ينزّه أدونيس (السيد الرئيس)عن كل ما يحدث حوله من موت ومجازر، يصعد به إلي "زمن السماء الجمعي والإلهي" طاقة استثنائية، وقوة كلية قادرة علي صياغة الأفق. ليس ثمة إدانة للرئيس (المنتخب)!! وحدها الحاشية - في رأي أدونيس- هي الملوثة أيديها (الحزب)، (الطوائف)،(العشائر)، (وقوي المعارضة) أيضاً.. هؤلاء هم -وحدهم- المدانون القتلة، أما الرئيس، فأقصي حدود خطئه، إذا كان يخطئ بالفعل، هو غفلته عمّا يحدث حوله من جرائم!! رؤية قديمة جداً ومتهالكة شغلت مبدعي الخمسينيات والستينيات علي الأغلب، حيث إدانة الحاشية وتبرئة الحاكم، لكنّ أدونيس يضيف أيضاً ابتكاراته، فإلي جانب إدانته الصريحة للحزبيّة والطائفية وقوي المعارضة السورية، يدين أدونيس الشعب بأكمله، حين يغلق أفق الديمقراطية (الديمقراطية التي لم يعرفها العرب في تاريخهم الحديث والقديم، لم يعرفوها سياسياً ولا ثقافياً. لقد كانت دائما خارج التراث الثقافي)!! لايتحدّث أدونيس عن (ثورة) أو (انتفاضة) أو (يقظة) أو حتي (غضب) داخل سوريا.. لا يتحدّث عن قتلي، أو جرحي، أو حتي نازحين خارج الحدود.. ليس بإمكانه الالتفات إلا لحديث الملك.. رسالة أدونيس إلي الرئيس بشّار الأسد أشبه بعريضة الشكوي إلي الملك في مسرحية سعد الله ونوس (الفيل يا ملك الزمان).. "الفيل يا ملك الزمان.. يقتل البسطاء، ويهدم البيوت، ويكسر النخيل، ويدوس الزرع.. ويظهر الموت إذا بان".. هكذا أيضاً يشكو أدونيس: (الفيل ياسيادة الرئيس)، (الحزب ياسيادة الرئيس)، (الطائفية ياسيادة الرئيس) !! شكوي أدونيس دون قدرة علي قراءة التاريخ، ودون قدرة علي قراءة الواقع، حيث (السيد الرئيس) هو التجريد الرمزي الأعلي لقوي الطائفية والحزبية والعشائر، وحيث لا يُمكن إدانة النظام دون إدانة رأسه.. هذا أيضاً ما أدركه سعد الله ونوس في مسرحية (الملك هو الملك).. فالملك يقيناً هو أدواته ورموزه، عرشه وصولجانه وحتي ثيابه، هكذا كانت لافتة المسرحية (أعطني رداءً وتاجاً، أعطك ملكاً).. الملك هو كل رموزه، وأي محاولة لإغماض العين عن تلك الحقيقة هي نوع من الاستلاب، أو نوع من التواطؤ.. ولأن أدونيس ليس سهلا استلابه، فالمؤكد تواطؤه!!.. ليس بالإمكان تبرئة الرئيس أو تنزيهه.. وما من حل في نهاية مسرحية سعد الله ونوس سوي (التهام الملك).