تنسيق المرحلة الثانية 2025.. 25 ألف طالب يسجلون فى تنسيق المرحلة الثانية    الرئيس السيسي يتفقد الأكاديمية العسكرية المصرية.. ويؤكد: مصر تجاوزت تحديات أمنية جسيمة منذ أكثر من عقد (صور)    رئيس اقتصادية قناة السويس يضع حجر أساس أول مشروعين في وادي التكنولوجيا بالإسماعيلية    الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة تستضيف مؤتمر لتوعية مجتمع الأعمال بآلية تعديل حدود الكربون في الاتحاد الأوروبي    اصطفاف 200 شاحنة مساعدات مصرية أمام معبر رفح استعدادا لدخول غزة    الإيجار القديم.. مدبولي: الدولة ستقف بجوار كل المُستأجرين وتضمن توفير سكن بديل    صحة غزة: 87 شهيدا و570 إصابة من ضحايا المساعدات خلال آخر 24 ساعة    خرق جديد لاتفاق الهدنة.. مسيرة إسرائيلية تلقى قنبلتين صوتيتين على بلدة الخيام جنوبى لبنان    روما يخطط للتعاقد مع لاعب مانشستر سيتي    فيديو سرقة مسن بالقاهرة مفبرك.. ضبط شقيقين افتعلا الواقعة لتحقيق مشاهدات وأرباح    ضبط مسئول عن كيان تعليمي غير مرخص بالقاهرة لقيامه بالنصب والاحتيال على المواطنين    أشرف زكي عن محمد صبحي: حالته مستقرة ويتواجد في غرفة عادية    بعد التصديق عليه.. رئيس الوزراء يوجه بالبدء فى تنفيذ إجراءات قانون الإيجار القديم    زوجات وأمهات رائعة.. أفضل 3 نساء مهتمات في الأبراج    الصحة: قرار رفع أسعار خدمات الصحة النفسية ينطبق على القسم الاقتصادي بالمستشفيات    رئيس جامعة حلوان يؤكد ضرورة الإسراع في استكمال المجمع الطبي الجامعي ويدعو لدعمه    الإيجار القديم.. .. مفاجأة: القانون لا يرحم التحايل والبيع الصورى مرفوض ولا يمنع الطرد    صحة غزة: 138 شهيدا و771 مصابا خلال 24 ساعة بنيران الاحتلال الإسرائيلى    «وداع على غير العادة».. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم آخر ليالى أبيب    خبير أمن معلومات: حجب «تيك توك» ليس الحل الأمثل.. والدولة قادرة على فرض تراخيص صارمة    مصرع ربة منزل وإصابة زوجها وابنتها في حادث بالفيوم    " مدير تعليم مطروح " تجتمع مع رؤساء لجان امتحانات الدور الثاني للشهادة الإعدادية    مصرع وإصابة 4 أشخاص فى حادث انقلاب سيارة بطريق مصر الإسماعيلية الصحراوي    ليفربول يتوصل إلى اتفاق مع الهلال السعودي لبيع داروين نونيز    رئيس جهاز مدينة الشروق يتفقد مشروع التغذية الرئيسي بالمياه بعددٍ من المجاورات بمنطقة الرابية    أبو الحسن: نسعي لحل أزمة نقل مباريات الإسماعيلى واستاد هيئة السويس رفض الاستضافة    روكي الغلابة لدنيا سمير غانم يحصد 18.7 مليون جنيه خلال أول أسبوع بالسينما    محافظ أسيوط والسفير الهندى يفتتحان المهرجان الثقافى الهندى بقصر الثقافة    سعيد العمروسي: فخور بتكريمي في المهرجان القومي.. وتصفيق الجمهور أعظم جوائزي    وكيله: الأزمة المالية للزمالك أثرت على سيف الجزيري    اتحاد الكرة يخطر بيراميدز باستدعاء «كنزي وفرحة» لمعسكر منتخب الناشئات    وزيرا الصحة والتعليم العالي يناقشان التعاون في مجال البحث العلمي لعلاج الأورام السرطانية    «اوعي تتخلصي منه».. طريقة تحضير طاجن أرز بالخضراوات والبشاميل من بقايا الثلاجة (الطريقة والخطوات)    مصدر حكومي ل الشروق: نبحث زيادة سعر الأسمدة المدعمة في حالة إقرار زيادات الغاز    الكليات المتاحة بالمرحلة الثانية 2025 للشعبة العلمي ورابط تسجيل الرغبات عبر موقع التنسيق الإلكتروني    بتكلفة 3.4 مليار جنيه.. محافظ الشرقية يعلن إقامة 21537 مشروعاً للشباب ضمن «مشروعك»    اعترافات الحكم محمد عادل: رشوة مرفوضة وتسريب مدبّر من داخل لجنة الحكام    محافظ أسوان يؤكد دعم الاستعدادات لإقامة احتفال المولد النبوي مطلع سبتمبر    تركي آل الشيخ يعلن عن ليلة موسيقية ضمن فعاليات كأس العالم للرياضات الإلكترونية    بتروجت يستعير رشيد أحمد من زد    تعرف على أسعار الأسماك اليوم الأربعاء 6 أغسطس 2025 بمحافظة بورسعيد    محمد جلال يكتب: محادثات «ChatGPT» فضيحة بيانات أم سوء استخدام؟    وزير النقل يترأس أعمال الجمعية العمومية العادية لشركة القاهرة للعبارات    34 شركة خاصة تفتح باب التوظيف برواتب مجزية.. بيان رسمي لوزارة العمل    «خايف اللي بعدك يطلع بالمايوه».. مصطفى كامل يوجه رسالة ل«راغب علامة»    هيروشيما تُنكس الذاكرة.. 80 عاما على أول جريمة نووية في التاريخ    قافلة "حياة كريمة" تقدم خدماتها الطبية لأكثر من 1000 مواطن بقرية الإسماعيلية بمركز المنيا    موعد المولد النبوى الشريف باليوم والتاريخ.. فاضل شهر    مندوب فلسطين بالأمم المتحدة: لا يوجد مبرر لقتل 60 ألف فلسطيني    ما حكم صلاة ركعتين قبل المغرب؟.. الإفتاء توضح    ناس وسط البلد أسرار من قلب مصر    أستون فيلا يخطط للاحتفاظ بأسينسيو    حصر عددي لأصوات مرشحي الشيوخ بالإسماعيلية.. ومجدي زيد يتقدم السباق    دعاء الفجر | اللهم اجعل لنا من كل هم فرجًا ومن كل ضيق مخرجًا    والد محمد السيد: أنا لست وكيل أبني والزمالك طالبه بالتجديد والرحيل بعد كأس العالم    "المنبر الثابت".. 60 ندوة علمية بأوقاف سوهاج حول "عناية الإسلام بالمرأة"    حالات يجيز فيها القانون حل الجمعيات الأهلية.. تفاصيل    نشرة التوك شو| إقبال كبير على انتخابات "الشيوخ".. و"الصحة" تنفي فرض رسوم جديدة على أدوية التأمين الص    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أطياف هولدرلين
إلي عبدالغفار مكاوي
نشر في أخبار الأدب يوم 08 - 01 - 2011


الفرار من جديد
يداك مرفوعتان في الأحلام
فيما صوتُك يُحشرج
لقد ضِقتَ ذرعاً
بالليل وبالنهار
وتقلّبت علي الجمر
ولم يعد بوسعك أن
تركضَ صارخاً
أو أن تغمضَ العينين ساهماً
مفكّراً بالعالم الذي يجيء.
لم تعد تغنّي زهرة الحياة
ولا طافت الأحلامُ في خِلدك
لتسهر علي ضوء الشمعة
فحملك ثقيلٌ والفرارُ جارك
تلوحهُ قدماك بين فينة
وأخري.
دنت الكلمات مني
فيما كان النومُ عندي
ويدي التي أمسكت بالقلم
جرّها النداءُ ولم تكتب
فكلّ اشارة تودّها
هي أحرفٌ تلوحُ ثم تختفي.
دنت الكلماتُ منّي
لكن الرهان شدّها
فسارت هناك
حيث يسكنُ اليقينُ في البراري.
مازلتَ تسيرُ
لم تعُدْ تأتي إلي النوم
تركنُ حالَك، صامتاً
تنأي بنفسك عن ثقيل الأمور
لكي تغفو
وتطيرَ في الأحلام
هرباً من الأفعي،
هرباً من الذئب
الذي يطردك من النوم
لتري كم أن الحياةَ
مازالت تسيرُ
وأن الصبحَ لم ينجل!
