آثار عين شمس تستجيب لمقترحات طلابية وتحيلها لرؤساء الأقسام لدراستها    وفد طلابي من هندسة دمنهور يشارك في فعاليات ملتقى "موبيليتي توك"    أنطاليا التركية تحصد لقب "أول مدينة سياحية للعام" بمنظمة الدول الثماني النامية للتعاون الاقتصادي    بعد هجوم صاروخي هندي.. باكستان: تأجيل الرحلات الجوية التي لم تقلع بعد    لقاء سري بين شخصيات سورية وإسرائيلية في مدينة أوروبية.. صحيفة عبرية تكشف الكواليس    سفير مصر في اليونان: أثينا تقدر دور القاهرة في غزة والعلاقات بين البلدين نموذجية واستراتيجية    الأهلي ضد الاتحاد.. موعد نهائي كأس مصر لكرة السلة    الشحات ينافس الجزيري.. رابطة الأندية تعلن الأهداف المرشحة للأفضل في الجولة الرابعة بالدوري    نقل حسام عاشور للمستشفى بعد تعرضه لأزمة صحية    3 سنوات فقط.. التعليم تكشف خطة إلغاء الفترات المسائية بالمدارس الابتدائية    تطورات جديدة في حادث طالبة علوم الزقازيق| عميد الكلية ينفي شائعة ضبطه.. ومحام يتراجع (صور)    فاطمة الكاشف تشارك في مسلسل "حرب الجبالي"    بعد التوقيع مع محمد منير وأحمد سعد.. روتانا تتعاقد مع حكيم (تفاصيل)    مهرجان أسوان لأفلام المرأة يرصد صورة المرأة في السينما العربية    مؤتمر دولي بطب قصر العيني يوصي بدمج التقنيات الحديثة لمكافحة العدوى الطفيلية    البابا تواضروس أمام البرلمان الصربي: إخوتنا المسلمون تربطهم محبة خاصة للسيدة العذراء مريم    مدحت نافع: حجم المرونة في سعر الصرف «مقبول»    ارمِ.. اذبح.. احلق.. طف.. أفعال لا غنى عنها يوم النحر    أمين الفتوي يحرم الزواج للرجل أو المرأة في بعض الحالات .. تعرف عليها    نائب رئيس جامعة الأزهر: الشريعة الإسلامية لم تأتِ لتكليف الناس بما لا يطيقون    بيسيرو لم يتم إبلاغه بالرحيل عن الزمالك.. ومران اليوم لم يشهد وداع للاعبين    الأول من نوعه في الصعيد.. استخراج مقذوف ناري من رئة فتاة بالمنظار    اليوم العالمى للربو.. مخاطر تزيد أعراضك سوءاً وأهم النصائح لتجنب الإصابة    «الخارجية» تصدر بيانا بشأن السفينة التي تقل بحارة مصريين قبالة السواحل الإماراتية    كراسي متحركة وسماعات طبية للأطفال من ذوي الإعاقة بأسيوط    طلاب جامعة طنطا يحصدون 7 مراكز متقدمة في المجالات الفنية والثقافية بمهرجان إبداع    هل يجب على المسلمين غير العرب تعلم اللغة العربية؟.. علي جمعة يُجيب    الأمطار تخلق مجتمعات جديدة فى سيناء    جولة تفقدية لوكيل مديرية التعليم بالقاهرة لمتابعة سير الدراسة بالزاوية والشرابية    البنك الإسلامي للتنمية والبنك الآسيوي للتنمية يتعهدان بتقديم ملياري دولار لمشاريع التنمية المشتركة    "ثقافة الفيوم" تشارك في فعاليات مشروع "صقر 149" بمعسكر إيواء المحافظة    بولندا تتهم روسيا بالتدخل في حملة الانتخابات الرئاسية    «النهارده كام هجري؟».. تعرف على تاريخ اليوم في التقويم الهجري والميلادي    ظافر العابدين ينضم لأبطال فيلم السلم والثعبان 2    وفد البنك الدولى ومنظمة الصحة العالمية في زيارة لمنشآت صحية بأسيوط    من منتدى «اسمع واتكلم».. ضياء رشوان: فلسطين قضية الأمة والانتماء العربى لها حقيقى لا يُنكر    حالة الطقس غدا الأربعاء 7-5-2025 في محافظة الفيوم    النائب