د. شاكر عبد الحميد أولاً ، في البداية أود أن أؤكد اعتزازي ب "أخبار الأدب" وتقديري لجميع كتابها والعاملين فيها وعلي رأسهم الناقدة الكبيرة الأستاذة / عبلة الرويني. وأود ثانياً الإشارة إلي أن أخبار الأدب لم تبتعد عن الحقيقة حين أشارت إلي وجود "مشروع" لتطوير نظام التصويت في المجلس الأعلي للثقافة لكنها ابتعدت كثيراً هذه عن الحقيقة حين أطلقت علي هذا المشروع : "القانون الجديد لوزير الثقافة" . وأود ثالثاً، أن أشير إلي أنني أكتب هذا الرد ليس دفاعاً عن نفسي أو عن منصبي أو عن أي شيء سوي الحقيقة التي رأيتها مرتعشة، ضائعة، تائهة، ضبابية، مبتورة، غائبة، مغيبة فيما كتبه العزيز الأستاذ / محمد شعير في العدد رقم 979 بتاريخ 29 أبريل 2012 الصفحة رقم 11 من جريدتكم الموقرة وسأوجز ردي في النقاط التالية: افترض الأستاذ محمد شعير افتراضاً وصدقه أو وضع بديهية من لدنه وأثبتها، وطرح قضية كبري واستنتج من خلالها قضايا صغري ولوازم أخري، وربما كان الأمر علي العكس من ذلك، لقد طرح قضية صغري واستخرج منها قضايا كبري، وما القضية الكبري البديهية المسلمة التي وضعها العزيز محمد شعير في بداية مقاله ؟ .. لقد قال إن وزير الثقافة (وهو من سيسميه لاحقاً في مقاله هذا وزير الكوارث) قد أضاف منصب وزير الشئون المعنوية بالقوات المسلحة كعضو دائم بالمجلس الأعلي للثقافة، لاحظ معي هذه اللغة التأكيدية التوكيدية الإثباتية التقريرية التي لا تقبل الشك أو الدحض أو النفي أو المحو أو الإبدال، فقد أضاف وزير الثقافة، يعني الموضوع انتهي، خلاص!! ، "وقضي الأمر الذي فيه تستفتيان"، وماذا أضاف وزير الكوارث هذا؟ لقد أضاف منصب مدير الشئون المعنوية .. ألخ .. أين ؟ ومتي؟ وكيف ؟ وهل ثمة شهود ؟ هل تم توقيع لوزير الكوارث هنا أو هناك ؟ لا يوجد قطعاً شيء من هذا كله، لم يحدث ولن يحدث وأتحدي محمد شعير أو غيره أن يظهر دليلاً واحداً علي أنني قمت بإضافة كهذه الإضافة. ولنعد إلي كلمة أو فعل "أضاف" هذا، إنه بالطبع فعل ماضٍ يدل علي وقوع الحدث الذي هو فعل "الإضافة"، أضاف في الماضي، متي ؟ وأين ؟ لا أعرف .. ولماذا ؟ آه ، هنا لابد لنا من أن نخرج من مسألة أمر الإضافة الذي تم في عقل الأستاذ محمد شعير فقط، أو في عقل من سرب إليه هذه الإضافة إلي قولهُ إن الوزير قد انقلب هكذا علي كل ما نادت به الجماعة الثقافية ولم تفتأ تنادي به وهو "ضرورة تعديل قانون المجلس الأعلي للثقافة" والذي بُحِثَ وبُحِثَ هذه من عنديات الأستاذ محمد شعير وليس من عندياتي. وأحب أن أشير إلي أنه لم يحدث أبداً أن طلب منا من المجلس الأعلي للقوات المسلحة أو من غيره إضافة هذا الشخص أو ذاك إلي لجان المجلس أو غيرها من لجان وزارة الثقافة، لكن بعض الناس تتطوع لأسباب في نفس يعقوب، وأنا لست هذا اليعقوب. وتبقي ثمة أسرار في جعبة الحاوي، وهو هنا بالطبع العزيز محمد شعير ، ثمة حيات وأفاعٍ، وربما ثعبان سيأكل الثعابين كلها، وما هو؟ أن وزير الكوارث (لن أقول لك عزيزي القارئ من هو ؟ فقد أصبحت تعرفه جيداً) " كما قال شعير وبلغته " وبدلاً من أن يتم البحث عن صيغة جديدة للحد من هيمنة الموظفين، أضاف قانون الوزير الجديد هيئة أخري لم تكن متوقعة الشئون المعنوية للقوات المسلحة أصبح لها الحق الآن في التصويت علي الجوائز" آه .. عادت كلمة "أضاف" مرة أخري .. آه منها!! ، وأين أضاف ولماذا ؟ وكيف ؟ لا أعرف، لكن الأمر الجدير بالإنصات والإصغاء والتوقير، أو بالأحري اللعن والسب والشجب والإدانة والاحتقار، أن هذا القانون قد أصبح ساري المفعول وأصبح اسمه الجديد بعد رفعه "المتوهم" من وزير الكوارث إلي مجلس الشعب أو إلي رئيس الجمهورية غير الموجود الآن ومن ثم إلي المجلس العسكري، وأنه قد تمت الموافقة عليه وأصبح اسمه "قانون الوزير الجديد"، لا أستطيع التحكم في كتم ضحكاتي لكنه ضحك كالبكاء، ها هنا بالفعل كارثه جديدة، طامة كبري، وما هذه الكارثة الجديدة، هي بالطبع هذا القانون الذي لا أعرف متي وأين تمت الموافقة عليه وهل قانون مثل هذا خرج ممهوراً بقلمي أم بأقلام كائنات فضائية غريبة وقَّعته ثم عادت مسرعة إلي فضائها الرحب الغامض! لا أعرف، لكن ولماذا لا يكون ذلك حقيقياً مادام الأمر ستترتب عليه أشياء أخري لاحقة وأنا وزير الكوارث الذي يضيف كل يوم كارثة بعد أخري، وكأنه أصبح مدمناً عليها لا يستطيع أن يحيا بدونها، وبدونها يفقد وجوده ومعناه، ومن خلاله تزدهر وتتكاثر وتحقق ما يريده الأعداء من هذا الوطن، لقد تفوق في أفعاله وكوارثه علي كل ما يقوم به الحمقي كلهم والملتاثون الذين يمتليء بهم الوطن الآن، لقد أسهم في صناعة الفوضي وإنتاج الخراب وضياع بهجة ثورة 25 يناير العظيمة وثمارها وكيف كان ذلك؟ .. يلخِّص السيد محمد شعير كوارث وزير الكوارث في النقاط التالية : لقد جاء إلي منصبه بينما كانت قوات المجلس العسكري تقتل الشباب في شارع محمد محمود ثم في مجلس الوزراء، " ولم يرفض المنصب المصبوغ بالدماء "، هكذا قام السيد شعير بتحويلي إلي شيطان أخرس ومتواطيء دون أن يتطرق إلي ذهنه برهة أن هذه مسئولية وأمانة لابد وأن يحملها شخص ما، وأن يكون صادقاً في حملها في وقت اختلطت فيه الأوراق وتداخلت فيه المعايير، ولم يعد أحد يدري من الذي علي صواب ومن الذي علي خطأ، هل قرأت أو قرأ غيرك أو سمعت أو سمع أحد غيرك ما قد يكون قد صدر مني ويدل علي أنني قد أيدت أو شجعت أو أسهمت قولاً أو فعلاً في تلك الأحداث الكارثية، قد تقول ويقول غيرك: نعم، إنك بقبولك لهذا المنصب قد أسهمت في هذه الكوارث سواء بالتواطؤ أو السكوت، وأقول لك علي الرغم من أنني أعرف أنك لن تصدق ما أقوله مسبقاً، لقد طلب مني تحمل هذه الأمانة وحملتها عن طيب خاطر وسأتحملها عن طيب خاطر حتي تنتهي هذه الفترة القصيرة المتبقية لهذه الوزارة التعسة والتي جاءت في أتعس ظروف يمكن أن يأتي فيها وزير أو مسئول، ولماذا أتحملها ؟ سأقول لك بعد قليل لماذا؟ لم أقبل هذه الوزارة كنوع من "الضعف البشري" بل كنوع من القوة البشرية ، في وقت يزايد فيه الكثيرون ويكابرون ويكتفون بالثرثرة الفارغة ويهربون من المسئولية، لم أقبلها كما قلت أنت لأنني أريد أن أختم حياتي الوظيفية بمنصب كبير أضيفه إلي " السيرة الذاتية والعلمية الخاصة بي" أو أفخر به أمام عائلتي . لست في حاجة إلي مثل هذا المنصب أو غيره كي أضيفه إلي هذه السيرة الذاتية، سيرتي زاخرة أفخر بها وأعتز وتفتخر بها عائلتي وأصدقائي، وهي موجودة كاملة علي جوجل وعلي الويكيبيديا لمن يريد الاطلاع عليها أو يعرف شيئاً عني. ولست في