واليومَ، ها أنتَ، تعودُ لتري ذاتك
وقد ذاقت مرارة الأشياء
وضاقت ذرعاً بكلّ شيء
تجلدُ نفسك معاتباً
وتصمتُ متوهماً بأن الآلامَ
ستخمدُ ولكن عينيك
تبصران الأسي في ثمالة
الكأس، في الريشة الطائرة
وتنظران حيرةً هناك
أو هنا
لكي تستعيدَ من جديدٍ
طرف الحكاية بلا أحلامٍ
ولا طيران!
أراد أن يكون له معني
كان له أن يعودَ إلي رُشْدهِ
ويري الحكمةَ التي كانت له، وقد راحت
فخرّ حَيْلَهُ وتناهت الأصداءُ إليه
كان عليه أن يقومَ
واضعاً تذْكار الحياة
نصْبَ عينيه
وفيما لاحت له التفاصيلُ
في الأحلام
جرّ نفسه ككلبٍ أعرجَ
إلي زاوية واستراح!
أرادَ أن يكون له معني
لكن التفاصيلَ جرّدته من المعني
أرادَ أن يُلقي عصا الترحال
ويُمعن في الفراغ
ولكن التفاصيلَ لم تترك
له مكاناً يأوي اليه
فخرّ علي سرير الجمر
وتأمّل السقفَ طويلا.
قلبهُ المعنّي يضجّ نبضاً
ورأسه طافحٌ بالأوهام، بالخيالاتِ
فيبقي سارحاً، ملاحقاً أطراف
الشرود إلي النوم
حتي يصيحَ الديكُ، فينهضَ من
جديد، باحثاً عن رشْده
عن الحكمة التي كانت له
عن المعني، في القلبِ المعنّي!
ديدنهُ أن يسير
قالَ كلماته القليلةَ دفعةً واحدة
تأمّل المشهدَ الساطعَ
وضمّ يديه دلالةً علي الخاتمة.
رأي الزمانَ، كيفَ يعبرُ الوجوه
وينفض الأغصان
رآه منحنيناً يقطعُ دابرَ الإحساس بالزهو
بالركون إلي العالم الأمين
رأي الصورةَ تصفرّ أو تتكسّر
ورأي الأخاديد وهي
تُوشمُ الأمرَ الذي كان لديه.
النهايةُ الملقاةُ أمامه
يعرفها جيداً
ورغم هذا، سارَ وكأنها
لم تكن هناك
ديدنه أن يسيرَ
حتي لو تلعثمت الكلماتُ بين شفتيه
وشدّه الاندهاشُ والتجوالُ
متشبهاً بالطيور التي تطيرُ
فيما ألسنةُ اللهب تومضُ
والدخانُ يتعالي!
يسيرُ أينما شاء
إلي سعدي
من هناك، من ذاك المكان البعيد
جاءَ وحيداً، خِرجهُ علي المتن
وعصاهُ التي نخرَ العثُّ أطرافها
تلوحُ بين يديه تعويذةً
ذلك أنه جاءَ إلي المدن الغريبة
بعدما شدّه الحنينُ طويلاً
ودفعتهُ الهمومُ لكي يسرحَ، كما
علّمته الطفولةُ، بالقطيع.
يُريدُ أن ينزلَ من الروابي اذن،
أن يكفّ عن الرؤيا، فقد سدّ
أذنيه وأغمضَ العينين، يريدُ
أن يُوقفَ قلبُه نبضَه، وأن
يَدَعوه يسيرُ حقّاً، يسيرُ أينما
شاءَ، فلم يَعُدْ يعبأ بالسنين
وراحه تشققت بالكلمات وبالمعاني
وتقشّر جلدُه، أما شعره الكثّ
فقد نثرته الرياحُ علي رأسه حتي أضحي
فزّاعة في الصحاري.
