.تعقيباً علي التحقيق الذي نشرته «أخبار الأدب» بعنوان «البحث عن مدير للمركز القومي للترجمة» أرسل د.فيصل يونس مقالاً بعنوان »كشف حساب« يسرد فيه الملابسات التي أدت لشغله منصب مدير المركز القومي للترجمة في فبراير 2011 وما أنجزه في المركز خلال الفترة الماضية ورؤيته لمستقبل المركز، وهذا نص ما أرسله د.فيصل.. تنتهي فترة عملي كمدير للمركز القومي للترجمة بنهاية إبريل الحالي. وقد عينت في هذه الوظيفة في أول فبراير 2011 في بدايات ثورتنا المجيدة، عندما تولي الدكتور جابر عصفور مدير المركز القومي للترجمة آنذاك منصب وزير الثقافة. وكنت أعمل بالمركز وقتها مستشاراً علمياً ومشرفاً علي المكتب الفني. وكنت وقتها سعيدا بما أنجزته مع زملائي في المكتب الفني من تطوير شامل، بدءاً من عمل أرشيف منظم للصادر والوارد منه وإليه، إلي إعادة تنظيم وضبط إيقاع لجانه المتخصصة، والتدقيق في اختيار الكتب للترجمة والتأكد من حسن الترجمة ودقتها، وإنشاء قواعد بيانات للمترجمين والكتب المترجمة، إلي غير ذلك مما انعكس علي أداء المركز بوجه عام شهد به القاصي والداني، وطلب مني الدكتور جابر وقتها أن أتولي منصب المدير وقبلت بصفة مؤقتة حتي يجد من يتولي العمل بصورة أكثر دواماً، وقد امتد هذا لظروف متعددة لحوالي 15 شهراً تنتهي آخر ابريل الحالي، وأعود لممارسة الحياة التي أحبها وسط زملائي وطلبتي بالجامعة كما كنت دائماً، تلك الجامعة التي لم يمر علي فيها منذ عام 1972 فصل دراسي واحد دون أن أقوم بالتدريس والبحث 15 شهرا في إدارة المركز القومي للترجمة.. فماذا تم في هذه الشهور؟ المركز القومي للترجمة مشروع رائد بكل المقاييس أدي إلي نقلة كيفية في نشاط الترجمة ورعاية المترجمين لم تشهده مصر منذ عقود، بل وأظن أنه لم يحدث منذ البدايات الرائدة لرفاعة رافع الطهطاوي. وقد تحمل مسئولية إنشائه جابر عصفور، بمساعدة من مجموعة من الرواد من أمثال شهرت العالم وطلعت الشايب وعماد أبوغازي والعديد من العاملين الذين لم تنقصهم الهمة ولا الحماس. وكان إنشاؤه أواخر عام 2006 ، انتقالاً من المشروع القومي للترجمة الذي كان مشروعاً رائداً أيضا، وتحمل عبء إخراج الألف كتاب الأولي. ورغم أن المشروع القومي للترجمة لم يكن مؤسسة مستقلة، فقد كان تابعاً للمجلس الأعلي للثقافة، فإنه كان مؤسسة غير رسمية بكل المقاييس، يفتقد فعليا للعناصر الأساسية للمؤسساتية: هيكل إداري محدد، وميزانية محددة، ومبني محدد، ولوائح مالية وإدارية محددة خاصة به. وفي رأيي أنه عندما تحول »المشروع القومي للترجمة» إلي «المركز القومي للترجمة» استمر الأمر علي ما هو عليه: مجموعة من المفكرين المتحمسين، يعملون بكفاءة بالغة، ولكن المؤسسية غائبة، كذلك كان كل الاهتمام منصباً علي ترجمة أكبر عدد من الكتب، مع إعطاء أهمية أقل لوظائف المركز الأخري المتمثلة في التدريب والاهتمام بدراسات الترجمة وقواعد البيانات الخاصة بالترجمات، وهو أمر مفهوم بالطبع في إطار بدايات أي مشروع يخطو خطواته الأولي، أضف إلي ذلك المشكلة الدائمة المتعلقة بضعف المبيعات من الكتب مما يؤدي إلي إيرادات ضعيفة ومخازن مكتظة، هذه هي الصورة عندما تسلمت إدارة المركز.. صورة جهد مبذول ومحاولات إنجاز صادقة، لكنها غير مكتملة.. وهي صورة يمكن التحقق من صدقيتها من العديد من المتعاملين مع المركز من أساتذتنا وزملائنا المترجمين والمراجعين. فماذا تم بالتعاون مع زملائي من العاملين في المركز في هذه الشهور الخمسة عشر؟ أولاً: فيما يتعلق بالبنية الأساسية للمركز: أ - الميزانية: كان المركز يعاني من خلل هيكلي في ميزانيته منذ إنشائه يتمثل هذا الخلل في أن الميزانية المقدرة في السنة الماضية مثلا تبلغ 20 مليون جنيه، تفترض أن ايرادات المركز تبلغ 14 مليونا منها، وتقوم وزارة المالية بتغطية الباقي، 6 ملايين، والذي يعتبر عجزاً مقدراً، والحقيقة أن إيرادات المركز لم تصل أبداً إلي رقم المليون جنيه في سنة من السنوات. وكان هذا بعيد تماماً عن الواقعية. وكانت المشكلة تحل سنوياً عن طريق علاقات مدير المركز الحسنة مع من يملكون القرار والتي تؤدي إلي تغطية الفارق. وبعد شهر من قيام الثورة حانت لحظة الحقيقة وكاتبتنا وزارة المالية محذرة من تخطي العجز المقدر. وكان هذا معناه توقف نشاط المركز تماماً، وقد اجتزنا هذه المرحلة بفضل تكاتف المترجمين والعاملين بالمركز معنا وتحملهم من جهة ومن حيث التخفيض الشديد في كل جوانب الانفاق في المركز من جهة أخري. ولكن الحل الدائم لهذه المشكلة لم يكن ليأتي إلا من خلال ميزانية واقعية. وقد نجحنا والحمد لله في التفاوض مع المسئولين عن الميزانية واقناعهم بمنطقنا، مما أدي إلي أن تتوقع ميزانية العام الحالي إيرادات لا تتجاوز المليون وتغطية باقي الميزانية بالكامل من خلال الميزانية العامة. بل ونجحنا أيضا في زيادة الميزانية لتصل إلي 24 مليون جنيه، وأعتقد أنها الحالة الوحيدة التي زادت فيها ميزانية جهة خدمية في هذا العام المليء بالصعوبات الاقتصادية للدولة. من ناحية أخري نجحت سياسة تسويق جديدة في زيادة المبيعات من الكتب بأكثر من 100٪ ونتوقع لها المزيد من الزيادة إذا استمرت الأمور علي هذا المنوال. ب- الهيكل الوظيفي للمركز: لم يكن للمركز هيكل وظيفي محدد ولا توصيف رسمي للوظائف، وقد انتهينا خلال العام الماضي من وضع تصور متكامل للهيكل الوظيفي، ووصف دقيق للوظائف، بالتعاون مع وزارة التنمية الإدارية. وسيبدأ الجهاز المركزي للتنظيم والادارة في إجراءات اعتماده نهائياً مع نهاية إبريل الحالي. ج - اللوائح: تم أيضا بإعداد لائحة مالية متكاملة ولائحة لشئون العاملين تنتظر الاعتماد النهائي من وزير الثقافة. د - مباني المركز: لم يكن مبني المركز مؤمناً علي الإطلاق ضد السرقة ولا ضد الحريق ولا توجد أي عناصر للسلامة الشخصية في حالات الطوارئ. وقد تم تأمين المركز من خلال قسم متكامل للأمن في المركز له رئيس متفرغ، وتم تركيب كاميرات وأجهزة إنذار وتعديل حوائط ونوافذ حديدية، بحيث زادت نسبة الأمن والسلامة في المركز إلي حد كبير، ستصل إلي الحماية الكاملة عند الانتهاء من هذا المشروع. ه - موقع الإنترنت: كان للمركز موقع علي الإنترنت يتصف بالصغر الشديد وعدم القدرة علي التوسع وانتهينا في هذه الفترة بدعم من وزارة التنمية الإدارية من إنشاء موقع جديد بالكامل أكبر حجماً، وبه إمكانية للبيع الإلكتروني عبر الإنترنت. وجار الآن الانتهاء من إجراءات تعيين عدد من العاملين المتخصصين في المعلومات وإدارة المواقع الالكترونية لتحقيق نقلة كيفية في اعتماد المركز علي تكنولوجيا المعلومات الحديثة، في إدارة أنشطته والتواصل مع جمهور القراء والمترجمين والمثقفين. و - العاملون: أتيحت للعاملين الأكفاء فرص واسعة للترقي لرئاسة أقسامهم وأخذ مكان المنتدبين والمستقيلين ومن انتهت خدمتهم من كبار العاملين. وقد أثبت هؤلاء الشباب صحة هذه السياسة من حيث زيادة واضحة في الإنتاجية، وزيادة في سرعة الإنجاز. وقد تم هذا في 4 أقسام علي الأقل. كذلك أتيحت لجميع العاملين دورات تدريبية مكثفة في كل ما يتعلق بنشاط المركز مثل دورات الحاسب الآلي واستخدامه في إخراج الكتب، ودورات التسويق وغير ذلك. ثانياً: فيما يتعلق بوظائف المركز: 1- الترجمة: أولينا الترجمة عناية كبري ، وركزنا الاهتمام علي عملية إدارة الترجمة لتحقيق