يا شاخصًا في ذُري الأوليمبَ تبتكرُ أنت الخلودُ ، فماذا بعدُ تنتظرُ؟ هذا فضاؤك كون كلُّهُ عجبٌ أفضي له السّحر واستعصي به العُمرُ أدمنْت فيه عناقيد الرؤي فأتت إليك طوْعًا ومن كفَّيْكَ تُعتصرُ عيناك فجّرتا نبعين من ألقٍ نجماتُه أنتَ في هالاتها القمرُ وأنتَ فيضُ نُبوّاتٍ وأخيلةٍ تتري، وتسطعُ فيها الآيُ والسُّورُ فيضٌ من القبس الأسني يُطوّقني قل لي بربك كيف الآن أختصرُ أَرْقي سماءً إلي عَلْياكَ أصعدُها
تقطعت كلُّ أنفاسي، ولا خبرُ! هنا شموخُ بني هومير، واحدُهم ركضٌ علي الدهر، ظلٌّ ليس ينحسرُ هاموا بسدَّتك العُليا وقد حشدوا حشودهم وتماهوْا فيك وانتشروا وتلك مملكةُ الأرباب مائجةٌ تجمَّعت، فلديك الآن عِتْرتها سكْبٌ جميل وعطرٌ منك منتثرُ في كلّ قولٍ جليلٍ منك مائسةٌ من الحسان اللواتي فيك تُدَّخرُ جمعْتَها كنظيمِ الدرِّ عِقْد سنًا لألاؤه منك تيّاهٌ ومقتدرُ تحكَّمتْ لغةً واستُنفرت بِدعًا زُلزلتْ، فكأن السِّحر ينفجرُ أطلقتُ معجزة الحرف التي عبرت شطّ الخلود فضاءً إثره عبروا وأنت في كلِّ يوم صائغ أبدًا معراجَ شعرٍ إليه يشخص البصرُ كونًا أصابعُه في حِبرهِ انغمست فانثال إبداعُه الخلاق ينهمرُ لُبنانُ في يومك المشهودِ عيدُ نُهًي طافت به زمرًا من بعدها زمرُ إن كرّموك فمن سُقياك قد وردوا أو بايعوك فَعنْ إيمانهم صدروا طافوا بك اليوم يا أغلي مفاخرهم حجُّوا إليك، وزاروا البيت، واعتمروا
يا ثورةً للجمال الصعب فجَّرها عصف البيان وذاك المرتقي الوعِرُ سبقْتَ جيلكَ تيّاها ومقتدرًا يأيها النيّرانِ: التيه والقدرُ وجئْتَ تاريخنا الشعريَّ، مصطحبا شباكك الغُرَّ في أحبالها الظَّفرُ شعر تسامي إلي الجُلَّي، أضاء به فكر تناهي، تداعت إثره الفِكرُ هذي مداميكه من بعلبكَّ أتت كأنها عُمدٌ في الصخر أو جُدُرُ كأنه سيرة للعطر تحملُها من قبل أن تُخلق الأعراق والسِّيَرُ أشعلْت من وقْدة "البارناس" جذوته
فجاء يسطع فيه الجمر والزهرُ وصُغت منَ "عبقرٍ" أذكي فُحولته تخوض معركة الأسمي وتنتصرُ أتعبْت نفسك طَمّاحا، غَوايته قصيدةُ الأرز، تُعطيها فتزدهرُ كأنما عنفوانُ الشعر تبدعُه خيلٌ تحمحُم، والمضمار ينتظرُ تشقّ تاريخ سحرٍ أنت حاملُه مبشرًا بالذي من بعدُ ينتشرُ هذا الجديدُ الذي أَعطيْتَ نكهته سَكبْتها لا تُبالي يسقُط الحَذرُ! نحْتٌ علي الضوءِ أم إيقاعُ عَنْدلةٍ وفتنةٌ جُسّدت، أم موعدٌ خطِرُ؟ رُخامةٌ من أثيرٍ، في تهدّجها تململ الشجنُ الفوّارُ والوترُ شعر من النًسق العالي هتفْت به فاعشوشبتْ منه أرضٌ جادها المطرُ يأتي شميمَ رجالٍ طالما شمخوا يُضحي شموخَ جبالٍ، سرّها البَشرُ أنطقْتَ لبنان فُصحاكَ التي انبجست ملء الضلوع، فكان الوقدُ والشَّررُ زَرعْتها في بساتين الغِوي غُررًا تلك العناقيدُ في طياتها الثمرُ سقيْتنا فُفتِّنا من بلاغَتها - نحن النشاوي - ومن راووقها سكروا لم ندْر هل ساحرٌ قد راح يُدهشنا أم أنها نشوةُ السّمار والسَّمرُ؟ يا صوْت، لبنان، يا علياء قمته يا كرْم زحْلةَ، يا سكْبًا لمن عبروا هبْني قليلاً من الفيء الذي عَمرت به رؤاك فإني فيه أنغمرُ! يا مُشعل الفتن الكبري بثورته أشعلْت فينا جمالاً ليس يستترُ زينون ينهض في صيدا، وفي يده إكليل غارٍ زهاه نفحك العطِرُ يقول يا شاعر الدنيا وزينتها علِّم بشعرك ما لم يعلمِ البَشرُ مستنزلا وحيك العُلويَّ من أفق يكاد فينا بعين الغيب ينشطرُ يا رِندلي وعشيق الأمس صبوته نار ونور، وجمر ظلَّ يستعرُ علي يديْكَ مزامير لك انطلقت عبْرَ الزمان الذي أيامُه غُررُ أوتيت حكمةَ هذا الكون فاكتملت أمام عينيك منهُ الآيُ والعبرُ يارا، وتلك ابنتي، أسميْتُها ولعا بشعره، ثم وافت وهي تعتذر: تقول لي: يا أبي إني أتيه به وكلّ يوم به أزهو، وأنشهرُ وليس تسبقني في مصر واحدة به تسمّت، فبعدي جاءت الأُخرُ دثَّرتني باسمه الغالي لديك، فهل رأيتني مثلما جاءت به الصورُ؟ بُنيَّتي أنتِ بعض من تصوره سوّاكِ ربٌّ جليل الصُّنْعِ مقتدرُ رسْمًا فريدا، بيانا شاخصًا أبدا ومستحيلا تجلّي، ما له أطُر!ُ سعيد يا لغة للشعر باذخة ميراثَ شعر به في الساحة ائتزروا لم يثْن عزْمكَ قوم كلُّ عُدّتهم رجمُ الجديد الذي من وقعه ذُعروا حربُ الجمال وحربُ الشعرِ خُضْتهما لم يثْنِ عزْمكَ إرهابٌ ولا خورُ سبعون، تسعون، طاب العمر، بل مئة تبني وتهدم، لا تُبقي ولا تذرُ وقفْتَ منتصبًا حين الشّتاتُ لهم وحين عادوا إلي دنياك واعتذروا وأدركوا أنَّ ما شيَّدْتَ من قمم أبقي وأروعُ من كل الذي نذروا نيرانهُ التهمت أصنامهم فهووْا وسحره أيقظ الغافين فانسحروا لزهو يومك، جاءت مصر تصحبني طابت، وطاب لها في صحبتي السَّفرُ جاءت وفي جِيدِها طوق يُزينها من شعرك الباسق العالي هو الدُّررُ: " إن لم نَزِنْ مصرَ وزْنَ الحق، سالَ دمٌ علي الضمير"، وتبقي أنت والذِّكَرُ وكيف تنكُصُ عن يوم الوفاء لمن بشعره، تخلدُ الأزمانُ والعُصُرُ كم جئْتَها مالئا حُلْوَ الوطاب بما يُحرّك النيلَ من شجوٍ ويبتدرُ تبثُّ فيها عُرامَ الشعر، يوقظها والفجر محتجب، والليل معتكرُ كأنّ شعرك فيها، مارجٌ لجِبٌ وعُصبهٌ من رماح المجد تشتجرُ فأذنْ لها أن تكون الآنَ، مصرُ، معي
قريبةً منك حيث السمعُ والبصرُ تقول همسًا، لعلَّ الجاهلين بنا لا يسمعون كلامًا خطَّه القدرُ الشوق طال بنا، والتّوْقُ جمّعنا وكلّ عشقٍ إذا ما طال يختمرُ لبنانُ أنت، وتبقي بيننا أبدًا يسمو بك الشرق مزهوًّا ويفتخرُ