بعد طول انتظار أخرج البرلمان مشروعه لتنظيم الصحافة والإعلام، والهيئات الصحفية والإعلامية، والذي إهتم فيه بضبط الألفاظ والمصطلحات أكثر من الإهتمام بالمهنة ومستقبلها والعاملين بها،وألغي استقلال المؤسسات الصحفية والإعلامية المملوكة للدولة، وهي الأكبر والأقدم، لتتحول إلي شركات تابعة لهيئة الصحافة التي تقوم بدور الشركة القابضة، وتتدخل تدخلا مباشرا في إدارتها وتحصل علي واحد بالمائة من إيراداتها. ورغم أن المادة الثانية والسبعون من الدستور المصري ألزمت الدولة بضمان إستقلال المؤسسات الصحفية ووسائل الإعلام المملوكة لها، وإرساء مبادئ الحيدة والنزاهة والمهنية في ممارسة العمل الصحفي والإعلامي كأصل عام لا تمارس الديمقراطية إلا من خلاله، فلا تغدو وسائل الإعلام المملوكة للدولة منبرا لصوت واحد أو خاضعة لتوجيه سلطة ما، إلا أن ماتضمنه هذا القانون ،الذي وافق عليه مجلس النواب بثلثي الأعضاء، يلتف علي النص الواضح في الدستور بألفاظ فضفاضة وغير محددة، يمكن إطلاقها وقت الحاجة علي كل من يحاول ممارسة عمل صحفي يتسم بالحيدة والنزاهة والمهنية، حتي الصفحات الشخصية علي مواقع التواصل الاجتماعي والمدونات الإليكترونية لم تسلم من الرغبة الواضحة في فرض السيطرة والخضوع لتوجيه سلطة ما. وتقضي مادة 39 من قانون تنظيم الهيئة الوطنية للصحافة ولأول مرة في تاريخ الصحافة القومية بتقليص تمثيل الصحفيين في مجالس إدارة المؤسسات الصحفية إلي عضوين فقط من ثلاثة عشر عضوا،وتقليص تمثيلهم في الجمعيات العمومية للمؤسسات الصحفية إلي عضوين فقط من سبعة عشر عضوا، أما الأغلبية في مجالس الإدارة والجمعيات العمومية فهي لأشخاص يتم تعيينهم من خارج المؤسسات، تختارهم الهيئة الوطنية للصحافة أو مجلس الدولة أو مجلس النواب، وللهيئة أيضا إختيار رؤساء مجالس الإدارات ورؤساء التحرير. وحين ينص القانون علي إتاحة الفرصة أمام الصحفيين للحصول علي المعلومات، يستخدم عبارات إنشائية ولا يفرض أي عقوبات علي حجب المعلومات، وكأنه يبرئ ذمته بهذا النص رغم أن كل من يمارس العمل الصحفي يعاني من صعوبة الحصول علي المعلومات وقت الحاجة اليها. ويمنح قانون المجلس الأعلي للإعلام حق توقيع عقوبات علي الصحفيين حسب نص المادة 30 منه، رغم أن هذا الحق لنقابة الصحفيين بنص قانونها، وتعيد المادتان 4 و5 من القانون الخاص بتنظيم الصحافة جواز الحبس الإحتياطي في قضايا النشر رغم أنه سبق إلغاؤه، ليصبح الواقع الذي يراد فرضه علي الصحافة المملوكة للدولة يشبه تماما قصة الدب الذي أراد أن يهش ذبابة حطت علي رأس صاحبه فألقي عليه حجرا أصابه في مقتل.