شاهد، أعمال تركيب القضبان والفلنكات بمشروع الخط الأول من شبكة القطار الكهربائي السريع    الصين تُبقي أسعار الفائدة دون تغيير للشهر السادس رغم مؤشرات التباطؤ    ترامب يوقع قانونًا لنشر ملفات جيفري إبستين.. ويعلن لقاءً مع رئيس بلدية نيويورك المنتخب    حجبت الرؤية بشكل تام، تحذير عاجل من محافظة الجيزة للمواطنين بشأن الشبورة الكثيفة    سيد إسماعيل ضيف الله: «شغف» تعيد قراءة العلاقة بين الشرق والغرب    ترامب يرغب في تعيين وزير الخزانة سكوت بيسنت رئيسا للاحتياطي الاتحادي رغم رفضه للمنصب    أخبار فاتتك وأنت نائم| حادث انقلاب أتوبيس.. حريق مصنع إطارات.. المرحلة الثانية لانتخابات النواب    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الخميس 20 نوفمبر 2025    انتهاء الدعاية واستعدادات مكثفة بالمحافظات.. معركة نارية في المرحلة الثانية لانتخابات النواب    تحريات لكشف ملابسات سقوط سيدة من عقار فى الهرم    زكريا أبوحرام يكتب: هل يمكن التطوير بلجنة؟    زوار يعبثون والشارع يغضب.. المتحف الكبير يواجه فوضى «الترندات»    دعاء الفجر| اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله    بيان سعودي حول زيارة محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة    مستشار ترامب للشئون الأفريقية: أمريكا ملتزمة بإنهاء الصراع في السودان    سفير فلسطين: الموقف الجزائري من القضية الفلسطينية ثابت ولا يتغير    أدعية الرزق وأفضل الطرق لطلب البركة والتوفيق من الله    كيفية تدريب الطفل على الاستيقاظ لصلاة الفجر بسهولة ودون معاناة    فلسطين.. تعزيزات إسرائيلية إلى قباطية جنوب جنين بعد تسلل وحدة خاصة    مكايدة في صلاح أم محبة لزميله، تعليق مثير من مبابي عن "ملك إفريقيا" بعد فوز أشرف حكيمي    مصادر تكشف الأسباب الحقيقية لاستقالة محمد سليم من حزب الجبهة الوطنية    طريقة عمل البصل البودر في المنزل بخطوات بسيطة    يحيى أبو الفتوح: منافسة بين المؤسسات للاستفادة من الذكاء الاصطناعي    إصابة 15 شخصًا.. قرارات جديدة في حادث انقلاب أتوبيس بأكتوبر    طريقة عمل الكشك المصري في المنزل    أفضل طريقة لعمل العدس الساخن في فصل الشتاء    مأساة في عزبة المصاص.. وفاة طفلة نتيجة دخان حريق داخل شقة    أسعار الدواجن في الأسواق المصرية.. اليوم الخميس 20 نوفمبر 2025    خبيرة اقتصاد: تركيب «وعاء الضغط» يُترجم الحلم النووي على أرض الواقع    وردة «داليا».. همسة صامتة في يوم ميلادي    بنات الباشا.. مرثية سينمائية لنساء لا ينقذهن أحد    مروة شتلة تحذر: حرمان الأطفال لاتخاذ قرارات مبكرة يضر شخصيتهم    مهرجان القاهرة السينمائي.. المخرج مهدي هميلي: «اغتراب» حاول التعبير عن أزمة وجودية بين الإنسان والآلة    خالد أبو بكر: محطة الضبعة النووية إنجاز تاريخي لمصر.. فيديو    ضبط صانعة محتوى بتهمة نشر مقاطع فيديو خادشة للحياء ببولاق الدكرور    إطلاق برامج تدريبية متخصصة لقضاة المحكمة الكنسية اللوثرية بالتعاون مع المعهد القضائي الفلسطيني    إعلام سوري: اشتباكات الرقة إثر هجوم لقوات سوريا الديمقراطية على مواقع الجيش    موسكو تبدي استعدادًا لاستئناف مفاوضات خفض الأسلحة النووي    بوتين: يجب أن نعتمد على التقنيات التكنولوجية الخاصة بنا في مجالات حوكمة الدولة    تأجيل محاكمة المطربة بوسي في اتهامها بالتهرب الضريبي ل3 ديسمبر    خالد الغندور: أفشة ينتظر تحديد مستقبله مع