العام يشارك في فعاليات قمة حوكمة التقنيات الناشئة بالإمارات    السعودية.. مجلس الوزراء يجدد التأكيد لحشد الدعم الدولي لوقف العنف في غزة    رئيس الوزراء الهندي: حصتنا من المياه كانت تخرج من البلاد سابقا والآن نريد الاحتفاظ بها    رئيس "شباب النواب": استضافة مصر لبطولة الفروسية تعكس مكانة مصر كوجهة رياضية عالمية    رئيس شركة فيزا يعرض مقترحًا لزيادة تدفق العملات الأجنبية لمصر -تفاصيل    منها إنشاء مراكز بيع outlet.. «مدبولي» يستعرض إجراءات تيسير دخول الماركات العالمية إلى الأسواق المصرية    موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2025 في مصر والدول العربية    تأجيل محاكمة 7 متهمين في خلية "مدينة نصر" الإرهابية ل 16 يونيو    تأجيل محاكمة نقاش قتل زوجته فى العمرانية بسبب 120 جنيها لجلسة 2 يونيو    بعد رحيله عن الأهلي.. تقارير: عرض إماراتي يغازل مارسيل كولر    نائب وزير الصحة: تحسين الخصائص السكانية ركيزة أساسية في الخطة العاجلة لتحقيق التنمية الشاملة    كريم رمزي: الأهلي سيخاطب اتحاد الكرة بشأن علي معلول لتواجده في قائمة كأس العالم للأندية    ضبط محل يبيع أجهزة ريسيفر غير مصرح بتداولها في الشرقية    الجيش الإسرائيلي يصدر إنذارا بإخلاء منطقة مطار صنعاء الدولي بشكل فوري    وكيل الأزهر: على الشباب معرفة طبيعة العدو الصهيوني العدوانية والعنصرية والتوسعية والاستعمارية    ادعوله بالرحمة.. وصول جثمان الفنان نعيم عيسى مسجد المنارة بالإسكندرية.. مباشر    صحيفة: وزير الدفاع الأمريكي استخدم "سيجنال" في محادثات تضمنت خططا عسكرية سرية    لينك طباعة صحيفة أحوال المعلم 2025 بالرقم القومي.. خطوات وتفاصيل التحديث    «الداخلية»: ضبط شخص عرض سيارة غير قابلة للترخيص للبيع عبر «فيس بوك»    رحيل بيسيرو يكلف خزينة الزمالك 7 ملايين جنيه ومفاجأة حول الشرط الجزائي    حالة الطقس اليوم الثلاثاء 6 مايو في مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكايات مجهولة عن أحمد زكي وعمر الشريف وعادل إمام.. صفحات من مذكرات عادل حمودة (13)
نشر في الفجر يوم 06 - 04 - 2018

أحمد زكى اشترى 100 نسخة من كتابى عن اغتيال السادات فقبض عليه ليلا
ماجدة الرومى زارته فى المستشفى سرا ولم يستمع لخبرة هيكل فى التعامل مع السرطان ومبارك يضع طائرة عسكرية تحت تصرفه لو شاء السفر إلى الخارج
جلسنا أنا وعادل إمام على رصيف مسرح الحرية حتى الفجر نتكلم عن مسرحية الزعيم وبعد ساعات شهد المكان محاولة اغتيال وزير الداخلية حسن الألفى
فى ذلك الوقت من منتصف سبعينيات القرن العشرين كان وسط القاهرة مركز الحياة فيها.
كنا نجد هناك دور السينما ونواديها والمسارح بعروضها المختلفة وجمعيات الموسيقى ومحلات الموضة والمكتبات وباعة الصحف والكافيتريات التى جذبتنا برقيها وتحولت فيما بعد إلى محلات أحذية مثل البن البرازيلى.
لكن.. كانت كافيتريا لاباس الأكثر قربا لنا والمكان المفضل الذى يجمعنا حتى أفسده الأمن فتفرقنا وابتعدنا وتشتتنا.
والضمير هنا يقصد به أجيال متميزة من الكتاب والنقاد والرسامين وصناع السينما وأبطالها بدأوا حياتهم الفنية وحواراتهم السياسية وعلاقاتهم الشخصية وخلافاتهم الإنسانية من لاباس فى شارع قصر النيل.
