إنجى نصيف: ملفات المرأة والتعليم والإسكان والنقل في مقدمة أولوياتى بمجلس الشيوخ    بحضور محافظ القليوبية.. "الجيزاوي" يترأس اجتماع مجلس جامعة بنها    لجنة وزارية تتابع انتظام الدراسة بمدرسة بئر العبد الإعدادية بنات    رسميًا الأسبوع المقبل.. موعد صرف معاشات شهر أكتوبر 2025 ( تفاصيل)    "مركز بحوث الصحراء": دعم الشباب الإفريقي بخمس منح تدريبية في مجالات المياه والتنمية المستدامة    للمرة الأولى.. عروض لمستنسخات أثرية بتقنيات الواقع الافتراضي في معرض IFTM Top Resa 2025    النائب محمد سمير مكى: الصحة والتعليم وتوطين الصناعة على رأس أولوياتى    مصر ترسم خريطة جديدة للمياه.. مشروعات كبرى لتأمين احتياجات الأجيال القادمة.. صور    سعر مواد البناء مساء اليوم الأربعاء 24 سبتمبر 2025    المنظمات الأهلية الفلسطينية: 82% من المنظومة الطبية في غزة خرجت عن الخدمة بفعل استهداف الاحتلال المتعمد    ملك إسبانيا: لا يمكن الصمت أكثر عن قتل المدنيين والتجويع في غزة    استهدفتها إسرائيل.. إيران تعيد بناء منشآتها الصاروخية رغم نقص مكون هام (صور )    أُطلقت من اليمن.. إصابة 19 إسرائيليا في انفجار طائرة مسيرة بمركز سياحي في إيلات (فيديو)    كوستاريكا تعلن تعليق جميع الرحلات الجوية إثر تعطل رادار المطار الرئيسي    تقرير برتغالي: الأهلي في لشبونة للتعاقد مع برونو لاجي    مدرب الجونة: غياب بيزيرا كان دافعًا لنا.. الزمالك فكر في القمة ونسينا    محافظ الدقهلية: حملة للكشف عن تعاطي المواد المخدرة والمخالفات المرورية بالمنصورة    ضبط ديلر المخدرات بحوزته هيروين وسلاح أبيض في بنها    وزارة الداخلية توضح ملابسات شجار طلابى فى بولاق الدكرور    أقوال شهود عيان واقعة مقتل فتاة وإصابة شقيقتها على يد والدهما بالإسكندرية    بعد 4 أشهر من الانفصال.. عودة إلهام عبد البديع لزوجها    شهرة عالمية ورحيل هادئ.. وفاة طبيعية لأيقونة السينما النجمة الإيطالية كلوديا كاردينالى    ديكورات منزلية بسيطة واقتصادية.. لمسات فنية    مهرجان الإسكندرية السينمائي يحتفي ب مئوية ميلاد سعد الدين وهبة.. ويكرّم قامات الإبداع    متحف الحضارة يستقبل رئيس سنغافورة.. أنت كمان ممكن تزوه اعرف مواعيده    أحدثهم مسلم ويارا تامر.. حالات الطلاق تطارد الوسط الفني في 2025    وزير الشباب والرياضة يشهد حفل ختام مهرجان "اكتشاف المواهب"    محافظ الشرقية يوجه بتكليف مدير جديد لمستشفى القرين    جامعة المنيا: استمرار إطلاق القوافل التنموية بالقرى الأكثر احتياجًا    أستاذ مناعة: التطعيمات قبل الشتاء ضرورة لحماية طلاب المدارس من الأمراض المعدية    النائب محمد أبو النصر بعد استلام كارنية مجلس الشيوخ: تحسين الخدمات والصحة والتعليم على رأس أولوياتي    «المهن التعليمية» تشيد بإجراءات وزير التعليم في الدفاع عن كرامة المعلم    جامعة المنوفية تحقق إنجازًا علميًا جديدًا في تصنيف Nature Index العالمي    القمة 131| لجنة