الأهلي    دوري أبطال أفريقيا.. بعثة ريفرز النيجيري تصل القاهرة لمواجهة بيراميدز| صور    تقرير: بسبب مدربه الجديد.. برشلونة يفكر في قطع إعارة فاتي    ديلي ميل: أرسنال يراقب "مايكل إيسيان" الجديد    بالأسماء| إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم ميكروباص وملاكي بأسيوط    فتح باب حجز تذاكر مباراة الأهلي وشبيبة القبائل بدورى أبطال أفريقيا    أرسنال يكبد ريال مدريد أول خسارة في دوري أبطال أوروبا للسيدات    "مفتاح" لا يقدر بثمن، مفاجآت بشأن هدية ترامب لكريستيانو رونالدو (صور)    ضمن مبادرة"صَحِّح مفاهيمك".. أوقاف الفيوم تنظم قوافل دعوية حول حُسن الجوار    لربات البيوت.. يجب ارتداء جوانتى أثناء غسل الصحون لتجنب الفطريات    عصام صاصا عن طليقته: مشوفتش منها غير كل خير    تصل إلى 100 ألف جنيه، عقوبة خرق الصمت الانتخابي في انتخابات مجلس النواب    أمريكا: المدعون الفيدراليون يتهمون رجلا بإشعال النار في امرأة بقطار    ماييلي: جائزة أفضل لاعب فخر لى ورسالة للشباب لمواصلة العمل الدؤوب    قليوب والقناطر تنتفض وسط حشد غير مسبوق في المؤتمر الانتخابي للمهندس محمود مرسي.. فيديو    خالد الجندي: الكفر 3 أنواع.. وصاحب الجنتين وقع في الشرك رغم عناده    أهم أحكام الصلاة على الكرسي في المسجد    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أخبار اليوم تنشر صفحات من مذكرات عادل حموده «13»
نشر في أخبار الأدب يوم 30 - 03 - 2018


عادل حموده
حكايات مجهولة عن أحمد زكي وعمر الشريف وعادل إمام !
اشتري أحمد زكي 100 نسخة من كتابي عن اغتيال السادات فقُبض عليه ليلا!
جلسنا أنا وعادل إمام علي رصيف مسرح الحرية حتي الفجر نتكلم عن مسرحية الزعيم وبعد ساعات شهد المكان محاولة اغتيال وزير الداخلية حسن الألفي !
عمر الشريف كشف لي لأول مرة عن اتصاله برئيس الحكومة الإسرائيلية ليعرف منه كيف سيستقبلون السادات لوجاء إليهم !
زاهي حواس وأنا اخذناه إلي المسرح لإيقاف تسلل مرض الزهايمر إليه وعدوانيته تنفجر مع الكأس الثالث للنبيذ الأحمر !
زارته ماجدة الرومي في المستشفي سرا ولم يستمع لخبرة هيكل في التعامل مع السرطان ومبارك يضع طائرة عسكرية تحت تصرفه لو شاء السفر إلي الخارج !
سر جملة » علي الطلاق ما حاسافر إسرائيل »‬ التي طلب مني نشرها ولقاء علي غير موعد بيننا بعد ساعة من اغتيال فرج فودة !
في ذلك الوقت من منتصف سبعينات القرن العشرين كان وسط القاهرة مركز الحياة فيها .
كنا نجد هناك دور السينما ونواديها والمسارح بعروضها المختلفة وجمعيات الموسيقي ومحلات الموضة والمكتبات وباعة الصحف والكافتيريات التي جذبتنا برقيها وتحولت فيما بعد إلي محلات أحذية مثل »‬ البن البرازيلي » .
لكن .. كانت كافتيريا »‬ لاباس »‬ الأكثر قربا لنا والمكان المفضل الذي يجمعنا حتي أفسده الأمن فتفرقنا وابتعدنا وتشتتنا .
والضمير هنا يقصد به أجيال متميزة من الكتاب والنقاد والرسامين وصناع السينما وأبطالها بدأوا حياتهم الفنية وحواراتهم السياسية وعلاقاتهم الشخصية وخلافاتهم الإنسانية من »‬ لاباس »‬ في شارع قصر النيل .
كان فنجان القهوة بالحليب »‬ كابتشينو» يجمعنا صباحا ومساء لكن الأسم كان صعب النطق علي أحمد زكي »‬ البريء »‬ القادم من التعليم الصناعي في الشرقية ليلحق بآخر دفعة في معهد الفنون المسرحية تقبل بذلك المؤهل وبتشجيع من الفنانة شهيرة بلدياته ومرشدة في مدينة لا ترحم مثل القاهرة .
