وزيرة التضامن تشهد احتفالية تخرج طالبات كلية رمسيس للبنات    تأخر وصول الرحلات الأوروبية بسبب عطل سيبراني وتعليمات هامة للمسافرين    84 شهيدا بنيران جيش الاحتلال في غزة منذ فجر اليوم    أوروبا المخترقة.. مطار بروكسل يعلن إلغاء نصف الرحلات بسبب هجوم سيبرانى    عاجل- ضابطة أمريكية سابقة: واشنطن «خانت قطر» وما يحدث في غزة إبادة جماعية مكتملة الأركان    مودريتش يقود ميلان أمام أودينيزي في الدوري الإيطالي    فياريال يصعد للمركز الثالث بالدوري الإسباني بعد فوز مثير أمام أوساسونا    ناشئات اليد يهزمن أنجولا فى نصف نهائى بطولة أفريقيا    خريف 2025, الأرصاد تكشف عن المناطق المهددة ب السيول    سرقة الإسورة الذهبية.. الأعلى للآثار يكشف مفاجأة: معمل الترميم كان بلا كاميرات    هذا هو موعد عرض فيلم هيبتا 2 المناظرة الأخيرة    طليقة أحمد مكى ل"كلمة اخيرة": "هيفضل عندى أغلى من الياقوت.. وشوفت منه كل خير"    فؤاد عبد الواحد وأميمة طالب في حفل مشترك بالسعودية    سامسونج تطلق الدورة السابعة من برنامج «الابتكار» لتأهيل الشباب المصري رقمياً    كارول سماحة تفجر مفاجأة عن وفاة زوجها وليد مصطفى    «نور مكسور».. بداية مشوقة للحكاية الأخيرة من مسلسل «ما تراه ليس كما يبدو»    «تنسيقي محافظة الأقصر» يبحث استعدادات تنفيذ التجربة «صقر 162» لمجابهة الأزمات والكوارث    سوريا.. قسد تستهدف بقذائف الهاون محيط قرية شرق حلب    زمالك 2009 يهزم المقاولون العرب بهدف نظيف في بطولة الجمهورية    رئيس النواب الأمريكي يحذر من كارثة ستواجه بلاده مطلع أكتوبر المقبل    أنغام تطرح أحدث أغانيها بعنوان سيبتلى قلبى بتوقيع تامر حسين وعزيز الشافعى    اللواء إبراهيم هلال ل"الساعة 6": حل القضية الفلسطينية يحتاج قرارات مُلزمة    "فستان قصير وجريء".. مي عمر بإطلالة جريئة    مواقيت الصلاة اليوم السبت 20سبتمبر2025 في المنيا    عالم أزهري يوضح سبب ذكر سيدنا إبراهيم في التشهد    على هامش فعاليات مؤتمر ومعرض هواوي كونكت 2025.. وزير الصحة يلتقي مسئولي «ميدبوت» للتعاون في تطوير التكنولوجيا الطبية والجراحة الروبوتية ( صور )    وزير الري يتفقد الموقف التنفيذي ل"مشروع تنمية جنوب الوادي" في أسوان    وزير فلسطيني سابق: إسرائيل لم تعد تتمتع بدعم حقيقي سوى من ترامب    بمشاركة رامي ربيعة.. «هاتريك» لابا كودجو يقود العين لاكتساح خورفكان بالدوري الإماراتي    نقابة "العلوم الصحية" تنظم حلقة نقاشية مع الخريجين والطلاب    تجديد حبس البلوجر محمد عبد العاطي 45 يوما لنشره فيديوهات خادشة للحياء    محمود محيي الدين: يجب أن يسير تطوير البنية التحتية التقليدية والرقمية جنبًا إلى جنب    غياب عربي عن القائمة.. تعرف على أكثر الدول طلبًا لتذاكر كأس العالم 2026    «الصحة» تبحث التعاون مع مستشفى رينجي الصينية بمجالات التكنولوجيا الطبية    بطلق ناري في الظهر.. الأمن يكثف جهوده لكشف لغز مقتل خمسيني بطما    أكاديمية الشرطة تنظم دورة لإعداد المدربين في فحص الوثائق    9 كليات بنسبة 100%.. تنسيق شهادة قطر مسار علمي 2025    لتحسين البنية التحتية.. محافظ القليوبية يتابع الانتهاء من أعمال رصف الطرق بمدن المحافظة    المجلس التنفيذي لمحافظة أسوان يوافق على تخصيص أراض لإقامة مشروعات خدمية وشبابية وتعليمية    الدوري الإنجليزي.. محمد قدوس يقود تشكيل توتنهام ضد برايتون    مؤتمر فليك: سنحضر حفل الكرة الذهبية من باب الاحترام.. ويامال سيتوج بها يوما ما    "بحضور لبيب والإدارة".. 