الجَوَلان فارغ الذهن
كانت لك الكلمة التي رأيتَ
علي الطريقِ، ثم سرْتَ وحدك
شاردَ الذهن، عسي تلوحُ
المعاني لكي تخلدَ قليلاً إلي الراحة
ثم بعد هذا، يعودُ كلُّ شيء
كما كان، لكنك لم تجد شيئاً
وصبرك الذي كان، لم يعد
فجلتَ فارغَ الذهن، يدك ترجفُ
وكلُّ الذي أردتَ، ضاعَ
من يديك بلحظةٍ، كأنّ
زمانك قد انتهي، وشُجّت
الروحُ لديك بفأسٍ، فما عدتَ
تدري إلي أين تذهبَ، ذبُلتْ
نظرتُك وعينُك ابيّضت من الدمع
أنت لم تَعُد تبكي دمعاً، راحُك
الممدودة رُدّت إليكَ بشارةٍ
وقلبُك المفطور يُسرعُ من نبضه
فأنت، في القرارة، تعرفُ أن
اليأس دبّ إليك، شدّك
من أعماقك وسارَ بك من جديد.
تجرّك النهايةُ من يديك
اليومَ، تأتي لتعرفَ النهايةَ
التي بانتظارك، في الطريق،
تغنّي عذابَك
لأيامٍ تلوّح بقلبك المحطّم
تسحلك من هنا، ومن هناك
وتجرّك من يديك طائعاً
كنتَ لها، هامساً بالكلام
شاردَ الذهن، تلوحُ لك
السعادةُ طيراً في الأعالي
فيما برْكةُ الأسي، حيث ترقد
وقد كبُرتْ، وأينما توجهتَ
رأيت شاطئ الأحزان أمامك
اليومَ، عدتَ إذن، شاردَ الذهن
تجرّك النهايةُ من يديك
تدفعك علي الطريق، لتسبحَ مهوّماً
حالماً بكلّ ما تريد أن
يأتي اليك، وأنت مغمض العينين تحبو
يلفّك الليلُ كثوبٍ عريض
تحبو وتسعي، تسعي وتحبو
علّ الذكريات تمضي، علّ الأسي
يستريح، علّ البداية تأتي
مرةً أخري، لتلقي سبّابة الحزن
وقد مُدّت إليك
من جديد.
الكأس في يدي
وزهرة الرمّان
كنتُ نازلاً من الدنيا
الكأسُ في يدي وزهرة الرّمان
كنتُ أجرّ الخطي، أُباعدها
لكي أسرعَ أكثرَ، وكلما
غامت الرؤيا، لاحَ اليأسُ
من بعيدٍ، وجرّني إليه طويلا
كنتُ في الحُلمِ أسيرُ
أغنّي لوحدي أغنية الرحيل
عن الدنيا، عيناي مغمضتان
وروحي تلوحُ كطيرٍ طائرَ
غير أن الطريقَ الطويل انتهي
فتوقفتُ قليلاً عن النوم والأحلام.
لم تعُد تأتي إلينا
هذه الأوهام لم تعُد تأتي إلينا
نحنُ نذوبُ في الذكري، في لمسةٍ
كانت هنا، في يدٍ لوّحت طويلاً
واختفي الظلّ ولم يبقَ حتي السراب.
تقولُ: تعالَ خذني، شُدَّ حَيْلي
كلُّ ليلٍ أراه، حلّ علي الدنيا
وفيما أدفعُ النومَ بعيداً
يشدّني الوهمُ طويلاً لكي أنسي.
مَنْ هنا انتظرتُ؟
ريقي ناشفٌ
الرؤيا تلوحُ من بعيدٍ، وخاتمي
اليأسُ، أجرُّ الخطي بطيئاً
بين حفرتين، أصغي لدبيب
الحياة، أتسمّعُ أنفاسها خائفاً
علّ الأسي يلوحُ ويغمرني
طالعاً من ليل المحبين بسهمٍ
من خيالاتٍ فيعتقني لأمشي.
لمن كان هذا التاج؟
كنتَ تطلبه من الدنيا
وتربحه دائماً، لكن الليل
يأخذه ويبقيك عاري الرأس
تغفو هنا، تغفو هناك.
يدُك الممدودة في النوم
تطلبُ شيئاً من الناس
وروحُك التي كنت بها تسعي
تلوك لك الكلمات أنّةً
لكي تُلحظ هامداً علي الأرض.
سفير الآخرة
واليوم جئتَ من الدنيا لتأخذني
يدي المطوية تحت رأسي
تمتدُ لتنهاك، لترجعك القهقري
لكنك كنتَ وصلتَ...
