لقد تابعنا في المقال السابق بعض التقنيات الفنية في رواية خيري شلبي التي تحمل هذا الاسم، كما تابعنا مجموعة الأنساق التي تبنتها، وهي - في مجملها - أنساق المهمشين، واستكمالا لهذه القراءة، نشير الي أن الرواية لم تقدم هذا كله علي نحو مباشر، وكأنها خطبة وعظية، أو كأنها تعليمات فوقية تحت سطوة (افعل - لا تفعل)، وإنما قدمت ما قدمته لتضعه تحت طائلة التأمل للقاريء، ومن ثم سيكون وصوله لمستهدفات النص مسألة حتمية، لكن هذا الوصول رهن بالقراءة المزدوجة، تلك التي تقرأ السطوح، ثم تتجاوزها الي خلفيات هذه السطوح، أو علي نحو آخر نقول: ان القاريء يتابع ما يقرأ، ثم يستحضر ما لم يقرأ، وغير المقروء هنا: قضايا الانسان في (العدالة - الحرية - المحبة - التسامح - التعليم). ومن ثوابت القراءة الصحيحة النظر في أداة تقديم النص لقارئه، أي (اللغة)، ولغة خيري شلبي تميل الي اللغة الفصيحة التي تتيح لبعض المفردات العامية أن تأخذ حقها في الاستعمال تبعا للاحتياج السردي وللحواري، وطبيعة الشخوص، ومكوناتها الثقافية والاجتماعية. لكن اللافت أن معظم مفردات خيري شلبي العامية ذات أصل فصيح، نلاحظ مثل ذلك في هذا التعبير: (كسبنا صلاة النبي) (ص081) وهذا نموذج لعشرات التراكيب التي توهم بالعامية، وهي فصيحة، واللافت أن كثيرا من هذه التراكيب كانت محاولة من الابداع لتسكينها الذاكرة حتي لا تغيب مع التطور الحضاري لعالم الريف، ويتوازي مع هذه الظاهرة التعبيرية مجموع الأمثال والحكم الشعبية، من مثل: (إن دخلت بلد بتعبد العجل حش وارميله) (ص 811). ويلاحظ علي لغة الرواية عامة، انها كانت تميل إلي الخشونة في مواقف الندب والثأر، وتميل إلي النعومة، ثم تحلق في أفق المجاز في الوقائع العاطفية، سواء أكانت حزينة أم مبهجة، وهذا المجاز الذي زرعه الابداع في الرواية، غالبا ما يكون مجازا بكرا، أو غير مسبوق، نلاحظ مثل ذلك في الصورة التي رسمها الراوي (حمزة) لعمه العمدة: »كان منظره بدون العباءة والزعبوط، أشبه بخروف عجوز أزيلت فروته الصوفية« (ص 79). وفي سياق الأداة اللغوية، نلحظ أن السرد قد ترك مساحة كافية للحوار الذي تقدم فيه الشخصية مقولها بألفاظها هي، لتكون مسئولة مسئولية مباشرة عن فعلها وقولها علي صعيد واحد. والذي أراه أن هذا النص لخيري شلبي، يطاول أعظم نصوصه التي سعت لإنصاف المهمشين، ونقلهم من هذا الهامش الظالم، الي المتن الاجتماعي الجدير بهم، والجديرون به.