نجيب محفوظ كان من جمهور ام كلثوم. الجمهور الذي لم تتعوده هي نفسها بين قري الفلاحين وغير الجمهور الذي اعتاد ان يسمع الطرب والغناء في القاهرة، إنه جمهور السوريين والأفرنج ثم الشباب المثقف من أولاد الاعيان وأثرياء الزراعيين في الريف.. وهو في حقيقته جمهور الطبقة الوسطي في المدينة وهي كما يقول فتحي غانم:".. الطبقة التي بدأت تنمو وتتسع مصالحها في مصر. ونحن نعلم اليوم ان الطبقة الوسطي هي التي زاملت أم كلثوم في صعودها الفني وهي جمهورها المخلص حتي الآن فمنذ جاءت أم كلثوم إلي القاهرة ابتعدت نهائيا عن طبقة الفلاحين الأجراء إلا في أغانيها ذات المعاني القومية أو الاشتراكية التي تمس مصالح هؤلاء..."والبداية من الريف والانتهاء بالبرجوازية الصغيرة الصاعدة في العاصمة هو الطريق الذي سار فيه كل أبطال هذا العصر: من طه حسين وعلي عبدالرازق مرورا بسعد زغلول وحتي أم كلثوم.. كانت رحلات صعودهم علامات هذا العصر ومؤشره الفكري في حين ظلت مصانع القيم المتصارعة علي هوية مصر بين الشرق القديم والغرب المنتصر.. تعمل بقوة وعنف.نجيب محفوظ اسمي ابنته علي اسم ام كلثوم. يحب صوتها و خاصةالاطلال.لكنه ايضا كان من عشاق صوت منيرة المهدية.شاهدها و استمع اليها مرتين .وكان هو وزميله الشابين الوحيدين بين جمهور"السلطانة " في حفلها الاخير. انتصرت ام كلثوم مطربة الجيل الجديد وقتها.وصوت الشبابا. محفوظ اصبح من عشاق موعدها الشهري اولا في مسرح الماجستيك ثم الازبكية..بعد ذلك اكتفي براديو المقهي ومع كل هذا الحب لم يعرف نجيب محفوظ ام كلثوم معرفة شخصية ولم يتحدث اليها مباشرة الا مرة واحدة فقط ..كما يحكي لرجاء النقاش:"..ذلك في الحفلة التي اقامتها جريدة الاهرام لتكريمي بمناسبة بلوغي سنالخمسين من عمري سنة 1961.حيث اتصل بها الاستاذ محمد حسنين هيكل وعرض عليها حضور الحفلة فوافقت بدون تردد.وكانت مفاجاة لي لانني لم اتوقع ان يكون لها اهتمامات بالقصة او الرواية..وكنت اسمع الكثر عن ثقافتها و اهتمامها بالشعر ..ولم اتخيل ان توافق علي المشاركة في احتفال ادبي خالص..". الاحتفال تم في الدور الخامس بالاهرام حيث نفذت فكرة هيكل العبقرية بتجميع نجوم الادب و الفكر و الثقافة من اليمين الي اليسار و من توفيق الحكيم الي ثروت اباظة..ومن لويس عوض الي غالي شكري..ويوسف ادريس. هل كانت محاولة " تكريم" ام " تاميم"..؟! ربما كلاهما. تكريم النجوم. وتاميمهم لصالح الثورة.ونظام عبد الناصر.الذي كان هيكل اقوي رجاله.اتاح لهم حرية بنفوذه الشخصي.لكنه لم يساهم في وضع قواعد حرية النشر. المهم ان نجيب محفوظ في هذا الوضع انتقل من عصر الموظف الي النجم الثقافي. وهناك زامل توفيق الحكيم الذي ارتبط به وجدانيا و روحيا وعاش معه سنوات طويلة مثل ظله...من مقهي اللواء في مواجهة البنك الاهلي..الي ركن الحكيم في مقهي اختاره نجيب محفوظ في الاسكندرية اسمه بترو . ويحكي محفوظ لرجاء النقاش:"..كان ركن الحكيم يؤمه الباشوات و الاقطاعيين من المهتمين بالثقافة و الادب..وعندما انضممت اليهم شعرت بتحفظهم نحوي و خوفهم من وجودي ولاحظ الحكيم ذلك فحاول ازالة هذه التحفظات والمخاوف ونجح في ذلك..واصبحت من اعضاء الشلة ودخلت في نسيجها الانساني واخذنا نتبادل الضحك و المزاح..وبعد الثورة استمرت لقاءات شلة الحكيم و اصبح روادها من الباشوات السابقين وكنت استغل تحفظهم في احاديث السياسة لاداعبهم و اسخر منهم.." تعلم محفوظ من الحكيم فكرة الندوة.والموعد الاسبوعي.منه عرف اجيالا جديدة.تمردت عليه و اعتبرته" راهب" قديم للصنعة. وهو ظل كذلك. اسطي ..تتمرد عليه الاجيال الجديده لكن عصره مستم. وخارج حدود الادب هو صاحب معجزة الاعتراف من الغرب بحصوله علي جائزة نوبل.الغرب الجبار اعترف برجل بسيط يسكن في العجوزة علي النيل و يعيش عيشة الموظفين .معجزة انبهرت بمحفوظ لكنها لم تقترب من افكاره .لم تمر فكرة واحدة من افكاره لا الايمان بالعلم و لا الرغبة في التقدم.بلغت شهرة محفوظ مدي عظيم لكنه ظل مثل طه حسين صاحب معجزة .مجرد صاحب معجزة.في نظر غالبية لم تدخل ثقافتها الشخصية في جدل مع افكاره.استقبلته معجزة.كما استقبلت طه حسين .ربما تكون افكار نجيب محفوظ خدشت بعض الافكار العمومية.لكنه استمر محفوظا في ركن المعجزات. وهذه كارثة. محفوظ اصبح من عشاق موعدها الشهري اولا في مسرح الماجستيك ثم الازبكية..بعد ذلك اكتفي براديو المقهي ومع كل هذا الحب لم يعرف نجيب محفوظ ام كلثوم معرفة شخصية