شهور طويلة وأحمد زكي يتدرب علي نطق الكلمة .. مرة ينطقها كاشينو.. ومرة أخري ينطقها شاشينو.. وفي أفضل المرات نطقها شابيشينو.. وعندما نجح في حفظها قراءة وكتابة رقص فرحا ودعا اصدقاءه القدامي في الزقازيق ليتعرفوا مثله علي تلك المعجزة الإيطالية التي يمتزج فيها البن ببخار الحليب الساخن في مذاق خاص مغطي بالرغوة .
لم تكن حياته سهلة فهويدرس ويمثل أدوارا صغيرة ويسكن في بنسيون قريب من لاباس وذات مرة نزل من علي المواسير ليهرب من السؤال عن الأجرة المتأخرة ورغم ندرة النقود في جيبه فإنه كان يصر علي تدخين سجائر مستوردة »‬روثمان» ولواستدان ثمنها (30 قرشا) ولكن الغريب انه عندما امتلأت جيوبه بالنقود أصبح لا يدخن سوي السجائر المصرية »‬ كليوباترا» أو»‬ بلمونت».
ذات يوم التقي بسياح عرب من الخليج راحوا يثنون علي براعته الفنية ويعبرون عن سعادتهم لوجوده بينهم ولو لدقائق معدودة ولكن قبل أن يصلوا إلي الدور الأرضي طلبوا منه نسخة من آخر أغانية فقد تصوروا أنه أحمد عدوية وتلقي أحمد زكي الصدمة بسخرية شاركناه فيها فما الذي كنا نملك غير الضحكات لنتجاوز الصدمات .
ولا شك أن السجائر أصابته بسرطان الرئة والحجاب الحاجز وبقيت بجواره عاما كاملا قضاه بين مستشفي دار الفؤاد وفندق هيلتون رمسيس واختارني أنا والدكتور أسامة الباز لاتخاذ ما تفرضه حالته الصحية من قرارات علاجية وقد وضع مبارك طائرة حربية »‬سي 130» تحت تصرفه في مطار الماظة إذا ما احتاج السفر للعلاج في الخارج وكلف مدير مكتبه جمال عبد العزيز بالتنفيذ إذا ما طلب أحمد زكي ذلك .
ولم يتردد عماد الدين أديب في مساندته ماليا بتوقيع عقد فيلم »‬حليم» وكان مستعدا لإحضار أفضل أطباء السرطان في العالم للكشف عليه في مصر فقد كان واحدا من أقرب الأصدقاء إليه .
لكن كان تشخيص الدكتور عوض تاج الدين وزير الصحة الأسبق حاسما وقدر مدة حياته بنحوالعام ولكنه يمانع في أن يحضر له هاني يان خريج معهد السينما وصاحب المطاعم الصينية أطباء من الصين ليعالجوه بالأعشاب والإبر حتي لا يتهم بالتقصير وفوجئت بأحمد زكي يطلب تصويره وهوبين أولئك الأطباء كما أنه لم يخش الحديث عن مرضه في حوار تلفزيوني فقد تصور أنه قادر علي هزيمة السرطان .
وعندما صحبت هيكل لزيارته راح يحكي له عن تجربته مع السرطان الذي اصيب به مرتين ( في الكلي والبروستاتا ) وكيف نجا منه بالعزلة بعيدا عن تعدد التشخصيات ولكن أحمد زكي لم يأخذ بالنصيحة فقد كان يتيما يكره الوحدة .
وجاءت ماجدة الرومي سرا إلي القاهرة للاطمئنان عليه وجلسنا ثلاثتنا في كافتيريا المستشفي ولم تكن في حاجة إلي التنكر فقد تغيرت ملامحها ونحف جسمها بعد ان طلقت من زوجها أثر اكتشافها خيانته لها مع مطربة شابة واحتفظت طويلا بسر هذه الزيارة .
أما الأكثر قربا منه في شهور المرض فكانت الفنانة رغدة التي حرصت علي إحضار طعام من بيتها غني بالحديد لمواجهة آثار العلاج بالكيماوي كما كانت تشرف علي نظافة جناحه في المستشفي وكتبت قصيدة عبرت فيه عن حزنها بعد أن كسب الموت رهان بقاء أحمد زكي علي قيد الحياة .
