أيام ثقيلة تلك التي نعيشها الآن. فبعد أحداث ماسبيرو وشارع محمد محمود التي ظننا أنها تمثل أسوأ ما يمكن أن يفعله المجلس العسكري فينا جاءت الأيام القليلة الماضية لترينا أن المجلس باستطاعته مفاجأتنا بدفعنا إلي درك أسفل. لم أكن أتصور أن أجد نفسي أذهب لمشرحة زينهم للمرة الثانية في أقل من شهرين تضامنا مع ضحايا نظام تخيلنا أننا أسقطناه. ولم أكن أتصور أن أسير في نفس اليوم في جنازة شيخ أزهري معروف عنه الورع والعلم والعفة قتل برصاصة واحدة صوبت لصدره لدي تواجده في التحرير. ولم أكن أتصور أن ينتهي نفس اليوم بأن أشاهد مبني المجمع العلمي يحترق بمحتوياته الفريدة. وعلي قدر هول هذه الأحداث فإنها لم تزعجني قدر ما أزعجتني التصريحات الصحفية التي أطلقها اللواء عبد المنعم كاطو، مستشار الشئون المعنوية للقوات المسلحة يوم 19 ديسمبر، والتي اتهم فيها وسائل الإعلام بأنها متعاطفة مع متظاهري التحرير ومتساهلة مع "ولد صايع لابد أن يوضع في أفران هتلر". هذا كلام خطير لا يمكن السكوت عليه. انزعاجي الشديد من كلام اللواء كاطو له أسباب كثيرة سأذكر منها ثلاثة. أولا إن تلك التصريحات لم تأت من فراغ بل هي جزء من حملة إعلامية شعواء يديرها الإعلام الرسمي بهدف إقناع الرأي العام بأن بضعة مئات من متظاهري التحرير هم المتسببون في الأزمة الحالية بأبعادها الأمنية والاقتصادية والسياسية. وكما هو واضح الآن تهدف هذه الحملة لإقناع الرأي العام أيضا بأن الجيش هو من يحمي الثورة وأن الثوار ليسوا ثوار بل بلطجية مأجورين لا هدف لهم سوي هدم كيان الدولة. بل صعد الجيش من خطاب التخوين هذا بشروعه في توجيه الاتهامات بالعمالة والخيانة للمثقفين عندما اتهم محمد هاشم، صاحب دار مريت للنشر، بتمويل متظاهري التحرير. ثانيا، هناك بُعد طبقي واضح في خطاب المجلس العسكري وجوقة الإعلاميين التابعين له، فعلي عكس "الثوار الشرفاء" و"الورد اللي فتح في جناين مصر" الذين شاهدناهم في يناير، ينظر المجلس لشباب محمد محمود وقصر العيني علي أنهم مجموعة من البلطجية الذين لا يبغون مصلحة البلد ولا يمتون للثورة بصلة. وخطورة هذا الخطاب تكمن في استعداء الرأي العام وتأليبه علي فئة مهمشة لا ظهر لها، وتجهيز الناس لضرورة التخلص من هؤلاء "العيال الصيع" حتي يعم الأمن ويعود الاستقرار وإن استدعي الأمر قتلهم في وضح النهار. ثالثا، وهو الأهم، فإن قراءتي لتاريخ هتلر ونظامه النازي يجعلني أفزع أشد الفزع من أي شخص يتخذ من هذا السفاح نموذجا ويترحم علي أفرانه. فيجب أن نتذكر أن سياسة القتل الممنهجة التي انتهجها النازي بدأت عندما أنشأ هتلر "لجنة الرايخ لشئون الصحة الوراثية" عام 1936. هذه اللجنة اقترحت أن يتم التخلص من "حياة من لا يستحقون الحياة". وكان أول من طبق عليه هذه السياسة الأطفال المعاقون ذهنيا وجسديا. وكما هو معروف فإن المحرقة تطورت بشكل جنوني بعد هذه البدايات المحافظة، وبانتهاء الحرب العالمية الثانية كان أكثر من سبعة ملايين شخص قد هلك فيها. هذه المأساة بدأت عندما نجح النظام في حث المجتمع علي التخلص ممن "لا يستحقون الحياة"-- وهؤلاء كانوا أطفالا لا حول لهم ولا قوة، بالضبط مثل "العيال الصيع" الذين يتمني اللواء كاطو أن يرسلهم ل "أفران هتلر". يجب أن نطالب بمحاكمة كاطو علي تصريحاته النازية التي تنطبق عليها تهمة الحث علي الكراهية والتحريض علي القتل. ويجب علي الجيش المصري أن يتنصل فورا من هذه التصريحات التي أدلي بها ضابط يعمل في إدارة الشئون المعنوية للقوات المسلحة. وإن لم يفعل ذلك فسوف ننزل لميادين التحرير حتي يعود الجيش لثكناته _ و لصوابه -- وحتي نمنعه من أن يسوقنا للحرق في أفران هتلر.