"يا بدع الورد.. يا جمال الورد.. من سحر الوصف قالوا علي الخد".. كلمات رائعة تغنت بها أميرة القلوب أسمهان تغزلا في الزهور الفاتنة، ومع حلول شهر الربيع تسود الأجواء حالة من الهيام والنشوة تنشرها ألوان الزهور وروائحها الزكية، فلكل زهرة كتالوج خاص بها وقاموس للعشاق يعينهم علي بث الشوق في القلوب وتزكية ناره، إلا أن الغريب أن تكون هناك زهور مخصصة للأكل وتدخل في تصنيع وجبات بعينها كالحلويات الشهية والمقبلات والسلطات، حتي أن طعمها لا يختلف عن طعوم الخضراوات الطازجة بل يكاد يكون الأشهي والأصح، فتحتوي علي العديد من العناصر الغذائية والفيتامينات الهامة إضافة إلي ألوانها الزاهية التي تضفي علي الأطباق بريقا خاصا فتحرك البطون الساكنة والأمعاء الجامدة. ففي مزرعة »أزاهير» الواقعة علي طريق مصر الإسكندرية الصحراوي التي تعد الأولي بمصر والوطن العربي أجمع لزراعة الزهور الصالحة للأكل، تحتضن أكثر من ثلاثين نوعا من تلك الزهور ذات المذاق الشهي والروائح النفاذة، كما أنها تنتج خضراوات »بيبي» صغيرة الحجم كالجزر والخيار لتتناسب مع طهي أنواع بعينها من الأطعمة، وليس هذا فحسب فلا يتم استخدام أي نوع من الأسمدة الكيماوية لتغذية الزهور بل تعتمد علي مواد عضوية طبيعية، ومنذ اللحظة الأولي لخروج الإنتاج الأول من المزرعة يناير الماضي حتي لاقي ترحيبا من أشهر الشيفات والطباخين الأجانب والمصريين وعلي رأسهم سالي فؤاد وغادة التلي اللتان رحبتا بالفكرة ودعمتاها. »آخرساعة» زارت المزرعة الكائنة بقرية النجاح التابعة لمحافظة البحيرة، يحركها فضول شديد وتطلع لمشاهدة تلك الزهور عن قرب بل وتذوق بعضها ومعاينة طعومها. في رحلتنا الطويلة للوصول إلي المزرعة التي استغرقت ما ينيف علي الساعتين منذ لحظة مغادرتنا القاهرة حتي الوصول، كان الشوق والفضول يستبدان بنا تحركنا رغبة شديدة، وللوهلة الأولي لدخول قرية النجاح التي تضم بين جنباتها عشرات الفدادين من الموالح والزيتون حتي أحالتها إلي جنة يانعة، مزارعون يشرفون علي أراضيهم بحب وحماس، فلاحون ينشدون تراتيل الحصاد التي توارثوها عن آبائهم وأجدادهم التي تشعل بداخلهم جلدا وصبرا لمتابعة تلك الأعمال الشاقة، حمائم بيضاء تسبح عالية في الأفق كأنها تبارك العمل. وعلي مقربة منهم تقبع »أزاهير» علي مساحة لا تتعدي الفدان الواحد، بمجرد أن تطأ قدماك أرضها حتي تشم روائح مختلطة ومتداخلة كالليمون واللافندر والزعتر، زهور متباينة ألوانها كأنها لوحة فنية رسمها أحد عاشقي الطبيعة، تتناثر يمينا ويسارا في صفوف منغمة، بعض إناث النحل يزرعن السماء ذهابا وإيابا يبحثن عن الرحيق بهمة عالية، يقف حاتم فتح الله صاحب المزرعة، ذاك الشاب الذي لم تثنه دراسته في الشريعة والقانون عن عشق الزراعة ومتابعة كل ما هو جديد في هذا المجال، فقد ورث الحب من والده الذي كان يمتلك عدة فدادين حرص علي زراعتها محاصيل متنوعة وإدخال تقنيات متطورة ومحاصيل جديدة كصوب الفلفل الألوان التي لم تنتشر سوي منذ سنوات قليلة، فكان هو الأول بين أقرانه، يساوره الحماس لأن تحتل مزرعته