الرئيس السيسى ناعيا الدكتور عمر هاشم: سيظل علمه الغزير باقيا وراسخا على مر الزمان    رسميا.. تسليم خطابات الترشح لمرشحى مستقبل وطن    الرئيس السيسي يتابع انتظام العام الدراسي ويوجه بصرف 1000جنيه حافز تدريس" شهرياً للمعلمين    وزير الخارجية: مصر ستتخذ كافة الإجراءات اللازمة لحماية أمنها المائى    بقيمة 180 مليون جنية..ضبط 2,5 طن مواد مخدره بحوزة عصابة جلب المخدرات بالسويس    هكذا ارتفعت قيمة الصادرات المصرية خلال يوليو 2025 لتبلغ 3.7 مليار دولار    محافظ الجيزة: توزيع 2 طن من لحوم صكوك الأضاحي على الأسر الأولى بالرعاية    انتهاء صلاة الجنازة على الدكتور أحمد عمر هاشم بحضور شيخ الأزهر وكبار العلماء    جوتيريش يدعو لوقف الهجمات الإسرائيلية فى غزة واغتنام خطة ترامب لإنهاء الصراع    حلم الصعود.. منتخب مصر يقترب من التأهل إلى المونديال    ارتفاع سعر الجنيه الإسترليني أمام الجنيه المصري في تعاملات الثلاثاء 7 أكتوبر 2025    الداخلية تكشف ملابسات فيديو لقائد سيارة سمح بتحميل أطفال بصندوقها الخلفي بالمنيا    الأرصاد تحذر من اضطراب بالملاحة وارتفاع الأمواج ل3.5 متر فى بعض الشواطئ    وزير السياحة الأوزبكى يهنئ مصر بفوز خالد عنانى بمنصب مدير عام اليونسكو    نائب وزير الصحة يُحيل مقصرين بوحدة طب الأسرة بالكرادوة للتحقيق    رودريجو: كنت قريبا من برشلونة.. وحققت حلمي بالتواجد في ريال مدريد    الزمالك ينتظر عودة فيريرا لعقد جلسة الحسم    بطل المصارعة الأولمبي محمد كيشو يعلن تمثيل منتخب أمريكا (صور)    وزير الاستثمار يبحث مع الرئيس التنفيذي لجهاز مستقبل مصر التعاون في دعم سلاسل الإمداد والسلع الاستراتيجية    روسيا تعلن اعتراض طائرات مسيرة استهدفت منطقة تيومين الغنية بالنفط في غرب سيبيريا    عامان من الإبادة.. إسرائيل تقتل 67 ألف فلسطيني نحو ثلثهم أطفال    السيطرة على حريق مخزن زيوت بمسطرد وإصابة ثلاثة أشخاص في القليوبية    وزير الزراعة: إنتاجية الأرز في مصر تصل ل5 أطنان للفدان وهو الأعلى عالميا    اليوم.. انطلاق أولى فعاليات النسخة 13 من أسبوع السينما الإيبيرو أمريكية في معهد ثربانتس بالقاهرة    بالموسيقى والفنون الشعبية.. قصور الثقافة بقنا تحتفل بذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة    وكيل الشباب بالجيزة: تنفيذ 6 مشروعات استثمارية خلال 3 أشهر بقيمة تصل ل15.5 مليون جنيه    الصحة تنظم مؤتمر اليوم العالمي لمرض السحايا للقضاء على وبائيات المرض بحلول 2030    حالة الطقس بكفر الشيخ الثلاثاء 7 أكتوبر 2025    استوديو تسجيل غير قانونى فى الجيزة.. القبض على مدير شركة مخالفة    إسرائيل دخلت «العزل»    الرئيس الفنزويلى: مجموعة إرهابية خططت لوضع شحنة ناسفة داخل السفارة الأمريكية    "الأونروا": إسرائيل تقتل الأطفال فى غزة وهم نائمون    مفاجآت فى واقعة اختفاء لوحة أثرية من مقبرة بسقارة.. فيديو    وزير الخارجية يؤكد ضرورة إطلاق مسار سياسى يفضى إلى تنفيذ حل الدولتين    طلاب الثانوى العام والبكالوريا يسجلون الدخول على