إجلاء سكان 7 قرى، بركان إيبو الإندونيسي يثور ويطلق سحابة من الرماد    مصر ترفض مقتراح الاحتلال لإدارة غزة ما بعد الحرب    ولي العهد السعودي وسوليفان بحثا الاتفاقيات الاستراتيجية بين الرياض وواشنطن وحل الدولتين    إصابات مباشرة.. حزب الله ينشر تفاصيل عملياته ضد القوات الإسرائيلية عند الحدود اللبنانية    وصول بعثة الأهلي إلى مطار القاهرة قادمة من تونس والخطيب يخطف الأضواء (فيديو)    142 ألف طالب يؤدون اليوم ثاني أيام امتحانات الشهادة الإعدادية بالشرقية    ضحية الهاتف المحمول، ضبط شقيقان تسببا فى مصرع شاب غرقاٌ بنهر النيل    اليوم.. إعادة محاكمة متهم بأحداث محمد محمود الثانية    اليوم، وضع حجر الأساس لمبنى هيئة قضايا الدولة الجديد في الإسماعيلية    في موسم برج الجوزاء 2024.. ماذا يخبئ مايو ويونيو 2024 لفراشة الأبراج الهوائية؟    استقرار سعر الذهب اليوم وعيار 21 يسجل 3170 جنيها    تعرف على سعر الدولار اليوم في البنوك    ارتفاع جديد.. أسعار الفراخ والبيض في الشرقية الأحد 19 مايو 2024    الكرملين: الإستعدادات جارية لزيارة بوتين إلى كوريا الشمالية    هجمات الحوثي في البحر الأحمر.. كيف تنسف سبل السلام؟    بأسعار مخفضة.. طرح سلع غذائية جديدة على البطاقات التموينية    ميدو يوجه نصائح للاعبي الزمالك في نهائي الكونفدرالية    ظاهرة عالمية فنية اسمها ..عادل إمام    إصابة 10 أشخاص في انقلاب ميكروباص بطريق "قنا- سفاجا"    8 مصادر لتمويل الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات وفقًا للقانون (تعرف عليهم)    تعليم النواب: السنة التمهيدية تحقق حلم الطلاب.. وآليات قانونية تحكمها    خبير اقتصادي: صفقة رأس الحكمة غيرت مسار الاقتصاد المصري    رامي جمال يتصدر تريند "يوتيوب" لهذا السبب    البنك المركزي يطرح أذون خزانة بقيمة 55 مليار جنيه في هذا الموعد    الخارجية الروسية: مستقبل العالم بأسرة تحدده زيارة بوتين للصين    عاجل.. موجة كورونا صيفية تثير الذعر في العالم.. هل تصمد اللقاحات أمامها؟    القومي للبحوث يوجه 9 نصائح للحماية من الموجة الحارة.. تجنب التدخين    مدرب نهضة بركان: نستطيع التسجيل في القاهرة مثلما فعل الزمالك بالمغرب    بن حمودة: أشجع الأهلي دائما إلا ضد الترجي.. والشحات الأفضل في النادي    خاص- تفاصيل إصابة علي معلول في مباراة الأهلي والترجي    بوجه شاحب وصوت يملأه الانهيار. من كانت تقصد بسمة وهبة في البث المباشر عبر صفحتها الشخصية؟    