الحكام تُكثف البحث عن حكم أجنبي لمباراة الأهلي والزمالك    جيرو يعترف: تأثير ديمبيلي مع باريس سان جيرمان فاجأني    فى حضن الحضارة    «من غير عجن ولا دقيق».. أغرب طريقة لتحضير البيتزا في 5 دقائق    تصالح فتاتي حادث طريق الواحات مع المتهمين في جنحتي الإصابة وإتلاف السيارة.. والمحكمة تستمع لأقوالهما بجريمة التحرش    مواعيد مباريات اليوم الأربعاء 24 سبتمبر 2025 والقنوات الناقلة    مدير الوكالة الذرية يطالب إيران بالتعاطي مع المفاوضات    ضبط طن ونصف لحوم ودواجن مجهولة المصدر بالشرقية    موعد تقييمات وزارة التربية والتعليم للعام الدراسي الجديد 2025-2026 (الأسبوع الأول)    أسعار البلح السيوى اليوم الأربعاء 24-9-2025 بأسواق مطروح.. البشاير ب40 جنيها    وزيرا التضامن والرياضة يعقدان لقاءً موسعًا بنموذج محاكاة مجلس الشيوخ بوزارة الشباب    قرار عاجل من جنايات مستأنف دمنهور بشأن قضية الطفل ياسين    بسبب «سبحة مصطفى حسني ودوخة أمير كرارة».. أسامة الغزالي حرب يوجه نداءً للأزهر    وزير الخارجية لنظيره القبرصي: نتطلع لاستمرار التنسيق المشترك وربط حقول الغاز القبرصية بمصر    «واعى وغالى»    احتجاجات عمالية فى محافظات الجمهورية للمطالبة بزيادة المرتبات وعمال البناء بدون تأمينات    وزير التعليم العالي يبحث مع نظيره السوداني تعزيز سبل التعاون المشترك (تفاصيل)    دي يونج يمدد إقامته في كامب نو حتى 2029 براتب مخفّض    ضمن مبادرة «صحح مفاهيمك».. تنظيم 217 ندوة بمساجد شمال سيناء    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاربعاء 24-9-2025 في محافظة قنا    «أوقاف أسوان» تكرم 114 من حفظة القرآن فى ختام الأنشطة الصيفية    نقابة المهن التمثيلية تنعي مرفت زعزع: فقدنا أيقونة استعراضات مسرحية    هاني رمزي: الموهبة وحدها لا تكفي وحدها.. والانضباط يصنع نجمًا عالميًا    «احمديات»: لماذا ! يريدون تدميرها    بدون صلاح.. إيزاك يقود ليفربول للتأهل في كأس الرابطة الإنجليزية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علي هامش جائزة نجيب محفوظ، الشيوعي.الأخير يتحدث عن الفن والسياسة والحياة..
سعدي يوسف: لست عدواً للثورة
نشر في أخبار الأدب يوم 03 - 08 - 2012

أنا ضحية الأنظمة المستبدة ودفعت ثمناً فادحاً من أجل الثورة
مايجري بسوريا نفس مقدمات غزو العراق
الربيع العربي إعادة استعمار والثورة المصرية البريئة الوحيدة من التدخل الأجنبي
أي ربيعٍ عربي مقال نثري وليس قصيدة واللبس مسئولية القاريء
تفاديت إفساد علاقتي مع درويش باسم
حجازي وصراعي مع أدونيس يبدأ من بيروت
لست معنياً ب «نوبل» لأني لا أريد
أن أضع نفسي بموضع أدونيس
الساسة كلهم كذابون والشاعر
هو الصادق لأنه بلا مصلحة