24 صور ترصد افتتاح حديقة نادي الزمالك الجديدة    محافظ الأقصر يكرم عمال النظافة: "أنتم أبطال زيارة ملك إسبانيا" (صور)    «الكازار» تعتزم إطلاق مشروعات جديدة بمجال الطاقة المتجددة في مصر    تحت شعار «عهد علينا حب الوطن».. بدء العام الدراسي الجديد بالمعاهد الأزهرية    موعد صلاة العصر.. ودعاء عند ختم الصلاة    بالصور.. تكريم 15 حافظًا للقرآن الكريم بالبعيرات في الأقصر    سؤال برلماني لوزير التعليم بشأن تطبيق نظام البكالوريا.. ويؤكد: أولادنا ليسوا فئران تجارب    فيديو قديم يُثير الجدل بالشرقية.. الأمن يكشف كذب ادعاء مشاجرة بين سيدتين    وزير الصحة: توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات الطبية    المرحلة الثانية لمنظومة التأمين الصحي الشامل تستهدف 12 مليون مواطن    طريقة عمل العيش الشامي في البيت، توفير وصحة وطعم مميز    كتائب القسام تنشر صورة وداعية للمحتجزين الإسرائيليين    القومي للمرأة ينظم لقاء حول "دور المرأة في حفظ السلام وتعزيز ثقافة التسامح"    كسوف الشمس 2025 في السماء.. تفاصيل موعد البداية والنهاية ووقت الذروة (الساعة)    «الداخلية»: ضبط 3 متهمين بالنصب على صاحب محل بانتحال صفة بالقاهرة    مدير مدرسة بكفر الشيخ يوزع أقلام رصاص وعصائر على تلاميذ الصف الأول الابتدائي    دعاء كسوف الشمس اليوم مكتوب كامل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أطياف هولدرلين
إلي عبدالغفار مكاوي
نشر في أخبار الأدب يوم 08 - 01 - 2011


الفرار من جديد
يداك مرفوعتان في الأحلام
فيما صوتُك يُحشرج
لقد ضِقتَ ذرعاً
بالليل وبالنهار
وتقلّبت علي الجمر
ولم يعد بوسعك أن
تركضَ صارخاً
أو أن تغمضَ العينين ساهماً
مفكّراً بالعالم الذي يجيء.
لم تعد تغنّي زهرة الحياة
ولا طافت الأحلامُ في خِلدك
لتسهر علي ضوء الشمعة
فحملك ثقيلٌ والفرارُ جارك
تلوحهُ قدماك بين فينة
وأخري.
دنت الكلمات مني
فيما كان النومُ عندي
ويدي التي أمسكت بالقلم
جرّها النداءُ ولم تكتب
فكلّ اشارة تودّها
هي أحرفٌ تلوحُ ثم تختفي.
دنت الكلماتُ منّي
لكن الرهان شدّها
فسارت هناك
حيث يسكنُ اليقينُ في البراري.
مازلتَ تسيرُ
لم تعُدْ تأتي إلي النوم
تركنُ حالَك، صامتاً
تنأي بنفسك عن ثقيل الأمور
لكي تغفو
وتطيرَ في الأحلام
هرباً من الأفعي،
هرباً من الذئب
الذي يطردك من النوم
لتري كم أن الحياةَ
مازالت تسيرُ
وأن الصبحَ لم ينجل!
واليومَ، ها أنتَ، تعودُ لتري ذاتك
وقد ذاقت مرارة الأشياء
وضاقت ذرعاً بكلّ شيء
تجلدُ نفسك معاتباً
وتصمتُ متوهماً بأن الآلامَ
ستخمدُ ولكن عينيك
تبصران الأسي في ثمالة
الكأس، في الريشة الطائرة
وتنظران حيرةً هناك
أو هنا
لكي تستعيدَ من جديدٍ
طرف الحكاية بلا أحلامٍ
ولا طيران!