عاجل.. إصابة البلوجر كنزي مدبولي في حادث سير    الحكم الشرعي لتوريث شقق الإيجار القديم.. دار الإفتاء حسمت الأمر    الداخلية تكشف حقيقة فيديو الاستعراض في زفاف "صحراوي الإسماعيلية"    "التنظيم والإدارة" يكشف عدد المتقدمين لمسابقة وظائف معلم مساعد مادة    مع استمرار موجة الحر.. الصحة تنبه من مخاطر الإجهاد الحراري وتحذر هذه الفئات    باقي كام يوم على الإجازة؟.. موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024    شافها في مقطع إباحي.. تفاصيل اتهام سائق لزوجته بالزنا مع عاطل بكرداسة    باسم سمرة يكشف عن صور من كواليس شخصيته في فيلم «اللعب مع العيال»    رضا حجازي: التعليم قضية أمن قومي وخط الدفاع الأول عن الوطن    نشرة منتصف الليل| الحكومة تسعى لخفض التضخم.. وموعد إعلان نتيجة الصف الخامس الابتدائي    عماد النحاس: وسام أبو علي قدم مجهود متميز.. ولم نشعر بغياب علي معلول    تعزيزات عسكرية مصرية تزامنا مع اجتياح الاحتلال لمدينة رفح    "التصنيع الدوائي" تكشف سبب أزمة اختفاء الأدوية في مصر    وظائف خالية ب وزارة المالية (المستندات والشروط)    رامي ربيعة: البطولة لم تحسم بعد.. ولدينا طموح مختلف للتتويج بدوري الأبطال    أخذتُ ابني الصبي معي في الحج فهل يصح حجُّه؟.. الإفتاء تُجيب    دييجو إلياس يتوج ببطولة العالم للاسكواش بعد الفوز على مصطفى عسل    نقيب الصحفيين: قرار الأوقاف بمنع تصوير الجنازات يعتدي على الدستور والقانون    أوكرانيا تُسقط طائرة هجومية روسية من طراز "سوخوى - 25"    اليوم السابع يحتفى بفيلم رفعت عينى للسما وصناعه المشارك فى مهرجان كان    هل يعني قرار محكمة النقض براءة «أبوتريكة» من دعم الإرهاب؟ (فيديو)    حريق بالمحور المركزي في 6 أكتوبر    الأزهر يوضح أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة    تعرف علي حكم وشروط الأضحية 2024.. تفاصيل    نقص أوميغا 6 و3 يعرضك لخطر الوفاة    وزير التعليم: التكنولوجيا يجب أن تساعد وتتكامل مع البرنامج التعليمي    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمن فاسد وإعلام محرض وجماهير جاهلة متعصبة:
التركة القاتلة!
نشر في أخبار الأدب يوم 12 - 02 - 2012

الخميس، اليوم التالي للمذبحة، كنت أسير مع الجموع الغاضبة في شارع طلعت حرب، وحتي التحرير، كنت مختلفا وأشعر باختلافي واختلاف المحيطين عن تلك المجموعة المميزة التي تحمل الأعلام وتكاد تتشابه حتي في الشكل والملامح. صحيح كنا غاضبين ولكن غضبهم كان مختلفا، صحيح كنا نهتف ولكن كان يمكن تمييزهم هم فقط عن كل المحيطين. "يوم ما أبطل أشجع هكون ميت أكيد" شعارهم الذي تحقق بالحرف. بعد جولتين في الميدان استطاعوا أن يقنعوا كل المتواجدين بأن "البورسعيدية قتلوا الأهلاوية" شعار آخر ويافطة كبيرة وإيمان لا يتزحزح بأن جماهير بورسعيد هي التي اقتحمت الملعب وهي التي قتلت وسحلت وألقت 76 مشجعا أهلاويا من فوق الاستاد بدم بارد، صحيح وقف الأمن متفرجا لكنهم يعرفون لماذا، فهم يدفعون الآن ضريبة مشاركتهم في الثورة، كان يمكن أن تجادل وأن تطرح وجهك نظرك أيا كانت ولكنها لم تكن لتصمد أمام إصرارهم وعنادهم وقدرتهم علي الإقناع. يقفون في الميدان يتلقون المواساة ودعوات الصبر وفي عيونهم ذهول وتساؤل حزين..هل أصبحنا نعيش زمانا يموت فيه الإنسان لمجرد أنه يحب كرة القدم؟!