خيباتي في الحب تؤذيني كثيراً«، أبدأ بهذه الجملة التي كانت خاتمة حوارٍ طويلٍ مع الشاعر العراقي الكبير سعدي يوسف، لألخص كم هو رقيقٌ وهائمٌ بالحياة، حتي ولو علي مشارف الثمانين. لا تخدعكم تصريحاته الصدامية، ولا المبالغات الإعلامية بشأن ما يحبه وما ينحاز إليه، وبالطبع من يهاجمه ويعاديه. المسألة أبسط بكثيرٍ عندما يقترب الواحد من شخصٍ من أجمل الصعاليك، يرتدي قرطاً فضياً في أذنه، وجعراناً مصرياً في قلادةٍ انجليزية وقبعة مقلوبة، وتي شيرت كاجوال، ويشرب البيرة منذ الصباح.الشاعر الكبير الذي أخافني عدد مجاميعه الشعرية والنقلات فيما بينها، وصراعاته مع مجايليه من الشعراء، ومع وطنه الذي يفصله عنه »الاحتلال«، ووجهه في الصور عندما يتجهم، كان أقرب إلي زميل دراسة وأنا أحاوره بمقهي »ريش« بوسط المدينة، ليؤكد عملياً »أنه لست متعالياً لكنني حريص علي موقفي الذي يمثل بذاته تعالياً علي الخيانات والساسة الكاذبين...«، في عباراتٍ مكثفة سريعة جاوب وعلق »الشيوعي الأخير« علي عديد أسئلة حول مواقفه من الشعر والثورات والجوائز والحياة والمجايلين، بعد أيامٍ من اقتران اسمه بالراحل الكبير نجيب محفوظ الذي تسلم جائزة باسمه من اتحاد كتاب مصر، وإلي نص الحوار:
ما أهمية أن تذكر ضمن سيرتك الذاتية علي موقعك: »شهد حروباً، وحروباً أهلية، وعرف واقع الخطر، والسجن، والمنفي«؟
هذه الجملة القصيرة هي ملخص سيرة لي، تتضمن تاريخاً طويلاً وأحداثاً أثرت في حياتي، وتحمل كل كلمةِ بها عديد تفاصيل ومعلوماتٍ، وأعتبرها مهمة جداً لأنها تقدمني للقاريء بشكلٍ سريعٍ، لذا ذكرتها من أجل إلقاء الضوء علي سيرتي ملخصةً.
وكيف تكون نتيجة ذلك أن تعادي الثورات العربية؟
أنا لم أكن يوماً معادياً للثورة. حياتي كلها كُرست من أجل الثورة، من أجل التغيير في العالم العربي، ودفعت لقاء ذلك ثمناً فادحاً بالسجن والنفي، ومواجهة حملات شرسة من السباب والشتائم، والإهانات، وما زلت أواجه، ومازلت أعتبر نفسي ثورياً.
الإشكال، منذ سنتين، أنني أبديت رأياً مبكراً فيما حدث من إعادة استعمار للبلدان العربية وسمي ربيعاً عربياً، فحتي التسمية نفسها لم تكن لنا، جاء بها الأمريكان واستعملناها نحن بوسائل الإعلام. و تحت هذا الغطاء مازال الاستعمار الغربي للعرب مستمراً: ليبيا جري احتلاله، والعراق طبعاً تعرض لغزوٍ كاملٍ، وتونس كان الانقلاب فيها مدبراً من الخارج، وما يجري بسوريا هو نفس المقدمات التي جرت لاحتلال العراق وليبيا.
إذا كنت تقصد التدخل الأجنبي فماذا تقول في مصر؟
ما حدث في مصر مختلفٌ تماماً، لأن المصريين لم يستعينوا بجيوش أجنبية، ظل الناس يقدمون الشهداء والجرحي ويناضلون عاماً ونصفاً حتي تمكنوا من إزاحة حسني مبارك، وكان للجيش الوطني دورٌ كبيرٌ في الحفاظ علي تماسك البلاد ووحدتها. لأن بقاء الجيش موحداً كفل وحدة البلاد.
كيف تحملت ردة الفعل علي موقفك، هذا الذي عده البعض انحيازاً للأنظمة الدكتاتورية لأنك مستفيدٌ منها؟
كيف؟ وأين هي الاستفادة وأنا لم أكن يوماً ذا منصبٍ في هذه الأنظمة؟، بالعكس كنت ضحيتها، سُجنت ونُفيت وشُردت من قبل تلك الأنظمة. وعموماً الناس الآن معي، صاروا يقولون إن فلانا قال رأياً مبكراً وأثبت الزمن صحته.
