د.فاروق شوشة تحت عنوان "مستقبل التراث" أقام معهد البحوث والدراسات العربية المؤتمر الدولي الأول "نحو خطة شاملة للتراث الفكري العربي" الأسبوع الماضي. شارك بالمؤتمر نخبة من كبار الأساتذة من مختلف البلاد العربية والأجنبية، ناقشوا محاور تتصل بمفهوم التراث ووظيفته وتشابكاته بالثقافة والحداثة، ورؤيتنا ورؤية الآخر له، وبعض الإشكاليات المتصلة بحيويته، والمواقف تجاهه، وحدود مساءلته، ومنهج قراءته، والثابت والمتحول فيه، وطبيعة النظر والعمل فيه.. تضمن اليوم الأول أربع جلسات. بدأت الأولي بالكلمة الافتتاحية للمؤتمر. ألقاها د.محمد عبد العزيز ابن عاشور راعي المؤتمر والمدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، ثم تحدث د. فيصل الحفيان منسق برامج معهد المخطوطات العربية عن فكرة المؤتمر التي ركزت علي أن التراث بات هو السؤال الأصعب في الثقافة حيث إنه ليس جزءاً ساكنا من الماضي بل حركة لازمة في صياغة الحاضر وبناء المستقبل ومن هنا جاء التوجه نحو خطة شاملة خاصة بالتراث تكشف عن طبيعة علاقتنا به وتحدد ميادين عمله وترسم سلم أولوياته وتقنن الجدل القائم بينه وبين الثقافة وبينه وبين الحداثة والعولمة والإعلام وثورة الإتصالات وقضايا العصر جملة. أضاف الحفيان أن المؤتمر خطوة علي الطريق يتم فيه التركيز علي التأسيس النظري والحدود والجدل وبعض أوجه العلاقات والتشابكات، تحديداً مع الثقافة والحداثة ولن يكون التأسيس إلا من خلال إثارة أسئلة بعضها مما يظن انة قريب لكن اقرب الأشياء الينا قد تكون اخفاها عنا. أسئلة تطلب إجابات حتي لا نقع أسري استقطاب من أي نوع وحتي لا نضحّي بالدقة العلمية وحتي يكون العمل التراثي عملاً يبدأ بالتراث وينتهي به. تضمّنت الجلسة الثانية من المؤتمر الحديث عن أبعاد العلاقة بين التراث والهوية أوضح فيها د . خالد عزب أن الهوية منظومة متكاملة من المعطيات الحسّية والمادية والاجتماعية والثقافية، كما أنها نسق من عمليات التكامل المعرفي، أما التراث فهو رصيد إنساني متراكم في جذور الأمة ويمثل أيضاً مصدراً معرفياً وحضارياً، كما أن التراث يشكل أركان الهوية الثقافية للشعوب والأمم، ويجّسد ثقافة المجتمع، كما وأوضح أيضا أن الحديث عن التراث يستلزم استدعاء أربعة عناصر، المشهد: الذي يعدّ مكوناً من الماضي يستدعيه عند الحاجة في المناسبات الدينية لكن في حقيقة الأمر التراث كامن في مجتمعنا وشخصيتنا كجزء يسري فيها سريان الدم في الجسم، الصورة: مكون عام لصورة المجتمع قد يكشف وجود التراث أو انعزاله في هذا المجتمع. تكوين الصورة: هذه الصورة ناجمة عن استدعاء تيارات دينية جزءاً من التراث دون غيره في محاولة لفرض وجهة نظر معينة، وأخيراً إعادة تكوين الصورة وهذا يستدعي المفعول الحقيقي للتراث وكذلك التراث العلمي يتم استدعاؤه فقط في صورة الإعجاز العلمي لكن الإنجاز العلمي التطبيقي القائم علي العلم التطبيقي مغيب غياب العرب عن البحث العلمي. وعن التراث والحداثة لقاء أم تصادم تحدث د. يوسف زيدان عن أن العلاقة بين التراث والحداثة في ثقافتنا العربية والإسلامية ليست تصادمية فهذه الأمة كما وصفها الإمام الشافعي أمة السند، كما أنّ العلاقة بينهما