بالتأكيد ثمة ثأر معروف بين مجموعات الألتراس وقوات الداخلية التي عملت علي الحفاظ علي نسق غير إنساني في التعامل مع المشجعين، باعتبارهم مواطنين من الدرجة الثالثة، ليست لهم حقوق طالما أنهم داخل أسوار الاستادات، وبالتأكيد أيضا هناك عداء تاريخي بين جماهير الأهلي والمصري، يعرفه أصغر مشجع للكرة في مصر، إذن كانت جماهير الأهلي محاصرة بالكُراهية من كل جانب، الكراهية متبادلة والسوابق كثيرة لا مجال لحصرها هنا، كراهية غذتها آلة إعلامية لا تعرف المهنية علي الإطلاق، فهؤلاء الذين يعلنون الحداد الآن في القنوات الفضائية المسماة عبثا بالرياضية، أشبه بمن "يقتل القتيل ويمشي في جنازته" التعصب صنيعتهم بامتياز، وهم الأولي الآن بالمحاكمة.
فشل أمني وإحباط
الحدث لا يمكن تجريده من السياسة، خاصة بعد تسريب معلومات عن تورط أعضاء في الحزب الوطني المنحل، هو إذن النظام القديم يطل بوجهه القبيح مرة أخري "المسألة مدبرة تماما" يقول د.شاكر عبد الحميد وزير الثقافة، وعدم إعلان أسماء المتهمين الذين رأيناهم علي الهواء مباشرة هو في نظره نوع من "العبث". يؤمن وزير الثقافة بأن البطء في إعلان أسماء المتهمين يزيد من الشكوك "الحدث أذيع علي الهواء وكان يجب إعلان المتهمين في نفس اليوم، فمن رأيناهم لم يكونوا كائنات فضائية تبخرت بعد الحادث، بالتأكيد هناك من يعمل في الخفاء ويقصد إحداث هذا الارتباك". أسأله: كيف تنظر للدعاوي التي ظهرت بعد الحادث، والتي اعتبرت كرة القدم نوعا من "اللهو الحرام"؟! ويجيب: هذه المقولات ليست جديدة ودائما هناك آراء من هذا النوع في الفن والرياضة وغيرها، والالتفات إلي هؤلاء مضيعة للوقت، فكرة القدم حاليا أشبه بعالم متكامل وليست مجرد رياضة- فعلي هامشه وفي داخله مؤسسات كبري تدفع مبالغ طائلة لربط منتجاتها بأهم أحداث عالم الكرة. كرة القدم نوع راق من أنواع الصراع-يضيف- بعد أن كان في الماضي بين الجيوش تحول لحرب بين الشركات الكبري والماركات العالمية التي تسعي لربط منتجاتها بالفرق وأشهر اللاعبين، وبعض علماء النفس يشبهون الكرة بمشاهد الحرب القديمة، ففي المباريات الهجوم والدفاع والكر والفر وهناك العنف أيضا، ومنتصر ومهزوم وجماهير تحتشد وتشجع مثل تلك الجماهير القديمة، التي كانت تحتشد في الكوليزيوم لتشاهد العبيد وهم يتصارعون مع الأسود. والملعب أشبه بالمسرح فكما يعطي المسرح "خبرة بديلة" لأنه يتناول الأحداث الجسام تقدم كرة القدم "العنف البديل" الذي يحدث للآخرين فيتوحد معهم المشاهدون كما يتوحدون مع الممثلين، فيحدث ما يسمي بالإشباع البديل، حين يفرغون انفعالاتهم في نهاية العرض ونهاية المباراة وتسيطر في كرة القدم كما في المسرح مشاعر الخوف والشفقة والمتعة وإثارة التوقعات وإشباعها أو إحباطها.
كرة القدم ترتبط أيضا بروح الصخب والعنف والبهجة والمرح والغضب، وبما يسمي "الروح الكرنفالية" القديمة التي تحدث عنها باختين، حيث يحمل المنتصر علي الأعناق ويجرس المهزوم، ونجد الفخر والتباهي بالنسبة للمنتصرين والمتوحدين معهم، والتهكم والتحقير والتجريس والشعور بالعار بالنسبة للمهزومين ومن يتوحون معهم، وهكذا تمثل كرة القدم نوعا من الثقافة الشعبية المتحررة من الخوف، ثقافة الكرنفال حيث الأقنعة والضحك والبهجة والأعلام والأبواق وكل ما يرتبط بأشكال التصريف الحديثة للعنف أو التنفيث العصري عن الطاقات والغرائز العدوانية القديمة، التي لو تراكمت لأصبحت ضارة اجتماعيا، وهو ما حدث علي أرض استاد بورسعيد.