كان فنجان القهوة بالحليب كابتشينو يجمعنا صباحا ومساء لكن الاسم كان صعب النطق على أحمد زكى البرىء القادم من التعليم الصناعى فى الشرقية ليلحق بآخر دفعة فى معهد الفنون المسرحية تقبل بذلك المؤهل وبتشجيع من الفنانة شهيرة بلدياته ومرشده فى مدينة لا ترحم مثل القاهرة.
شهور طويلة وأحمد زكى يتدرب على نطق الكلمة.. مرة ينطقها كاشينو.. ومرة أخرى ينطقها شاشينو.. وفى أفضل المرات نطقها شابيشينو.. وعندما نجح فى حفظها قراءة وكتابة رقص فرحا ودعا أصدقاءه القدامى فى الزقازيق ليتعرفوا مثله على تلك المعجزة الإيطالية التى يمتزج فيها البن ببخار الحليب الساخن فى مذاق خاص مغطى بالرغوة.
لم تكن حياته سهلة فهو يدرس ويمثل أدوارا صغيرة ويسكن فى بنسيون قريب من لاباس وذات مرة نزل من على المواسير ليهرب من السؤال عن الأجرة المتأخرة ورغم ندرة النقود فى جيبه فإنه كان يصر على تدخين سجائر مستوردة روثمان ولو استدان ثمنها (30 قرشا) ولكن الغريب أنه عندما امتلأت جيوبه بالنقود أصبح لا يدخن سوى السجائر المصرية كليوباترا أو بلمونت.
ذات يوم التقى بسياح عرب من الخليج راحوا يثنون على براعته الفنية ويعبرون عن سعادتهم لوجوده بينهم ولو لدقائق معدودة ولكن قبل أن يصلوا إلى الدور الأرضى طلبوا منه نسخة من آخر أغانيه فقد تصوروا أنه أحمد عدوية وتلقى أحمد زكى الصدمة بسخرية شاركناه فيها فما الذى كنا نملك غير الضحكات لنتجاوز الصدمات.
ولا شك أن السجائر أصابته بسرطان الرئة والحجاب الحاجز وبقيت بجواره عاما كاملا قضاه بين مستشفى دار الفؤاد وفندق هيلتون رمسيس واختارنى أنا والدكتور أسامة الباز لاتخاذ ما تفرضه حالته الصحية من قرارات علاجية وقد وضع مبارك طائرة حربية سى 130 تحت تصرفه فى مطار ألماظة إذا ما احتاج السفر للعلاج فى الخارج وكلف مدير مكتبه جمال عبد العزيز بالتنفيذ إذا ما طلب أحمد زكى ذلك.
ولم يتردد عماد الدين أديب فى مساندته ماليا بتوقيع عقد فيلم حليم وكان مستعدا لإحضار أفضل أطباء السرطان فى العالم للكشف عليه فى مصر فقد كان واحدا من أقرب الأصدقاء إليه.
لكن كان تشخيص الدكتور عوض تاج الدين وزير الصحة الأسبق حاسما وقدر مدة حياته بنحو العام ولكنه يمانع فى أن يحضر له هانى يان خريج معهد السينما وصاحب المطاعم الصينية أطباء من الصين ليعالجوه بالأعشاب والأبر حتى لا يتهم بالتقصير وفوجئت بأحمد زكى يطلب تصويره وهو بين أولئك الأطباء كما أنه لم يخش الحديث عن مرضه فى حوار تليفزيونى فقد تصور أنه قادر على هزيمة السرطان.
وعندما صحبت هيكل لزيارته راح يحكى له عن تجربته مع السرطان الذى أصيب به مرتين (فى الكلى والبروستاتا) وكيف نجا منه بالعزلة بعيدا عن تعدد التشخيصات ولكن أحمد زكى لم يأخذ بالنصيحة فقد كان يتيما يكره الوحدة.
وجاءت ماجدة الرومى سرا إلى القاهرة للاطمئنان عليه وجلسنا ثلاثتنا فى كافتيريا المستشفى ولم تكن فى حاجة إلى التنكر فقد تغيرت ملامحها ونحف جسمها بعد أن طلقت من زوجها إثر اكتشافها خيانته لها مع مطربة شابة واحتفظت طويلا بسر هذه الزيارة.
أما الأكثر قربا منه فى شهور المرض فكانت الفنانة رغدة التى حرصت على إحضار طعام من بيتها غنى بالحديد لمواجهة آثار العلاج بالكيماوى كما كانت تشرف على نظافة جناحه فى المستشفى وكتبت قصيدة عبرت فيها عن حزنها بعد أن كسب الموت رهان بقاء أحمد زكى على قيد الحياة.