منصة كيريو لدراسة البرمجة.. صور    وزير الصحة لمجدى يعقوب :الحالات مرضية كانت تُرسل سابقًا للعلاج بالخارج واليوم تُعالج بمركز أسوان للقلب    وزير الصحة يوافق على شغل أعضاء هيئة التمريض العالى المؤهلين تخصصيًا لوظائف إشرافية    انطلاق مبادرة الكشف عن الأنيميا والتقزم بين أطفال المدارس بسوهاج.. صور    أسعار الحديد في المنيا اليوم الثلاثاء7 اكتوبر 2025    التضامن تشارك في فعاليات معرض "إكسبو أصحاب الهمم الدولي" بدبي    جامعة قناة السويس تطلق الصالون الثقافي "رحلة العائلة المقدسة.. كنزا تاريخيا واقتصاديا وسياحيا"    كثافات مرورية بمحاور القاهرة.. وانتشار أمني مكثف أعلى الطرق السريعة    وزير التعليم العالي: فوز خالد العناني باليونسكو «هدية من مصر للعالم»    مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 7-10-2025 في محافظة الشرقية    "فيها إيه يعني" بالمركز الأول بالسينمات.. وماجد الكدواني يتصدر الإيرادات ويقترب من "20 مليون" جنيه في 6 أيام فقط    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 7 اكتوبر 2025 فى محافظة المنيا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 7-10-2025 في محافظة قنا    أسعار الحديد اليوم الثلاثاء 7-10-2025 في الدقهلية    رسائل تهنئة 6 أكتوبر 2025 مكتوبة للاحتفال بعيد القوات المسلحة    «وهم».. عرض جديد يضيء خشبة المعهد العالي للفنون المسرحية ضمن مهرجان نقابة المهن التمثيلية    «بعد 3 ماتشات في الدوري».. إبراهيم سعيد: الغرور أصاب الزمالك واحتفلوا بالدوري مبكرا    أبو ريدة يصل المغرب ويستقبل بعثة منتخب مصر استعدادًا لمواجهة جيبوتي    تسليم التابلت لطلاب أولى ثانوي 2025-2026.. تعرف على رسوم التأمين وخطوات الاستلام    تعرف على موعد بدء تدريبات المعلمين الجدد ضمن مسابقة 30 الف معلم بقنا    الأهلي يكافئ الشحات بعقده الجديد    بعض الأخبار سيئة.. حظ برج الدلو اليوم 7 أكتوبر    هاني تمام: حب الوطن من الإيمان وحسن التخطيط والثقة بالله سر النصر في أكتوبر    أمين الفتوى: وحدة الصف والوعي بقيمة الوطن هما سر النصر في أكتوبر المجيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإخوان بين السياسة والدين
نشر في أخبار الأدب يوم 02 - 06 - 2012

ماذا كان سيحدث للمجتمع المصري لو لم يظهر حسن البنا ويؤسس جماعته؟ السؤال في حقيقته ليس افتراضاً عبثياً، فبالتأكيد كان من الممكن أن نسير في مسارات أخري، في حال عدم ظهوره وتأسيسه لجماعة الإخوان المسلمين. مع ذلك، فهناك ظروف سياسية واجتماعية كانت تموج بها مصر في عشرينيات القرن الماضي، جعلتها أرضاً خصبة لميلاد تيار مناويء لقوي التفتّح والحضارة.
في كتاب "حسن البنا.. وجماعة الإخوان المسلمين بين الدين والسياسة" يرصد حمادة حسن إسماعيل تاريخ الجماعة الأهم الآن في مصر من حيث التنظيم، والتي تدعو إلي العودة إلي الوراء بتبني مشروع الخلافة. الكتاب يجعلنا نطرح علي أنفسنا العديد من الأسئلة حول الهدف الأساسي الذي من أجله أنشئت جماعة دينية بأهداف سياسية.