المسالة برمتها بحسب تحليل الكاتب والمحلل السياسي عز الدين شكري "فشل أمني" سواء كان متعمدا أو لا، والفشل الأمني يستوجب العقاب، "فعندما حدثت كارثة الأقصر، لم يتهم حسن الألفي بأنه وراء الحادث لكن تمت الإطاحة به، وهو شكل من أشكال العقاب نتيجة لتقصيره في حماية المواطنين، وهي وظيفته الأساسية". لكن هل كان الأمن طول سنوات حكم مبارك يقوم بهذا الدور فعلا؟ أسأل ويجيب شكري: "كان يقوم بهذا وفق مفهوم خاص عن فكرة الحماية، مثلا كل الأجهزة الأمنية في العالم لديها فكرة التدرج في استخدام القوة، نحن ليس لدينا هذا الأسلوب، ما يعرفه رجل الأمن هنا هو إما أن تطيعني أو أقتلك، وهذا هو الميراث الحقيقي الذي ورّثه النظام السابق للأمن وللمواطن علي السواء، فتركة مبارك الحقيقة هي الخنوع وسيطرة الأمن، بما جعلنا نسلم أعناقنا للأمن دون أن نناقشه حتي لو كان علي خطأ، فهل يسأل أحد رجل المرور الذي يأمرنا بأن تتحرك أو تتوقف.. لماذا؟".
التركة لم تتوقف عند هذا الحد، فهل من الطبيعي إذا استثنينا الفرضية الجنائية، أن يقتل مشجع آخر فقط لأنه يشجع فريقا مختلفا، كل هذا العنف في عموم مصر بحسب تفسير د.خليل فاضل استشاري الطب النفسي ماهو إلا عرض وانعكاس للأزمات الاجتماعية "فالبيئة المحيطة بكل سلبياتها وتوحشها تؤثر علي كيمياء المخ العصبية، فتولد الجنون والحماقة والقتل والاغتصاب لدي أفراد، ليس لديهم أي استعداد وراثي ولا شخصي. ولا نملك شبكة من"المعرفة والقوة" تمكننا من الرصد والعلاج والوقاية ممن يستمتعون بإراقة الدماء وبالرشوة والفساد كذلك "إن ذلك التوتر المجتمعي الذي نعاني منه الآن شديد جدا ونحن نزحف بالفعل علي أرض ثلجية، ببطن رخوة وعضلات واهنة".
بكلمات أوضح يقول د.خليل أن كل إنسان بداخله الخير والشر، والأنا الأعلي هي المنظم والمحرك لهذه القوي داخل الإنسان، وإذا جرد الإنسان منها دفن إنسانيته، وهذا بالضبط ما حدث، فهؤلاء دفنوا أنفسهم في التعصب، إضافة إلي الإحباط العام، والغل الكامن في النفس من إحباط الحياة اليومية، ومن تجاهل متعمد من النظام القديم، ففي الوقت الذي كان يحصل فيه "الأهلي" القاهري علي كل شيء، كان الرئيس السابق يكره المدينة وناسها، ولم يحقق فريقها أي إنجاز، ولم يتغير هذا الوضع منذ 11 فبراير الماضي، لهذا نلاحظ مثلا ارتفاع سقف الاعتراض علي سياسة العسكري من "الجيش والشعب إيد واحدة" إلي "الشعب يريد إعدام المشير". يضيف فاضل أن الصورة العامة التي تتصدر المشهد حالياً هي الغياب الأمني والانفلات، إضافة إلي المشاهد المخزنة في الذاكرة عن حوادث العنف السابقة، فالجنود رموا جثث الشهداء في صندوق الزبالة ولم يحدث شيء، إذن نحن في غابة ولا يوجد رادع فما المانع من تكرار الأمر؟، هذا كله تدعمه حالة "عمي هيستيري" لرجال الشرطة، يجعلها في حالة خوف شديد، تري الضحية وكأنها العدو.