وجهك المعروق نعرفه
تحومَ كطيرٍ في الأعالي وتُسمعنا الوعيد
تناظرنا في الخفاء نظرات التشفّي
من دعاك إلينا؟
كنّا من زمان علي الدرب، نطرقه بالعصي
نهجعُ في وسطه هجعة المتعبين
والريحُ تضربُ أذيالنا
كنا نسيرُ إذن، سيرة التائهين
من صوب إلي صوْب
ليجمعنا النفيُّ والتذكارُ، والحنينُ
يشدّنا بالحبال الطوال
فنغني أغنية العائدين إلي المنفي
نخلنا جفّ ويبُست حناجرنا
همُدَ العويلُ فيها وضاعت الأفراحُ
أضحينا سَراباً، أضحينا تراباً
نُبصرُ الدمَ المُراقَ من بعيدٍ
فتجفلُ أرواحنا، غير أننا
ننهضُ من جديد، نُمسك عصا الترحال
فيطرقُنا الوهمُ، يشدّ من أزرنا
لتمتدّ يدي المطوية تحت رأسي
وتُرجعك القهقري!
الرسول
علّقتَ يدَك، شلْتها ثم نظرت بعيدا
لكي تلحق المعني، تُمسكه
ثم تنعي حياتك إلي ذاك وهذا
لم تعُدْ تأتيك الأغنية
فارقَك الصدي ولُحتَ كظلٍّ هنا.
أتاك إذن، أتاك بالكلمات وبالمعاني
وشدّك بحبل من الخاصرة
أراحك من النعي، من صفير الأغنية
ثم أراك صفرة الموت من بعيدٍ
وألقاك علي كومة التبن حدّ بيتك.
حلمتَ اليومَ بالنخل
بالمشوار الطويل إلي البستان
حافياً كنتَ، حالماً بوردة الرمّان.
حلمتَ اليومَ بالمسعي صباحاً
الأجراس ترنُّ
والكلابُ تنبحُ من بعيد.
أتسعي! أتأسي
لقد غاب كل شيء
يداك فارغتان
وأنت تدور هنا منذ الصباح.

الحياة من جديد
روحُك التي لا تعرفها
جاءت إليك، حاملةً معطفَ الطريق
كيسَ الرزايا، حياتَك التي نسيتها
فيما أنتَ تعبرُ البحارَ في
طريقك إلي شاطئ المجهول.
قُمْ إذن، خُذْ عصاكَ
وسِرْ إلي الوادي، لكن ببطءٍ
حرّك خطاك، شُدّ حيلك، فأنت لم تنته بعد
والخاتمةَ التي تنشدُ، مازالت
تربدُ أمامها الليالي، والشموسُ توجّ لك
كلَّ سبيلٍ، لكي تري الحروفَ فيها
والمعاني تنهضَ إليك من المخابئ البعيدة!
الرحيل إلي الأبد
ليلُك انتهي، قمْ إلي وردة
الصباح، شمّها
فمن يأتي إليك في النهار
إلا جالبُ الأسي، طاحونةُ
الحنين تطحنُ أيامك
وتطلقُ في الظهيرة دخانها.
عجّل اليوم مشوارك، انهه
ثمة من يطرقُ الآن
افتح له بابك، دعه يدخل
إلي باحة الدار، اعطه خبزاً
كأسَ ماءٍ، دعه يرقد
مكانك، هذا القادم من بعيد.
كنت تعرف إذن، كيفَ ضاعَ
وهمُك، حينما نسيته في غفلةٍ
وسرتَ خلف سرب الرؤي
يسحبك الحنينُ والصراخُ الذي
كان من بيتِ أمّك يقدمُ
حاملاً لك البشارة بالرحيل إلي الأبد.
إلي درب التراب
تأتي لتأخذنا من الليل
تطردنا من الأيامِ، تركلنا مراراً
فيما نحن خلف أحمالنا نسيرُ
نئنُّ جرحي، دمُنا يقطرُ
والريحُ الشمالُ تهبّ
كنّا نسيرُ، عصا السدْر ذاتها
تلوحُ كوهمٍ لدينا
نجرّ السراب، ونهوي علي الذكري
بالعصا، ونمضي صامتين
في هذه الدنيا، نئنُّ
عندما كنتَ تأتي لتأخذنا من الليل
وتدفعنا من جديدٍ لنسيرَ
علي درب التراب.