من الممكن أن تبدأ الحكاية في الفترة ما بين - 1919، 1928 فموضوع الخلافة كان أهم قضية فكرية مثارة ومحوراً لجدل ونقاش ممتد، حيث قامت الحكومة التركية بموافقة المجلس الوطني الكبير في أنقرة علي خلع الخليفة وإلغاء دولة الخلافة في مارس . 1924 كان من المنتظر حينذاك أن تنهض الدول الواقعة تحت لواء الدولة الإسلامية، وأن تسير مع حركة التاريخ نحو تيارات أكثر انفتاحاً علي العالم، غير أن المؤمنين بالخلافة، أصحاب العقول المتحجرة، دعوا لعقد مؤتمر إسلامي تحت رئاسة شيخ الإسلام بالديار المصرية، لم يتم فيه اتخاذ قرار، لكن بعدها تكونت "جمعية الدفاع عن الأزهر" التي اختارت الملك فؤاد الأول خليفة للمسلمين. أثناء ذلك، ظهر أحد المؤلفات الصغيرة لرجل من رجال الأزهر قاضي محكمة المنصورة علي عبد الرازق، وكان عنوانه "الإسلام وأصول الحكم" هاجم فيه نظام الخلافة وأوضح أنه لم يرد له ذكر في القرآن بل وتجاهلته السنة كذلك. وكان الكتاب في مجمله إدانة صريحة لنظام الخلافة. لم يمر الكتاب مرور الكرام، لقد حرك المياه الراكدة وواجه معارضة شديدة انتهت بفصل عبد الرازق من وظيفته وإخراجه من زمرة العلماء، ولما رفض عبد العزيز فهمي وزير الحقانية التصديق علي قرار هيئة كبار العلماء، اضطر رئيس الوزراء إلي إقالته. وما إن هدأت قضية الإسلام وأصول الحكم حتي تفجرت قضية طه حسين و"الشعر الجاهلي" والذي طبق فيه منهج الشك الديكارتي علي بعض مسائل دينية تمس القرآن والسنة. توافق مع ذلك كله تعرّض الاشتراكية والشيوعية لهجوم عنيف، ووصف البعض الشيوعية والماركسية بأنها دعوات للهدم والتخريب والتدمير.
لم يكن حسن البنا بعيداً عما يحدث، فنشأته الدينية المبنية علي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، جعلته يطمح في دولة خلافة أكثر قوة في تطبيق الشريعة الإسلامية من وجهة نظره(حيث الديمقراطية والأحزاب السياسية محض بدعة غربية). يشير المؤلف إلي أن "مؤسس الجماعة كان رئيساً لجمعية "منع المحرمات »في صباه« وكان يرسل خطابات إلي من يرتكب إثماً بالبلدة أو يقصر في فريضة من الفرائض، ولم يكن ذلك إلا بداية لفرض الشريعة بالقوة حال سنحت الفرصة لتحقيق ذلك. وما من شيء يمكن أن يبرز العقلية التي أسست جماعة الإخوان المسلمين، من تلك الحادثة التي رواها البنا عن أنه أحرق ديواناً من الشعر ألّفه بعد ثورة 19 وبعض المؤلفات الأدبية، قائلاً:"أن الاشتغال بالعلم الكثير معطل عن العمل النافع والتفرغ لعبادة الله، وحسب الإنسان لدينه أن يتعرف ما يصحح به أحكامه، وحسب الإنسان لدنياه أن يتعرف ما يحصل به علي رزقه..." وهي المقولة التي تحدد موقعه من فكرة "المعرفة" بشكل عام، والتي صارت العدو الكبير للجماعة من بعده.
لقد قرر حسن البنا سلفاً أن يغيّر العالم ليصير إسلامياً علي طريقته، رافضاً، كما يقول إسماعيل في كتابه، التيارات العلمانية والتوجه القوي نحو مدنية حديثة، معادياً للثورة التي ألهمت الليبراليين ودعاة التجديد وشجّعتهم، بينما أخافت المحافظين وزادت من سخطهم. ولأن التيار العلماني الرافض لدولة الخلافة والانصياع لرجال الدين الذين يدعون أنهم يتحدثون باسم الله، كان أشد وأقوي من التيار الديني، فكّر البنا في كيفية تعزيز الجمعيات الإسلامية الموجودة بالفعل، ومع إقامته في القاهرة بدأ يحدد ما رآه منابع الفساد: الجامعة المصرية التي اندفعت وراء التفكير المادي المنقول من الغرب؛ الحزب الديمقراطي الذي لم يكن له منهاج إلا أن يدعو للحرية والديمقراطية؛ المجمع الفكري الذي جمع يهوداً ومسيحيين ومسلمين وكانوا يتحدثون بحرية في مسألة الاعتقاد؛ الكتب والمجلات التي تنشر الفكر الليبرالي. (وكما يتضح، فقد كانت مصر منذ 90 عاماً أفضل حالاً من الآن، وهو ما لم يرض به البنا فكوّن جماعة إسلامية تجرها إلي الخلف 1400 عاما تقريباً). يقول حمادة محمود إسماعيل في كتابه :"لم يقف البنا مكتوف اليدين أمام هذا التيار، فوجد أن المسجد لا يكفي وحده كأسلوب مضاد فعرض علي بعض زملائه بدار العلوم أن يقوموا بعملية وعظ للناس في المقاهي".
