التربية والتعليم تعلن نتيجة مسابقة ال 20 ألف معلم لغة إنجليزية.. لينك رسمي للحصول على النتيجة.. والتنظيم والإدارة يكشف موعد التظلمات    محافظ الإسماعيلية يهنئ أوائل الابتدائية والإعدادية الأزهرية    رابط نتيجة مسابقة معلم مساعد مادة اللغة الإنجليزية.. استعلم الآن    وزير الري: ندير مواردنا المائية بحكمة وكفاءة لضمان استدامتها    حقوق الإنسان بمجلس النواب تستضيف رئيس الطائفة الإنجيلية وأعضاء الحوار المصري الألماني    عبد العاطي يؤكد ضرورة الحفاظ على السودان وصون مقدّراته    محافظ الفيوم يلتقي وفد الاتحاد الأوروبي لبحث سبل التعاون المشترك    كل ما تريد معرفته عن خدمات الأهلي فون كاش    مدبولي يتابع التوسع في مشروعات تحلية مياه البحر وتوطين صناعتها    مد مهلة توفيق أوضاع شركات التأمين مع القانون الموحد    إزالة 8 تعديات على أراضي أملاك الدولة في الشرقية    تمويل بالشريعة الإسلامية لتقليص الدين.. تفاصيل خطة الحكومة لطرح صكوك بضمان رأس شقير    وزير البترول يبحث مستجدات مشروع أبوطرطور لإنتاج حامض الفوسفوريك    بدء تسليم أراضي بيت الوطن المرحلة الثامنة التكميلية بالعبور الجديدة 22 يونيو    بينهم 53 راكبًا بريطانيًّا، ستارمر يعرب عن تضامنه مع أسر ضحايا الطائرة الهندية المنكوبة    القسّام: فجّرنا منزلًا تحصنت به قوة إسرائيلية يوم الجمعة الماضي    أنباء عن وجود مسؤول هندي سابق على متن الطائرة المنكوبة    انقطاع شامل للاتصالات والإنترنت في قطاع غزة    كوريا الجنوبية: بيونج يانج تعلق البث المناهض عبر مكبرات الصوت    صراع ناري على لقب كأس عاصمة مصر الليلة.. موعد مباراة سيراميكا والبنك الأهلي والقناة الناقلة.. مشوار الفريقين بالبطولة.. التاريخ ينحاز لكتيبة علي ماهر.. والقندوسي الغائب الأغلى    "شبهنا وكان نفسي من سنين".. مرتجي يطلق تصريحات نارية بشأن ضم زيزو    "كانوا بيلعبوا ب40 ألف بالضرائب".. نجم الزمالك السابق يثير الجدل بصورة الجيل الذهبي    ألكسندر أرنولد: أعيش حلم ولم أعد أتفاجأ بتتويجات ريال مدريد.. وسبب تغيير اسمي    مانشيني: أريد العودة لتدريب منتخب إيطاليا    أهلي جدة ينتظر موقف ميسي    3 عاطلين يكشفون تفاصيل قتل صديقهم بسبب 5 آلاف جنيه في العباسية    11مصابًا في حادث تصادم مينى باص وسيارة نقل بمحور الضبعة    ضبط 9 أطنان دقيق قبل بيعها في السوق السوداء    بعد واقعة نوال الدجوي.. متى تُقرر النيابة حفظ التحقيقات؟    "إيصال أمانة بدل العقد".. "قومي الطفولة" يعلق على واقعة عريس الشرقية    موعد عرض مسلسل "6 شهور" لنور النبوي على قناة ON    متحف الحضارة يحتفل باليوم الدولي الأول للحوار بين الحضارات    مطرب المهرجانات مسلم يتعرض لوعكة صحية بعد ساعات من دخول زوجته المستشفى    اليوم بالمجان.. عرض "بير السقايا" و"أسطورة الغريب" بثقافة قنا    فيلم ريستارت يسجل أمس 3 ملايين وإجمالى الإيرادات تصل ل 57.6 مليون جنيه    بدء التشغيل التجريبي لمستشفى طب أسنان طنطا الجامعي (صور)    "السبكي" يبحث مع "روش" إنشاء مركز لاستخدام قواعد البيانات الصحية والذكاء الاصطناعي    الصحة