كلهم أوغاد
الأمن يري في الالتراس العدو فعلا، وفي المقابل فإن عقيدة الالتراس تقوم علي أن كل رجال الأمن أوغاد، فهناك تاريخ من العداء بحسب محمد جمال صاحب كتاب "الألتراس" يعود إلي شهور مضت. تحديدا في 22 يناير سنة 2011 حين ظهر فيديو علي موقع يوتيوب مجهول المصدر يطمئن العازمين علي النزول يوم 25 والمتخوفين من عنف الشرطة وقمعها، أن هناك فصيلا مصريا قادرا علي حمايتهم في الشارع، مستعرضا مصادمات المجموعات المصرية، وخاصة المحسوبة علي الأهلي والزمالك مع الشرطة، مختتماً مشاهده بصدام أمني، حدث قبل أيام، بين جماهير نادي الاتحاد الشرطة، خلال مباراة كرة سلة حيث هتفت وقتها الجماهير "تونس" في إشارة إلي أنهم سيواجهون نفس المصير عما قريب.
من هنا وتحديدا في يوم 24 بثت عدة صفحات علي موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" مثل صفحة "كلنا خالد سعيد" وصفحة "حركة 6 ابريل" رسائل تبشر فيها الشعب المصري بنزول مجموعات الألتراس للمظاهرات 25 يناير، بعد أن علمت بذلك من مصادرها الخاصة داخل المجموعات. وفي عصر يوم 25 يناير استطاع المتظاهرون تحديد هوية مجموعة من الشباب، محسوبين علي مجموعات الألتراس، من طريقة وأسلوب تحركهم وملابسهم في الاشتباكات، التي بدأت عصر هذا اليوم، بطول شارع قصر العيني. هناك تبادل الجانبان إلقاء الحجارة والاشتباك بالأيدي. كان هدف المتظاهرين الوصول لوزارة الداخلية وتصعيد المظاهرات أكثر.
ولم تخفت حدة المواجهات مع الشرطة.. وقتها عمل أفراد المجموعات يومي 26 و 27 يناير علي تصعيد المصادمات في عدة مناطق، مثل بولاق ومنطقة وزارة الخارجية والجيزة وشبرا، وبالتوازي كان الأمر يتم في محافظات أخري، مثل الإسكندرية، هناك كان لمجموعات الألتراس دور هام في معارك القائد إبراهيم، كذلك مدينة السويس التي استشهد بها، في هذا التوقيت، أول شهداء الألتراس والسويس الشهيد "محمد مكوة" بعد مواجهات قوية في ميدان الأربعين، سقط علي أثرها شهيدا ليخرج جثمانه يوم 28 مشعلا شرارة الثورة أكثر وأكثر.
شمروخ
الجميع يتذكر مشهد إشعال النار في إحدي المدرعات بواسطة "شمروخ" في ميدان التحرير ليلا، ذلك المشهد الذي تكرر في العديد من الشوارع الجانبية حيث اهتم عدد من أفراد الألتراس بإشعال النار في عربات الجنود الفارغة، وسرقة الذخيرة منها، قنابل غاز، ورصاص مطاطي، للتخفيف من الضرب المستمر علي المتظاهرين. ولعل أكبر ظهور لمجموعات الألتراس متعاونين كان ليلة معركة الجمل، حيث كانوا في الصفوف الأمامية، في تحصينات تقاوم دخول البلطجية إلي الميدان، وتعمل علي تأمين الشوارع الجانبية من أي هجوم، وهي المعركة التي أصيب فيها عدد كبير منهم.