لكن لماذا اخترت إعلان هذا الموقف شعراً عبر قصيدة «أي ربيع عربي»؟
ومن قال إن هذه قصيدة؟،
هي مقال نثريٍ قصير جداً، لا أدري كيف تم تلقيها شعراً، اللوم علي القاريء الذي لم يستطع التمييز بين الشعر والنثر، ماذا أفعل له أنا؟، لست مسئولاً عن تصنيفها شعراً، ومن ثم الهجوم عليها بمنطق الشعر.
أهنئك علي جائزة نجيب محفوظ وافتتح بها سؤالك عن إشكالية «نوبل.. سعدي يوسف.. أدونيس..
أشكرك، لكن في الواقع ليس الحديث عني فيما يخص نوبل كثيراً ومتواتراً كما يحدث مع أدونيس، لم أفكر يوماً، علي الإطلاق، بهذا الأمر، صحيح أن لي صديقاً بالسويد أخبرني منذ أكثر من ثلاث سنوات بأن اسمي علي قائمة المرشحين، لكني لم أتابع أي شيءِ حول الموضوع ولم أستفسر إذ لم أكن معنياً بالأمر، لأنني لا أريد أن أضع نفسي بموضع أدونيس.
بمعني؟
بمعني لا أريد أن يقول أحد إن هناك شخصاً آخر يتحدث عن هذه الجائزة، فأدونيس مثلاً منذ أواخر الثمانينيات، كان يعتقد أنه المؤهل أكثر للجائزة، ويتجدد الكلام حولها كل عامٍ، ومضي أكثر من 20 عاماً دون أن يحصل عليها.
السبب العميق للصراع المعلن مع أدونيس؟ وهل هو صراع شخصي أم منافسة شعرية؟
لا يوجد بيننا أي صراعٍ. نحن صديقان نلتقي في شئون كثيرة، وليست بيننا خصوماتٍ في الواقع، ولا احتكاكات، أو سجالات، بالعكس كثيرٌ من مراحل حياتنا كانت مشتركة، فمثلاً في حصار بيروت كنا ننزل كلانا إلي ملجأٍ تحت الأرض، وفي باريس كنت أزوره باستمرار، وعندما كان يذهب إلي سوريا كنت أذهب إلي قريته ونلتقي بمنزله هناك قريباً من بلدة جبلة.
لكن بعض الصحفيين بخاصةٍ في لبنان يثيرون ذلك من حينٍ إلي آخر، ويسألونه فيقول لهم لا شيء بيننا، ونفس الشيء معي،الأمر كله افتراء حقيقي.
هل مازلت ناقماً علي العراق الجديد؟
والله أنا بلدي محتلٌ وأنا ناقمٌ علي الاحتلال. لا أحد ينقم علي بلده، وإن كنت أسعي إلي شيءٍ فإلي تحرير بلدي. وعلاقتي بالمثقفين العراقيين جيدة، يبعثون إلي بكتبهم وأبعث لهم برأيي، وأحياناً أقدم لبعضها مقدمات قصيرة، لكن موقفي السياسي واضح وثابت لأي إنسانٍ بسيط.
وماذا عن إعلانك أنك لا تتشرف بعراقيتك؟
ما قلته ببساطة إنني لا أتشرف بالعراق المستعمر، وأتشرف بالعراق الوطني، لكن الإذاعة الأمريكية نقلت الخبر مشوهاً وبثته إلي كل مكان في العالم علي طريقة »ولا تقربوا الصلاة».
تعرف كم أنت محظوظ لأكثر من سبب: تواصل الإنتاج والحمدلله، تسامح الناس معك دائماً رغم تصريحاتك الصدامية طول العمر نسبةً بشعراء آخرين كالسياب وأمل دنقل وكثيرين، إلي أي مدي يؤثر ذلك علي الكتابة؟
ليس عندي شئ أفعله سوي الكتابة، وبالذات الشعر. مؤخراً اتفقت مع الهيئة العامة للكتاب علي طباعة أعمالي الكاملة، هي سبعة مجلدات، تقع في ثلاثة آلاف وخمسمائة صفحة، مشروع ضخم فعلاً.