وفي آخر أيامه تكاثرت الجلطات في أوعيته الدموية وأصيب بالعمي قائلا : »‬عرفت الآن شعور طه حسين الذي مثلت دوره في التلفزيون» .
بين البانسيون المتواضع والموت المؤلم عاش أحمد زكي سنوات طويلة من الألم والتألق صاحبها فشل عاطفي تجسد بزواج من النجمة الشابة هالة فؤاد لم يستمر طويلا وإن اثمر طفلا وحيدا تربي في بيت جدته لأمه هو هيثم الذي احترف التمثيل هوالآخر .
ومشيت معه ذلك المشوار بمره وحلوه وكل منا يري في نجاح الآخر نجاحا له وبسبب ذلك الاتفاق كاد أحمد زكي أن يلبس قضية أمن دولة .. وجد كتابي »‬ اغتيال رئيس »‬ يباع في وسط القاهرة ليلا فاشتري منه 100 نسخة وراح يوزعها فرحا علي المارة حتي قبض عليه وسحب إلي شرطة قصر النيل ولحقت به في الثالثة فجرا وانقذته من الحجز قبل وضعه فيه واثبت أن الكتاب مصرح بتداوله وليس منشورا سريا .
وتمنيت أن يكون علي قيد الحياة لانقل إليه شهادة عمر الشريف عنه .
كنا في بيفرلي هيلز ( مدينة نجوم السينما في كاليفورنيا ) نتناول طعام العشاء بدعوة من عمر الشريف في مطعم يسمي »‬ سبرجو» عندما اعترف النجم العالمي بأن أحمد زكي هوأفضل ممثل في مصر وإنه لوكان يجيد اللغة الإنجليزية لأصبح أكثر شهرة منه .
كان ذلك في صيف عام 2005 بحضور الدكتور زاهي حواس والكاتبة الصحفية ماجدة الجندي ومذيع التلفزيون جمال الشاعر .. ويومها كشف عمر الشريف عن سر شديد الغرابة .. أن السادات كلفه بالاتصال بمناحم بيجن ( رئيس وزراء إسرائيل ) عبر السفارة الإسرائيلية في باريس ليسأله : »‬ لوجاء السادات إلي إسرائيل فكيف ستستقبلونه ؟ »‬ .. ونفذ عمر الشريف ما طلب منه .. وجاء إجابة بيجن تليفونيا : »‬ لوجاء السادات إلينا سنعامله معاملة الملوك المتوجين ؟ »‬ .. لكن عمر الشريف لم يعرف كيف يوصل رسالة بيجن إلي السادات فليس معه أرقام تليفوناته فسهل عليه السفير الإسرائيلي المهمة واتصل برئاسة الجمهورية في مصر من مكتبه .. وجاء صوت السادات واضحا علي الخط .
إن كثيرا من الأحداث الكبري تولد أحيانا بطريقة غير متوقعة وربما بدأها أشخاص لا يخطرون علي بالنا .. إن ذلك احد الدروس الصحفية والسياسية التي لم تغب عن بالي أبدا .
وانفردت بنشر تلك القصة في الأعداد الأولي من »‬ الفجر »‬ التي كانت حديثة الإصدار ولم يكذبها أحد وإن سرقها كثيرون فيما بعد ونسبوها لأنفسهم .
ومنذ ذلك اليوم توطدت علاقتي بعمر الشريف وإن أخذت عليه عدوانيته التي تنفجر بمجرد أن يتناول كأسين من النبيذ الأحمر لكن بمجرد أن تواجهه بعنف أشد حتي يرتد إلي طبيعته الناعمة .
وعندما اصيب في آخر أيامه بالزهايمر كنت أنا وزاهي حواس ( صديقه المقرب ) نذهب به إلي المسرحيات ربما نشطنا ذاكرته لووجد نفسه وسط فنانين يحبونه ويحتفلون به .
ولوكانت طبيعتي الصحفية غلبتني وسارعت بنشر خبر إصابته بالزهايمر فإنني لم أفهم سر الهجوم علي ما نشرت خاصة وأن ما كتبت من تفاصيل سرقت صحفيا بالكامل فيما بعد .
مثل عمر الشريف كان أحمد زكي يفضل الإقامة في الفنادق ومثله ايضا كان مسرفا ومثله كذلك لا يستيقظ إلا ظهرا إلا إذا كان لديه فيلم يصوره .