في الإسماعيلية كانت بداية تكوين الجماعة، حيث درس البنا المجتمع دراسة متأنية، ووجد لديه استعداداً وميولاً دينية، فبدأ يتسرسب إليه، بدايةً من المسجد والمقهي والنادي. هكذا تكونت الإخوان المسلمين عام 1928، كما حدد البنا في مذكراته، وانتقلت للقاهرة، وفي غضون عشر سنوات صدرت صحيفة باسم الجماعة، وكان الهدف منها تأكيد توجيه المسلمين إلي المطالبة بأحكام الله وشريعته. الطريقة التي اتبعها البنا هامة في فهم كيف ينتشر الإخوان سريعاً في المجتمع، لقد اتبعوا خطاه وبدأوا مع مرور السنين في الوصول للكفور والنجوع، رافعين راية مزيفة تحمل اسم الإسلام واحتكروا لأنفسهم الحديث باسم الدين. فالجماعة التي كان يجب أن تكون دعوية، وأن توضّح ما التبس في أمور الدين، وتراعي البعد الزماني والمكاني في تفسير الآيات القرآنية وتنقية الأحاديث النبوية مما شابها من أحاديث مدلسة، لجأت إلي السياسة لفرض سلطانها ورؤيتها المنغلقة للعالم وللدين، ودخلت معارك لا علاقة لها بالإسلام الذي اختبأوا وراء ستارته ليقنعوا البسطاء من الناس بأنهم يريدون لهم الخير، وأن هذا الخير لا يحل إلا أينما حلوا هم. كان من الممكن أن يتبع حسن البنا نهج الإمام الشافعي أو أبو حنيفة في وضع فقه يناسب الزمن الحديث دون أن يخالف صريح الآيات، وأن يقدّم تفسيرات تتفق مع إيمان المسلمين بأن القرآن كتاب يناسب كل زمان ومكان، لكنه تخلي عن كل هذا وامتص القشور فقط دون الوصول للعمق، ليس مستغرباً إذن أن تكون نتيجة ذلك الدعوة لدولة الخلافة، والصدام مع الليبراليين ودعاة حرية العقائد، وتكفير الشيوعيين ومهاجمتهم كلما أتيحت الفرصة، دون أن ينتبه في غمرة تعصبه أنه "لا إكراه في الدين" وأنه "لكم دينكم ولي دين" وأنه "من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر". امتلك البنا، لقوة شخصيته وذكائه، فرصاً ذهبية لتنفيض الغبار عن قضايا فقهية كان أولي به أن يناقشها، مثل حد الردة، وأن يتفق مع التيار الليبرالي في أن حرية العقيدة مكفولة في الإسلام وأن القرآن لم يفرض هذا الحد. وبنظرة سريعة علي ما قدّمه البنا للدين، نجد أنه لم يقدّم شيئاً ملموساً، فهدفه الرئيسي كان حشد واستقطاب أكبر عدد من المسلمين لجماعته، وممارسة السياسة بأتباع عميان.
وضع مؤسس الإخوان المسلمين أيديولوجيتهم الخاصة التي تدور داخل أحكام الإسلام، دون أن يعي أن هذه الأحكام ليست كلها من أصل الدين بل أن كثيراً منها كان اجتهادات علماء سابقين يمكن التجادل معها وتجاوزها، كما أن النص القرآني نفسه مفتوح وقابل للتأويل. ولكي يربط جماعته بالسياسة ويبرر طموحه في الوصول للسلطة، قال إن الإسلام "هو النظام الشامل والسيادة والسياسة" وهو "النظام الداخلي للحكم" وهو "النظام الخارجي للدولة...والنظام الدقيق للاقتصاد...والنظام الرائع للجندية". رغم أن الإسلام كدين جاء للتواصل بين العبد وربه، وما بُني بعد ذلك عليه محض تفسيرات يمكن تطورها أو حذفها ليحل محلها تفسيرات جديدة. وللتوفيق بين الدين وتغيرات العصر، يدّعي، علي سبيل المثال، "أن العولمة والاشتراكية والرأسمالية والبلشفية وتوزيع الثروة، وكل ما شغل بال ساسة الأمم وفلاسفة الاجتماع، كل هذه خاض الإسلام في لبها ووضع للعالم النظم التي تكفل له الانتفاع بما فيها من محاسن"، جامعاً بذلك كل المتناقضات في جملة واحدة، فكيف يكون الإسلام اشتراكياً ورأسمالياً في آن واحد؟ ولعل الخطيئة التي ارتكبها البنا والإخوان في حق الدين، كعلاقة روحانية طاهرة، أن أنزله "في حلبة الصراع مع الأنظمة العالمية، تلك التي تتنازع السيادة والسيطرة علي العالم". ورغم ذلك، رفض الإخوان المسلمون الاشتراكية بدعوة أن الإسلام:"لم يقر المساواة بين الناس بتوزيع الثروة الطبيعية والصناعية بينهم فلا يكون لا غني ولا فقير...وقد اعتبر المساواة في توزيع الثروة ضرباً من ضروب الظلم" ليتضح بذلك أن الفكر الإخواني رأسمالي، يعبر عن وجهة نظره لا عن وجهة نظر الإسلام.
