البابا تواضروس أمام البرلمان الصربي: إخوتنا المسلمون تربطهم محبة خاصة للسيدة العذراء مريم    وزير الأوقاف: المسلمون والمسيحيون في مصر تجمعهم أواصر قوية على أساس من الوحدة الوطنية    وفد من طالبات "عين شمس" يشارك في فعاليات مؤتمر منظمة المرأة العربية    برلماني: لدينا 5 سنوات لتنفيذ قانون الإيجار القديم.. والحل دستوريًا    الجيش الباكستاني: سنرد على الهجمات الهندية ضد بلادنا    الجامعة العربية تبحث استعداد العراق لاستضافة القمة العربية في بغداد    قبل الجولة الأخيرة.. ترتيب مجموعة مصر في أمم أفريقيا تحت 20 عاما    وائل القباني ينضم لقائمة المرشحين لمنصب مدير الكرة بالزمالك    بيسيرو لم يتم إبلاغه بالرحيل عن الزمالك.. ومران اليوم لم يشهد وداع للاعبين    الأرصاد: شبورة مائية على بعض الطرق الزراعية والسريعة.. الأربعاء    تحديد جلسة طعن سائق أوبر على حكم حبسه في وفاة حبيبة الشماع    ميت جالا 2025| بين الجرأة والغرابة.. إطلالات خارجة عن المألوف    وزير الثقافة والسياحة التركي يزور الأهرامات ويشيد بالحضارة المصرية    مهرجان أسوان لأفلام المرأة يختتم فعالياته الجماهيرية بإعلان 3 منح للأفلام    ارمِ.. اذبح.. احلق.. طف.. أفعال لا غنى عنها يوم النحر    أمين الفتوي يحرم الزواج للرجل أو المرأة في بعض الحالات .. تعرف عليها    نائب رئيس جامعة الأزهر: الشريعة الإسلامية لم تأتِ لتكليف الناس بما لا يطيقون    الأول من نوعه في الصعيد.. استخراج مقذوف ناري من رئة فتاة بالمنظار    الصحة العالمية: التدخين في مرحلة المراهقة يسبب الإصابة بالربو    اليوم العالمى للربو.. مخاطر تزيد أعراضك سوءاً وأهم النصائح لتجنب الإصابة    الوزير: تطوير الصناعات الوطنية لتحقيق الاكتفاء الذاتى    «الخارجية» تصدر بيانا بشأن السفينة التي تقل بحارة مصريين قبالة السواحل الإماراتية    الأمطار تخلق مجتمعات جديدة فى سيناء    هل تحاول إدارة ترامب إعادة تشكيل الجيش الأمريكي ليخدم أجندتها السياسية؟    طلاب جامعة طنطا يحصدون 7 مراكز متقدمة في المجالات الفنية والثقافية بمهرجان إبداع    هل يجب على المسلمين غير العرب تعلم اللغة العربية؟.. علي جمعة يُجيب    بدون الحرمان من الملح.. فواكه وخضروات لخفض ضغط الدم    جولة تفقدية لوكيل مديرية التعليم بالقاهرة لمتابعة سير الدراسة بالزاوية والشرابية    "ثقافة الفيوم" تشارك في فعاليات مشروع "صقر 149" بمعسكر إيواء المحافظة    البنك الإسلامي للتنمية والبنك الآسيوي للتنمية يتعهدان بتقديم ملياري دولار لمشاريع التنمية المشتركة    «النهارده كام هجري؟».. تعرف على تاريخ اليوم في التقويم الهجري والميلادي    ظافر العابدين ينضم لأبطال فيلم السلم والثعبان 2    "قومي المرأة" يشارك في تكريم المؤسسات الأهلية الفائزة في مسابقة "أهل الخير 2025"    من منتدى «اسمع واتكلم».. ضياء رشوان: فلسطين قضية الأمة والانتماء العربى لها حقيقى لا