الجديدة موقعا متميزا في السوق الزراعي، لا يتواني عن الاتصال بالمطاعم الشهيرة والفنادق الكبري لتسويق بضاعته الوليدة، تملؤه السعادة بعد أن وصلت شهرته إلي بعض الدول العربية التي تواصلت معه للحصول علي كميات كبيرة من الزهور كالأردن والسعودية ودبي. يعاونه في ذلك صديقه المهندس ياسر سمير الذي يعدُّ العقل المدبر وراء خروج المزرعة إلي النور فهو صاحب الفكرة وأول من طبقها بمصر، فقد كان يعمل مع بعض الخبراء الألمان الذين كانوا يزرعون أنواعا قليلة من الزهور الصالحة للأكل التي لم تتعد الثلاثة فقط، إلا أن سمير عزم علي نشر الفكرة وزراعة ثلاثين نوعا متنوعة ما بين زهور الفواكه والخضراوات والأعشاب، وبمجرد عرض فكرته علي صديقه بأواخر العام المنصرم حتي لاقي ترحيبا وتشجيعا. اقتربنا من صف من زهور بنفسجية وأرجوانية المعروفة باسم »البانسيه»وهي من الزهور الشهيرة وتمتاز بألوانها البديعة تدفعنا حرارة تجربة مذاقها، وللحظة الأولي حتي تشعر بنكهة لليمون الحامضي مما يجعله الأمثل لتزيين بعض الكيكات والحلويات، يجاورها صف من زهور البراج الصفراء أو »خبز النحل» التي تشبه في طعمها الخيار الذي هو عماد السلطات والمقبلات، أما السويستي جراليك والمعروفة بزهور الثوم وتمتاز بطعمها القاسي ولكنه أخف حرارة من الثوم ناهيك عن زهور اللافندر والبيجونيا الشبيهة بالكرنب، أما الخس فله أنواع وأشكال كثيرة كالروماني والفرنسي واليوناني وهناك أنواع من الكيكات بات اللافندر يدخل في تصنيعها ويسمي بكيكة اللافندر. يقول ياسر: أعمل مهندسا زراعيا منذ أكثر من عشر سنوات، ولحسن الحظ عملت مع بعض الخبراء الأجانب الذين كانوا يولون لزهور المائدة اهتماما كبيرا خاصة أن مطاعم أوربا تعتمد عليها ولكن لعدم انتشار الفكرة علي نطاق واسع بمصر كنا نزرع ثلاثة أنواع فقط يتم توريدها لمطاعم بعينها، حتي واتتني فكرة إنشاء مزرعة مصرية تقوم بزراعة أنواع كثيرة دون استيرادها خاصة أن القري السياحية والفنادق تقوم باستيرادها بمبالغ طائلة وبعد تعويم الجنيه وارتفاع سعر الدولار زاد الطين بلة وقمت بعرضها علي حاتم فوافق علي الفور. ويضيف: »تنقسم الزهور إلي ثلاثة أنواع: زهور خضروات وفواكه وأعشاب فهناك أكثر من 100نوع صالحة للأكل، فزهور الفواكه أغلبها تستخدم في تزيين الحلويات وتصنع منها المربات وبعض أنواع الآيس كريم كزهور الخوخ والليمون وتمتاز بطعمها اللاذع ولونها الأبيض الزاهي، وبعض الطهاة يستخدمونها في تزيين أطباق الأسماك أما الخضراوات كالبقدونس والفجل والشبت وتتدرج ألوانها ما بين الأرجواني والأصفر والأحمر مما دفعنا لابتكار سلطة خاصة بمزرعتنا تضم أنواعا شتي من الزهور والخس، وقد شهدت إقبالا حارا من الناس بمجرد طرحها في المتاجر لشكلها البديع وقيمتها الغذائية العالية، فكل زهرة تحوي فيتامينات بعينها وأملاحا معدنية عالية حتي أن بعض أطباء التغذية بأوربا ينصحون بتناولها». ويري ياسر، أن الطقس في مصر ملائم لزراعة الزهور الصيفية والشتوية علي عكس بعض الدول الأوربية التي تزرع أنواعا بعينها لعدم ملاءمة الجو