يتناول كتاب"حسن البنا..وجماعة الإخوان المسلمين" علاقة الجماعة بالسلطة، ويؤرخ لها. يقول إسماعيل: "كانت الجماعة منذ بداياتها تحاول جاهدة إعلان ولائها المطلق للجالس علي العرش" و"من يتصفح الإخوان الأسبوعية يجد بعضاً من المقالات التي تفيض ثناءً ومدحاً للجالس علي العرش، فقد وصفته إحدي هذه المقالات بأنه ولي مصر". وعند وفاة الملك فؤاد كتبت جريدة الإخوان"مصر تفتقد اليوم بدرها في الليلة الظلماء" كما أنها كانت تصفه بأمير المؤمنين وحامي حمي الدين. ونتيجة لهذا التعريض "استفادت الجماعة من دعم القصر لها فثبتت أقدامها ورسخت". ورغم ذلك الولاء توترت العلاقة بين القصر والجماعة واغتيل حسن البنا، ولعل السبب في ذلك تنازل الإخوان للوفد عن الترشح في دائرة الإسماعيلية، وما تلا ذلك من ظن القصر أن الإخوان جماعة ثورية تهدف لإقامة الجمهورية. أما آراء الجماعة في الأحزاب السياسية فكانت قاطعة، فهي "سيئة هذا الوطن الكبري، وأساس الفساد الاجتماعي" والمقصود بذلك فكرة وجود الحزب أصلاً وليس حزباً بعينه، وتظهر ازدواجية حسن البنا في أنه كان يصادق رؤساء الأحزاب ويتلقي منهم دعماً.
يكشف الكتاب علاقة الإخوان بالضباط الأحرار، فقد نجح البنا في تجنيد عناصر منهم مثل السادات وحسين الشافعي وكمال الدين حسين ومحمود لبيب، وعندما علم عبد الناصر أوضح لهم ألا يكون التنظيم أداة في أيدي أي جماعة مهما تلاقت الأهداف. واتضح صواب ذلك مع مهادنة الإخوان لحكومة إسماعيل صدقي.
وأخيراً، فالمباديء التي وضعها البنا لجماعته، سارت عليه دون مخالفة ودون جدال، ذلك لأن جماعة الإخوان تقوم في الأساس علي فكرة السمع والطاعة، أو ما يمكن وصفه بسياسة القطيع، وهو ما يتنافي تماماً مع الأرواح الحرة، ولعل ذلك ما سبّب ارتباكاً في صفوفها مع رحيل مؤسسها، لكن الأهم من ذلك أنها خرّبت المجتمع وساهمت في تأخيره بمواجهتها للتيارات الليبرالية واليسارية، وبمحاولاتها المستميتة في الوصول إلي السلطة لتطبيق فاشيتها. ماذا كان سيحدث للمجتمع المصري لو لم يظهر حسن البنا ويؤسس جماعته؟ السؤال في حقيقته ليس افتراضاً عبثياً، فبالتأكيد كان من الممكن أن نسير في مسارات أخري، في حال عدم ظهوره وتأسيسه لجماعة الإخوان المسلمين. مع ذلك، فهناك ظروف سياسية واجتماعية كانت تموج بها مصر في عشرينيات القرن الماضي، جعلتها أرضاً خصبة لميلاد تيار مناويء لقوي التفتّح والحضارة.
في كتاب "حسن البنا.. وجماعة الإخوان المسلمين بين الدين والسياسة" يرصد حمادة حسن إسماعيل تاريخ الجماعة الأهم الآن في مصر من حيث التنظيم، والتي تدعو إلي العودة إلي الوراء بتبني مشروع الخلافة. الكتاب يجعلنا نطرح علي أنفسنا العديد من الأسئلة حول الهدف الأساسي الذي من أجله أنشئت جماعة دينية بأهداف سياسية.
