اشتري أبو عزمي حصة في بيت مواجه لبيتنا، باعه صاحبه جزءًا جزءًا بعد موت والده لينفق علي زوجته وأولاده ، فقد أغلق دكان الحلاقة الذي يمتلكه وتفرغ للعفاريت التي ركبته وفرضت عليه ارتداء البياض ولبس الغوايش الفضية في ذراعيه،والبعد عن مهنة الحلاقة وأدواتها . سكن أبوعزمي حجرتين،واحدة في الداخل والأخري تطل علي الشارع، بينما الحجرة الثالثة المتبقية تسكنها عزيزة وهي امرأة صعيدية بيضاء، علي درجة ليست قليلة من الجمال،كثيرة الشجار والتهديد بالاستعانة بأهلها الذين يأكلون اللحم نيئاً،وترمي من تتشاجر معهم بالطوب والزجاجات الفارغة التي تملأ بها شرفتها دائما. جاءت عزيزة إلينا وحكت عن جارتها الجديدة أم عزمي قالت إنها تحب شابا يسكن غيط العنب اسمه " سيكا "، وأن زوجها ترك سكنه وجاء إلي هنا واشتري هذه " الحصة " في البيت ليبعد زوجته التي يحبها بجنون؛ عن ذلك الشاب ، لكنه مازال يأتيها في غياب زوجها، وقد رأتها عزيزة تنحني له ليضربها علي مؤخرتها الممتلئة سعيداً .وذلك ما جعل عزيزة تعرف أنه " سيكا " عشيقها؛فقد سمعت عنه من قبل أن يأتوا ويسكنوا البيت.وعندما اكتشف الزوج أن " سيكا " مازال يأتي إلي زوجته؛بعد أن ضحي واشتري هذه الحصة في البيت، تشاجر معها، ثم بكي واسكب الجاز علي رأسه وملابسه واشعل النار في نفسه،ثم مات في المستشفي نتيجة لذلك . لم تطرد عزيزة سيكا عندما رأته من خلال ثقب الباب المشترك بين حجرتها وحجرة أم عزمي، مع إنها قادرة علي ذلك ، والبيت كله والشارع أيضا سيساندها في قراراها هذا ،لكنها فكرت وأدركت أن وجود علاقة مثل هذه ستجعل أم عزمي ضعيفة أمامها،وفي وقت اللزوم ستضغط عليها.وحدث ما توقعته وحسبت حسابه ، فهي تتحملها الآن وتتقرب منها متوددة إليها وتُكثر من إعطائها الأشياء دون مقابل . ودارت عزيزة في البيوت تحكي للنسوة ما يفعله " سيكا " بأم عزمي حتي عرف الجميع أن للجارة الجديدة عشيق اسمه " سيكا " ،لكنهم لم يروه . جاء شاب ذات ليلة،لا ندري في أي وقت حدث هذا،فقد أيقظنا صوته العالي، خاصة أنه كان يتحدث وهو مرتكن علي حائط بيتنا ،كان سكراناً وحزيناً وغاضباً : - استيقظي يا بديعة، استيقظي لقد اعطيتك كل شيء،شبابي وكل ما امتلك ، وأنت لم تعطني شيئاً . ظل الصوت يعاتب بديعة التي لا نعرفها،ويحكي عما دار بينهما من أشياء : دخولهما سينما النيل،واللب السوداني الذي أكلاه معا ، حتي المناديل وزجاجات العطر وأدوات التجميل التي كان يشتريها لها ، ثم حكي عما أدي إلي غضبه منها ، فقد طردته بالأمس من بيتها،تخاصما،غضبت عليه،قالت له : " لا تأتي ثانية " ربما لم تكن جادة فيما قالته،أو ربما كان دلالاً وثقلاً منها . أطال في حديثه ولا أحد يرد عليه،والجو كان بارداً للغاية،لم يخرج صنف مخلوق ليطل من النوافذ أو الشرفات لمتابعته ، أو السؤال عما يريد ، الكل تابعه من فوق الأسرة وتحت الأغطية الدافئة. سألتٌ عن بديعة هذه ،قالت زوجتي إنها لا تعرف واحدة بهذا الاسم .قالت ربما أنه سكران ويخرف ويأتي باسماء من عنده ، أو بينه وبين بديعة هذه شيء، لكنه أخطأ الشارع الذي تسكنه بسبب سكره . وفوجئنا بعزيزة تفتح باب شرفتها في عنف حتي كادت تكسر زجاج الباب وتصيح : - وبعدين يا " سيكا " ، كفاية بقي الناس نايمة . كشفت عزيزة المستور،صعب عليها أن يمر المشهد دون أن يعلم الجيران بمن يقصد ذلك المحب العاتب الولهان،الكل يعرف عن طريق عزيزة أن الساكنة الجديدة لها عشيق اسمه " سيكا " ،كان يبيع السمك والسردين في غيط العنب،والكل يعلم أن الساكنة الجديدة اسمها أم عزمي ، بديعة اسم لا تعرفه سوي اسرة المرأة وجارتها عزيزة،كما أن ذلك العاشق طوال حديثه لم يشر إلي اسمه ، وإن كان ذكر شيئاً عن عمله عندما ذكّرها بكميات السردين التي كان يأتي بها إليها ويصر علي ألا يأخذ ثمنها . وأحست أم عزمي أن أمرها انكشف ، فقد كانت تضع يدها علي قلبها خشية أن يكشف العشيق عن اسمه فيعرف الجيران إنها المقصودة بما يقول ، وتوسلت إلي ابنها عزمي وهو شاب الآن بأن يتجاهل ما يحدث ، فتدخُّله سيكشف عن شخصيتها . لكن مادام الكل قد عرف فلابد أن ينتهي هذا المشهد المثير. فخرج عزمي ممسكاً بسكين كبير وطارد " سيكا " الذي أسرع إلي غيط العنب،ثم عاد عزمي إلي أمه.سبها وأعاد عليها كل ما فات،تحديها للجميع واصرارها علي علاقتها بهذا الشاب مما أدي إلي موت أبيه،بينما لوحت عزيزة من شرفتها إلي النسوة الكثيرات اللآتي خرجن إلي النوافذ والشرفات يتابعن ما سيحدث.