يُنكر    وفد البنك الدولى ومنظمة الصحة العالمية في زيارة لمنشآت صحية بأسيوط    رئيس الوزراء الهندي: حصتنا من المياه كانت تخرج من البلاد سابقا والآن نريد الاحتفاظ بها    النائب العام يشارك في فعاليات قمة حوكمة التقنيات الناشئة بالإمارات    السعودية.. مجلس الوزراء يجدد التأكيد لحشد الدعم الدولي لوقف العنف في غزة    رئيس "شباب النواب": استضافة مصر لبطولة الفروسية تعكس مكانة مصر كوجهة رياضية عالمية    رئيس شركة فيزا يعرض مقترحًا لزيادة تدفق العملات الأجنبية لمصر -تفاصيل    منها إنشاء مراكز بيع outlet.. «مدبولي» يستعرض إجراءات تيسير دخول الماركات العالمية إلى الأسواق المصرية    موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2025 في مصر والدول العربية    تأجيل محاكمة 7 متهمين في خلية "مدينة نصر" الإرهابية ل 16 يونيو    تأجيل محاكمة نقاش قتل زوجته فى العمرانية بسبب 120 جنيها لجلسة 2 يونيو    بعد رحيله عن الأهلي.. تقارير: عرض إماراتي يغازل مارسيل كولر    نائب وزير الصحة: تحسين الخصائص السكانية ركيزة أساسية في الخطة العاجلة لتحقيق التنمية الشاملة    كريم رمزي: الأهلي سيخاطب اتحاد الكرة بشأن علي معلول لتواجده في قائمة كأس العالم للأندية    ضبط محل يبيع أجهزة ريسيفر غير مصرح بتداولها في الشرقية    الجيش الإسرائيلي يصدر إنذارا بإخلاء منطقة مطار صنعاء الدولي بشكل فوري    الكرملين: كييف تواصل استهداف منشآت مدنية.. وسنرد إذا تكررت    وكيل الأزهر: على الشباب معرفة طبيعة العدو الصهيوني العدوانية والعنصرية والتوسعية والاستعمارية    ادعوله بالرحمة.. وصول جثمان الفنان نعيم عيسى مسجد المنارة بالإسكندرية.. مباشر    لينك طباعة صحيفة أحوال المعلم 2025 بالرقم القومي.. خطوات وتفاصيل التحديث    "هذه أحكام كرة القدم".. لاعب الزمالك يوجه رسالة مؤثرة للجماهير    «الداخلية»: ضبط شخص عرض سيارة غير قابلة للترخيص للبيع عبر «فيس بوك»    رحيل بيسيرو يكلف خزينة الزمالك 7 ملايين جنيه ومفاجأة حول الشرط الجزائي    حالة الطقس اليوم الثلاثاء 6 مايو في مصر    للمرة الثالثة.. مليشيات الدعم السريع تقصف منشآت حيوية في بورتسودان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أخبار اليوم تنشر صفحات من مذكرات عادل حموده «13»
نشر في أخبار اليوم يوم 30 - 03 - 2018


حكايات مجهولة عن أحمد زكي وعمر الشريف وعادل إمام !
اشتري أحمد زكي 100 نسخة من كتابي عن اغتيال السادات فقُبض عليه ليلا!
جلسنا أنا وعادل إمام علي رصيف مسرح الحرية حتي الفجر نتكلم عن مسرحية الزعيم وبعد ساعات شهد المكان محاولة اغتيال وزير الداخلية حسن الألفي !
عمر الشريف كشف لي لأول مرة عن اتصاله برئيس الحكومة الإسرائيلية ليعرف منه كيف سيستقبلون السادات لوجاء إليهم !
زاهي حواس وأنا اخذناه إلي المسرح لإيقاف تسلل مرض الزهايمر إليه وعدوانيته تنفجر مع الكأس الثالث للنبيذ الأحمر !