لم تتوقف المشاركات عند هذا الحد، مجموعة التراس وايت نايتس ظهرت في التظاهرات أمام السفارة الإسرائيلية، ووسط هذا كله ارتفعت حدة تكهنات الخبراء بمشاركة سياسية متوقعة، ما يخالف الحقيقة تماما، كما يؤكد محمد، فمجموعات الألتراس المصرية هي مجموعات غير سياسية، والمعروف دوليا أن هناك ثلاثة تصنيفات للألتراس والسياسة في العالم، مجموعات يسار أو ما يطلق عليهم "أنتيفا" وهي مجموعات تأسست علي خلفيات سياسية يسارية لأفرادها أو المدينة والمنطقة التي يعيشون فيها، ومجموعات اليمين التي في العادة تكون عنصرية شديدة
التطرف، ومجموعات غير مسيسة نتيجة لعدم توافقية أفرادها علي اتجاه سياسي محدد. ذلك النوع الذي تنتمي إليه أغلب مجموعات الألتراس المصرية، والذي يمنعها من المشاركة سياسيا، ويجعلها تقف عند حد المطالبة بالحرية والعدالة الاجتماعية وحد المشاركة المجتمعية لأفرادها.
ساحات الحرب
إذا كان العداء مع الشرطة مفهوما الآن، فإن السؤال الذي يسأله الناس حالياً: كيف لرجل عادي أن يأتي بفعلة دموية كتلك؟ نعود للدكتور خليل الذي يقول إنها في تفسيرها العلمي مزيج من الفصامية والغضب المكتوم، بجانب أن معظم تلك الحالات يكون فيها القاتل "منقوعا" محقونا ومحتقنا بالكراهية ومربوطا "من ساسة لرأسه" بحبل مليء بالعقد المتوترة والقلقة، إنها تلك الروح غير المستقرة، الإحساس العام بالتصدع القادم، الرهبة من زلزال النفس وعنفها، ترقب لحظة الانهيار الكامل، ثم الراحة الصافية المنشودة، التوق إلي الانعتاق من عالمة الجواني الجهنمي.
للدكتور خليل بحث كامل حول ظاهرة العنف في ملاعب كرة القدم، يؤكد فيه أن العنف في حد ذاته ظاهرة طبيعية مرتبطة بالإنسان ككائن حي، فمن المعروف أن الإنسان أكثر الفقاريات عدوانية، العنف يحدث في المدرسة، في الشارع، في المقهي، في ملاعب الكرة، في ساحات الحرب، في ألعاب الفيديو والكومبيوتر والإنترنت، وبالطبع علي شاشات السينما والتلفزيون، العنف سلوك معقد ينبع من مصادر كثيرة متشابكة، بعضها اجتماعي والآخر بيئي، وبعضها نتيجة التعلم من الآخرين ومحاكاتهم، وأحيانا يكون نتيجة لمرض نفسي، ففي حالات اضطراب الشخصية تزيد العدوانية، الاهتياج، التبرم، الضيق. وبشكل عام فإن روح التنافس هي التي تخلق الإثارة، لكن التنافس يمكن أن يكون في تنسيق الزهور وطهي الطعام مثلا، لكن في كرة القدم فالمغامرة في التعقب والمطاردة، الجري، القفز، ومع تطور التكنولوجيا الحديثة، مع عصر التلفزيون والأقمار الصناعية، ومع النمو السكاني زادت حدة التوتر الاجتماعي وحل الغضب محل التسامح وعمت الفوضي ملاعب الكرة والساحات والشوارع وداخل البيوت، وبرزت علي السطح تلك المجموعة المعتلة نفسيا، المصطلح عليها بالإنجليزية: (الهوليجانز) التي تذهب إلي مباريات كرة القدم تبحث عن غريم تقتله وعن رجل شرطة تقذفه بالحجارة.