هل تعتبر أن عبد المعطي حجازي ظلمك عندما لم يمنحك جائزة الملتقي الأول للشعر العربي ومنحها لدرويش؟
لا. تلك أيضاً كانت محاولة للوقيعة بيني وبين محمود درويش لكننا تفادينا إفساد العلاقة الحميمة بيننا. حجازي صاحبي، في مصر وفي باريس كنت أزوره ويستقبلني هو وزوجته دائماً، وأنا ليست لي عداوة مع شاعر أبداً.
البعض يعتبرك من الصعاليك »العظام«.. هل الصعلكة موقف؟
نعم، فمثلاً أنا لا أؤمن بالملكية، ودائم التنقل بين البلدان، ولم أرتبط بمؤسسةٍ أو سلطة أو نظام، لكنني أشعر بأنني امتلكت الحرية المطلقة، و حياتي اليومية هي حياة إنسان يبتهج بالحياة ويستمتع بها، يلبس جيداً، يأكل جيداً، ويشتري أغلي الأنبذة، ويعيش مستوي معيشةٍ عاليا بشكل ما، لكنني صعلوك بالمعني العربي للصعلكة الذي ينطبق علي الشاعر المتحرر من كل قيود وسلطة القبيلة.
لم أهتم بالمتصوفة لأنهم مؤمنون، ولذلك فإن التصوف محدود الأفق. ولأن التصوف مؤمن فإنه لا يقدم إشكالا.. هل يعني ذلك أن قلقك الوجودي هو محفز الشعر لديك؟
نعم، الأوروبيون يفضلون شعر التصوف العربي ويهتمون بترجمته، ويهملون القصائد التي تعبر فعلاً عن مشكلات مجتمعنا، وتاريخنا والموقف من الثقافات الغربية و كأن الشعر العربي هو فقط شعر التصوف. إشارتي بأنني لا أعتد بشعر التصوف، سببها أولاً أن المتصوفة مؤمنون، ثم لأن الشعر نفسه ضعيف، فابن الفارض مثلاً مقلد، وشعر التصوف الإسلامي محدود هو مجرد تمجيد للخالق وليست لديه أسئلة، والفن دائماً يثير أسئلة.
حدثنا عن اللغة هل تكتب بلغة غير العربية.. وهل تضع في حساباتك جمهوراً غير الجمهور العربي؟
أحياناً أكتب مقالاتٍ وقصصا قصيرة بالإنجليزية، لكنني لا أكتب الشعر إلا باللغة العربية، وقد أترجم بعض النصوص إلي الإنجليزية أو لا أفعل. أيضاً أنا التقيت مع عديد من شعراء العالم الآخرين قالوا إنهم لا يكتبون إلا باللغة الأم، ولا يمكن أن يكتبوا بلغةٍ أخري.
المسألة لا تتعلق فقط بالشاعر وإنما تتعلق أيضاً بالناس، فأنا أكتب إلي جمهور عربي، ولا يعنيني، خصوصاً في الفترة الأخيرة، إلقاء قصائدي إلي 20 أو 25 عجوزا انجليزية في قاعة، لا أحتاج إليهن ولا أطلب رضاءهن، لذا تركت الأنشطة التي من هذا النوع، وهي كثيرة في أوروبا لكن مع الوقت يضجر المرء منها لأنها سخيفة وبلا معني.
رغم تصالحك مع قصيدة النثر نجدك منزعجاً من كتابها هل يعني ذلك أنك لا تعترف بأيٍ من الشعراء
الموجودين في الساحة العربية من كتاب هذه القصيدة؟
ولماذا التعميم؟
أنا لا أستطيع أن أعمم. رغم ما ورد عني من موقف سلبي تجاه قصيدة النثر أرحب بها باعتبارها شكلاً، لا أقول جديداً، لأنها موجودة منذ القرن ال19 في أوروبا وفي الولايات المتحدة. أرحب بها كشكلٍ يضاف إلي أشكال التحديث الأخري في القصيدة المعاصرة. اعتراضي أن قصيدة النثر عند «بودلير» في فرنسا،
و«والت ويتمان» في أمريكا كانت من أجل إنزال الشعر من برجه العاجي، والاهتمام بأحوال الناس، ف»بودلير» ارتبطت قصيدته بفتح ميدان «البوليفار» في باريس الذي أتاح للناس أن تمشي أكثر في الشوارع، وسلط الضوء في أول قصيدة نثر علي ناس فقراء، وهذا كان يعني شيئاً كبيراً. و»والتويتمان» في الجهة الأخري من العالم أيضاً اهتم في عمله الشهير «أوراق العشب» بناس عاديين في أمريكا، أما قصيدة النثر العربية في أكثر نصوصها فليست لها علاقة بالشارع وإنما بهواجس ذاتية وتهويمات شخصية، ليست لها علاقة بالناس، وإنما بالفرد، وهذا الشيء أبعد قصيدة النثر العربية عن الحياة، بدلاً من أن يهتم الشاعر بحياة الناس.