من الممكن أن تبدأ الحكاية في الفترة ما بين - 1919، 1928 فموضوع الخلافة كان أهم قضية فكرية مثارة ومحوراً لجدل ونقاش ممتد، حيث قامت الحكومة التركية بموافقة المجلس الوطني الكبير في أنقرة علي خلع الخليفة وإلغاء دولة الخلافة في مارس . 1924 كان من المنتظر حينذاك أن تنهض الدول الواقعة تحت لواء الدولة الإسلامية، وأن تسير مع حركة التاريخ نحو تيارات أكثر انفتاحاً علي العالم، غير أن المؤمنين بالخلافة، أصحاب العقول المتحجرة، دعوا لعقد مؤتمر إسلامي تحت رئاسة شيخ الإسلام بالديار المصرية، لم يتم فيه اتخاذ قرار، لكن بعدها تكونت "جمعية الدفاع عن الأزهر" التي اختارت الملك فؤاد الأول خليفة للمسلمين. أثناء ذلك، ظهر أحد المؤلفات الصغيرة لرجل من رجال الأزهر قاضي محكمة المنصورة علي عبد الرازق، وكان عنوانه "الإسلام وأصول الحكم" هاجم فيه نظام الخلافة وأوضح أنه لم يرد له ذكر في القرآن بل وتجاهلته السنة كذلك. وكان الكتاب في مجمله إدانة صريحة لنظام الخلافة. لم يمر الكتاب مرور الكرام، لقد حرك المياه الراكدة وواجه معارضة شديدة انتهت بفصل عبد الرازق من وظيفته وإخراجه من زمرة العلماء، ولما رفض عبد العزيز فهمي وزير الحقانية التصديق علي قرار هيئة كبار العلماء، اضطر رئيس الوزراء إلي إقالته. وما إن هدأت قضية الإسلام وأصول الحكم حتي تفجرت قضية طه حسين و"الشعر الجاهلي" والذي طبق فيه منهج الشك الديكارتي علي بعض مسائل دينية تمس القرآن والسنة. توافق مع ذلك كله تعرّض الاشتراكية والشيوعية لهجوم عنيف، ووصف البعض الشيوعية والماركسية بأنها دعوات للهدم والتخريب والتدمير.
لم يكن حسن البنا بعيداً عما يحدث، فنشأته الدينية المبنية علي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، جعلته يطمح في دولة خلافة أكثر قوة في تطبيق الشريعة الإسلامية من وجهة نظره(حيث الديمقراطية والأحزاب السياسية محض بدعة غربية). يشير المؤلف إلي أن "مؤسس الجماعة كان رئيساً لجمعية "منع المحرمات »في صباه« وكان يرسل خطابات إلي من يرتكب إثماً بالبلدة أو يقصر في فريضة من الفرائض، ولم يكن ذلك إلا بداية لفرض الشريعة بالقوة حال سنحت الفرصة لتحقيق ذلك. وما من شيء يمكن أن يبرز العقلية التي أسست جماعة الإخوان المسلمين، من تلك الحادثة التي رواها البنا عن أنه أحرق ديواناً من الشعر ألّفه بعد ثورة 19 وبعض المؤلفات الأدبية، قائلاً:"أن الاشتغال بالعلم الكثير معطل عن العمل النافع والتفرغ لعبادة الله، وحسب الإنسان لدينه أن يتعرف ما يصحح به أحكامه، وحسب الإنسان لدنياه أن يتعرف ما يحصل به علي رزقه..." وهي المقولة التي تحدد موقعه من فكرة "المعرفة" بشكل عام، والتي صارت العدو الكبير للجماعة من بعده.