أراد أن يكون له معني
كان له أن يعودَ إلي رُشْدهِ
ويري الحكمةَ التي كانت له، وقد راحت
فخرّ حَيْلَهُ وتناهت الأصداءُ إليه
كان عليه أن يقومَ
واضعاً تذْكار الحياة
نصْبَ عينيه
وفيما لاحت له التفاصيلُ
في الأحلام
جرّ نفسه ككلبٍ أعرجَ
إلي زاوية واستراح!
أرادَ أن يكون له معني
لكن التفاصيلَ جرّدته من المعني
أرادَ أن يُلقي عصا الترحال
ويُمعن في الفراغ
ولكن التفاصيلَ لم تترك
له مكاناً يأوي اليه
فخرّ علي سرير الجمر
وتأمّل السقفَ طويلا.
قلبهُ المعنّي يضجّ نبضاً
ورأسه طافحٌ بالأوهام، بالخيالاتِ
فيبقي سارحاً، ملاحقاً أطراف
الشرود إلي النوم
حتي يصيحَ الديكُ، فينهضَ من
جديد، باحثاً عن رشْده
عن الحكمة التي كانت له
عن المعني، في القلبِ المعنّي!
ديدنهُ أن يسير
قالَ كلماته القليلةَ دفعةً واحدة
تأمّل المشهدَ الساطعَ
وضمّ يديه دلالةً علي الخاتمة.
رأي الزمانَ، كيفَ يعبرُ الوجوه
وينفض الأغصان
رآه منحنيناً يقطعُ دابرَ الإحساس بالزهو
بالركون إلي العالم الأمين
رأي الصورةَ تصفرّ أو تتكسّر
ورأي الأخاديد وهي
تُوشمُ الأمرَ الذي كان لديه.
النهايةُ الملقاةُ أمامه
يعرفها جيداً
ورغم هذا، سارَ وكأنها
لم تكن هناك
ديدنه أن يسيرَ
حتي لو تلعثمت الكلماتُ بين شفتيه
وشدّه الاندهاشُ والتجوالُ
متشبهاً بالطيور التي تطيرُ
فيما ألسنةُ اللهب تومضُ
والدخانُ يتعالي!
يسيرُ أينما شاء
إلي سعدي
من هناك، من ذاك المكان البعيد
جاءَ وحيداً، خِرجهُ علي المتن
وعصاهُ التي نخرَ العثُّ أطرافها
تلوحُ بين يديه تعويذةً
ذلك أنه جاءَ إلي المدن الغريبة
بعدما شدّه الحنينُ طويلاً
ودفعتهُ الهمومُ لكي يسرحَ، كما
علّمته الطفولةُ، بالقطيع.
يُريدُ أن ينزلَ من الروابي اذن،
أن يكفّ عن الرؤيا، فقد سدّ
أذنيه وأغمضَ العينين، يريدُ
أن يُوقفَ قلبُه نبضَه، وأن
يَدَعوه يسيرُ حقّاً، يسيرُ أينما
شاءَ، فلم يَعُدْ يعبأ بالسنين
وراحه تشققت بالكلمات وبالمعاني
وتقشّر جلدُه، أما شعره الكثّ
فقد نثرته الرياحُ علي رأسه حتي أضحي
فزّاعة في الصحاري.
الجَوَلان فارغ الذهن
كانت لك الكلمة التي رأيتَ
علي الطريقِ، ثم سرْتَ وحدك
شاردَ الذهن، عسي تلوحُ
المعاني لكي تخلدَ قليلاً إلي الراحة
ثم بعد هذا، يعودُ كلُّ شيء
كما كان، لكنك لم تجد شيئاً
وصبرك الذي كان، لم يعد
فجلتَ فارغَ الذهن، يدك ترجفُ
وكلُّ الذي أردتَ، ضاعَ
من يديك بلحظةٍ، كأنّ
زمانك قد انتهي، وشُجّت
الروحُ لديك بفأسٍ، فما عدتَ
تدري إلي أين تذهبَ، ذبُلتْ
نظرتُك وعينُك ابيّضت من الدمع
أنت لم تَعُد تبكي دمعاً، راحُك
الممدودة رُدّت إليكَ بشارةٍ
وقلبُك المفطور يُسرعُ من نبضه
فأنت، في القرارة، تعرفُ أن
اليأس دبّ إليك، شدّك
من أعماقك وسارَ بك من جديد.