حاجة أيضاً إلي أن أختم حياتي الوظيفية بشيء، حياتي العلمية والثقافية أهم وأبقي، وما يزال في جعبتي مشروعات كبري لمؤلفات وأبحاث ودراسات وترجمات هي أبقي من هذه المناصب الزائلة كلها، وعائلتي كذلك ليست في حاجة لأن أفخر أمامها أو أمام أي إنسان بشيء، أنا لست في حاجة أن أفخر أمامهم بشيء وذلك لأن فترة الشهور الخمسة تقريباً التي قضيتها في هذه الوزارة هي الشهور الأكثر سوءاً في حياتي وحياتهم، لست أنا الذي يهرب من المسئولية ولست في حاجة أن أغازل التيارات الدينية كما قلت يا محمد أو غير الدينية، لست في حاجة أيضاً لأن أغازل أي تيار أو أية سلطة أو أي أحد، لست في حاجة إلي أي شيء لقد حققت ذاتي، ولا أريد شيئاً آخر، والأشياء الباقية التي استمتع بها الآن هي أشياء قليلة، تتمثل في القراءة والكتابة والجلوس مع الأصدقاء ومشاهدة أفلام الأكشن وأشياء أخري قليلة أيضاً لن أخبرك بها. ولماذا أبقي في هذه الوزارة علي الرغم من هذه المعاناة ؟ وهذه الكوارث ؟ هل تَحمُل الأمانة والمسئولية فقط ؟ لا .. سأقول لك هل تعرف ولا بد أنك تعرف ما يسمي بأثر حركة الفراشة (Butterfly effect) ؟ أنا من المؤمنين تماماً بهذا الأثر وبالفكرة التي تقوم وراءها التي تتصل باسم عالم الرياضيات الأمريكي إدوارد لورينز (1917-2008) والتي ترتبط بدورها بفكرة موجودة في نظرية الفوضي تقول: " إن التغيير الصغير في مكان ما يمكن أن تنتج عنه فروق وتغيرات كبيرة في مكان آخر " وهي فكرة مشتقة أيضاً من مثال نظري يقول " إن حدوث إعصار ما في الولاياتالمتحدة، مثلاً، قد يعتمد علي ما إذا كانت هناك فراشة بعيدة ما قد رفرفت بجناحيها مرات عديدة منذ أسابيع عديدة مضت في الصين مثلاً "، إنها استعارة أو مجاز يجسده قول محمود درويش في قصيدته الشهيرة " أثر الفراشة " : أثر الفراشة لا يري .. أثر الفراشة لا يزول هو جاذبية غامضٍ .. يستدرج المعني ويرحل حين يتضح السبيل هو خفة الأبدي .. في اليومي أشواق إلي أعلي .. وإشراق جميل .. وأرجو منه أن يضيف إلي كوارثي هذه، تلك الكوارث التي أنجزتها في هذا المدي الزمني المحدود، فقمت ومعي زملائي من قيادات الوزارة والعاملين بها بتنظيم معرض القاهرة الدولي للكتاب في يناير الماضي بعد توقفه، وكذلك مهرجان الأقصر الدولي للسينما الأفريقية بالتعاون مع المخرج سيد فؤاد، ومهرجان القاهرة الدولي لسينما الأطفال وأيضاً بافتتاح مسرح الهناجر، وقصر ثقافة الغردقة، ومتحف أحمد شوقي، ومسرح بيرم التونسي، وقاعة صلاح جاهين بمسرح البالون، ومبني دار الوثائق بالفسطاط، وقمنا بتدعيم التعاون الدولي والثقافي مع عدد من دول العالم من خلال العديد من الفعاليات الثقافية منها المؤتمر الدولي " الثقافة والثورة" والعديد من المهرجانات السينمائية وغيرها، هذا بالإضافة إلي إصدارات الوزارة المختلفة والتي بلغت أكثر من (200) عنوان من كتب وسلاسل ودوريات، وفعاليات أخري كثيرة. حركات فراشة قامت بتحريك بعض المياه الراكدة، صحيح أنها لم تحدث إعصاراً، لكنها حركة مستمرة وستستمر. هذا هو ما دعاني إلي قبول هذه الوزارة في هذه اللحظة الصعبة والحرجة من تاريخ البلاد والتي أوشكت فيها مؤسسات الدولة علي الانهيار، وهنا كان نداء الواجب والمسئولية هو ما دفعني دون تردد أو ارتعاش