عكازة الوهم
تذكرني هنا، صدْعٌ في الحياة كان سيري
ضياعي، أعمي عكازهُ الوهمُ
جاب الطريقَ الطويلَ ثم عادَ يخبرنا:
كانت الدنيا هناك تلوحُ بلا مرسي
طيراً أضاعوه في الفضاء، غيْماً
تلاشي. لكنه عادَ يخبرنا، فيما
العكازُ تلوحُ بين يديه اشارةً
نحو الطريق الذي جابَ.
رأينا ذات ليلة
تقولان جاءنا الآن، عصاهُ علي المتن
رثّ الثياب، كان في عينيه بكاءٌ
نهرٌ من الدموع واقفٌ فيهما، فيما كانت
الرؤيا غامضة والظلامُ حلّ تواً
وبكيرُ الطيرِ نام.
جئتنا بصدْعٍ من الدنيا، بثلمةٍ
من الليل، بحرفٍ جرجروه طويلاً ثم تاهوا
بالمعني الذي ضاعَ في الطريق، بالرؤيا،
رأينا ذاتَ ليلة...
ثم عدتَ إلي المنفي حافياً، فارغَ الذهن
الصوتُ ضاعَ وغامَ كلُّ شيءٍ
حيث كنتَ تسيرُ وحيث كان الطريق.
صورة الذئب في الماء
حملتُ الأثقالَ ثم جئتُ إلي النهر
حافياً، ممزق الثوب، صرّةُ الزاد
في يدي
أتيتُ إلي النهر لأشربَ، فقد
همتُ كثيراً، غير أن صورة
الذئب في الماء حاصرتني
فلم أمدّ يديّ
وقمتُ، أواصل السيْر، صرّة الزاد
مدلاّة والريحُ تهبُّ.
الحلم من جديد
إلينا تكلّمتَ، رفعتَ الراية الممزوقة
شِلْتَ حالك من بيننا
بعدما رُفعت الكِلفةُ عن كلّ شيءٍ
وسادَ الصمتُ ونامت الوسادة.
نظرتَ بعينيك إلي الماضي
أخذتَ ذؤابة الحنين بيديك
ورحتَ تهذرُ ماشياً هنا أو هناك
ناثراً دمعك علي الإسفلت
ناعياً نفسك، مشوارك الذي كان يأجّ
صولتك التي ضاعت بين اللاعبين
تذكّرك لنفسكَ تراقبُ النجمَ
ثم سيْركَ تائهاً علي الدرب
إلي مأواك الذي كان في البراري.
واليومَ، بعدما زاركَ اليأسُ
مواسياً نهاركَ الضائعَ
أغمضتَ عينيك قليلاً، وسرتَ
حافياً، لم يبقَ من الذكري شيءٌ
وليلُك الذي كنتَ تريدُ
حلّ لكي تنامَ من جديدٍ وتحلم.
يومُك إذن،
نحونا جئتَ، مغمض العينين، شاردَ الذهن، إذْ هناكَ ذقتَ كأسَ المرارة وانتحيت طرفاً من الذكري، لاقيت من لاقوكَ ورأيت صورةَ النجم الساقطَ تلمعُ في كفك، فرحتَ ماشياً، تصفرُ اللحنَ القديم ناظراً إلي الدنيا نظرة الراحلين عنها
يومك هذا إذن،
وأنتَ! أنتَ جئتَ نحونا بكيسٍ من الدمع
لكي تبكي، لكي ننسي وجهك الذي ضاعَ منّا في الطريق.
مواصلة المسيرة
تسعي إلي الفهد، تسعي إلي النهد
تُراكمُ الليلَ أشباراً وتخطو
عابراً عالماً كان وراءك.
واليوم جئتَ لتنسي رؤاك
ماضيك، الذي طويته صباحاً
ثم سرتَ آنذاك
ملوّحاً باليدين، ضاحكاً
من الدنيا، فكلّ شيءٍ
حكاية
بيتاً خافتاً من الشعر
معني معنّي
وحرفاً تائهَا
في البراري.
أتأخذُ شيئاً من الصدي
عالماً تائهَ في الخيال
جفّ ماؤهُ فطارَ في الهواء
أتأخذُ خيطَ الذكريات نحوك
تشدّه لتنبح
عارفاً أن عالمك الوحيد
كان منذ هنيهةٍ هنا
ثم راحَ يبعدُ أكثرَ
حتي تلاشت الصورة
وامّحت تماما.