محمود درويش محمد الماغوط أدونيس وأحمد عبد المعطي حجازي كيف تري هذه الأسماء شعرياً وشخصياً؟
كلهم أصدقائي وكلهم شعراء جيدون، ربما هناك تفاوت وتمايز بينهم لكن جميعهم شعراء
كبار أسهموا بدورهم في تطوير القصيدة في هذا البلد أو غيره ودخلوا في البانوراما الواسعة للشعر العربي.
من أهم وأجمل دواوينك «الأخضر بن يوسف» لماذا يكون الإنسان رائعاً كل هذا الحد عندما يتحدث عن سيرته الذاتية؟
لأن المادة المتوافرة تكون أكثر ثباتاً وملموسية وبالإمكان السيطرة عليها، أحياناً تكون المادة مائعة وزئبقية وغير ممسوكة، لكن خبرتك الشخصية تكون مسيطرا عليها أساساً.
وإلي أي مدي تمثلك هذه الشحصية الشعرية؟
إلي حد كبير. فقد صار حولي نوع من الأسطورة، صار الناس يقولون إن فلانا متشرد، متنقل، لديه مغامرات وهذا به شيء من الحقيقي وشيء من الوهم، وصرت أنا سعيدا بهذا الموضوع. وكذلك مابيني وبين الأخضر بن يوسف، هذه الشخصية التي اختلقتها ثم اختلطت علي المسألة فأصبحت أصدق نفسي أنني هذا الشخص. وبالمناسبة هذا الديوان تحول إلي فيلم تستطيعين مشاهدته علي موقعي الإلكتروني، وهو فيلم مهم جداً لأنه يضعني بين الحقيقة والواقع بمنزلي ولقطات أخري بالغابة وغيرها.
باط الشعر بالحواس، اليومي والمعيش، المادية بمعني اللا ميتافيزيقا يقرب شعرك من مفهوم التدوين أو السيرة الذاتية إلي أي مدي تعتبر ذلك حقيقيا؟
الحواس هي وسيلة الارتطام الأولي. أنا لا أبدأ القصيدة من فكرة أبداً وإنما من الحاسة لأنها العلاقة الأولي مع الطبيعة والكون، الأفكار لا تستثيرني علي الإطلاق كمدخل أو كوسيلة لبداية أي نصٍ، أؤمن فقط بالصورة وأعتبرها تشكل العمود الفقري للنص، وفيما يخص السيرة فلا بد أن يكتب الواحد عن تجاربه وعن خبرته المباشرة.
ماذا عن الأوديسا هل توغلت فيها أم مازالت تخطيطاً؟
الأوديسا كانت مشروعاً بدأته ثم انصرفت عنه لانشغالي بمشاريع أخري، أهم من وجهة نظري، هي لا تزال تخطيطاً كتبت به صفحتين منذ عشر سنين، ولا أعرف حتي أين هي بالمكتبة الآن، وليست عندي رغبة في العودة إليها قريباً، ربما أكون مشغولاً أكثر بالطبعة الجديدة من أعمالي الكاملة.
وماذا عن الشيوعي الأخير لماذ كل هذا التمسك به لدرجة منحه ديواناً كاملاً وما العلاقة بينه وبين الأخضر بن يوسف؟
الشيوعي الأخير هو التجلي الجديد للأخضر بن يوسف، شخصية دون كيشوتية لها علاقة بالحياة اليومية، وتشبه الأخضر بن يوسف من حيث كونها شخصية مبتدعة تمثل أحداً هو سعدي يوسف.
