يفتش بعينيه هو يقف علي المحطة عن 88...... يضع يده في جيبه دائماً. يقبض لا إراديا علي النصف جنيه لئلا يقع من جيبه الذي لا يأمن له أبداً. أتت الحافلة من بعيد... يجري وراءها... يصطاد الحافلة -ما توقف يا أسطي.. هي دي مش محطة (تصيح النساء بالداخل) -مابقفش في محطات -امال بتقف فين..؟؟!! فرد السائق في اشارة قبيحة: بقف لما أعوز تعلق بجانب الباب. وأحس بالأمان للحظة.. لم يكد يمد يده ليخرج النصف جنيه ويعطيه للكمساري، حتي شعر فجأة بسخونة ما تحت قدمه، نظر أسفله فوجدها حافية وفردة شبشبه قد وقعت في الطريق والحافلة تنطلق... ..منذ عشرين عاماً وفرت، رحلته- من محكمة شمال الإبتدائية إلي القلعة حيث يسكن - مكاناً للتفكير.. الآن لا يريد أن يجلس، فقط يغتبط إذا وجد مكانا يقف فيه. تعودت الشمس أن تلهب صلعته السمراء، وتعمي عينيه. يقف علي طرف الرصيف، يفتش بعينيه عن الحافلة 88... فإن فوتها ,فعليه أن ينتظر ساعتين حتي يأتي 88 جديد. -أستني يا اسطي.. استني يا باشمهندس صاح راجياً لكنه وجد الحافلة تنطلق أكثر فأكثر... رد الكمساري -أحسن حاجة تطلعله قدام وتقوله ينزلك صارع الظهور والمؤخرات.. الحافلة مكتظة مثل علب اللحم البقري.. - ما توقف يا أسطي.. فردة شبشبي وقعت في نص الشارع كبح السائق الحافلة فجأة وصاح: -أنزل يا أخي... ربنا يتوب علينا من أشكالكم الوسخة نزل، لم يفكر أن يعيد السباب إلي السائق، يعرف أنه لن يستطع مجاراة السائق في فن السباب، حفظ كرامته،تعلم أن يحمل ظهره كثيرا من المهانة.. من مركز نور علم أنه في(باب الشعرية)، يجري بلا هدف يقفز علي الأسفلت الحار كالغراب أقصر طريق اروح بيه للظاهر منين يا بني؟ عايز تروح فين بالظبط؟! لا دا أنا بدور علي حاجة وقعت مني بتدور علي أيه،يا حاج؟ فردة شبشبي يا ابني يضحك الشباب منه ومن قدمه الحافية ويندم أنه سألهم ويهمس في سره بعد أن يتركهم :بتضحكو علي أيه يا ولاد القحبة !!!. وجدها راقدة علي رصيف المحطة بعد أن أنهكه التعب...طار فرحا بها.. لبسها بسرعة..كاد يموت فرحا عندما وجد 88 آخر يدلف من مقدمة الطريق.. وضع يده في جيبه..فتذكر أنه دفع كل النصف جنيه ل88 السابق.. مرت الحافلة من أمامه. لم يستطع أن يركب بها. جلس علي الرصيف ليستعيد أنفاسه قبل أن يستأنف رحلته إلي بيته في القلعة ولكن تلك المرة علي قدميه.