تجرّك النهايةُ من يديك
اليومَ، تأتي لتعرفَ النهايةَ
التي بانتظارك، في الطريق،
تغنّي عذابَك
لأيامٍ تلوّح بقلبك المحطّم
تسحلك من هنا، ومن هناك
وتجرّك من يديك طائعاً
كنتَ لها، هامساً بالكلام
شاردَ الذهن، تلوحُ لك
السعادةُ طيراً في الأعالي
فيما برْكةُ الأسي، حيث ترقد
وقد كبُرتْ، وأينما توجهتَ
رأيت شاطئ الأحزان أمامك
اليومَ، عدتَ إذن، شاردَ الذهن
تجرّك النهايةُ من يديك
تدفعك علي الطريق، لتسبحَ مهوّماً
حالماً بكلّ ما تريد أن
يأتي اليك، وأنت مغمض العينين تحبو
يلفّك الليلُ كثوبٍ عريض
تحبو وتسعي، تسعي وتحبو
علّ الذكريات تمضي، علّ الأسي
يستريح، علّ البداية تأتي
مرةً أخري، لتلقي سبّابة الحزن
وقد مُدّت إليك
من جديد.
الكأس في يدي
وزهرة الرمّان
كنتُ نازلاً من الدنيا
الكأسُ في يدي وزهرة الرّمان
كنتُ أجرّ الخطي، أُباعدها
لكي أسرعَ أكثرَ، وكلما
غامت الرؤيا، لاحَ اليأسُ
من بعيدٍ، وجرّني إليه طويلا
كنتُ في الحُلمِ أسيرُ
أغنّي لوحدي أغنية الرحيل
عن الدنيا، عيناي مغمضتان
وروحي تلوحُ كطيرٍ طائرَ
غير أن الطريقَ الطويل انتهي
فتوقفتُ قليلاً عن النوم والأحلام.
لم تعُد تأتي إلينا
هذه الأوهام لم تعُد تأتي إلينا
نحنُ نذوبُ في الذكري، في لمسةٍ
كانت هنا، في يدٍ لوّحت طويلاً
واختفي الظلّ ولم يبقَ حتي السراب.
تقولُ: تعالَ خذني، شُدَّ حَيْلي
كلُّ ليلٍ أراه، حلّ علي الدنيا
وفيما أدفعُ النومَ بعيداً
يشدّني الوهمُ طويلاً لكي أنسي.
مَنْ هنا انتظرتُ؟
ريقي ناشفٌ
الرؤيا تلوحُ من بعيدٍ، وخاتمي
اليأسُ، أجرُّ الخطي بطيئاً
بين حفرتين، أصغي لدبيب
الحياة، أتسمّعُ أنفاسها خائفاً
علّ الأسي يلوحُ ويغمرني
طالعاً من ليل المحبين بسهمٍ
من خيالاتٍ فيعتقني لأمشي.
لمن كان هذا التاج؟
كنتَ تطلبه من الدنيا
وتربحه دائماً، لكن الليل
يأخذه ويبقيك عاري الرأس
تغفو هنا، تغفو هناك.
يدُك الممدودة في النوم
تطلبُ شيئاً من الناس
وروحُك التي كنت بها تسعي
تلوك لك الكلمات أنّةً
لكي تُلحظ هامداً علي الأرض.
سفير الآخرة
واليوم جئتَ من الدنيا لتأخذني
يدي المطوية تحت رأسي
تمتدُ لتنهاك، لترجعك القهقري
لكنك كنتَ وصلتَ...