حصتي من المرارة
أتيت اليومَ بالجمرة العارية
بصورة الردي معمماً
رافعاً صولجانه
وفمه يصيح:
أريدُ أن آخذ حجتي
حصتي من المرارة تركتها لكم
وكلَّ ما حصدت يداي
ضاعَ في الطريق.
تأخذنا من الصدي
عالماً محطّماً، ساعةً تتكّ
تتركُ الأيام وراء بعضها تتيه
ثم تأخذُ الرهانَ من اليدين
حيث يسيحُ كلّ شيء
ويرجع الصوتُ نحونا
نحن الصامتين هنا
نقلّبُ اليدين شاردين تائهين.
فزاعة الحقول الميتة
كان لي أخوة يستريحون عند النخيل
الكلمةُ التي جمعتهم أضاعت معانيها
واللحنُ الذي كان يطربهم
ها هو يشتت اليومَ رقصهم
تدفعهم النائبات ليطرقوا كلّ بابٍ
فيما أفقدتهم الرزايا رشدهم
لم يجدوا إلا الهاوية مأوي
يجمعهم السرابُ ويدفعهم بعيدا.
عند النخيل كانوا يستريحون
وحينما تغربُ الشمسُ كنّا نسمع الأغنية
أحلامهم التي تطير ليلاً
أضحت كوابيس تقضّ مضاجعنا
نسيرُ من هنا إلي هناك
الضبعُ صار ظلاً لنا
والأسي شرابنا في الظهيرة.
لم نعد نسمعُ حتي المشورة
كحلُ نسائنا الدموع المجففة
وشالهن من راياتنا الممزقة
نطوفُ في الدروب ونعوي
أين هي الكلمة؟ أين هي الأغنية؟
لم نجد حتي زهرة الرمان التي أضعنا
الأيدي التي كانت لنا، ها هي ممدودة، سائلة
والألسن التي كانت تغرّد الكلامَ
مشدودة لفزّاعات الحقول الميتة.
الأفعي وراءك
جئتَ إلي البلاد حافياً
عبرتَ الشطوط ثم سرتَ في الصحاري
كنت تريدُ أن تسمع صوتك
نداءك الداخلي الذي تريد أن تطلقه
أن تري المشهد من جديد
الطفلَ الجائع يحبو
والصِلّ ينسابُ
جئتَ لكي تري مزقة الرداء
وقد حال لونُها
ظلالُ العالم الذي تركتَ
وقد تلاشت
ذري النخل الذي زرعتَ
وحينما وصلتَ سرتَ حالماً
بالصورة وقد تراءت
جلتَ حيث كان لك أن تجولَ
فأظلم يومُك وتهتَ
من جديد في الطريق إلي البيت.
كلبُك الميتَ ينبحك من بعيد
وحينما طرتَ هارباً من الذئاب في الأحلام
طارت الأفعي وراءك.
هل سمعت؟
أنتَ الذي تعذّبت من أجلي
جئت قبلي حافياً
شلتَ حملك وتهت
لكي تصول مع الوحش
أتيناك اليومَ فرادي
كيس اليأس هذا أخذنا
وشربنا ما تبقّي من المرارة
حملك الثقيل حملناه
وسرنا ندكّ الطريق بالعكاز
ندمدمُ اللحنَ البطيء
حتي نقيء ما تبقّي من المرارة
ونهجع عند التل وننسي.
أنت الذي تعذبت من أجلي
هل سمعت؟
طريق إلي الذكريات
ضيّعت الطريقَ إلي الذكريات
وتهت، الغيمةُ الهاجعة
التي تراها، تريد أن تهطل
اليومَ غبارَها، فيما أنت
تسيرُ حافياً لتعرف مرارة
الصِبا، خيبة الانتظار
والرجوعَ، حيث راية اليأس ذاتها
ترفرف في خيالك.
من هنا تسيرُ، تعبرُ الطريق
تلمحُ الإشارة، تري اليد الملوّحة
والصدي الذي يأتي من بعيد
ليرنّ في حاضر كان هنا
بانتظارك.
لحنُ الرحيل
كان هنا الماضي
استراح طويلاً
ثم كفّ عن النوم
استلّ الأحاديث
التي لوحتم بها
ودعاها تطير في الهواء.
