، نفس الأمر مع نجيب محفوظ فهو الذي بني كاتدرائية الرواية الكلاسيكية وهو الذي هدمها بيده، وشيد رواية جديدة مختلفة تماماً، وكذلك أنا، لا أحب الإقامة في مرحلة، ثمة أشياء جديدة تطرأ دائماً، وهناك دائماً اطلاعات، ومشاهد جديدة بالكامل، وهذا يستدعي تغييراً في الأسلوب.
ماألذي يمكن ان تقوله عن الشعر سوي كونه ضرباً من الجنون؟
الشعر منحني السعادة المطلقة، والحرية المطلقة، أنا سعيد لأنني شاعر، وحر لأنني شاعر، وحتي مواقفي في الشئون العامة التي تبدو أحياناً متطرفة تستمد قسوتها تلك من حريتي كشاعر، فأنا أعتقد أن الساسة كلهم كذابون والشاعر هو الصادق لأنه بلا مصلحة.
كما تقول عن نفسك وكما يبدو عليك أنت شديد الحب للحياة، لكن أيهما أجمل الحياة أم الشعر؟
الحياة بالشعر هي الأجمل. أن تسيري في الحياة وأنت تتمثلين قيم الشعر: الجمال والموسيقي والرهافة. تعرفين: كانت علاقتي بالشاعر العراقي «سركون بولص» جيدة، وكانت بيننا لقاءات وجلسات طويلة بلندن. عندما تجلسين مع «سركون بولص» تجدينه يصغي إليك ولا يصغي، إذ يكون معنياً باقتناص ما حوله، كل شيءٍ حوله يريد تحويله إلي قصيدة، لأنه يقرأ العالم قراءة انتفاعية من أجل الشعر.
مع كل هذا الاحتفاء بالشعر والحياة لماذا تبدو صادماً ومتعالياً كثيراً في تصريحاتك؟
السياسيون كلاب ينبغي أن أصدمهم، هذه الأحزاب الخونة، والسياسيون الكلاب يستحقون ذلك، لكن ليس لهذا علاقة بالشعر، هي مسئولية تجاه الشأن العام. لكنني بشكلٍ شخصيٍ لست متعالياً، وإنما حريص علي حريتي وموقفي الشخصي الذي هو بذاته متعالٍ علي الوساخات والخيانات والساسة الكاذبين.
القرط والقلادة أيضاً من قبيل الصدمة للآخر؟
القرط والقلادة صدمة للمحافظين. وينبغي أن يكون الفنان مختلفاً لا جزءاً من القطيع، وإنما متفرد ومتحدي بشكلٍ ما، هذه القلادة يتوسطها «جعران» مصري وأنا أحبها، حتي لو استغربها الناس، أحب أن أبدو مختلفاً.
تحدثنا كثيراً عن السعادة والحب والاحتفاء بالحياة ولكن في المقابل ما أكثر شيء يقلقك أو يوجعك؟
سيطرة الرأسمالية الوحشية علي العالم، شن الحروب علي الدول الفقيرة والشعوب المسكينة.
للأسف بهذه الطريقة قلقك سيدوم لأن الرأسمالية لن تنتهي قريباً..
ولو. ينبغي للفنان دائماً أن يبحث عن أسئلة...
وعلي المستوي الشخصي ما الموجع بالنسبة للشيوعي الأخير؟
خيباتي في الحب تؤذيني كثيراً. لكنها عموماً ليست مستمرة، مايجعلها لطيفة ومحفزة علي الكتابة.
- الحب خاتمة جيدة لهذا الحوار، أشكرك جداً وأتمني لك طول العمر ودوام الإبداع..
أشكرك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.