وفى آخر أيامه تكاثرت الجلطات فى أوعيته الدموية وأصيب بالعمى قائلا: عرفت الآن شعور طه حسين الذى مثلت دوره فى التليفزيون.
بين البانسيون المتواضع والموت المؤلم عاش أحمد زكى سنوات طويلة من الألم والتألق صاحبها فشل عاطفى تجسد بزواج من النجمة الشابة هالة فؤاد لم يستمر طويلا وإن أثمر طفلا وحيدا تربى فى بيت جدته لأمه هو هيثم الذى احترف التمثيل هو الآخر.
ومشيت معه ذلك المشوار بمره وحلوه وكل منا يرى فى نجاح الآخر نجاحا له وبسبب ذلك الاتفاق كاد أحمد زكى أن يلبس قضية أمن دولة.. وجد كتابى اغتيال رئيس يباع فى وسط القاهرة ليلا فاشترى منه 100 نسخة وراح يوزعها فرحا على المارة حتى قبض عليه وسحب إلى شرطة قصر النيل ولحقت به فى الثالثة فجرا وأنقذته من الحجز قبل وضعه فيه وأثبت أن الكتاب مصرح بتداوله وليس منشورا سريا.
وتمنيت أن يكون على قيد الحياة لأنقل إليه شهادة عمر الشريف عنه.
كنا فى بيفرلى هيلز (مدينة نجوم السينما فى كاليفورنيا) نتناول طعام العشاء بدعوة من عمر الشريف فى مطعم يسمى سبرجو عندما اعترف النجم العالمى بأن أحمد زكى هو أفضل ممثل فى مصر وأنه لو كان يجيد اللغة الإنجليزية لأصبح أكثر شهرة منه.
كان ذلك فى صيف عام 2005 بحضور الدكتور زاهى حواس والكاتبة الصحفية ماجدة الجندى ومذيع التليفزيون جمال الشاعر.. ويومها كشف عمر الشريف عن سر شديد الغرابة.. أن السادات كلفه بالاتصال بمناحم بيجن (رئيس وزراء إسرائيل) عبر السفارة الإسرائيلية فى باريس ليسأله: لو جاء السادات إلى إسرائيل فكيف ستستقبلونه؟.. ونفذ عمر الشريف ما طلب منه.. وجاءت إجابة بيجن تليفونيا: لوجاء السادات إلينا سنعامله معاملة الملوك المتوجين؟.. لكن عمر الشريف لم يعرف كيف يوصل رسالة بيجن إلى السادات فليس معه أرقام تليفوناته فسهل عليه السفير الإسرائيلى المهمة واتصل برئاسة الجمهورية فى مصر من مكتبه.. وجاء صوت السادات واضحا على الخط.
إن كثيرا من الأحداث الكبرى تولد أحيانا بطريقة غير متوقعة وربما بدأها أشخاص لا يخطرون على بالنا.. إن ذلك أحد الدروس الصحفية والسياسية التى لم تغب عن بالى أبدا.
وانفردت بنشر تلك القصة فى الأعداد الأولى من «الفجر» التى كانت حديثة الإصدار ولم يكذبها أحد وإن سرقها كثيرون فيما بعد ونسبوها لأنفسهم.
ومنذ ذلك اليوم توطدت علاقتى بعمر الشريف وإن أخذت عليه عدوانيته التى تنفجر بمجرد أن يتناول كأسين من النبيذ الأحمر لكن بمجرد أن تواجهه بعنف أشد حتى يرتد إلى طبيعته الناعمة.
وعندما أصيب فى آخر أيامه بالزهايمر كنت أنا وزاهى حواس (صديقه المقرب) نذهب به إلى المسرحيات ربما نشطنا ذاكرته لو وجد نفسه وسط فنانين يحيونه ويحتفلون به.
ولو كانت طبيعتى الصحفية غلبتنى وسارعت بنشر خبر إصابته بالزهايمر فإننى لم أفهم سر الهجوم على ما نشرت خاصة أن ما كتبت من تفاصيل سرقت صحفيا بالكامل فيما بعد.
مثل عمر الشريف كان أحمد زكى يفضل الإقامة فى الفنادق ومثله أيضا كان مسرفا ومثله كذلك لا يستيقظ إلا ظهرا إلا إذا كان لديه فيلم يصوره.