زارته ماجدة الرومي في المستشفي سرا ولم يستمع لخبرة هيكل في التعامل مع السرطان ومبارك يضع طائرة عسكرية تحت تصرفه لو شاء السفر إلي الخارج !
سر جملة » علي الطلاق ما حاسافر إسرائيل »‬ التي طلب مني نشرها ولقاء علي غير موعد بيننا بعد ساعة من اغتيال فرج فودة !
في ذلك الوقت من منتصف سبعينات القرن العشرين كان وسط القاهرة مركز الحياة فيها .
كنا نجد هناك دور السينما ونواديها والمسارح بعروضها المختلفة وجمعيات الموسيقي ومحلات الموضة والمكتبات وباعة الصحف والكافتيريات التي جذبتنا برقيها وتحولت فيما بعد إلي محلات أحذية مثل »‬ البن البرازيلي » .
لكن .. كانت كافتيريا »‬ لاباس »‬ الأكثر قربا لنا والمكان المفضل الذي يجمعنا حتي أفسده الأمن فتفرقنا وابتعدنا وتشتتنا .
والضمير هنا يقصد به أجيال متميزة من الكتاب والنقاد والرسامين وصناع السينما وأبطالها بدأوا حياتهم الفنية وحواراتهم السياسية وعلاقاتهم الشخصية وخلافاتهم الإنسانية من »‬ لاباس »‬ في شارع قصر النيل .
كان فنجان القهوة بالحليب »‬ كابتشينو» يجمعنا صباحا ومساء لكن الأسم كان صعب النطق علي أحمد زكي »‬ البريء »‬ القادم من التعليم الصناعي في الشرقية ليلحق بآخر دفعة في معهد الفنون المسرحية تقبل بذلك المؤهل وبتشجيع من الفنانة شهيرة بلدياته ومرشدة في مدينة لا ترحم مثل القاهرة .
شهور طويلة وأحمد زكي يتدرب علي نطق الكلمة .. مرة ينطقها كاشينو.. ومرة أخري ينطقها شاشينو.. وفي أفضل المرات نطقها شابيشينو.. وعندما نجح في حفظها قراءة وكتابة رقص فرحا ودعا اصدقاءه القدامي في الزقازيق ليتعرفوا مثله علي تلك المعجزة الإيطالية التي يمتزج فيها البن ببخار الحليب الساخن في مذاق خاص مغطي بالرغوة .
لم تكن حياته سهلة فهويدرس ويمثل أدوارا صغيرة ويسكن في بنسيون قريب من لاباس وذات مرة نزل من علي المواسير ليهرب من السؤال عن الأجرة المتأخرة ورغم ندرة النقود في جيبه فإنه كان يصر علي تدخين سجائر مستوردة »‬روثمان» ولواستدان ثمنها (30 قرشا) ولكن الغريب انه عندما امتلأت جيوبه بالنقود أصبح لا يدخن سوي السجائر المصرية »‬ كليوباترا» أو»‬ بلمونت».
ذات يوم التقي بسياح عرب من الخليج راحوا يثنون علي براعته الفنية ويعبرون عن سعادتهم لوجوده بينهم ولو لدقائق معدودة ولكن قبل أن يصلوا إلي الدور الأرضي طلبوا منه نسخة من آخر أغانية فقد تصوروا أنه أحمد عدوية وتلقي أحمد زكي الصدمة بسخرية شاركناه فيها فما الذي كنا نملك غير الضحكات لنتجاوز الصدمات .
ولا شك أن السجائر أصابته بسرطان الرئة والحجاب الحاجز وبقيت بجواره عاما كاملا قضاه بين مستشفي دار الفؤاد وفندق هيلتون رمسيس واختارني أنا والدكتور أسامة الباز لاتخاذ ما تفرضه حالته الصحية من قرارات علاجية وقد وضع مبارك طائرة حربية »‬سي 130» تحت تصرفه في مطار الماظة إذا ما احتاج السفر للعلاج في الخارج وكلف مدير مكتبه جمال عبد العزيز بالتنفيذ إذا ما طلب أحمد زكي ذلك .