اللعبة تستعيد تاريخها الدموي
في كتابه "كرة القدم بين الشمس والظل" يكتب إدوارد جاليانو عن جدارية تعود إلي ما يزيد علي ألف سنة، تظهر واحدا من أجداد هوجوسانتشيز(لاعب مكسيكي شهير) وهو يلعب كرة بقدمه اليسري، وعندما ينتهي اللعب كانت الكرة تنهي رحلتها: فالشمس قد وصلت إلي الفجر بعد أن اجتازت منطقة الموت. عندئذ ولكي تطلع الشمس، كانت تراق الدماء، وحسب رأي بعض العارفين كان من عادة الازتيك التضحية بالفائزين وتقديمهم قرابين، وقبل أن يقطعوا رؤسهم كانوا يطلون أجسادهم بخطوط حمراء وكان المختارون من الآلهة يقدمون دماءهم قربانا لكي تكون الأرض خصبة والسماء سخية!
علي أقدام الرومان القدماء وصلت البدعة -كرة القدم- إلي الجزر البريطانية، وبعد قرون من ذلك وتحديدا في عام 1314 مهر الملك إدوارد الثاني بخاتمه وثيقة ملكية تدين هذه اللعبة الرعاعية والصاخبة "هذه الاشتباكات حول كرات كبيرة، التي تنتج عنها شرور كثيرة لا يبيحها الرب" وكرة القدم التي كانت تسمي بهذا الاسم منذ ذلك الحين، كانت تخلف أعدادا من الضحايا، فقد كانوا يتنافسون في جماعات كبيرة فلم يكن هناك تحديد لعدد اللاعبين ولا لمدة اللعب، ولا أي شيء آخر "كان شعب بكامله يتبادل ركل الكرة ضد شعب آخر، يدفعونها بالأقدام والقبضات نحو الهدف الذي كان في ذلك الحين عجلة طاحونة كبيرة، وكان اللاعبون يصطفون علي امتداد عدة فراسخ، ولعدة أيام، وبتكلفة تصل إلي عدة أرواح بشرية" وقد منع الملوك هذه المباريات الدموية ففي عام 1349 ضم الملك إدوارد الثالث كرة القدم إلي "ألعاب الحماقة التي ليست لها أي فائدة" وهناك مراسيم ضد كرة القدم ممهورة بتوقيع هنري الرابع في عام 1410 وهنري السادس في عام 1547 ولكنهم كلما كانوا يمنعونها كان اللعب يزداد، ما يؤكد القدرة التحريضية لكل ما هو محظور.
التاريخ الحديث حافل بالأمثلة أيضا ففي كأس العالم التي أقيمت بألمانيا كانت الملاعب كلها مؤمنة بالطائرات، والمشاهدون مؤمنون بالبوابات الاليكترونية، وكان من بين الإجراءات الأمنية تصوير وجوه جميع المشجعين أثناء المباريات وأخذ بصمات أصابع المشتبه بهم، والذي قدر عددهم مبدئيا ب200 ألف شخص! أما التذاكر المبيعة فدونت عليها أسماء وبيانات حاملها لمراقبتها بأجهزة محمولة، كما تم استخدام الإنسان الآلي للكشف عن الأسلحة في المدرجات.
كل هذا يؤكد أن كرة القدم خرجت عن إطارها كلعبة لتتحول إلي حرب أو علي الأقل إلي تمثيل للحرب، فقد حاولت ألمانيا من خلال تنظيم البطولة تناسي آلام الماضي، وأن تتفوق علي نفسها لتثبت للعالم أن ألمانيا الموحدة أفضل كثيرا من ألمانيا المنقسمة، التي استضافت كاس العالم سنة 1974، والتي تعد البطولة الأكثر أهمية بعد الحدث الذي وحّدها، حين سقط جدار برلين. يري البعض في كرة القدم تعويضا لنقص لا يمكن نسيانه أو التغاضي عنه يصدق هذا علي الأفراد وعلي الشعوب أيضا، هناك من يراها تعويضا عن خيبات كثيرة، وأحد أهم مصادر تفريغ الانفعالات، ومنهم من رأي أن شعبية كرة القدم تأتي من كونها إحدي صور الحرب والصراع، التي كانت تمارس بصورة غريزية في المجتمعات القديمة، وأن ما يحدث في المباريات هو امتداد للحروب والكفاح الذي كانت تمارسه الجماعات المتحاربة في العصور القديمة.
