أكد المؤتمر الدولي الأول للتراث الذي عقد مؤخرا بمعهد المخطوطات العربية تحت رعاية المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم"الألكسو" تحت عنوان"مستقبل التراث.. نحو خطة شاملة للتراث الفكري العربي". أن التراث الحضاري للأمة قدم للإنسانية ما لم تقدمه وتحققه أمم أخري. وانه من أهم مقومات الأمم والشعوب. ويعد من أفضل عناصر توطيد العلاقات بين الأمم. وطالب بقراءة جديدة للتراث وبوضع خطة شاملة للاستفادة من ثرائه باعتباره إبداعا إنسانيا للأجيال المقبلة. وهو يمثل في الوقت ذاته الهوية الوطنية. ولفت إلي أهمية دور الثقافة والفكر والتراث في تاريخ الشعوب. وأهمية وسائل الإعلام في التوعية بدوره خاصة لدي النشء. وشدد علي ضرورة تأمين وحماية وحفظ جميع أشكال التراث. وضرورة التوسع في وسائل الحماية الإلكترونية للتراث الفكري للأمة. وأكد علي ضرورة إقامة جسر من التواصل بين العطاء الفكري العربي الذي أنار العالم. وبين الفكر العربي الحاضر. وذك من خلال التعريف بتراث الأمة الحضاري. والكشف عن مخبآت كنوزه. كما أوصي بضرورة الكشف عن طبيعة علاقة الأمة بالتراث وتجديد ميادين عمله وترسيم سلم أولوياته. وفض الاشتباك بينه وبين إشكاليات الثقافة والفكر وقضايا الحداثة والعولمة والإعلام والتربية والتعليم وثورة الاتصالات. ومساهمته في الحياة الحضارية والتنموية علي مختلف الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وقد افتتح المؤتمر الذي استمر علي مدي يومين الدكتور محمد العزيز بن عاشور المدير العام للمنظمة. والدكتور أحمد يوسف مدير المعهد. وبحضور لفيف من الباحثين والخبراء والمفكرين من مصر والبلدان العربية والأوروبية. ووسائل الإعلام الدولية. حيث عقد المؤتمر بمقر معهد الدراسات العربية. وقدم ممثلو الدول المشاركون أبحاثهم في المؤتمر. وعرضت الورقة البحثية للدكتور يوسف زيدان لإشكالية "التراث والحداثة.. لقاء أم مواجهة" وأكد أن الأمة العربية لا تزال بعد أكثر من 15 قرنا تطرح علي نفسها أسئلة الهوية. وإشكاليات العلاقة بين التراث والحداثة. وأشار إلي أن التراث هو كلمة ليست تراثية وإنما هي كلمة "قرآنية" فالقرآن الكريم يقول:"وتأكلون التراث". وظهرت في أواخر القرن التاسع عشر. وأشير إليها بمعني "السلف" فالبيروني تكلم عنها علي أنها "أثر". ويؤكد أن التراث هو ما تركه الأوائل والسلف لنا. والحداثة هي المعاصر لعقلنا. وقال إن التراث لفظة لم تنضبط. وأن هذا ينطبق أيضا علي كثير من الأمور التي ترتبط بها. موضحا أن الحداثة مفهوم غربي لا تنتمي للمنظومة الفكرية التي ننتمي إليها لأنها مفهوم مرتبط بتطور الفكر الأوروبي. وتطرق إلي المراحل التاريخية التي مر بها الفكر الغربي. مؤكدا أن أوروبا عاشت قرونا طويلة في مرحلة أطلق عليها عصور الظلام. بعدها دخلت في مرحلة الإحياء عن طريق النقل والأخذ عن المعارف والحضارات الأخري خاصة اليونانية والعربية. أعقبها تدشين عصر العقل الأوروبي وعصر النهضة الذي بدأ بالفن والفكر والعلوم التجريبية. ويؤكد أن حركة العقل الأوروبي في عصر النهضة هدفت إلي السيطرة علي الطبيعة. وأن هذا ظهر بوضوح في فلسفة ديكارت. وأيضا في مدارس الفن الأوروبي والمدارس الفكرية في الجامعات. ولكن العقل الأوروبي دخل القرن العشرين منهكا بفعل ما حدث في القرن التاسع عشر. وقال إن الأمة العربية لا تزال تستخدم الألفاظ التي استعملها امرؤ القيس والجاحظ. والقرآن مازال يقرأ بحروفه العربية. مضيفا أن العلاقة بين "التراث" القديم. و"الحداثة" الجديدة. في ثقافتنا الإسلامية ليست تصادمية فهذه الأمة كما وصفها الإمام الشافعي هي "أمة السند" وهو وصف يلخص كثيرا من المعاني المرتبطة بالنزعة الماضوية في ثقافتنا. وناقش الدكتور سليمان العطار- الأستاذ بجامعة القاهرة- في بحثه"التراث والرؤية