العالمية: رصد متحور كورونا الجديد في ألمانيا    قافلة مجانية للكشف عن الأورام ب مستشفى قويسنا في المنوفية السبت    بدء التشغيل التجريبي ل مستشفى طب أسنان طنطا الجامعي    قائد شرطة مدينة أحمد أباد يستبعد وجود ناجين من حادث تحطم الطائرة الهندية    مدير تعليم القليوبية لمصححى الشهادة الإعدادية: مصلحة الطالب أولوية عظمى    محافظ الإسكندرية يوجه بسرعة الانتهاء من تنفيذ المشروعات القومية بطريق الكورنيش قبل موسم الصيف    عبد الرحيم كمال رئيسًا للجنة تحكيم مسابقة ممدوح الليثي بالإسكندرية السينمائي    ننشر تفاصيل لقاء الهيئة البرلمانية لدمياط مع وزير الشباب والرياضة    تامر حسنى وديانا حداد نجوم أحدث الديوهات الغنائية    تصادم دموي بوسط الغردقة.. إصابة 5 أشخاص بينهم طفل في حالة حرجة    20 مليون جنيه مخدرات وسقوط 5 خارجين عن القانون.. مقتل عناصر عصابة مسلحة في مداهمة أمنية بأسوان    إسرائيل.. المعارضة غاضبة لفشل حل الكنيست وتهاجم حكومة نتنياهو    قرار جمهوري بالموافقة على محضر تشكيل مجلس التنسيق الأعلى المصرى السعودى    برئاسة السيسي وولي العهد.. تعرف على أهداف مجلس التنسيق الأعلى المصري السعودي    كل ما تريد معرفته عن نظام المنافسة فى كأس العالم للأندية 2025    أمين الفتوى يوجه رسالة لمن يفوته صلاة الفجر    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الخميس 12 يونيو 2025    مراد مكرم ساخرًا من الأوضاع والنقاشات في الرياضة: بقى شغل عيال    أنغام تدعو بالشفاء لنجل تامر حسني: «ربنا يطمن قلبك وقلب أمه»    حكم توزيع لحوم الأضحية بعد انتهاء أيام عيد الأضحى    آداب الرجوع من الحج.. دار الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إنها ثورة الدهشة
نشر في أخبار الأدب يوم 22 - 01 - 2012

إنه يوم الإقرار الضريبي، 25 يناير. يوم الوقوف في القاعة الضخمة لمصلحة الضرائب في مدريد.. تتطلع إلي شاشة الأرقام الإلكترونية، منتظرا ظهور رقمك، لتسرع إلي المنضدة التي تحددها الشاشة. ليس هناك ما يستدعي القلق أو محاولة التقاط الأخبار. عند الظهيرة، وحفاظا علي الروتين اليومي، تستكشف مستجدات الفيس بووك، موقنا بأنه لن يدهشك. لكنه اليوم، ولأول مرة، يفاجئك.
تأتيك الثورة عبر الفيس بووك، والقنوات الفضائية، ونتف الأخبار والجمل السريعة علي الهاتف.. الثورة هي صراخك البعيد أمام السفارة المصرية.. وتساؤلك إن كان موقعك هو موقع المتفرج، المتضامن، أم المشارك. فترغب في أن تكون مجرد مواطن يبحث عن الدهشة في أقصي معانيها. فتعود إلي القاهرة التي غادرتها قبل عشرة أيام، حين كان يتجمع في سمائها رائحة غامضة.
أين هي الشرطة؟ كيف تختفي من المطار؟ من هو المتحكم في هذه الماكينة الهائلة للداخلين والخارجين؟ هذه هي أسئلة فجر الأول من فبراير.. وهي الدهشة المفتقدة: طائرة خالية تحملك إلي القاهرة.. المئات ممن يفترشون أرضية وزوايا المطار.. ولأول مرة منذ ثلاثة عشر عاما، تاريخ هجرتك، لا ينتظرك علاء كمال. ينبهك أحد الموظفين إلي أنه من الأفضل الانتظار بالمطار لحين انتهاء حظر التجول.. لا يعلم أن ميدان التحرير لا ينتظر.