للقبول وأقول نداء الواجب والمسئولية وليس نداء الوجاهة أو البحث عن المنصب كما تزعم أيها الصديق العزيز إنه أثر الفراشة. لقد أطلق الصديق العزيز محمد شعير علي هذا الاقتراح، الذي طرحه أحد أعضاء لجنة تعديل قانون المجلس الأعلي للثقافة، وقيل الأستاذ الدكتور أحمد مرسي، اسم "قانون الوزير الجديد" هكذا دون أن يسألني - شعير - أو يسأل أمين المجلس الأعلي أو أي عضو من أعضاء اللجنة المناط بها إعداد مسودة مشروع تعديل القانون وأكرر ثانية "مسودة مشروع"، مما يعني أنها مجرد مقترحات بالتعديل سيتم عرضها عليَّ وعلي جمهور المثقفين ولا شك أن المهنية كانت تقتضي من الصحفي الخبير الأستاذ محمد شعير أن يسأل مصدراً موثوقاً من قبل أن يكتب ما كتبه . وحقيقة، إنني كنت أعرف أن الصديق الدكتور سعيد توفيق "أمين عام المجلس الأعلي للثقافة" يعد مشروعاً لتطوير عملية التصويت في المجلس لكنه لم يكن لديَّ أي علم بهذا الجزء من هذا المقترح حتي قرأتُ ما كتبهُ الصديق العزيز محمد شعير، وذلك لأن مناقشة الموضوع مع هذه اللجنة كان محدداً له تاريخ لاحق، وكان سيُعرض عليَّ وبطبيعة الحال كنت سأرفض لأنني أعلم أن مثل هذا الطرح لا يليق بمكانة المجلس الأعلي، وإذا كان الدكتور سعيد توفيق اجتهد وقبل اقتراح الدكتور أحمد مرسي، فإنني بالتأكيد كنت سأخالفهما الرأي، إن لم يكن لأنني ضد أي شبهة محاولة لعسكرة الثقافة، فعلي الأقل لأنني أعرف جيداً ومسبقاً رد فعل أصدقائي وإخواني من المثقفين المصريين، لكل ذلك أعتب علي العزيزة أخبار الأدب وأعتب علي الصديق العزيز محمد شعير. إن ما لا يعرفه الصديق شعير هو أنني ما كنت لأمرِّر مثل هذا المقترح دون عرضه علي المثقفين المصريين علي أوسع نطاق من خلال طرحه مثلاً علي الفيسبوك للتصويت عليه بشكل موسع أو من خلال مؤتمر عام للمثقفين، ذلك أن قانوناً مثل هذا يفترض فيه أنه سيكون أحد محاور صياغة مصير الثقافة المصرية لسنوات لايمكن أن يكون الرأي في إقراره لوزير أو لأمين أعلي أو للجنة محدودة العدد مهما كانت القامات التي فيها. إن قانوناً مثل هذا هو بمثابة نواة لعقد ثقافي للمثقفين وأنا شخصياً كنت أتمني أن تكون الفترة المتاحة حالياً أكثر اتساعاً بما يسمح لطرح مشروع ثقافي متكامل يشارك فيه كل مثقفي مصر للنهوض بالثقافة المصرية في هذه اللحظة التي هي أحوج ما تكون لإعادة صياغة وعي الأمة بما يتناسب وتحديات هذه المرحلة. إنني أعلم جيداً أن هناك من المثقفين من يكفرون بوزارة الثقافة ويرون أنه لابد من إلغائها، وأن البديل هو الجمعيات والهيئات الثقافية المدنية، وبالطبع فإنني شخصياً سعيد بهذه الجمعيات وبالفاعلين فيها وقد قمت في ظل الميزانية المحدودة للوزارة بدعمها، إلا أن العلاقة لا ينبغي أن تكون علاقة إلغاء وإنما علاقة تكامل، وهذا هو ما ينبغي علي أي وزير قادم أن يسعي إليه في هذه اللحظة، وبذلك فإن ما أفكر فيه أنا شخصياً الآن - في حدود الوقت القليل المتاح - هو كيف نصل إلي صفة التكامل مع هذه الجمعيات والأحزاب المهمومة بالشأن الثقافي العام وهو سؤال مطروح علي هذه الجمعيات وعلي قيادات الوزارة وعليَّ أنا شخصياً. " أنا هنا .. وما عدا ذلك شائعة ونميمة " كما قال محمود درويش أيضاً.. إنه أثر الفراشة .. مع مودتي .