كان أحمد زكى يدخل علينا فى بداية مشواره إلى لاباس بعد العصر منكوش الشعر مهمل الثياب وهو يحك ظهره فى حركة عصبية تعكس شعوره بالخجل ولم يكن ليتكلم إلا بعد نصف ساعة من الصمت ليجذب بتقليده السادات وعبد الناصر الانتباه وقد جسدهما سينمائيا فيما بعد فى فيلم ناصر 56 وفيلم أيام السادات الأخيرة لكنه كان أكثر براعة فى تقليد الشيخ الشعراوى وأسامة بن لادن وإن لم يحقق حلمه فى تمثيل فيلمين عنهما.
وكثيرا ما اشتكى أحمد زكى لى تعمد عادل إمام إحراجه أمام الشخصيات المهمة فى البلد وإن تبنى عادل إمام فيما بعد ابنه هيثم فنيا وإنسانيا.
أما الأب الروحى ل«أحمد زكى» فكان صلاح جاهين فقد احتضنه بعد محاولة انتحاره يوم سحبوا منه دور البطولة فى فيلم الكرنك بدعوى أنه ليس نجم شباك.
ولا شك أن عادل إمام هو النجم الأطول عمرا فى السينما والمسرح والتليفزيون ليصبح منذ سنوات طويلة الأعلى سعرا أيضا.
تعرفنا عليه فى لاباس أيضا وكان وقتها قد حقق نجاحا كاسحا فى مسرحية مدرسة المشاغبين ومسرحية شاهد ما شافش حاجة ليعوض سنوات الكفاح السابقة التى لعب فيها أدوارا ثانية ومساعدة ورغم علاقته المتينة بالناقد المميز سامى السلامونى أحد نجوم لاباس أيضا إلا أنهما كثيرا ما اختلفا حول تقييم ما يقدم من أعمال فنية.
وعندما وجد السلامونى نفسه بلا بيت بعد أن هدم البيت القديم الذى كان يسكنه تكاتفنا جميعا وعلى رأسنا عادل إمام لنجد له شقة بديلة رغم إمكانياته المادية البسيطة فالخلاف فى الرأى لم يكن ليفسد العلاقات الإنسانية.
وبعد أن حقق عادل إمام جماهيرية عريضة لم يتردد فى توظيف موهبته فى مواجهة قضايا المجتمع معتمدا على كاتب سيناريو متمكن مثل وحيد حامد ومخرج متميز مثل شريف عرفة وفى هذه المرحلة قدم أفلام المنسى واللعب مع الكبار والإرهاب والكباب والنوم فى العسل وفى هذه المرحلة الفنية تألقت معه يسرا.
وفى هذه المرحلة كنت مسئولا عن تحرير «روزاليوسف» فلم نتردد فى الاحتفاء بتلك الأفلام وبطلها وصناعها مما زاد من قوة العلاقة بينه وبينى.
وحدث فى شتاء عام 1993 أن كنا نجلس معا على رصيف مسرح الحرية الملاصق لمبنى الجامعة الأمريكية المطل على شارع الشيخ ريحان وراح عادل إمام يحدثنى عن مسرحيته الجديدة الزعيم التى اقتبس ما فيها من حكام طغاة مثل صدام حسين ومعمر القذافى وقبل «الفجر» بقليل عاد كل منا إلى بيته لينام.
فى صباح اليوم التالى استيقظنا على محاولة اغتيال وزير الداخلية اللواء حسن الألفى وهو فى طريقه إلى مكتبه بعد أيام قليلة من توليه المنصب والمفاجأة أن الحادث وقع فى المكان الذى كنا نجلس فيه.
فى ذلك الوقت كان يؤخذ على عادل إمام تعاليه أحيانا على الجمهور الذى كان ينتظره خارج المسرح كما لم يكن يعبأ بآراء النقاد فى أفلامه فقد كان يعتبر إيراد شباك التذاكر المقياس الوحيد لنجاحه وإن تراجع عن ذلك مؤخرا بعد أن اكتفى بمسلسلات التليفزيون.
وربما كانت موهبة سعيد صالح لا تقل عن موهبته ولكن سعيد صالح لم يكن بذكاء عادل إمام ولم يرع ما حباه الله من موهبة لدرجة دخوله السجن فى قضية مخدرات.
