حين كانت هذه الجغرافية نيئة، كانت الخرائط في القارورة لم تسكب بعد، وكنا وحيدين في هذا الفراغ، مجرد يتيمين بأرواح تتوق للتسكع فقط، البشرية التي خذلتنا سويةً ما يكفي ستين زمناً لمجرات متشظية في سماء غريبة، كما يحلو لنا أن نتخيل قبل أن تنهي أنت زجاجة النبيذ، هي ذاتها لا تتغير، بشرية لا تنفع علي الإطلاق، ولا تتقن حتي اجترار آلامها الجمعية، لذلك أري أن أستعين بالحيوانات التي لطالما تبادلناها كشتائم غالية علي القلب.. لكن عندما كنا، كنتُ العصفور الملوّن الذي ينقر تفاصيل علاقاته العاطفية علي أنفك دون اكتراث، وتغفر له أنتَ السمكة باللون الواحد لا تُحل بالماء أو التراب، وأنا عصفور عابث يسعد بالدود يتقلب بمرارة في بطنك الجميل، قصة الحيوان لماذا لم تفكر بها علي هذا النحو؟.. حسناً، فهي حكاية تناسبك أكثر، أنت رجل قُذف إلي الثلج ليلاً ، وكذلك امرأة حُبست في الظل. حين تشبثتُ أنا بما تبقّي من حشيش يابس كنت أُشبه أي شيء اغتيل في الغابة، ولم تسعه أكياس الصيادين، بينما كنت أنت التيس الذي انتحر في العتمة، لكن عدنا ثانيةً بعد أن حصد الجميع حقول المرارة بصمت ورحلوا بالخيبة ذاتها، خرفان نلتف حول بعضنا بصوف الحنين، تنتظر بأسي جزّار الوقت فقط، وهاهو جزار الخرفان الممتلئة بالذاكرة يدق باب حظيرة الحزن هذه ولا يري أحداً، كيف حدث أن يفقدنا الحزن هذه المرة؟ لا أعلم.. ثم رأيتك تتمشي في زمن استوائي حار جداً، فجئت إليك سعداناً مراهقاً أفصفص علي شعرك حكايتي مع غوريلا خارجة من كهف قريب من هنا، فكنتَ القرد الذي قلب المكان علي رأسي، وهذا بالضبط ما ضيّع عليّ حكمة الأسد التي تدق بضراوة في قلبك، فمن كان في ذاك الزمن مثلنا؟! قرد يخلع الأقنعة كلها عن وجه أسد، حينها كان علي أن أعلم أنك لست من لحم عشيرتي فوق شجرة الضباب، ومجرد قرد صغير يطمع بجنسية ملك الغابة، سأتمهل أزمنة صحراوية حتي أعود إليك حمارة ناضجة تجرؤ علي سؤالك: لماذا تحتاج إلي عرش أنت تملكه سلفاً، تحتاج إلي هذه السذاجة مع القهوة التي نحتسيها بهدوء غالباً، تحتاج أن أقول أنت حبيبي ملك الغابات كلها؟ ولا أنتبه إلي الدموع التي وقعت علي صحن فنجانك... مع مواسم العنب كنا الأرانب التي شربت كثيراً بيرة في جميع بارات الشام القديمة، تنظر فلسفياً أقصد في حق ممارسة الجنس بانتظام وكثرة، وعن أسبقية الكثرة علي الانتظام، تري العكس، أخالفك الرأي، وهكذا.. فهل انتبهت: أحواض العصر المرحة فارغة اليوم وتنتظر عنب هذه اللحظة؟! ثم ها نحن نعود إلي بيوتنا البعيدة، مجرد أرانب تنسي أين وضعت ساعات اليد، كما نسيت أن عليها الإنجاب الآن!..