لذلك ونقوم باستيراد البذور من الخارج لأنها غير موجودة بمصر ويتم زراعتها بمشتل صغير وتستغرق ثلاثة أشهر حتي لحظة إنتاجها ويتم جنيها علي مراحل، فالنبات يستهلك وقتا معينا حتي يكون قادرا علي إنتاج دورة أخري كما أننا نعمل علي استخلاص البذور منه لإعادة زراعتها مرة أخري ومن مميزات تلك الزراعة أنها لا تستهلك كميات كبيرة كبيرة فيتم ريها بالتنقيط. وحول طريقة التغذية والتسميد يقول: من مميزات زهور المائدة التي نقوم بزراعتها أنها لا تعتمد علي أسمدة أو مبيدات حشرية وإنما يتم تغذيتها بطرق طبيعية، كما أننا نستخدم مبيدات نقوم بإنتاجها من خير الطبيعة دون الحاجة لمواد كيماوية خاصة أن صلاحية حفظ الزهور لا تتعدي الأسبوع الواحد في الثلاجة أو الفريزر. ويلتقط حاتم طرف الحديث فيقول: »تعد أزاهير هي أول مزرعة في مصر والشرق الأوسط لزراعة زهور المائدة التي تدخل في تصنيع الأطعمة المختلفة كالسلطات والمقبلات وتزيين الحلويات المختلفة ومنتشرة انتشارا كبيرا بالدول الأوربية كهولندا والنمسا وغيرهما إلا أنه في مصر ليست بالمعروفة لذا فقد راودني الخوف من عدم نجاحها، ولكن بمجرد طرح الفكرة علي بعض الشيفات الأجانب والمصريين بالفنادق الكبري حتي رحبوا بها خاصة أنه يتم استيرادها من أوربا بمبالغ طائلة، ولك أن تعلم أن الإنتاج الأول منها كان في يناير الماضي وتم تسويقه بسهولة»، ويضيف أنه ليس هذا فحسب بل قمت بالتواصل مع بعض الطهاة المشهورين وعلي رأسهم سالي فؤاد وغادة التلي اللتان رحبتا بالفكرة خاصة أنه يتم زراعتها بطرق طبيعية وآمنة ودون استخدام أي مبيدات ضارة أو أسمدة مما يعطيها مذاقا متميزا ورائحة نفاذة والكثير من أطباء التغذية يرون أنها تحتوي علي نسب أعلي من الفيتامينات مقارنة بالخضراوات مما يجعلها الغذاء الأمثل للأطفال وكبار السن، ولهذا فإن الكثير من الأجانب الذين يعيشون بمصر يقبلون علي شراء منتجاتنا بولع، وعن طريقة التسويق، يقول: »تُعد منتجاتنا مقصورة علي مطاعم بعينها وفنادق كبري وهي التي يشرف عليها طهاة أجانب مما يوفر علينا في طريقة الإقناع فهم يعرفونها حق المعرفة أما المصريون فمعظمهم لم يكن يدري عنها شيئا، فنقوم بطرح كميات صغيرة للعرض سواء قي المتاجر الكبري بالقاهرةوالإسكندرية كما أن صفحتنا علي الفيس بوك تتلقي التساؤلات الخاصة بها مع عرض بعض الصور المميزة لأكلات صُنعت من الورود مما يجعل الموضوع سهلا للغاية وبالطبع فإن أي منتج وليد يستهلك وقتا كبيرا حتي يتم ترويجه». ويختتم حاتم، حديثه مطالبا الدولة بضرورة تشجيع مثل تلك الزراعات الجديدة غير التقليدية التي ستساهم في زيادة العملة الصعبة إلي مصر خاصة أنه يتم استيرادها بدولارات طائلة كما أنه لابد من توفير البذور الخاصة فنحن نعاني من صعوبة الحصول عليها ونضطر للحصول عليها عن طريق الإنترنت كما أن هناك بعض الخضراوات غير المعروفة بمصر ولكنها عماد أطباق السلطات في المطاعم كالخس البكشوي أو الروماني ويتميز بلونه الأحمر وطعمه المر مما يجعله الغذاء الأمثل لمرضي الكبد والمرارة لذا علي الدولة مساندتنا.