وجهك المعروق نعرفه
تحومَ كطيرٍ في الأعالي وتُسمعنا الوعيد
تناظرنا في الخفاء نظرات التشفّي
من دعاك إلينا؟
كنّا من زمان علي الدرب، نطرقه بالعصي
نهجعُ في وسطه هجعة المتعبين
والريحُ تضربُ أذيالنا
كنا نسيرُ إذن، سيرة التائهين
من صوب إلي صوْب
ليجمعنا النفيُّ والتذكارُ، والحنينُ
يشدّنا بالحبال الطوال
فنغني أغنية العائدين إلي المنفي
نخلنا جفّ ويبُست حناجرنا
همُدَ العويلُ فيها وضاعت الأفراحُ
أضحينا سَراباً، أضحينا تراباً
نُبصرُ الدمَ المُراقَ من بعيدٍ
فتجفلُ أرواحنا، غير أننا
ننهضُ من جديد، نُمسك عصا الترحال
فيطرقُنا الوهمُ، يشدّ من أزرنا
لتمتدّ يدي المطوية تحت رأسي
وتُرجعك القهقري!
الرسول
علّقتَ يدَك، شلْتها ثم نظرت بعيدا
لكي تلحق المعني، تُمسكه
ثم تنعي حياتك إلي ذاك وهذا
لم تعُدْ تأتيك الأغنية
فارقَك الصدي ولُحتَ كظلٍّ هنا.
أتاك إذن، أتاك بالكلمات وبالمعاني
وشدّك بحبل من الخاصرة
أراحك من النعي، من صفير الأغنية
ثم أراك صفرة الموت من بعيدٍ
وألقاك علي كومة التبن حدّ بيتك.
حلمتَ اليومَ بالنخل
بالمشوار الطويل إلي البستان
حافياً كنتَ، حالماً بوردة الرمّان.
حلمتَ اليومَ بالمسعي صباحاً
الأجراس ترنُّ
والكلابُ تنبحُ من بعيد.
أتسعي! أتأسي
لقد غاب كل شيء
يداك فارغتان
وأنت تدور هنا منذ الصباح.

الحياة من جديد
روحُك التي لا تعرفها
جاءت إليك، حاملةً معطفَ الطريق
كيسَ الرزايا، حياتَك التي نسيتها
فيما أنتَ تعبرُ البحارَ في
طريقك إلي شاطئ المجهول.
قُمْ إذن، خُذْ عصاكَ
وسِرْ إلي الوادي، لكن ببطءٍ
حرّك خطاك، شُدّ حيلك، فأنت لم تنته بعد
والخاتمةَ التي تنشدُ، مازالت
تربدُ أمامها الليالي، والشموسُ توجّ لك
كلَّ سبيلٍ، لكي تري الحروفَ فيها
والمعاني تنهضَ إليك من المخابئ البعيدة!
الرحيل إلي الأبد
ليلُك انتهي، قمْ إلي وردة
الصباح، شمّها
فمن يأتي إليك في النهار
إلا جالبُ الأسي، طاحونةُ
الحنين تطحنُ أيامك
وتطلقُ في الظهيرة دخانها.
عجّل اليوم مشوارك، انهه
ثمة من يطرقُ الآن
افتح له بابك، دعه يدخل
إلي باحة الدار، اعطه خبزاً
كأسَ ماءٍ، دعه يرقد
مكانك، هذا القادم من بعيد.
كنت تعرف إذن، كيفَ ضاعَ
وهمُك، حينما نسيته في غفلةٍ
وسرتَ خلف سرب الرؤي
يسحبك الحنينُ والصراخُ الذي
كان من بيتِ أمّك يقدمُ
حاملاً لك البشارة بالرحيل إلي الأبد.
إلي درب التراب
تأتي لتأخذنا من الليل
تطردنا من الأيامِ، تركلنا مراراً
فيما نحن خلف أحمالنا نسيرُ
نئنُّ جرحي، دمُنا يقطرُ
والريحُ الشمالُ تهبّ
كنّا نسيرُ، عصا السدْر ذاتها
تلوحُ كوهمٍ لدينا
نجرّ السراب، ونهوي علي الذكري
بالعصا، ونمضي صامتين
في هذه الدنيا، نئنُّ
عندما كنتَ تأتي لتأخذنا من الليل
وتدفعنا من جديدٍ لنسيرَ
علي درب التراب.
عكازة الوهم
تذكرني هنا، صدْعٌ في الحياة كان سيري
ضياعي، أعمي عكازهُ الوهمُ
جاب الطريقَ الطويلَ ثم عادَ يخبرنا:
كانت الدنيا هناك تلوحُ بلا مرسي
طيراً أضاعوه في الفضاء، غيْماً
تلاشي. لكنه عادَ يخبرنا، فيما
العكازُ تلوحُ بين يديه اشارةً
نحو الطريق الذي جابَ.