ولم يتردد عماد الدين أديب في مساندته ماليا بتوقيع عقد فيلم »‬حليم» وكان مستعدا لإحضار أفضل أطباء السرطان في العالم للكشف عليه في مصر فقد كان واحدا من أقرب الأصدقاء إليه .
لكن كان تشخيص الدكتور عوض تاج الدين وزير الصحة الأسبق حاسما وقدر مدة حياته بنحوالعام ولكنه يمانع في أن يحضر له هاني يان خريج معهد السينما وصاحب المطاعم الصينية أطباء من الصين ليعالجوه بالأعشاب والإبر حتي لا يتهم بالتقصير وفوجئت بأحمد زكي يطلب تصويره وهوبين أولئك الأطباء كما أنه لم يخش الحديث عن مرضه في حوار تلفزيوني فقد تصور أنه قادر علي هزيمة السرطان .
وعندما صحبت هيكل لزيارته راح يحكي له عن تجربته مع السرطان الذي اصيب به مرتين ( في الكلي والبروستاتا ) وكيف نجا منه بالعزلة بعيدا عن تعدد التشخصيات ولكن أحمد زكي لم يأخذ بالنصيحة فقد كان يتيما يكره الوحدة .
وجاءت ماجدة الرومي سرا إلي القاهرة للاطمئنان عليه وجلسنا ثلاثتنا في كافتيريا المستشفي ولم تكن في حاجة إلي التنكر فقد تغيرت ملامحها ونحف جسمها بعد ان طلقت من زوجها أثر اكتشافها خيانته لها مع مطربة شابة واحتفظت طويلا بسر هذه الزيارة .
أما الأكثر قربا منه في شهور المرض فكانت الفنانة رغدة التي حرصت علي إحضار طعام من بيتها غني بالحديد لمواجهة آثار العلاج بالكيماوي كما كانت تشرف علي نظافة جناحه في المستشفي وكتبت قصيدة عبرت فيه عن حزنها بعد أن كسب الموت رهان بقاء أحمد زكي علي قيد الحياة .
وفي آخر أيامه تكاثرت الجلطات في أوعيته الدموية وأصيب بالعمي قائلا : »‬عرفت الآن شعور طه حسين الذي مثلت دوره في التلفزيون» .
بين البانسيون المتواضع والموت المؤلم عاش أحمد زكي سنوات طويلة من الألم والتألق صاحبها فشل عاطفي تجسد بزواج من النجمة الشابة هالة فؤاد لم يستمر طويلا وإن اثمر طفلا وحيدا تربي في بيت جدته لأمه هو هيثم الذي احترف التمثيل هوالآخر .
ومشيت معه ذلك المشوار بمره وحلوه وكل منا يري في نجاح الآخر نجاحا له وبسبب ذلك الاتفاق كاد أحمد زكي أن يلبس قضية أمن دولة .. وجد كتابي »‬ اغتيال رئيس »‬ يباع في وسط القاهرة ليلا فاشتري منه 100 نسخة وراح يوزعها فرحا علي المارة حتي قبض عليه وسحب إلي شرطة قصر النيل ولحقت به في الثالثة فجرا وانقذته من الحجز قبل وضعه فيه واثبت أن الكتاب مصرح بتداوله وليس منشورا سريا .
وتمنيت أن يكون علي قيد الحياة لانقل إليه شهادة عمر الشريف عنه .
كنا في بيفرلي هيلز ( مدينة نجوم السينما في كاليفورنيا ) نتناول طعام العشاء بدعوة من عمر الشريف في مطعم يسمي »‬ سبرجو» عندما اعترف النجم العالمي بأن أحمد زكي هوأفضل ممثل في مصر وإنه لوكان يجيد اللغة الإنجليزية لأصبح أكثر شهرة منه .