تأخذونه من الدنيا وتمضون
هنا كانت الرؤيا أتته
الحظ كان بانتظاره
ولوعةُ الماضي
شددتموه بحبل وسرتم
تغنون لحنَ الرحيل.
فيما الذكريات تختفي
تسمعُ اليومَ صوتك الصارخَ
تري ليلك الذي يلوح لك هنا
ثم تضيع بيننا كالصدي
كحلّة الشتاء حيث الشمس تسطع
والليل الذي هنا أو هناك
جاء نحونا، نحو ظلنا
الليلة المرعدة التي حولنا
لفحة الهواء، حيث تركض الأنهار
والذكريات من هنا إلي هناك
تسمع الصدي، رنّة الضباب
اللطمة، الوجه الصارخ
دون أن نعرف، نسمع صوتك
حينما يحلّ ليلك الذي كان هنا
فيما الذكريات تنحلّ وتختفي.
ورحت ماشياً
في الطريق
تهزُّ يدكَ الكلمةُ، تدفعك الهنا
صورتُك المطبوعة، تجرّها بين
اليدِ واليدِ وتُسرعُ أكثرَ من هنا
لتجلب ليلك، تدفعه إلي أقماره
لتسير وحدك، تصغي لذاتك
وتنصت للنسغ أكثر.
اليومَ إذن هنا، أجلستَ
نفسك وصغتَ لنفسك الراحة
ورحتَ ماشياً في الطريق.
ضع كلمتك لنا
خذْ اليدَ الممدودة، جرّها
فاليومَ أنت هنا
تجرّك الأطيافُ
أكلّ شمسٍ ستأخذ
أكلَّ أملٍ وبارقةٍ
أكلّ ليلةٍ تضمها إليك
وتنهض، يدك التي كانت
ممدودة
كلمتك التي راحت وانتهت
لكي تعبّ المسافة
وتركن الليلَ في النهار
لكي تريح نفسك
وتتكئ علي المعاني.
تأتيك المعاني
تريدُ أن تأتيك المعاني
كلّ يومٍ لتنهض
تحمل العبء وتمضي من هنا
لتركبَ الرؤيا هناك وتخطو
كان المصير بانتظارك
جالساً بيديه، يلهو
وأنت تعرفُ الدنيا
تعرف الذكري التي كانت
هنا وراحت تسيرُ ببطء
حتي تلاشت.
العودة إلي البلد البعيد
كنتُ أسمعُ الصدي، حالماً بالعودة
من بعيد إلي البلد البعيد
الخطي الكبيرة أخطوها سريعاً
واللُقي أجمعُ في الطريق
لكي يكون حملي ثقيلا والظلامَ
أجرّ من اليد، أحلمُ بالطفولة
بابن آوي هارباً أمامي، بالليل
والنجوم، بالضحي، يشدّني الجوعُ
فيه بحبلٍ إلي البيت.
الكلاب تأكل خبز يومها
يدي التي لاقت يقيني
نظرتي المسطّحة، وعالمي الحزين
من هنا إلي هنا
تجرّه عابرةُ الليالي
وتنهبه أقمارُها _ الرماد.
من هنا إذن
ليلتي التي يُحزن عندها
ونظرتي المكبّلة
رايتي التي كانت شراعاً
مُزّقت، وحطّم عمودها
وشُتّت اليقين خلفها
ويدي التي هي راحتي
قُطّعت
وراحت الكلابُ تأكل خبز يومها.
في القاع نمنا
كلمتك تهيمُ حولنا
النارُ الباردةُ تغلقُ موقدها
تتأبطنا من المصير الذي كان بانتظارنا
هنا كنتَ، هنا جئتَ
لعبت اللعبة الكبيرة
وشددتنا إليك دائماً
كلمتُك تهيمُ حولنا
ويدك الممدودة، سحبتها
فانتهينا إلي القاع
وهناك نمنا.
الحياة تئن
كنت أسير إلي النجوم ضاحكا
فكل علة مرارة عرفتها
حائرا بين ضفتين من هنا
إلي هناك، فعلتي حملتها
بكيس وسرت من جديد
لكي يعرفوا أن ناقتي لم تمت
ولم يمت ذلك الصدي
حينم كان القلب ينبض
صيفا وفي الشتا ينصب
خيمة علي الضفتين
والحياة تئ في كل نبضة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.