كان أحمد زكي يدخل علينا في بداية مشواره إلي لاباس بعد العصر منكوش الشعر مهمل الثياب وهويحك ظهره في حركة عصبية تعكس شعوره بالخجل ولم يكن ليتكلم إلا بعد نصف ساعة من الصمت ليجذب بتقليده السادات وعبد الناصر الانتباه وقد جسدهما سينمائيا فيما بعد في فيلم »‬ ناصر 56 »‬ وفيلم »‬ أيام السادات الأخيرة »‬ لكنه كان أكثر براعة في تقليد الشيخ الشعراوي واسامة بن لادن وإن لم يحقق حلمه في تمثيل فيلمين عنهما .
وكثيرا ما اشتكي أحمد زكي لي تعمد عادل إمام إحراجه أمام الشخصيات المهمة في البلد وإن تبني عادل إمام فيما بعد ابنه هيثم فنيا وإنسانيا .
أما الأب الروحي ل أحمد زكي فكان صلاح جاهين فقد احتضنه بعد محاولة انتحاره يوم سحبوا منه دور البطولة في فيلم »‬ الكرنك »‬ بدعوي أنه ليس نجم شباك .
ولا شك أن عادل إمام هوالنجم الأطول عمرا في السينما والمسرح والتلفزيون ليصبح منذ سنوات طويلة الأعلي سعرا أيضا .
تعرفنا عليه في لاباس أيضا وكان وقتها قد حقق نجاحا كاسحا في مسرحية »‬ مدرسة المشاغبين »‬ ومسرحية »‬ شاهد ما شافش حاجة »‬ ليعوض سنوات الكفاح السابقة التي لعب فيها أدوارا ثانية ومساعدة ورغم علاقته المتنية بالناقد المميز سامي السلاموني أحد نجوم لاباس أيضا إلا أنهما كثيرا ما اختلفا حول تقييم ما يقدم من أعمال فنية .
وعندما وجد السلاموني نفسه بلا بيت بعد أن هدم البيت القديم الذي كان يسكنه تكاتفنا جميعا وعلي رأسنا عادل إمام لنجد له شقة بديلة رغم إمكانياته المادية البسيطة فالخلاف في الرأي لم يكن ليفسد العلاقات الإنسانية .
وبعد أن حقق عادل إمام جماهيرية عريضة لم يتردد في توظيف موهبته في مواجهة قضايا المجتمع معتمدا علي كاتب سيناريو متمكن مثل وحيد حامد ومخرج متميز مثل شريف عرفة وفي هذه المرحلة قدم أفلام »‬ المنسي »‬ و» اللعب مع الكبار »‬ و» الإرهاب والكباب »‬ و» النوم في العسل »‬ وفي هذه المرحلة الفنية تألقت معه يسرا .
وفي هذه المرحلة كنت مسئولا عن تحرير روز اليوسف فلم نتردد في الاحتفاء بتلك الأفلام وبطلها وصناعها مما زاد من قوة العلاقة بينه وبيني
وحدث في شتاء عام 1993 أن كنا نجلس معا علي رصيف مسرح الحرية الملاصق لمبني الجامعة الأمريكية المطل علي شارع الشيخ ريحان وراح عادل إمام يحدثني عن مسرحيته الجديدة »‬ الزعيم »‬ التي اقتبس ما فيها من حكام طغاة مثل صدام حسين ومعمر القذافي وقبل الفجر بقليل عاد كل منا إلي بيته لينام .
في صباح اليوم التالي استيقظنا علي محاولة اغتيال وزير الداخلية اللواء حسن الألفي وهوفي طريقه إلي مكتبه بعد أيام قليلة من توليه المنصب والمفاجاة أن الحادث وقع في المكان الذي كنا نجلس فيه .
في ذلك الوقت كان يؤخذ علي عادل إمام تعاليه أحيانا علي الجمهور الذي كان ينتظره خارج المسرح كما لم يكن يعبأ بآراء النقاد في أفلامه فقد كان يعتبر إيراد شباك التذاكر المقياس الوحيد لنجاحه وإن تراجع عن ذلك مؤخرا بعد أن اكتفي بمسلسلات التلفزيون .
وربما كانت موهبة سعيد صالح لا تقل عن موهبته ولكن سعيد صالح لم يكن بذكاء عادل إمام ولم يرع ما حباه الله من موهبة لدرجة دخوله السجن في قضية مخدرات .