كان ذلك في صيف عام 2005 بحضور الدكتور زاهي حواس والكاتبة الصحفية ماجدة الجندي ومذيع التلفزيون جمال الشاعر .. ويومها كشف عمر الشريف عن سر شديد الغرابة .. أن السادات كلفه بالاتصال بمناحم بيجن ( رئيس وزراء إسرائيل ) عبر السفارة الإسرائيلية في باريس ليسأله : »‬ لوجاء السادات إلي إسرائيل فكيف ستستقبلونه ؟ »‬ .. ونفذ عمر الشريف ما طلب منه .. وجاء إجابة بيجن تليفونيا : »‬ لوجاء السادات إلينا سنعامله معاملة الملوك المتوجين ؟ »‬ .. لكن عمر الشريف لم يعرف كيف يوصل رسالة بيجن إلي السادات فليس معه أرقام تليفوناته فسهل عليه السفير الإسرائيلي المهمة واتصل برئاسة الجمهورية في مصر من مكتبه .. وجاء صوت السادات واضحا علي الخط .
إن كثيرا من الأحداث الكبري تولد أحيانا بطريقة غير متوقعة وربما بدأها أشخاص لا يخطرون علي بالنا .. إن ذلك احد الدروس الصحفية والسياسية التي لم تغب عن بالي أبدا .
وانفردت بنشر تلك القصة في الأعداد الأولي من »‬ الفجر »‬ التي كانت حديثة الإصدار ولم يكذبها أحد وإن سرقها كثيرون فيما بعد ونسبوها لأنفسهم .
ومنذ ذلك اليوم توطدت علاقتي بعمر الشريف وإن أخذت عليه عدوانيته التي تنفجر بمجرد أن يتناول كأسين من النبيذ الأحمر لكن بمجرد أن تواجهه بعنف أشد حتي يرتد إلي طبيعته الناعمة .
وعندما اصيب في آخر أيامه بالزهايمر كنت أنا وزاهي حواس ( صديقه المقرب ) نذهب به إلي المسرحيات ربما نشطنا ذاكرته لووجد نفسه وسط فنانين يحبونه ويحتفلون به .
ولوكانت طبيعتي الصحفية غلبتني وسارعت بنشر خبر إصابته بالزهايمر فإنني لم أفهم سر الهجوم علي ما نشرت خاصة وأن ما كتبت من تفاصيل سرقت صحفيا بالكامل فيما بعد .
مثل عمر الشريف كان أحمد زكي يفضل الإقامة في الفنادق ومثله ايضا كان مسرفا ومثله كذلك لا يستيقظ إلا ظهرا إلا إذا كان لديه فيلم يصوره .
كان أحمد زكي يدخل علينا في بداية مشواره إلي لاباس بعد العصر منكوش الشعر مهمل الثياب وهويحك ظهره في حركة عصبية تعكس شعوره بالخجل ولم يكن ليتكلم إلا بعد نصف ساعة من الصمت ليجذب بتقليده السادات وعبد الناصر الانتباه وقد جسدهما سينمائيا فيما بعد في فيلم »‬ ناصر 56 »‬ وفيلم »‬ أيام السادات الأخيرة »‬ لكنه كان أكثر براعة في تقليد الشيخ الشعراوي واسامة بن لادن وإن لم يحقق حلمه في تمثيل فيلمين عنهما .
وكثيرا ما اشتكي أحمد زكي لي تعمد عادل إمام إحراجه أمام الشخصيات المهمة في البلد وإن تبني عادل إمام فيما بعد ابنه هيثم فنيا وإنسانيا .
أما الأب الروحي ل أحمد زكي فكان صلاح جاهين فقد احتضنه بعد محاولة انتحاره يوم سحبوا منه دور البطولة في فيلم »‬ الكرنك »‬ بدعوي أنه ليس نجم شباك .