رأينا ذات ليلة
تقولان جاءنا الآن، عصاهُ علي المتن
رثّ الثياب، كان في عينيه بكاءٌ
نهرٌ من الدموع واقفٌ فيهما، فيما كانت
الرؤيا غامضة والظلامُ حلّ تواً
وبكيرُ الطيرِ نام.
جئتنا بصدْعٍ من الدنيا، بثلمةٍ
من الليل، بحرفٍ جرجروه طويلاً ثم تاهوا
بالمعني الذي ضاعَ في الطريق، بالرؤيا،
رأينا ذاتَ ليلة...
ثم عدتَ إلي المنفي حافياً، فارغَ الذهن
الصوتُ ضاعَ وغامَ كلُّ شيءٍ
حيث كنتَ تسيرُ وحيث كان الطريق.
صورة الذئب في الماء
حملتُ الأثقالَ ثم جئتُ إلي النهر
حافياً، ممزق الثوب، صرّةُ الزاد
في يدي
أتيتُ إلي النهر لأشربَ، فقد
همتُ كثيراً، غير أن صورة
الذئب في الماء حاصرتني
فلم أمدّ يديّ
وقمتُ، أواصل السيْر، صرّة الزاد
مدلاّة والريحُ تهبُّ.
الحلم من جديد
إلينا تكلّمتَ، رفعتَ الراية الممزوقة
شِلْتَ حالك من بيننا
بعدما رُفعت الكِلفةُ عن كلّ شيءٍ
وسادَ الصمتُ ونامت الوسادة.
نظرتَ بعينيك إلي الماضي
أخذتَ ذؤابة الحنين بيديك
ورحتَ تهذرُ ماشياً هنا أو هناك
ناثراً دمعك علي الإسفلت
ناعياً نفسك، مشوارك الذي كان يأجّ
صولتك التي ضاعت بين اللاعبين
تذكّرك لنفسكَ تراقبُ النجمَ
ثم سيْركَ تائهاً علي الدرب
إلي مأواك الذي كان في البراري.
واليومَ، بعدما زاركَ اليأسُ
مواسياً نهاركَ الضائعَ
أغمضتَ عينيك قليلاً، وسرتَ
حافياً، لم يبقَ من الذكري شيءٌ
وليلُك الذي كنتَ تريدُ
حلّ لكي تنامَ من جديدٍ وتحلم.
يومُك إذن،
نحونا جئتَ، مغمض العينين، شاردَ الذهن، إذْ هناكَ ذقتَ كأسَ المرارة وانتحيت طرفاً من الذكري، لاقيت من لاقوكَ ورأيت صورةَ النجم الساقطَ تلمعُ في كفك، فرحتَ ماشياً، تصفرُ اللحنَ القديم ناظراً إلي الدنيا نظرة الراحلين عنها
يومك هذا إذن،
وأنتَ! أنتَ جئتَ نحونا بكيسٍ من الدمع
لكي تبكي، لكي ننسي وجهك الذي ضاعَ منّا في الطريق.
مواصلة المسيرة
تسعي إلي الفهد، تسعي إلي النهد
تُراكمُ الليلَ أشباراً وتخطو
عابراً عالماً كان وراءك.
واليوم جئتَ لتنسي رؤاك
ماضيك، الذي طويته صباحاً
ثم سرتَ آنذاك
ملوّحاً باليدين، ضاحكاً
من الدنيا، فكلّ شيءٍ
حكاية
بيتاً خافتاً من الشعر
معني معنّي
وحرفاً تائهَا
في البراري.
أتأخذُ شيئاً من الصدي
عالماً تائهَ في الخيال
جفّ ماؤهُ فطارَ في الهواء
أتأخذُ خيطَ الذكريات نحوك
تشدّه لتنبح
عارفاً أن عالمك الوحيد
كان منذ هنيهةٍ هنا
ثم راحَ يبعدُ أكثرَ
حتي تلاشت الصورة
وامّحت تماما.