ولا جدال أن زواج عادل إمام من السيدة هالة الشلقاني أضاف إليه استقرارا اجتماعيا ضاعف من نجاحه لكنه في الوقت نفسه فقد تدريجيا علاقاته بأصدقائه القدامي الذين عرفهم أيام البساطة والعفوية والجرأة والضحكة واقتسام الفرحة واللقمة .
إنني أعرف الوجع الذي تتركة الكلمات التي تقال وأعرف الوجع الأشد الذي تتركه الكلمات التي لا تقال .. الكلمة المحبوسة في صدر أصحاب البدايات زغرودة نار لا يجب أن تنطلق حتي لا تحرق السماء والأرض والسقف والجدران والناس الذين يمشون وراء النجوم .
وطوال أكثر من أربعين سنة تذبذبت العلاقة مع عادل إمام بين الصداقة المتينة والجفوة العابرة ولكن في كل مرة كنا نتباعد فيها يحدث شيء ما يعيد إلينا التقارب .
في شتاء عام 1992 كان الدكتور فرج فودة يخرج من مكتبه في حي مدينة نصر عندما أطلق عليه اثنان يركبان موتوسيكلا الرصاص فسقط غارقا في دمائه وعندما نقل إلي مستشفي قريب سارعت بالذهاب للاطمئنان عليه ولم تمر دقائق حتي جاء عادل إمام وفي تلك الساعات الحرجة نسينا ما كان بيننا من توتر ووحدت المأساة المروعة بيننا من جديد ولكننا خرجنا في اليوم التالي منكسرين فقد توفي فرج فودة .
قبل الحادث بأسابيع قليلة كان فرج فودة في مناظرة ملتهبة حول الشريعة الإسلامية في معرض الكتاب وكان الطرف الآخر هوالشيخ محمد الغزالي واختنقت القاعة بمن فيها وجلس مئات من المتابعين علي الأرض يستمعون ما يقال في ميكرفونات علقت خارجها ولوحظ أن الأغلبية كانت من أنصار التيارات الدينية وكثير منهم صدم لتفوق فرج فودة فتقرر في تلك اللحظة اغتياله قبل أن يخرج منتصرا من الباب ولم يقل المحرضون لمنفذي الجريمة سوي أنه كافر تماما مثلما حدث مع نجيب محفوظ فلا أحد من القتلة قرأ لهما أوعنهما بل ربما لا أحد قرأ اصلا فمنهم سباك ونجار وحداد وبائع عسلية .
وحدث فيما بعد أن تورط عادل إمام في ندوة مفتوحة مع رواد معرض الكتاب وفهم من كلامه أنه لا مانع عنده من السفر إلي إسرائيل فقامت القيامة ضده ولم يجد سواي بنصيحة من زوجته لنشر توضيح علي لسانه قائلا : »‬ علي الطلاق ما حا سافر إسرائيل »‬ وكل ما حدث انه استجاب لدعوة من ياسر عرفات لزيارة غزة بعد قيام السلطة الفلسطينية .
أما الذي فاجأنا بزيارة إسرائيل وكان من شلتنا في لاباس فكان الكاتب المسرحي الساخر علي سالم .. أخذ سيارته الروسية »‬ نيفيا »‬ وانطلق برا إلي هناك وسجل رحلته في كتاب لم يكن أحد في حاجة إلي قراءته ليهاجمه فقد كانت زيارة إسرائيل رجسا من عمل الشيطان عوقب علي سالم بعدها بالمقاطعة فرحل عن لاباس إلي فندق غير شهير في الزمالك ليجالس شلة أخري غير التي عرفها أكثر من عشر سنوات .
وعندما عاد إلي سطح الحياة بعد ثورة يناير استرد شهرته بمقالاته الساخرة التي نشرها في صحيفة المصري اليوم ولكنه سرعان ما أصيب بالسرطان وإن قاومه بالظهور في برامج التوك شو وكان حواره الأخير معي علي شاشة »‬ النهار »‬ بدا فيه نحيف الجسد ضعيف الصوت وإن لم يفقد قدرته علي السخرية وكان الحوار عن النكتة السياسية في مصر .
وفي اليوم التالي طلب علي سالم مني أن نلتقي في لاباس لنشرب آخر كابتشينو هناك .
إن العودة إلي الأماكن القديمة كثيرا ما يصدمنا والأفضل أن نحتفظ بذكرايتنا معها من بعيد إلي بعيد والقاعدة نفسها تنطبق علي الشخصيات التي افترقنا عنها طويلا ليكن الشوق إليها وهما نعيشه بدلا من واقع جديد يؤلمنا .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.