ولا جدال أن زواج عادل إمام من السيدة هالة الشلقانى أضاف إليه استقرارا اجتماعيا ضاعف من نجاحه لكنه فى الوقت نفسه فقد تدريجيا علاقاته بأصدقائه القدامى الذين عرفهم أيام البساطة والعفوية والجرأة والضحكة واقتسام الفرحة واللقمة.
إننى أعرف الوجع الذى تتركه الكلمات التى تقال وأعرف الوجع الأشد الذى تتركه الكلمات التى لا تقال.. الكلمة المحبوسة فى صدر أصحاب البدايات زغرودة نار لا يجب أن تنطلق حتى لا تحرق السماء والأرض والسقف والجدران والناس الذين يمشون وراء النجوم.
وطوال أكثر من أربعين سنة تذبذبت العلاقة مع عادل إمام بين الصداقة المتينة والجفوة العابرة ولكن فى كل مرة كنا نتباعد فيها يحدث شىء ما يعيد إلينا التقارب.
فى شتاء عام 1992 كان الدكتور فرج فودة يخرج من مكتبه فى حى مدينة نصر عندما أطلق عليه اثنان يركبان موتوسيكلا الرصاص فسقط غارقا فى دمائه وعندما نقل إلى مستشفى قريب سارعت بالذهاب للاطمئنان عليه ولم تمر دقائق حتى جاء عادل إمام وفى تلك الساعات الحرجة نسينا ما كان بيننا من توتر ووحدت المأساة المروعة بيننا من جديد ولكننا خرجنا فى اليوم التالى منكسرين فقد توفى فرج فودة.
قبل الحادث بأسابيع قليلة كان فرج فودة فى مناظرة ملتهبة حول الشريعة الإسلامية فى معرض الكتاب وكان الطرف الآخر هو الشيخ محمد الغزالى واختنقت القاعة بمن فيها وجلس مئات من المتابعين على الأرض يستمعون ما يقال فى ميكروفونات علقت خارجها ولوحظ أن الأغلبية كانت من أنصار التيارات الدينية وكثير منهم صدم لتفوق فرج فودة فتقرر فى تلك اللحظة اغتياله قبل أن يخرج منتصرا من الباب ولم يقل المحرضون لمنفذى الجريمة سوى أنه كافر تماما مثلما حدث مع نجيب محفوظ فلا أحد من القتلة قرأ لهما أو عنهما بل ربما لا أحد قرأ أصلا فمنهم سباك ونجار وحداد وبائع عسلية.
وحدث فيما بعد أن تورط عادل إمام فى ندوة مفتوحة مع رواد معرض الكتاب وفهم من كلامه أنه لا مانع عنده من السفر إلى إسرائيل فقامت القيامة ضده ولم يجد سواى بنصيحة من زوجته لنشر توضيح على لسانه قائلا: علّى الطلاق ما حاسافر إسرائيل وكل ما حدث إنه استجاب لدعوة من ياسر عرفات لزيارة غزة بعد قيام السلطة الفلسطينية.
أما الذى فاجأنا بزيارة إسرائيل وكان من شلتنا فى لا باس فكان الكاتب المسرحى الساخر على سالم.. أخذ سيارته الروسية نيفيا وانطلق برا إلى هناك وسجل رحلته فى كتاب لم يكن أحد فى حاجة إلى قراءته ليهاجمه فقد كانت زيارة إسرائيل رجسا من عمل الشيطان عوقب على سالم بعدها بالمقاطعة فرحل عن لا باس إلى فندق غير شهير فى الزمالك ليجالس شلة أخرى غير التى عرفها أكثر من عشر سنوات.
وعندما عاد إلى سطح الحياة بعد ثورة يناير استرد شهرته بمقالاته الساخرة التى نشرها فى صحيفة المصرى اليوم ولكنه سرعان ما أصيب بالسرطان وإن قاومه بالظهور فى برامج التوك شو وكان حواره الأخير معى على شاشة النهار بدا فيه نحيف الجسد ضعيف الصوت وإن لم يفقد قدرته على السخرية وكان الحوار عن النكتة السياسية فى مصر.
وفى اليوم التالى طلب على سالم منى أن نلتقى فى لا باس لنشرب آخر كابتشينو هناك.
إن العودة إلى الأماكن القديمة كثيرا ما تصدمنا والأفضل أن نحتفظ بذكرايتنا معها من بعيد إلى بعيد والقاعدة نفسها تنطبق على الشخصيات التى افترقنا عنها طويلا ليكن الشوق إليها وهما نعيشه بدلا من واقع جديد يؤلمنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.