حصتي من المرارة
أتيت اليومَ بالجمرة العارية
بصورة الردي معمماً
رافعاً صولجانه
وفمه يصيح:
أريدُ أن آخذ حجتي
حصتي من المرارة تركتها لكم
وكلَّ ما حصدت يداي
ضاعَ في الطريق.
تأخذنا من الصدي
عالماً محطّماً، ساعةً تتكّ
تتركُ الأيام وراء بعضها تتيه
ثم تأخذُ الرهانَ من اليدين
حيث يسيحُ كلّ شيء
ويرجع الصوتُ نحونا
نحن الصامتين هنا
نقلّبُ اليدين شاردين تائهين.
فزاعة الحقول الميتة
كان لي أخوة يستريحون عند النخيل
الكلمةُ التي جمعتهم أضاعت معانيها
واللحنُ الذي كان يطربهم
ها هو يشتت اليومَ رقصهم
تدفعهم النائبات ليطرقوا كلّ بابٍ
فيما أفقدتهم الرزايا رشدهم
لم يجدوا إلا الهاوية مأوي
يجمعهم السرابُ ويدفعهم بعيدا.
عند النخيل كانوا يستريحون
وحينما تغربُ الشمسُ كنّا نسمع الأغنية
أحلامهم التي تطير ليلاً
أضحت كوابيس تقضّ مضاجعنا
نسيرُ من هنا إلي هناك
الضبعُ صار ظلاً لنا
والأسي شرابنا في الظهيرة.
لم نعد نسمعُ حتي المشورة
كحلُ نسائنا الدموع المجففة
وشالهن من راياتنا الممزقة
نطوفُ في الدروب ونعوي
أين هي الكلمة؟ أين هي الأغنية؟
لم نجد حتي زهرة الرمان التي أضعنا
الأيدي التي كانت لنا، ها هي ممدودة، سائلة
والألسن التي كانت تغرّد الكلامَ
مشدودة لفزّاعات الحقول الميتة.
الأفعي وراءك
جئتَ إلي البلاد حافياً
عبرتَ الشطوط ثم سرتَ في الصحاري
كنت تريدُ أن تسمع صوتك
نداءك الداخلي الذي تريد أن تطلقه
أن تري المشهد من جديد
الطفلَ الجائع يحبو
والصِلّ ينسابُ
جئتَ لكي تري مزقة الرداء
وقد حال لونُها
ظلالُ العالم الذي تركتَ
وقد تلاشت
ذري النخل الذي زرعتَ
وحينما وصلتَ سرتَ حالماً
بالصورة وقد تراءت
جلتَ حيث كان لك أن تجولَ
فأظلم يومُك وتهتَ
من جديد في الطريق إلي البيت.
كلبُك الميتَ ينبحك من بعيد
وحينما طرتَ هارباً من الذئاب في الأحلام
طارت الأفعي وراءك.
هل سمعت؟
أنتَ الذي تعذّبت من أجلي
جئت قبلي حافياً
شلتَ حملك وتهت
لكي تصول مع الوحش
أتيناك اليومَ فرادي
كيس اليأس هذا أخذنا
وشربنا ما تبقّي من المرارة
حملك الثقيل حملناه
وسرنا ندكّ الطريق بالعكاز
ندمدمُ اللحنَ البطيء
حتي نقيء ما تبقّي من المرارة
ونهجع عند التل وننسي.
أنت الذي تعذبت من أجلي
هل سمعت؟
طريق إلي الذكريات
ضيّعت الطريقَ إلي الذكريات
وتهت، الغيمةُ الهاجعة
التي تراها، تريد أن تهطل
اليومَ غبارَها، فيما أنت
تسيرُ حافياً لتعرف مرارة
الصِبا، خيبة الانتظار
والرجوعَ، حيث راية اليأس ذاتها
ترفرف في خيالك.
من هنا تسيرُ، تعبرُ الطريق
تلمحُ الإشارة، تري اليد الملوّحة
والصدي الذي يأتي من بعيد
ليرنّ في حاضر كان هنا
بانتظارك.
لحنُ الرحيل
كان هنا الماضي
استراح طويلاً
ثم كفّ عن النوم
استلّ الأحاديث
التي لوحتم بها
ودعاها تطير في الهواء.
