هي الحَربُ

1
هي الحَربُ
جُنودٌ يُولدون من عَتمَةِ الوَقتِ ...
يُفاجِئونَك بِمَوتٍ عَابِرٍ ...
ورَصَاصْ ...
فتَحمِلُ ما ادَّخرتَ من حَياةٍ
بَينَ يَديكْ ...
وتَذهبُ إلي التَّفاصيلِ اليَومِيَّةِ
المُرتَبِكةِ بَينَ قَذيفتينْ ...
عَلَّك تُصلِحُ خَللاً في مِيزَانِ الوَقتِ
فتَراكَ دُونَ جُرحٍ
أو جَنازَة ...
2
هي الحَربُ
دَوِيٌّ يَشقُّ لَحمَ الهَواءِ بَينَ شُرفَتين
كُلَّما حَاولتَ القِرَاءَة
أو إعدَادِ فِنجَانِ قَهوَةٍ
أو اصطِحَابِ قُرنفُلةٍ إلي القَصيدَة ...
يَتَكَرَّرُ
فتَراكَ تَخرجُ مِن حَواسِكَ الخَمسَةِ
إلي فَضَاءٍ خَفِيٍّ ...
تَلقاكَ دُونَ قَذائِفْ ...
تُسَجِّلُ خَاطِرَةً عَابِرَةً
عَن قَذيفَةٍ لمْ تَنفَجِرْ ...
عَن طِفلٍ يَحمِلُ قَدمَيهِ الصَّغيرتَينِ إلي المُستَشفَي ...
عَن دُخانٍ تَقَيَّأته النَّوافِذَ بَعدَ انفِجَارٍ ...
عَن دَقَّاتِ السَّاعةِ المُهمَلة ...
يَتَكَرَّرُ الدَّوِيُّ كطَعنَةٍ ...
فتَجمَعُ صَدرَك بَينَ كَفَّيك
وأصَابِعَك المُرتَجِفَة
وتَحمِلُ أورَاقَك
عَائِداً بك إلي احتِمَالاتِ الحَريقْ ...

قَد تَراكَ في حِيرَةِ الجَسَدِ
خُطواتٌ بَينَ النَّافِذَةِ
والأريكَة ...
تَذرَعُ المَسافَة بَينَ وَقتَيك المُتنَافِرَين ...
اطمِئنَانك لمَسَاءٍ هَادِئ
لم يَعدْ
كما تَعتَقِدْ ...
صَارَ مَمَراً صَاخِباً للحُزنِ
وأبوَاقِ السَّياراتِ المُسرِعَة
وصَارَ صَفيرَ المَوتِ
كلما انتبهتَ لاقتِرَابِ الدُّخانْ ...
3
هي الحَربُ
أمكِنَةٌ تَستَيقِظُ فيك
مَعَ الدَّويِّ ...
كُلما سَارعتَ إلي نَشرَةِ أخبَارٍ
أو بَاغَتَك رَنينُ الهَاتِفِ الجَّوالِ
بِسُؤالٍ عَنك
أو خَبَرٍ
عن ضَحِيَّة ...
4
هي الحَربُ
حِوَارُك الخَفِيُّ مَعك
كلَّما ضَاقت المَسَافَةُ بَينَ عَقرَبيِّ السَّاعَةِ ...
واختَنَقتْ ...
تَعودُ إليكَ مِن صَخبِ قَذيفَةٍ
هَزَّت بِنَاءَ رُوحِك فَجأة
فتَنَاثَرتَ
قِطعاً مِن جَسَدِكَ
في أرجَاءِ البَيتْ ...
تَجمَعُ يَدَيك مِن عَلي الطَّاوِلةِ
وقَدَميك مِن أسفَلِ الكُرسِي ...
تَلتَقِطُ عَينَيك
المُتَدَحرِجَتين صَوبَ النَّافِذَة ...
وتُؤَسِّسُ لوَجهِكَ مَرَّة أُخرَي أَمامَ المِرآة
قَد تَهمِسُ لصُورَتِك النَّاطِقة:
رُبَّما أصبَحتُ أقل تَمَاسكاً
عمَّا قَبلْ ...
غَيرَ أنَّك تَحمِلُك إلي أعمَالِكَ الصَّغيرَةِ ...
التي بَتَرَتها القَذَائِفْ ...
تَكتُبُ
وتَقرَأُ ...
تَتَأَملُّ مَطراً يَذوبُ في أحشَاءِ الأرضِ
فِيمَا الدَّوِيُّ يَعوي خَلفَ رَأسِكْ ...
قَذيفَة تَسقُطُ في الجِوَارِ
تَنثُركَ كمَا فَعلت السَّابِقة ...
لكِنَّك تَجمَعُك مُجَدَّداً مِنكْ ...
قَذيفَة تَنقرُ لحمَكَ
فَتَتَذكر جَنَاحَ عُصفورٍ يَشتَعِلْ ...
يَطيرُ العُصفورُ
والجَنَاحُ يَشتَعِلْ ...
ويَطيرُ
ويَشتَعِلْ ...
هي الحَربْ ...
5
هي الحَربُ
وَقتٌ لا يَكترِثُ بِمَا تُحِب ...
يَنفَجِرُ في رَأسِكَ نَاراً
وقَذَائِفْ ...
تَسرِقكَ مِن مِقعَدِكَ قُربَ النَّافِذَة
واستِمَاعِك المُطمَئِنِّ للمُوسِيقي ...
وتَسرقكَ مِن رَائِحَةِ النِّعنَاعِ
وألوانِ الوَردِ في الأُصُصِ المَنزِلِيَّةِ ...
وتَسرِقك مِن أورَاقِكَ
وصُوَرِكَ
ومَوجِ البَحرِ
وطُفولَتِكَ البَعيدَةِ
وأحَاديثِ المَقهَي ...

أنتَ الآنَ بَينَ كَفَّيكَ
تَكتبُ وَقتَك
عَلَّك تُنقِذك مِن صَخبِ القَذيفَةِ ...
تَستَدرِجُ التَّفاصيل إليكَ
والذَّاكِرَة ...
وتُمعِنُ في تَأملِ هَذا الوَقتِ
عَلَّك تَخرجُ مِنكَ دُونَ جُرحٍ
ويَخرجُ الجُندِيُّ مِن فَضَائِك
مُصَاباً باليَأسِ ...
والحَسرَة ...

الحَربُ مُحاوَلة الجُندِيِّ مَحو التَّفاصِيلِ
المُتَشكِّلَةِ بَينَ كَفَّيكَ أصوَاتاً
ومرَاياً ...
كلَّما اخترتَ الكِتَابَة
كي تَعبُرَ الوَقتَ بَينَ القَذائِفِ
حَياً ...