لقد قرر حسن البنا سلفاً أن يغيّر العالم ليصير إسلامياً علي طريقته، رافضاً، كما يقول إسماعيل في كتابه، التيارات العلمانية والتوجه القوي نحو مدنية حديثة، معادياً للثورة التي ألهمت الليبراليين ودعاة التجديد وشجّعتهم، بينما أخافت المحافظين وزادت من سخطهم. ولأن التيار العلماني الرافض لدولة الخلافة والانصياع لرجال الدين الذين يدعون أنهم يتحدثون باسم الله، كان أشد وأقوي من التيار الديني، فكّر البنا في كيفية تعزيز الجمعيات الإسلامية الموجودة بالفعل، ومع إقامته في القاهرة بدأ يحدد ما رآه منابع الفساد: الجامعة المصرية التي اندفعت وراء التفكير المادي المنقول من الغرب؛ الحزب الديمقراطي الذي لم يكن له منهاج إلا أن يدعو للحرية والديمقراطية؛ المجمع الفكري الذي جمع يهوداً ومسيحيين ومسلمين وكانوا يتحدثون بحرية في مسألة الاعتقاد؛ الكتب والمجلات التي تنشر الفكر الليبرالي. (وكما يتضح، فقد كانت مصر منذ 90 عاماً أفضل حالاً من الآن، وهو ما لم يرض به البنا فكوّن جماعة إسلامية تجرها إلي الخلف 1400 عاما تقريباً). يقول حمادة محمود إسماعيل في كتابه :"لم يقف البنا مكتوف اليدين أمام هذا التيار، فوجد أن المسجد لا يكفي وحده كأسلوب مضاد فعرض علي بعض زملائه بدار العلوم أن يقوموا بعملية وعظ للناس في المقاهي".
في الإسماعيلية كانت بداية تكوين الجماعة، حيث درس البنا المجتمع دراسة متأنية، ووجد لديه استعداداً وميولاً دينية، فبدأ يتسرسب إليه، بدايةً من المسجد والمقهي والنادي. هكذا تكونت الإخوان المسلمين عام 1928، كما حدد البنا في مذكراته، وانتقلت للقاهرة، وفي غضون عشر سنوات صدرت صحيفة باسم الجماعة، وكان الهدف منها تأكيد توجيه المسلمين إلي المطالبة بأحكام الله وشريعته. الطريقة التي اتبعها البنا هامة في فهم كيف ينتشر الإخوان سريعاً في المجتمع، لقد اتبعوا خطاه وبدأوا مع مرور السنين في الوصول للكفور والنجوع، رافعين راية مزيفة تحمل اسم الإسلام واحتكروا لأنفسهم الحديث باسم الدين. فالجماعة التي كان يجب أن تكون دعوية، وأن توضّح ما التبس في أمور الدين، وتراعي البعد الزماني والمكاني في تفسير الآيات القرآنية وتنقية الأحاديث النبوية مما شابها من أحاديث مدلسة، لجأت إلي السياسة لفرض سلطانها ورؤيتها المنغلقة للعالم وللدين، ودخلت معارك لا علاقة لها بالإسلام الذي اختبأوا وراء ستارته ليقنعوا البسطاء من الناس بأنهم يريدون لهم الخير، وأن هذا الخير لا يحل إلا أينما حلوا هم. كان من الممكن أن يتبع حسن البنا نهج الإمام الشافعي أو أبو حنيفة في وضع فقه يناسب الزمن الحديث دون أن يخالف صريح الآيات، وأن يقدّم تفسيرات تتفق مع إيمان المسلمين بأن القرآن كتاب يناسب كل زمان ومكان، لكنه تخلي عن كل هذا وامتص القشور فقط دون الوصول للعمق، ليس مستغرباً إذن أن تكون نتيجة ذلك الدعوة لدولة الخلافة، والصدام مع الليبراليين ودعاة حرية العقائد، وتكفير الشيوعيين ومهاجمتهم كلما أتيحت الفرصة، دون أن ينتبه في غمرة تعصبه أنه "لا إكراه في الدين" وأنه "لكم دينكم ولي دين" وأنه "من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر". امتلك البنا، لقوة شخصيته وذكائه، فرصاً ذهبية لتنفيض الغبار عن قضايا فقهية كان أولي به أن يناقشها، مثل حد الردة، وأن يتفق مع التيار الليبرالي في أن حرية العقيدة مكفولة في الإسلام وأن القرآن لم يفرض هذا الحد. وبنظرة سريعة علي ما قدّمه البنا للدين، نجد أنه لم يقدّم شيئاً ملموساً، فهدفه الرئيسي كان حشد واستقطاب أكبر عدد من المسلمين لجماعته، وممارسة السياسة بأتباع عميان.