تأخذونه من الدنيا وتمضون
هنا كانت الرؤيا أتته
الحظ كان بانتظاره
ولوعةُ الماضي
شددتموه بحبل وسرتم
تغنون لحنَ الرحيل.
فيما الذكريات تختفي
تسمعُ اليومَ صوتك الصارخَ
تري ليلك الذي يلوح لك هنا
ثم تضيع بيننا كالصدي
كحلّة الشتاء حيث الشمس تسطع
والليل الذي هنا أو هناك
جاء نحونا، نحو ظلنا
الليلة المرعدة التي حولنا
لفحة الهواء، حيث تركض الأنهار
والذكريات من هنا إلي هناك
تسمع الصدي، رنّة الضباب
اللطمة، الوجه الصارخ
دون أن نعرف، نسمع صوتك
حينما يحلّ ليلك الذي كان هنا
فيما الذكريات تنحلّ وتختفي.
ورحت ماشياً
في الطريق
تهزُّ يدكَ الكلمةُ، تدفعك الهنا
صورتُك المطبوعة، تجرّها بين
اليدِ واليدِ وتُسرعُ أكثرَ من هنا
لتجلب ليلك، تدفعه إلي أقماره
لتسير وحدك، تصغي لذاتك
وتنصت للنسغ أكثر.
اليومَ إذن هنا، أجلستَ
نفسك وصغتَ لنفسك الراحة
ورحتَ ماشياً في الطريق.
ضع كلمتك لنا
خذْ اليدَ الممدودة، جرّها
فاليومَ أنت هنا
تجرّك الأطيافُ
أكلّ شمسٍ ستأخذ
أكلَّ أملٍ وبارقةٍ
أكلّ ليلةٍ تضمها إليك
وتنهض، يدك التي كانت
ممدودة
كلمتك التي راحت وانتهت
لكي تعبّ المسافة
وتركن الليلَ في النهار
لكي تريح نفسك
وتتكئ علي المعاني.
تأتيك المعاني
تريدُ أن تأتيك المعاني
كلّ يومٍ لتنهض
تحمل العبء وتمضي من هنا
لتركبَ الرؤيا هناك وتخطو
كان المصير بانتظارك
جالساً بيديه، يلهو
وأنت تعرفُ الدنيا
تعرف الذكري التي كانت
هنا وراحت تسيرُ ببطء
حتي تلاشت.
العودة إلي البلد البعيد
كنتُ أسمعُ الصدي، حالماً بالعودة
من بعيد إلي البلد البعيد
الخطي الكبيرة أخطوها سريعاً
واللُقي أجمعُ في الطريق
لكي يكون حملي ثقيلا والظلامَ
أجرّ من اليد، أحلمُ بالطفولة
بابن آوي هارباً أمامي، بالليل
والنجوم، بالضحي، يشدّني الجوعُ
فيه بحبلٍ إلي البيت.
الكلاب تأكل خبز يومها
يدي التي لاقت يقيني
نظرتي المسطّحة، وعالمي الحزين
من هنا إلي هنا
تجرّه عابرةُ الليالي
وتنهبه أقمارُها _ الرماد.
من هنا إذن
ليلتي التي يُحزن عندها
ونظرتي المكبّلة
رايتي التي كانت شراعاً
مُزّقت، وحطّم عمودها
وشُتّت اليقين خلفها
ويدي التي هي راحتي
قُطّعت
وراحت الكلابُ تأكل خبز يومها.
في القاع نمنا
كلمتك تهيمُ حولنا
النارُ الباردةُ تغلقُ موقدها
تتأبطنا من المصير الذي كان بانتظارنا
هنا كنتَ، هنا جئتَ
لعبت اللعبة الكبيرة
وشددتنا إليك دائماً
كلمتُك تهيمُ حولنا
ويدك الممدودة، سحبتها
فانتهينا إلي القاع
وهناك نمنا.
الحياة تئن
كنت أسير إلي النجوم ضاحكا
فكل علة مرارة عرفتها
حائرا بين ضفتين من هنا
إلي هناك، فعلتي حملتها
بكيس وسرت من جديد
لكي يعرفوا أن ناقتي لم تمت
ولم يمت ذلك الصدي
حينم كان القلب ينبض
صيفا وفي الشتا ينصب
خيمة علي الضفتين
والحياة تئ في كل نبضة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.