ليست لقاء، فاللقاء يكون بين مختلفين أو متغايرين أما ما نراه في أمر هذه العلاقة إنما يعبر عنه كلمة التواصل. تحدث د . فيصل الحفيان في الجلسة الثالثة عن التراث من حيث ضبط المفاهيم وبناء المفهوم حيث إنّ لإضطراب والخلل حاضران حضوراً ينعكس سلباً علينا نحن والتراث ثم إننا ما نزال حتي اليوم مترددين في تحديد هوية هذا التراث. هل هو عربي أم اسلامي ام أنه عربي اسلامي معا ولا شك ان هذا الحديث يبيّن ان التراث وقع أسير النظرة الجزئية ودار في فلك النص دون التأسيس له نظريا . أما الجلسة الرابعة والاخيرة في اليوم الاول فكانت عن التراث بين الموقف منه والعمل فيه حيث تحدث د . كمال عمران و د. بشار عواد معروف مؤكّدين أنّ هناك ثوابت تعرّف مفهوم التراث وتضعه في ميزان المقارنة بين ما هو تعطيل للتراث وما هو توظيف محمود. أما توظيف التراث في الدراسات الحديثة فهو أمر مهم لأن التراث هو خبرة الأمة علي مدي قرون متطاولة وهو المثبت لهويتها الحضارية. بدأت الجلسة الخامسة في اليوم التالي بحديث د. سليمان العطار عن الرؤية الشمولية للتراث بين الحضور والغياب حيث ذكر أن هذه الرؤية بدأت مع النهضة الاوروبية التي سميت بالحركة الثقافية والتي اشتملت علي العمارة والنحت والتصوير والادب والفلسفة. اضاف ان التعامل مع التراث عملية مستمرة متوالدة لم تقف بنهاية النهضة بل هي ممتدة حتي اللحظة الحاضرة وحاصلها بتجاوز النخبة من الباحثين إلي عامة الناس المنتمين لذلك التراث مما خلق أرضية ثقافية مشتركة بين الأوروبيين علي اختلاف لغاتهم وانتماءاتهم العرقية والدينية. ثم تحدث د.عبد الحكيم راضي عن التراث والمسئولية وأوضح ان المسئولية ذات شقين، الأول، المحافظة علي هذا التراث والعمل علي نشره والثاني وهو الأهم الاطلاع عليه والافادة منه ونشره في كل مكان يمكن الوصول إليه وأن الاصل هو الافادة من التراث بتفعيل دوره في حياتنا. وفي جلسة أخري بدأ الحديث عن التراث المعرفي الذي يكمن فينا ويمثل ذلك البعد المعنوي الذي لايقف عن حد احتلاله جزءا من ثقافتنا وتفكيرنا وانما هو مثبت في وعينا يسري فيه سريان الروح في الجسد، وأننا نفهم التراث نظريات ومناهج واليات ومعارف صنعت حضارة انسانية رصدها تاريخ العلم ونفهم تجدد المعرفة علي أنه منظومة، قاعدتها التراث، وحلقاتها المفاصل المهمة التي مرت بها شتي انواع العلوم والآداب والفنون، وهذا يشكل جوهر المنظومة التي تبدو وكأنها تكريس لتاريخ طويل من العطاء الحضاري. وكان ختام اليوم الثاني وفاعليات المؤتمر مع الشاعر فاروق شوشة الذي طرح العديد من الاسئلة الخاصة بالتراث فتساءل هل نحن من ورثة الراشدين؟ وهل اتسع علمنا وامتدت قدراتنا للإحاطة بهذا التراث في حدوده ومعالمه بين اتحاد شديد بهذا التراث وانغماس فيه ووضعه في مكانة تقترب من التقديس بدوافع الهوية والانتماء والتماس الاصول، وقطيعة به بدعوي التجاوز.. فهل تحقق اليقين الذي يلغي التشتت والانقسام؟ وهل لدينا بفعل تراكم الخبرة وتعدد المناهج واتساع مجالات المعرفة ما يمثل الوعي النقدي الذي يثبت وينفي ويقلب ويختار ويفسر ويقيم حركة العقول التي جعلت من التراث طعاماً يومياً تتغذي بأجمل ما فيه من علامات؟