القاهرة التي لا تنام، خالية تماما هذه المرة.. فقط أنت وسائق سيارة الليموزين، سيارات الشرطة المحترقة علي الجانبين، بعض الدبابات، والكثير من اللجان الشعبية. أحد الشباب يتفحص أوراقك عند أول شارع عباس العقاد، يبتسم لك ويقول: (هو مش قالنا خدوا مصيركو بأديكو؟ هناخده بأيدينا.) عند هذه الناصية نفسها يدهشك منظر قسم الشرطة المحترق.. فتبوح للسائق بفرحتك.. في أن تجد المكان الذي حبست به محترقا.. مشهرا عقابه ومصيره.
عشاؤك المتأخر في منزل الأهل يخلو من "فراخ البانيه" المعتادة.. (الحمد لله).. تخبرك أمك بأنهم يحاولون تجويع الناس، عقابهم، وإجبارهم علي التراجع.. فتكتفي بقطعة الجبن والخيارة وبواقي الخبز.
تصيبك الدهشة من الشباب الذين مايزالون في أوائل العشرينات، ويخاطبونك بلقب "أستاذ"، ولأول مرة! هل أصبحت عجوزا؟ أحدهم يتطوع بتعليمك كيفية إلقاء الطوب ليلة موقعة الجمل. والآخر يحطم السور بدلا منك، لبناء المتراس.. وينتابه الخجل من تصديره لحقيقة أنه يتفوق عليك بدنيا.. تندهش من إحساسك بالغيرة من هؤلاء.. وتلعن حظك الردئ، الذي جعلك تعيش الثورة وأنت علي حافة الأربعين.. تتطلع لطلاب جامعة عين شمس، جامعتك، فتخجل من مفاصلك التي تؤلمك، وتندهش من لياقتهم.. فهم يفترشون الرصيف ويغادرونه دون تأوه..
تندهش وتفرح من اكتشافك لهذا الالتزام الدائم بالميدان، وبالصفوف الأولي، لأشخاص لم تتخيلهم هنا.. ولم ترهم قبلا علي هذه الصورة.. المخرج تامر السعيد، بين هذه الحشود، في حالة انسجام كامل معها. ومحمد عبلة يتجول دون تعب بالميدان، بابتسامة هادئة، ليتوقف من حين إلي آخر ليشارك الناس الذين لا يعرفهم شخصيا، لكنه يعرفهم جيدا، شايهم وحواراتهم.
مازلت قادرا علي الاستمتاع بالرغيف الطازة الحاف، الذي تتقاسمه مع هاني درويش، وأنتما سائران في وسط طريق السيارات المهجور، خارجين من الميدان، صباح يوم 3 فبراير. يندهش هو من وجود بائع الخبز، ويشاركك الدهشة من وسط البلد المحررة.. لتكتشفا أنكما، والجميع، قد امتلكتم كل البلد.
لم تعد مهاجرا.. ولم تعد غريبا... أنت هنا، والدهشة أنك مازلت من هنا.. منسجما مع هذه الحشود، ولا تشعر بالغربة تجاهها.. تردد معها كلمة "آمين" حين تصلي وتدعو في الميدان الذي احتلته.. تندهش من انتمائك لها ومن محبتك لصخبها.. لم يعد هناك أي سكون.. كيف يرون الميدان من طائراتهم الهليكوبتر؟ وعلي الأرض.. في كل لحظة حدث جديد وفعل جديد.. بعد السكون الكامل لعقود.. كنا فين وبقينا فين! تكتشف عبر الأيام والشهور بأننا "نعم نستطيع". ليس بطريقة أوباما في ال "يس وي كان" الشهيرة، والسطحية، لمجرد أن يحمل الناخبون رجلا أسود إلي الرئاسة، لأنه شديد البياض.. لكن "نعم.. نحن نستطيع" حقيقة، إحداث تغيير إجتماعي عميق، وعبر الشارع.
الثورة هي رفضنا لاعتياد رائحة الموت والبارود. هي احتفاظنا بدهشتنا تجاههما.. وبقدرتهما علي أن يدفعانا للفعل.. للحركة.. لإلقاء الحجارة، للصراخ، للإمساك بالكاميرا أحيانا.. لنتركها كي نتمكن من البكاء، ومسح دموعنا.. لنمرح بعدها بلحظات مع الأصدقاء، ونحتفي بالتفاصيل والنكات.
دهشة يناير 2011 هي كون الاستبداد لا يقاس بالترمومتر.. ودهشة يناير 2012 هي أن الترمومتر لا يمكن خلقه.. لا أحد يعلم درجة الغليان ولحظة الانفجار المدهش.
هي ثورة الدهشة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.