بعد كل هذه السنوات والمنجز الكبير كماً وكيفاً مالذي يمكن أن تقوله عندما تتحدث عن الشعر؟
أقول أنا مجنون، كيف كتبت كل هذا الشعر؟!.. هناك بالتأكيد نوع من الجنون واختلال المقاييس.
القفزات كانت واسعة بين كل مرحلة شعرية وأخري...
نعم فأنا أتخلي بالكامل عن مرحلة جمالية معينة وانتقل لأخري، نفس الأمر مع نجيب محفوظ فهو الذي بني كاتدرائية الرواية الكلاسيكية وهو الذي هدمها بيده، وشيد رواية جديدة مختلفة تماماً، وكذلك أنا، لا أحب الإقامة في مرحلة، ثمة أشياء جديدة تطرأ دائماً، وهناك دائماً اطلاعات، ومشاهد جديدة بالكامل، وهذا يستدعي تغييراً في الأسلوب.
ماألذي يمكن ان تقوله عن الشعر سوي كونه ضرباً من الجنون؟
الشعر منحني السعادة المطلقة، والحرية المطلقة، أنا سعيد لأنني شاعر، وحر لأنني شاعر، وحتي مواقفي في الشئون العامة التي تبدو أحياناً متطرفة تستمد قسوتها تلك من حريتي كشاعر، فأنا أعتقد أن الساسة كلهم كذابون والشاعر هو الصادق لأنه بلا مصلحة.
كما تقول عن نفسك وكما يبدو عليك أنت شديد الحب للحياة، لكن أيهما أجمل الحياة أم الشعر؟
الحياة بالشعر هي الأجمل. أن تسيري في الحياة وأنت تتمثلين قيم الشعر: الجمال والموسيقي والرهافة. تعرفين: كانت علاقتي بالشاعر العراقي «سركون بولص» جيدة، وكانت بيننا لقاءات وجلسات طويلة بلندن. عندما تجلسين مع «سركون بولص» تجدينه يصغي إليك ولا يصغي، إذ يكون معنياً باقتناص ما حوله، كل شيءٍ حوله يريد تحويله إلي قصيدة، لأنه يقرأ العالم قراءة انتفاعية من أجل الشعر.
مع كل هذا الاحتفاء بالشعر والحياة لماذا تبدو صادماً ومتعالياً كثيراً في تصريحاتك؟
السياسيون كلاب ينبغي أن أصدمهم، هذه الأحزاب الخونة، والسياسيون الكلاب يستحقون ذلك، لكن ليس لهذا علاقة بالشعر، هي مسئولية تجاه الشأن العام. لكنني بشكلٍ شخصيٍ لست متعالياً، وإنما حريص علي حريتي وموقفي الشخصي الذي هو بذاته متعالٍ علي الوساخات والخيانات والساسة الكاذبين.
القرط والقلادة أيضاً من قبيل الصدمة للآخر؟
القرط والقلادة صدمة للمحافظين. وينبغي أن يكون الفنان مختلفاً لا جزءاً من القطيع، وإنما متفرد ومتحدي بشكلٍ ما، هذه القلادة يتوسطها «جعران» مصري وأنا أحبها، حتي لو استغربها الناس، أحب أن أبدو مختلفاً.
تحدثنا كثيراً عن السعادة والحب والاحتفاء بالحياة ولكن في المقابل ما أكثر شيء يقلقك أو يوجعك؟
سيطرة الرأسمالية الوحشية علي العالم، شن الحروب علي الدول الفقيرة والشعوب المسكينة.
للأسف بهذه الطريقة قلقك سيدوم لأن الرأسمالية لن تنتهي قريباً..
ولو. ينبغي للفنان دائماً أن يبحث عن أسئلة...
وعلي المستوي الشخصي ما الموجع بالنسبة للشيوعي الأخير؟
خيباتي في الحب تؤذيني كثيراً. لكنها عموماً ليست مستمرة، مايجعلها لطيفة ومحفزة علي الكتابة.
- الحب خاتمة جيدة لهذا الحوار، أشكرك جداً وأتمني لك طول العمر ودوام الإبداع..
أشكرك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.