ولا شك أن عادل إمام هوالنجم الأطول عمرا في السينما والمسرح والتلفزيون ليصبح منذ سنوات طويلة الأعلي سعرا أيضا .
تعرفنا عليه في لاباس أيضا وكان وقتها قد حقق نجاحا كاسحا في مسرحية »‬ مدرسة المشاغبين »‬ ومسرحية »‬ شاهد ما شافش حاجة »‬ ليعوض سنوات الكفاح السابقة التي لعب فيها أدوارا ثانية ومساعدة ورغم علاقته المتنية بالناقد المميز سامي السلاموني أحد نجوم لاباس أيضا إلا أنهما كثيرا ما اختلفا حول تقييم ما يقدم من أعمال فنية .
وعندما وجد السلاموني نفسه بلا بيت بعد أن هدم البيت القديم الذي كان يسكنه تكاتفنا جميعا وعلي رأسنا عادل إمام لنجد له شقة بديلة رغم إمكانياته المادية البسيطة فالخلاف في الرأي لم يكن ليفسد العلاقات الإنسانية .
وبعد أن حقق عادل إمام جماهيرية عريضة لم يتردد في توظيف موهبته في مواجهة قضايا المجتمع معتمدا علي كاتب سيناريو متمكن مثل وحيد حامد ومخرج متميز مثل شريف عرفة وفي هذه المرحلة قدم أفلام »‬ المنسي »‬ و» اللعب مع الكبار »‬ و» الإرهاب والكباب »‬ و» النوم في العسل »‬ وفي هذه المرحلة الفنية تألقت معه يسرا .
وفي هذه المرحلة كنت مسئولا عن تحرير روز اليوسف فلم نتردد في الاحتفاء بتلك الأفلام وبطلها وصناعها مما زاد من قوة العلاقة بينه وبيني
وحدث في شتاء عام 1993 أن كنا نجلس معا علي رصيف مسرح الحرية الملاصق لمبني الجامعة الأمريكية المطل علي شارع الشيخ ريحان وراح عادل إمام يحدثني عن مسرحيته الجديدة »‬ الزعيم »‬ التي اقتبس ما فيها من حكام طغاة مثل صدام حسين ومعمر القذافي وقبل الفجر بقليل عاد كل منا إلي بيته لينام .
في صباح اليوم التالي استيقظنا علي محاولة اغتيال وزير الداخلية اللواء حسن الألفي وهوفي طريقه إلي مكتبه بعد أيام قليلة من توليه المنصب والمفاجاة أن الحادث وقع في المكان الذي كنا نجلس فيه .
في ذلك الوقت كان يؤخذ علي عادل إمام تعاليه أحيانا علي الجمهور الذي كان ينتظره خارج المسرح كما لم يكن يعبأ بآراء النقاد في أفلامه فقد كان يعتبر إيراد شباك التذاكر المقياس الوحيد لنجاحه وإن تراجع عن ذلك مؤخرا بعد أن اكتفي بمسلسلات التلفزيون .
وربما كانت موهبة سعيد صالح لا تقل عن موهبته ولكن سعيد صالح لم يكن بذكاء عادل إمام ولم يرع ما حباه الله من موهبة لدرجة دخوله السجن في قضية مخدرات .
ولا جدال أن زواج عادل إمام من السيدة هالة الشلقاني أضاف إليه استقرارا اجتماعيا ضاعف من نجاحه لكنه في الوقت نفسه فقد تدريجيا علاقاته بأصدقائه القدامي الذين عرفهم أيام البساطة والعفوية والجرأة والضحكة واقتسام الفرحة واللقمة .
إنني أعرف الوجع الذي تتركة الكلمات التي تقال وأعرف الوجع الأشد الذي تتركه الكلمات التي لا تقال .. الكلمة المحبوسة في صدر أصحاب البدايات زغرودة نار لا يجب أن تنطلق حتي لا تحرق السماء والأرض والسقف والجدران والناس الذين يمشون وراء النجوم .