وضع مؤسس الإخوان المسلمين أيديولوجيتهم الخاصة التي تدور داخل أحكام الإسلام، دون أن يعي أن هذه الأحكام ليست كلها من أصل الدين بل أن كثيراً منها كان اجتهادات علماء سابقين يمكن التجادل معها وتجاوزها، كما أن النص القرآني نفسه مفتوح وقابل للتأويل. ولكي يربط جماعته بالسياسة ويبرر طموحه في الوصول للسلطة، قال إن الإسلام "هو النظام الشامل والسيادة والسياسة" وهو "النظام الداخلي للحكم" وهو "النظام الخارجي للدولة...والنظام الدقيق للاقتصاد...والنظام الرائع للجندية". رغم أن الإسلام كدين جاء للتواصل بين العبد وربه، وما بُني بعد ذلك عليه محض تفسيرات يمكن تطورها أو حذفها ليحل محلها تفسيرات جديدة. وللتوفيق بين الدين وتغيرات العصر، يدّعي، علي سبيل المثال، "أن العولمة والاشتراكية والرأسمالية والبلشفية وتوزيع الثروة، وكل ما شغل بال ساسة الأمم وفلاسفة الاجتماع، كل هذه خاض الإسلام في لبها ووضع للعالم النظم التي تكفل له الانتفاع بما فيها من محاسن"، جامعاً بذلك كل المتناقضات في جملة واحدة، فكيف يكون الإسلام اشتراكياً ورأسمالياً في آن واحد؟ ولعل الخطيئة التي ارتكبها البنا والإخوان في حق الدين، كعلاقة روحانية طاهرة، أن أنزله "في حلبة الصراع مع الأنظمة العالمية، تلك التي تتنازع السيادة والسيطرة علي العالم". ورغم ذلك، رفض الإخوان المسلمون الاشتراكية بدعوة أن الإسلام:"لم يقر المساواة بين الناس بتوزيع الثروة الطبيعية والصناعية بينهم فلا يكون لا غني ولا فقير...وقد اعتبر المساواة في توزيع الثروة ضرباً من ضروب الظلم" ليتضح بذلك أن الفكر الإخواني رأسمالي، يعبر عن وجهة نظره لا عن وجهة نظر الإسلام.
يتناول كتاب"حسن البنا..وجماعة الإخوان المسلمين" علاقة الجماعة بالسلطة، ويؤرخ لها. يقول إسماعيل: "كانت الجماعة منذ بداياتها تحاول جاهدة إعلان ولائها المطلق للجالس علي العرش" و"من يتصفح الإخوان الأسبوعية يجد بعضاً من المقالات التي تفيض ثناءً ومدحاً للجالس علي العرش، فقد وصفته إحدي هذه المقالات بأنه ولي مصر". وعند وفاة الملك فؤاد كتبت جريدة الإخوان"مصر تفتقد اليوم بدرها في الليلة الظلماء" كما أنها كانت تصفه بأمير المؤمنين وحامي حمي الدين. ونتيجة لهذا التعريض "استفادت الجماعة من دعم القصر لها فثبتت أقدامها ورسخت". ورغم ذلك الولاء توترت العلاقة بين القصر والجماعة واغتيل حسن البنا، ولعل السبب في ذلك تنازل الإخوان للوفد عن الترشح في دائرة الإسماعيلية، وما تلا ذلك من ظن القصر أن الإخوان جماعة ثورية تهدف لإقامة الجمهورية. أما آراء الجماعة في الأحزاب السياسية فكانت قاطعة، فهي "سيئة هذا الوطن الكبري، وأساس الفساد الاجتماعي" والمقصود بذلك فكرة وجود الحزب أصلاً وليس حزباً بعينه، وتظهر ازدواجية حسن البنا في أنه كان يصادق رؤساء الأحزاب ويتلقي منهم دعماً.
يكشف الكتاب علاقة الإخوان بالضباط الأحرار، فقد نجح البنا في تجنيد عناصر منهم مثل السادات وحسين الشافعي وكمال الدين حسين ومحمود لبيب، وعندما علم عبد الناصر أوضح لهم ألا يكون التنظيم أداة في أيدي أي جماعة مهما تلاقت الأهداف. واتضح صواب ذلك مع مهادنة الإخوان لحكومة إسماعيل صدقي.
وأخيراً، فالمباديء التي وضعها البنا لجماعته، سارت عليه دون مخالفة ودون جدال، ذلك لأن جماعة الإخوان تقوم في الأساس علي فكرة السمع والطاعة، أو ما يمكن وصفه بسياسة القطيع، وهو ما يتنافي تماماً مع الأرواح الحرة، ولعل ذلك ما سبّب ارتباكاً في صفوفها مع رحيل مؤسسها، لكن الأهم من ذلك أنها خرّبت المجتمع وساهمت في تأخيره بمواجهتها للتيارات الليبرالية واليسارية، وبمحاولاتها المستميتة في الوصول إلي السلطة لتطبيق فاشيتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.