لم يكتف المجلس العسكري بزجر إحدي ضيوفه بل استدل علي "الحقائق التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا خلفها" بعرض فيديوهات لمأجورين أرادوا زعزعة الوطن، والطريف أن صبياً، وهو أحد شهود "الحق" تحدث عن المحرّضين الذين أمدوا المتظاهرين بخوذات وكمامات وأطعمة، مشيراً، يا للغرابة، إلي محمد هاشم ودار ميريت، ووجه الغرابة أن يعرف هذا الصبي دار ميريت واسم صاحبها، وهناك سؤال يجب طرحه الآن: هل يلجأ المجلس العسكري إلي تصفية الثوار، فيبدأ بصب لعناته علي حركة 6 ابريل ثم يتجه نحو المثقفين الآن؟ هل يعرف المجلس العسكري الذي يتبع سمة أسلوبية يتميز بها وقد شاهدناها في مسرح البالون ومذبحة ماسبيرو وشارع محمد محمود وفك اعتصام مجلس الوزراء قيمة دار ميريت الطليعية علي مستوي الثقافة؟ أو دور صاحبها في الثورة المصرية التي كانت بيضاء (وصارت حمراء ثم سوداء وبنسر)؟ وكيف يقيّم المثقفون الخطاب العسكري؟ سألت الروائي حمدي أبو جليل والفنان التشكيلي عادل السيوي والشاعر والناشط الثقافي شعبان يوسف والروائية وأستاذة الأدب الإنجليزي سحر الموجي. أبو جليل وصف اتهامات المجلس العسكري علي لسان الصبي بأنها "سخيفة" وأضاف:"وهي تعني أن أمن الدولة لا يزال يعمل وأن المجلس لا يحمي الثورة" بل وأبدي دهشته من أداءات المجلس العسكري قائلاً:"نظام مبارك لم يتهم هاشم بهذا الاتهام رغم أن ميريت كانت مقراً لحركة كفاية وفنانين من أجل التغيير". ولفت أبو جليل إلي أن:"الاتهام يعني أن المجلس بمعاونة الإسلاميين قد قرر القضاء علي الثوار وتصفيتهم، هؤلاء الذين ضحوا من أجل الثورة". صاحب "الفاعل" لا تضايقه التهمة، بل وصفها بأنها جريمة ومحاولة لتصفية المثقف محمد هاشم، ويؤكد:" كانت ميريت مركزاً للمثقفين أثناء الثورة ودعمت الثوار بكل ما تملك من مبيت لطعام، وكان هاشم وأسرته يخدمون الثورة والثوار". أما الاتهام فوصفه بأنه "عبيط ولا يعني شيئاً، ولا يؤثر سوي علي المواطنين الأغبياء". وختم بقوله:" أعتبرها محاولة لتشويه هذا المكان الكبير والعظيم، معقل معارضي النظام". الروائية سحر الموجي تري أن:" محمد هاشم رجل أعمال لا يتصرف من منطلق أنه رجل أعمال، دليل ذلك أنه قدم الكثير من الكتاب المهمين، وأثناء الثورة استقبل الثوار في داره". ووصفت أداءات المجلس بأنه:"هذيان وتصرفات هيستيرية وفقدان كامل لرؤية المشهد ورؤية أنفسهم أولاً". "إنه هذيان ما قبل الموت" قالت. سألتها إن كان ذلك يحمل نية تصفية المثقفين؟ أجابتني:"إنهم لا يستطيعون فعل ذلك، ومهاجمة محمد هاشم ليس إلا مسلسلاً يشبه مسلسل علاء عبد الفتاح، بنفس السذاجة". الشاعر شعبان يوسف، يري أن:"العدوان علي محمد هاشم بمثابة عدوان علي مساحة مهمة وطليعية في الثقافة المصرية، وبالطبع لن يدركها سوي أنبل وأطهر وأوعي أبناء هذه الأمة". ويضيف يوسف:" محمد هاشم، الناشر والمثقف والدور، قدم نموذجاً فريداً واستثنائياً في الثقافة المصرية، ونال تقديره من كافة المثقفين المصريين والعرب الكبار وقائمة الكتب المنشورة للدار تنطق بذلك، ومثقف وناشط بهذه الدرجة من الجدية كان لابد أن يلعب دوراً محورياً في الثورة المصرية، ولم يبخل بجهده ولا وقته رغم علته الصحية وجسده النحيل، وكانت داره بيتاً لكل المثقفين الشرفاء الذين تواجدوا كتفا بكتف في ميدان التحرير ويصف شعبان يوسف محمد هاشم بأنه:" يمثل أعلي نقطة حرية في هذا الوطن". الفنان التشكيلي عادل السيوي رد علي مكالمتي ضاحكاً، قال إنه :"لا يجد رداً مناسباً علي اتهام المجلس لهاشم سوي أنه عبث". وأضاف:" لا يمكن أن أرد بشكل جاد علي عبث". السيوي وجد نفسه في حل عن الدفاع عن هاشم ودار ميريت، فدورها الثقافة المصرية "معروف" بعبارة السيوي. "سيكون تحصيل حاصل أن أقول إنها ساندت المعارضة، وحركة كفاية، وفنانين من أجل التغيير". لكنه وجه كلمته ساخراً إلي هاشم:"إنهم يعلّمون المثقفين بالضفائر، من فضلك قص ضفائر زوارك حتي لا يتم التعرف عليهم". وأضاف:"بأية طريقة يمكن أن أرد علي عبث المجلس العسكري إلا بعبث آخر؟ هل أضيف شيئاً إن قلت إن المجلس العسكري ضد الثقافة؟ أعتقد أن هذا واضح وليس بحاجة إلي تأكيد". استشهد السيوي بحكاية ليوسف شاهين، يقول الفنان التشكيلي:" كانوا يتهمون شاهين بأنه عميل، فكان في البداية يدافع عن نفسه، مع مرور الوقت وجد أن رده إتهاماً في حد ذاته، فقرر أن يرد علي العبث بعبث آخر، وكلما اتهموه بالعمالة، كان يرد: آه انا عميل، تشتغل معايا؟" وختم كلامه بقوله:"محمد هاشم أكبر من أن ادافع عنه ضد شاب من المفترض أنه لا يعرف دار ميريت، فهي لم تدخل ثقافته أصلاً".