عرضنا في المقال السابق لدرامية رواية خيري شلبي في المستوي السطحي والعميق، ونتابع اليوم قراءتنا لهذه الرواية لنلاحق بعض تقنياتها السردية، وبخاصة تقنية (الرجوع) لا (الاسترجاع) كما هو شائع في علم السرد، ذلك أن الماضي لايقبل الاسترجاع بحال من الاحوال، وإنما المتاح هوالرجوع إليه بالتذكر، ويتحقق ذلك بفتح الذاكرة لاستحضار بعض الخلفيات التي كانت مؤثرة في وقائع الحاضر السردية، أما الآتي، فهو المسكوت عنه سرديا، إذ ظل هذا الآتي رهنا بالقاريء، علي معني أن الماضي كان مقدمة أولي، والحاضر كان المقدمة الثانية، والآتي سوف يكون نتيجة هاتين المقدمتين. وهذه الثلاثية الزمنية لم تنفصل عن المكان في الرواية، وذلك برغم ثبات الزمن، وعدم ثبات المكان، فهو مكان متحرك بين عالم القرية - بالأصالة - وعالم المدينة بالتبعية، ففي القرية، كانت واقعة القتل، وتوابعها من المطالبة بالثأر، وفي المدينة، كانت وقائع الحب وخلوا لبال وتوابعهما، وقد ربط السرد بين هاتين البيئتين جدليا، فكل بيئة كانت تؤثر في الأخري وتتأثر بها سلبا، وإيجابا. وهذه الجدلية التي تعلقت بالمكان، اتسعت لتستوعب معظم الشخوص بكل محتوياتها من العادات والتقاليد والأعراف، وبكل مكوناتها من الخير الشر، ولعل ذلك كان وراء ارتفاع أصوات بعينها، وبخاصة أصوات كبار السن من الذكور والإناث، لأنها الأصوات الممتلئة بهذه العادات والأعراف الريفية والعائلية. ولاشك أن هذا النص الروائي قد أغرق في محليته، ولكنه قاد هذه المحلية للصعود إلي أفق إنساني، ففيها مافيها من بيئة القرية، وفيها مافيها من بيئة المدينة، ثم فيها مافيها من الصدام بين الخير والشر، لكن الذي نهتم له في هذه القراءة الموجزة، هومتابعة بعض الأنساق الإنسانية التي زرعها السرد، مثل ثنائية (الذكورة والانوثة) وتوابعها التي أدخلت هذه الثنائية دائرة التفاضل بإعلاء الذكورة علي الأنوثة، ومثل ثنائية التقابل بين (العربي والأجنبي)، ثم يأتي نسق بالغ الحضور في الوعي القديم والجديد، ونقصد به (السلطة العائلية) وبخاصة في عالم الريف، ثم يتحرك السرد لاستحضار نسق طاريء علي المجتمع في الزمن الاخير، هو نسق (المتأسلمين الجدد) الذين أساءوا للمسلمين قبل أن يسيئوا لغير المسلمين، أما كيف قدم النص كل ذلك؟ وماهي الادوات التي استخدمها؟ فهذا ما سوف نطرحه في المقال القادم.