الكلية" إشكالية غياب الرؤية الشمولية للتراث العربي. وكشف عن أهميتها في النهضة والوحدة بين الشعوب. وأوضح أن الشعوب الأوروبية تتمتع برؤية شمولية لتراثها. وأن هذه الرؤية بدأت مع عصر النهضة التي انطلقت في منتصف القرن الثالث عشر واستمرت قرونا طويلة وتفاعلت فيها حركة ثقافية ومدارس فكرية قادت في النهاية إلي تحقيق حلم الوحدة بقيام الاتحاد الأوروبي. وقال إن الأمة العربية لا تمتلك رؤية شمولية لتراثها. وهو ما سبب الكثير من الخلافات العميقة بين دول العالم العربي. كما ساهم التعامل العشوائي مع التراث إلي تراجعات حضارية خطيرة. وكشف عن أزمة توظيف التراث والانتقائية وسيطرة الفردية في التعامل مع قضاياه. وقال إن الأزمة الحقيقية التي يعاني منها تراثنا تتركز في تفرق الجهود وتبعثرها الأمر الذي ساهم في استمرار تبعثر مخطوطاته في متاحف العالم ومكتباته وأيضا تفرقه ومحاولة توظيفه بين مذاهب طائفية أو عقائدية فضلا عن إشكالية اضطهاد التراث الشفوي والمعماري والفني. ولفت إلي خطورة الخلط بين التراث العربي والتراث الغربي والنزوع إلي جعله موضوعا للمقارنة والمفاضلة بينهما. مضيفا أن النظرة الشمولية لتراثنا تتحقق بتكريس العمل المؤسسي العربي وجعله محل العمل الفردي أو الإقليمي. وجعل الاستراتيجية محل الأيديولوجية والانتقائية وأن يكون التخطيط محل العشوائية. وتحدث الدكتور فيصل الحفيان- منسق برامج معهد المخطوطات العربية- في بحثه "التراث.. ضبط المصطلح وبناء المفهوم" عن إشكالية التردد في تحديد هوية التراث العربي. وأزمة التساؤل حول هل هو عربي أم إسلامي أم هو عربي إسلامي معا؟. وأشار إلي خطورة الخلط بين الأزمنة وإسقاط الحاضر علي الماضي. وقال إن البعض يميل إلي نسبة التراث الموجود في بلد قطري إلي ذلك البلد ولا مبرر لذلك سوي وجوده فيها. مضيفا أن الإشكالية الحقيقية تتضح عندما ننتقل إلي الوعاء الذي صب فيه التراث "اللغة". وإذ يثور السؤال الشائك هل التراث العربي هو المكتوب بالعربية فحسب. أم إننا يمكن أن ندخل فيه ذلك المكتوب بالحرف الغربي ذي الموضوع العربي. ويقول إن الأمة دخلت في القرن الخامس عشر الهجري ولا تزال تختلف في الحدود التاريخية لتراثها. تلح في طرح التساؤلات التي تدول حول تاريخيته وهل نقف به قبل عصر الطباعة أم نمتد به إلي لحظتنا الحاضرة. وهل التراث هو المخطوطات. أم محتواها. أم شئ آخر؟ ويؤكد علي ضرورة ضبط مصطلح التراث وبناء مفهومه حتي يمكن التعامل معه والاستفادة منه وتوظيفه ليكون تراثا حافزا وليس عبثا. وتعرض الدكتور خالد عزب- مدير الإعلام بمكتبة الإسكندرية- في بحثه "التراث والهوية.. إبعاد العلاقة" للعوارض التي تعيق الاستفادة من التراث في حياتنا. وأكد علي أهمية استحضار العديد من العوامل عند الحديث عن التراث. أولها المشهد. حيث يسود في الوطن العربي الآن فكرة أن التراث مكون من الماضي. فيتم استدعاؤه عند الحاجة إليه في المناسبات الدينية أو تستحضره تيارات معينة لتوظيفه في خطابها. ويقول إن التراث كامن في مجتمعنا وشخصيتنا ووجودنا. والمشكلة الحقيقية في وجود العديد من العوارض التي تجعل من وجوده وتأثيره في حياتنا يتضاءل يوما بعد الآخر. وهذا يحتم ضرورة طرح التساؤل عن أي تراث نريد في القرن الحادي والعشرين. ويضيف أن استدعاء تيارات دينية جزءا من التراث دون غيره. ساهم بدرجة كبيرة في تعقيد المشهد العام للأمة. حيث يؤدي التمسك بعرض وجهة نظر معينة أو وجهات نظر متعارضة مستمدة من خلافات الماضي في زمن أصبحت الوسائط الإعلامية تنقل هذه الخلافات علي الملأ إلي استمرار تفجر الخلافات في جسد الأمة. وأكد علي ضرورة إعادة تكوين الصورة الذاتية للأمة عن طريق استدعاء المفعول الحقيقي للتراث من خلال نشر وتحقيق النصوص وإعمال العقل والفكر فيها ونقدها والاستفادة من منجزاتها الحضارية.