يد الله
د.محمد عبد المنعم أستاذ علم الاجتماع يري أن هناك ثلاث عمليات أساسية تتحكم في تعامل البشر، هي التعاون والتنافس والصراع. وكرة القدم تتجسد بها العمليات الثلاث فهي تستخدم التعاون في عمليه تنافسية لاستبدال الصراع بين الدول والجماعات، وبالطبع يستخدم فيها الصراع، فمن خلالها تتنافس الشعوب وتستخدم فيها الأسلحة -المجازية- كالحروب النفسية والاقتصادية ثم الصراع داخل الملعب نفسه ومحاولات الدفاع والهجوم .
كرة القدم أيضا تعكس تطور الدول والتبادل اللامتكافئ وعدم العدالة والهيمنة الثقافية. يظهر هذا كله عندما تقابل دولة كبري متقدمة أخري ضعيفة نامية فيظهر التفاوت علي الفور في خطط اللعب وإمكانيات اللاعبين والأسلحة المتاحة لهم، وقبل كل شيء فكل المؤشرات تقول كما في السياسة- بحصول هذه الدولة علي الكأس وحصول الأخري علي لاشيء.
هناك نظرية أخري تري في كرة القدم "تخليصا للثأر" كما حدث مع انجلترا والأرجنتين علي سبيل المثال، ففي فترة الحرب الطاحنة بينهما، بسبب جزر فوكلاند، أقيمت بطولة كأس العالم وأوقعت الجداول الدولتين في المواجهة، فاعتبرت جماهير الفريقين أن هذه المباراة بمثابة الأخذ بالثأر، وفي هذه البطولة ظهر مارداونا وأحرز هدف فوز الأرجنتين بيده وأقصي انجلترا خارج المونديال وعندما سُئل عن الهدف اعترف بأنه لم يكن صحيحا، وقال جملته الشهيرة أنها لم تكن يده بل "يد الله" التي أرادت الانتقام من الإنجليز.
الانتماء للجماعة
د.أحمد عبدالله مدرس الطب النفسي اعتبر كرة القدم "حروبا غير مباشرة" حيث تشابهت الحروب مع كرة القدم وحالياً بالتحديد، فبعد أن كان دورنا في الحروب هو الالتحام والتخطيط والضرب أصبحنا متفرجين عبر الشاشات التي تذيع الحروب علي الهواء مباشرة فتداخل كل شيء، ربما لذلك تغير فكر الحرب وأصبحت الحرب والكرة شيئاً واحداً حتي أن الكرة تستخدم نفس المصطلحات الخطط والهجوم والدفاع والمناورة..الخ وعلي هذا انقسم العالم إلي منفذين ومتفرجين واخترنا دور المشاهدين حتي عندما نلعب مع الدول الكبري فان المركّب التعويضي يكون هو السائد.
كما أن كرة القدم تتبني فكرا من أهم أفكار النفس البشرية وهو فكر التقسيم فباعتبار المباريات حروبا افتراضية ستحمل طاقات عدوانية تجاه الآخر، والذي يكفيه أن يكون ضد الفريق الذي نحبه ليضع نفسه في الكفة المكروهة والمنبوذة من طرفنا، فمثلما يري بطل "موسم الهجرة إلي الشمال" للطيب صالح، أن الانتماء يكون للجماعة سواء كانت داخل الوطن أو خارجه نري أنفسنا أكثر اقترابا من مجموعتنا التي أصبحنا ننتمي إليها ربما بالمصادفة (كان يقرر بعض الأطفال أن يلعبوا معا دون أن يعرفوا بعضهم) ونريد لهذه الجماعة النصر، وبالعكس سنحمل للجماعة الأخري مشاعر سلبية، من دون أن يصدر منهم ما يبرر ذلك، سوي أنهم ضد جماعتنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.