وطوال أكثر من أربعين سنة تذبذبت العلاقة مع عادل إمام بين الصداقة المتينة والجفوة العابرة ولكن في كل مرة كنا نتباعد فيها يحدث شيء ما يعيد إلينا التقارب .
في شتاء عام 1992 كان الدكتور فرج فودة يخرج من مكتبه في حي مدينة نصر عندما أطلق عليه اثنان يركبان موتوسيكلا الرصاص فسقط غارقا في دمائه وعندما نقل إلي مستشفي قريب سارعت بالذهاب للاطمئنان عليه ولم تمر دقائق حتي جاء عادل إمام وفي تلك الساعات الحرجة نسينا ما كان بيننا من توتر ووحدت المأساة المروعة بيننا من جديد ولكننا خرجنا في اليوم التالي منكسرين فقد توفي فرج فودة .
قبل الحادث بأسابيع قليلة كان فرج فودة في مناظرة ملتهبة حول الشريعة الإسلامية في معرض الكتاب وكان الطرف الآخر هوالشيخ محمد الغزالي واختنقت القاعة بمن فيها وجلس مئات من المتابعين علي الأرض يستمعون ما يقال في ميكرفونات علقت خارجها ولوحظ أن الأغلبية كانت من أنصار التيارات الدينية وكثير منهم صدم لتفوق فرج فودة فتقرر في تلك اللحظة اغتياله قبل أن يخرج منتصرا من الباب ولم يقل المحرضون لمنفذي الجريمة سوي أنه كافر تماما مثلما حدث مع نجيب محفوظ فلا أحد من القتلة قرأ لهما أوعنهما بل ربما لا أحد قرأ اصلا فمنهم سباك ونجار وحداد وبائع عسلية .
وحدث فيما بعد أن تورط عادل إمام في ندوة مفتوحة مع رواد معرض الكتاب وفهم من كلامه أنه لا مانع عنده من السفر إلي إسرائيل فقامت القيامة ضده ولم يجد سواي بنصيحة من زوجته لنشر توضيح علي لسانه قائلا : »‬ علي الطلاق ما حا سافر إسرائيل »‬ وكل ما حدث انه استجاب لدعوة من ياسر عرفات لزيارة غزة بعد قيام السلطة الفلسطينية .
أما الذي فاجأنا بزيارة إسرائيل وكان من شلتنا في لاباس فكان الكاتب المسرحي الساخر علي سالم .. أخذ سيارته الروسية »‬ نيفيا »‬ وانطلق برا إلي هناك وسجل رحلته في كتاب لم يكن أحد في حاجة إلي قراءته ليهاجمه فقد كانت زيارة إسرائيل رجسا من عمل الشيطان عوقب علي سالم بعدها بالمقاطعة فرحل عن لاباس إلي فندق غير شهير في الزمالك ليجالس شلة أخري غير التي عرفها أكثر من عشر سنوات .
وعندما عاد إلي سطح الحياة بعد ثورة يناير استرد شهرته بمقالاته الساخرة التي نشرها في صحيفة المصري اليوم ولكنه سرعان ما أصيب بالسرطان وإن قاومه بالظهور في برامج التوك شو وكان حواره الأخير معي علي شاشة »‬ النهار »‬ بدا فيه نحيف الجسد ضعيف الصوت وإن لم يفقد قدرته علي السخرية وكان الحوار عن النكتة السياسية في مصر .
وفي اليوم التالي طلب علي سالم مني أن نلتقي في لاباس لنشرب آخر كابتشينو هناك .
إن العودة إلي الأماكن القديمة كثيرا ما يصدمنا والأفضل أن نحتفظ بذكرايتنا معها من بعيد إلي بعيد والقاعدة نفسها تنطبق علي الشخصيات التي افترقنا عنها طويلا ليكن الشوق إليها وهما نعيشه بدلا من واقع جديد يؤلمنا .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.