في إحدي المناسبات التي استضافتها متاجر »the book people« المستقلّة بانجلترا الأسبوع الماضي، ألقي الرّوائي وكاتب السيناريو الانجليزي الشهير أنتوني هورويتز حديثاً بشأن وظيفة دور النشر في عالم الأدب اليوم. ما يلي أبرز ما جاء فيها. العلاقات بين الكُتّاب ودور النشر بالطبع بالغة الغرابة و تتبدّل دوماً، أشبه بأرجوحة. أذكرُ لقائي الأول في »ووكر بوكس« أول سؤال طرحوه عليّ وأقسمُ أنّ هذا حقيقي كان أي إناء خزفي أحبّ احتساء الشاي فيه: هل ما يحمل صورة دمية الدبّ، أم مضرب التنس أم الوردي ذا الزهور؟ كنتُ بالثالثة والثلاثين، وكنتُ متزوجاً وأعول طفلاً. سوي أنّهم رأوني ببساطة وكأنّي أنا نفسي طفل مختل. بعد عشرين عاماً: كبرت، وقد أصيبوا بالعصبيّة بسببي. ثمّة أليكس رايدر (بطل سلسلة روايات تجسس ذائعة الصيت كتبها أنتوني هورويتز) لقد أبدعتُ علامة تجاريّة. إلي حدٍّ ما، هم بحاجة لي وربّما يكون هذا شائكاً لناشر يجد الحياة أيسر كثيراً من دون كُتّاب. في غضون ذلك، بالجانب الآخر من نهر التايمز، لديّ ناشري الخاص بكتب البالغين، أوريون ولديهم أيضاً مشاكلهم معي منذُ توتّرت العلاقات بيننا عقب نشر رواية »شيرلوك هولمز، ذا ماوس أوف سليك« بما لا يقل عن خمسة وثلاثين خطأً بالتجارب الطباعيّة. لقد حاولت مصححتهم الانتحار بمسدّس. و حتّي مع ذلك، نقوم بعمل كتاب آخر معاً...حكاية قتل، شكّ و ثأر. لكن الحقيقة، لديّ خيارات أخري. بكل مكان، تتعرض دور النشر للانكماش. يمكنني بالطبع المضي بمفردي. أستطيع الطباعة بنفسي مع unbound.co.uk كما فعل تيري جونز العام الماضي.»النشر التقليدي في ركود، إنّه ينهار« . أستطيعُ رفع برنامج المؤلف للكتب الذكيّة الخاص بشركة أبل الّذي سيتيح لأي أحد إنتاج رواية عالية الجودة. طباعة وورق وأغلفة عالية الجودة. حقّاً طلبت شركة أبل ثلاثين بالمائة من إجمالي الأرباح ويسعك بيع كتبك فحسب عَبر متاجر أبل، ما يعني أنّهم يمتلكونك علي نحو فعّال. لكن سبعين بالمائة لا تزال مغرية. يعرض أمازون الصفقة نفسها مع برنامج نصوصه الرقمي، ولن أنطق بحرف ضدهم تحسباً لحذفه زرّ اشترْ من أليكس رايدر كما فعلوا مع كل كتب ماكميلان منذُ عامين. تلك لمحة عن العالم الّذي ندخله الآن. كم تملك دور النشر من نفوذ؟ ليست الكتب الإلكترونيّة فحسب المسألة؛ فالسوبر ماركت والمتاجر التي تقدّم حسومات يشقّون طريقهم بكل مسار: التسعير، تصميم الغلاف، تصنيف الأعمار وحتّي العناوين. وهكذا، هل لا نزال بحاجة إليهم؟ لقد طرحت السؤال علي ناشرتي، جين وينتربوثام وكان ردّها أنّني دونهم »سأفقدُ محيطي« : الترويج، التسويق، التحرير والترقّي. حسناً، لننسْ التسويق والترقّي برهة، لأنّ الطريف فيهما أنّني حين كنتُ بحاجة إليهما، في بداية مسيرتي، كانا يعانيان العوز. وبالنسبة للترويج، حين يكون المرء جالساً خلال استراحة رقص بين ثلاثة أشباه لأليكس رايدر في حانة مظلمة مفعمة بالأدخنة بجوار مغسلة آلية، لربّما تمعن التفكير بمسألة عدم الكشف عن هويتك كأفضل خيار. لكن التحرير يضربُ علي الوتر الحسّاس. جين محررة بارعة ومع أنّنا قد نختلف بشأن بعض الأمور مثل مستويات العنف (أختلف معها بعنف) إلا أنّها تكون علي حقّ عادةً. أمرٌ يستحق الذكر أيضاً أنّه دون ووكر، لم يكن أليكس رايدر ليري النور أبداً ولا أزال أذكر محررتي الأولي، ويندي بواس، بإعزاز و امتنان كبيرين. الأمر الّذي يقودني للسؤال ما نفع كتب النشر الذاتي؟ أو بمزيد من الإيضاح، هل يُضفي غياب المحرر المحترف مزيداً من الاعتراف بدوره؟ للإجابة علي ذلك التساؤل قرأت في الواقع رواية منشورة ذاتياً. الكتاب موضع النقاش لكاتب من رواد النشر الذاتي ممن يتباهون بمبيعات عالية جداً. أثقُ في وجود بعض الكُتب المنشورة ذاتيّاً بالغة الجودة، لكن شعوري أنّه بطريقةٍ ما، إذ تشيّد دور النشر الحواجز، ماذا يفعلون إن كان الكُتّاب ينتجون ما يُخيب الآمال؟ تساءل سام جورديسون الصحفي بالجارديان، أثناء مراجعة كتابين نشرتهما Unbound. «بناءً علي دليل، سينشرون أي شيء عموماً« حسناً، هذا حقيقي بالنسبة لشركة أبل و أمازون أيضاً. علي أيّة حال، يحتاجون فحسب لضربة موفّقة واحدة كي يسددوا تكاليف البقيّة. توفّر دور النشر رخصة بالطبع والنشر، وهي حسب اعتقادي نوع من التحكّم بالجودة. أستطيع أيضاً الحديث عن التقاليد، فقد مضي حوالي ستمائة عام منذُ أخرج يوهانس جوتنبرج أول كتب مطبوعة، و مع أنّ كتاب Ars Minor الكتاب التمهيدي الممتاز للغة اللاتينيّة قد خرج الآن من قائمة أفضل الكتب مبيعاً، إلا أنّني أحبّ أن أكون جزءاً من هذا التقليد. لا أحب أن أصير ما تدعوه أبل »شخصاً موهوباً« . أنا مؤلف، و أنا أؤلف كتباً، لا »محتوي« . لقد طُلب مِنّي مؤخراً الانضمام للجنة إدارة جمعيّة المؤلفين سوي أنّني أحسست حزيناً بعدم القدرة علي المواصلة معهم و أحد الأسباب كان أنّ الأمر بدا لي أنّهم يرون في دور النشر خصوما للأدباء. نحن ضدهم. و هم يسلخون فروة رؤوسنا. لا أحسبُ هذا حقيقيّاً. أري أنّنا متصلون جداً في سوق سريع التغيّر حيثُ القيم التي نتشارك أغلبها أول ما يمكن إلقاؤه من النافذة. هل أكون مجنوناً إن أتخيّل أنّ دور النشر لو كانت أقل قلقاً بشأن القصة والشخصيّة والأسلوب والأصالة والتصميم وشكل الطباعة ومعرفة القراءة والكتابة والنحو الجيد والتعليم والتنوير وأكثر اهتماماً بصناعة النقود، فربّما كانت لديهم مشاكل أقل؟ لكن أليس هذا، في نهاية الأمر، أمراً يستحق الاحتفال؟ و إن جاز لي القول، ربّما علي دور النشر التقليديّة أن تكون أقل قلقاً من الثورة الرقميّة، بل ربّما يجب عليهم تبنيها. فأنا مثلاً أحبّ كتابة رواية بوليسيّة حيثُ يسع المرء النقر فوق جزء من الحوار لا تثق به لتكتشف أنّ الشخصيّة كانت تكذب. حيثُ كان علي القارئ في الواقع أن يصير محققاً وحيثُ الفصل الأخير، الكشف، لابد من تحقيقه بمفرده. أو ماذا عن كتاب بوجهات نظر متعددة، حيث يمكن للقارئ اختيار أي الشخصيات تصير الراوي؟ أعتقد أن امرءا سيجرّب إضافة موسيقي ومؤثرات صوتيّة كجزء من الكتاب. بالنسبة لي، توفّر الثورة الرقميّة إمكانيات خياليّة. بعدد خمس سنوات من الآن لن يكون إلا الكتاب الإلكتروني، و بعد خمسين عاماً، ربّما لن يقرأ الناس مطلقاً. هل نحن بالعناية المركّزة؟ لا أدري. لكن لو كُنّا، أشعرُ بارتياح كبير أنّنا هناك، سويّاً.