مزيد من الدقة والسرعة، وتغطية موضوعات يري المجتمع أنها أكثر أهمية، بأكثر من التركيز علي عدد الكتب الصادرة عن المركز. وفي سبيل ذلك واصلنا العمل وحققنا ما يلي: أ - إعادة هيكلة المكتب الفني علي شكل لجان أكثر تخصصاً، وذلك لتحقيق درجة من التخصص أكثر تعمقاً بما يسمح بمزيد من الدقة والإحاطة في عملية اختيار ما يترجم وتدقيق الترجمات. ب - تكوين لجان نوعية لمزيد من التركيز علي موضوعات يري المركز وأعضاء هيئته الاستشارية والمتعاونون معه أنها تحتاج لمزيد من الاهتمام، وقد شكلت في هذا السياق لجنة للدراسات الإفريقية وخاصة دراسات دول حوض النيل، ولجنة لدراسات المرأة، ولجنة لثقافة الطفل، ولجنة لدراسات السينما وأخري للدراسات التاريخية المعاصرة، وهكذا.... ج - المزيد من التركيز علي اختيار اللجان المتخصصة لما يترجم (الدقيق في اختيار الكتب التي تترجم) وفق تصور للثغرات المعرفية الموجودة وما ينبغي ترجمته، مع الاستمرار في الترحيب بمقترحات المترجمين مادامت تصب في هذا الإطار. د- الإصرار علي جودة الترجمة ويتضمن ذلك إلغاء التعاقد مع بعض المترجمين الذين قدموا ترجمات رديئة، وتغيير صياغة العقود بحيث تضع ضمانات لجودة الترجمة والتزام المترجمين بالمواعيد المحددة في العقود. ه - مزيد من التحديد لدورة العمل فيما يتعلق بالكتب في المركز، تتابع مركزياً من خلال قاعدة بيانات في مكتب المدير، ضبطاً لإيقاع العمل، وتحقيق مزيد من تحديد المسئوليات فيما يتعلق بالتأخير غير المبرر في حركة الكتب بالمركز. و - الدفاع عن مصالح المترجمين والمراجعين ودراسة مشكلاتهم ومحاولة طرح حلول عملية لها، إلي جانب اتخاذ كل الاجراءات الممكنة لتلبية مطالبهم والحفاظ علي حقوقهم المادية والمعنوية. 2- نشاط التدريب: أ- زادت الدورات التدريبية التي أتيحت لشباب المترجمين من خلال المركز. ب- التعاون مع جهات أجنبية في عملية التدريب، وفي هذا الصدد أجرينا دورة بالتعاون مع زملاء في كلية الألسن في مجال اللغة الصينية، ونحن الآن في آخر مراحل التفاوض لتنظيم دورة في الترجمة عن التركية بالتعاون مع مؤسسة حكومية تركية، ودورة أخري في الترجمة عن الفرنسية بالتعاون مع المركز الثقافي الفرنسي في القاهرة. ج من خلال التعاون مع مركز دراسات الترجمة بالجامعة الأمريكية تنظم ثلاث ورش عمل سنوياً يقودها أستاذ زائر يستضيفه المركز والجامعة الامريكية في دراسات الترجمة ومتضمناتها من حيث الترجمة في سياق معين. د يعقد شهرياً في المركز ورشة عمل تحت مسمي "منتدي المترجمين" يلتقي فيه شباب المترجمين مع أحد المترجمين. يتم فيه التركيز علي قضايا وإشكاليات في الترجمة في مجال معين ونقل الخبرات عبر الأجيال. 3 النشاط العلمي والثقافي: أ بيت الترجمة: يتضمن مشروع بيت الترجمة والذي سبقت الإشارة إليه في مجال التدريب، سلسلة من المحاضرات (6سنوياً) تقدم بواسطة اساتذة متخصصين أو مترجمين عالميين تتناول قضايا هامة في دراسات الترجمة أو فنياتها يدور حولها نقاش مفصل وتنشر عروض وافية لها في موقع الإنترنت الخاص بالمركز. ب صالون رفاعة: تم تطويره الي حد كبير فأصبح يعقد في المتوسط مرتين شهرياً، ويعقد في أحيان كثيرة خارج نطاق المركز: مثال جامعات المنياوالقاهرة وعين شمس. هذا بعض مما حققه المركز القومي للترجمة في الخمسة عشر شهراً الأخيرة وقد تحقق بفضل تعاون الكثير من العاملين في المركز وجهدهم المثابر علي إحداث نقلة كيفية في الأداء وبفضل حرص المهتمين بقضايا الترجمة والمدركين لأهمية المركز في هذا السياق وإسهامهم مع المركز. ولا يعني ذلك أنه لم تعد هناك مشكلات ولا ثغرات: الحقيقة ان هناك الكثير من العمل المطلوب.