لم يكن اختيار الحادي عشر من ديسمبر موعداً لبدء ملتقي القاهرة الدولي الخامس للإبداع الروائي العربي مجرد مصادفة. إنه يوم ميلاد عميد الرواية العربية نجيب محفوظ. لذلك كانت الدراسات التي تناولت حياة نجيب محفوظ وأدبه هي الملامح الرئيسية في المشهد الروائي العربي. أكثر من ثلاثمائة مبدع وناقد ودارس من أقطار الوطن العربي تحدثوا. وقدموا مداخلات. محورها الرواية بعامة. والرواية عند نجيب محفوظ بخاصة. الرواية - في تقدير الروائي والشاعر سمير الفيل - هي الجنس الأدبي الأكثر حضوراً في المشهد الأدبي العربي الآن. بما لها من قدرة علي قراءة الواقع وفهم الحاضر. والتنبؤ بما يمكن أن تسفر عنه صورة المستقبل. وقد رأينا عدداً لا يستهان به من النقاد يقرون أننا نعيش زمن الرواية بكل تشعباتها وعناصرها الحية. خصوصاً في وقت تحتشد فيه الفضاءات المعرفية بقفزات واسعة تطال عالم التقنيات الحديثة التي تمكنت بالفعل من طرح بعض الاجتهادات في مجال التطبيق الواسع لما يمتلكه الإنسان المعاصر من معلومات وشبكة حديثة للتقدم العلمي الذي يتصل بعلوم الطبيعة والجيولوجيا والفضاء. وهو ما يوفر بيئة صالحة لإعمال المخيلة خصوصاً النشطة. وتوجد أنساق علمية تساعد علي تفاعل الروائي مع ما تبسطه الشبكة المعلوماتية من إمكانيات لمعرفة وفهم وإدراك الواقع بكل أبعاده. التقاط الأنفاس وناقش د. أحمد درويش ما سماه التناص الداخلي والتقاط الأنفاس عند نجيب محفوظ. لاحظ أن الإنتاج الروائي عند محفوظ في بعض تقنياته يعتمد علي الارتكاز علي وسيلتين فنيتين. تشيع إحداهما علي مستوي الحوار أو المونولوج. والثانية علي المستوي الفني والتحليلي. مستوي السرد أو الديالوج. ويمكن أن نطلق علي الوسيلة الأولي تقنية التناص الداخلي. حيث تتكرر شرائح من بعض المشاهد الحوارية في مواضع مختلفة من الرواية الواحدة. مع اتخاذها في كل مرة منطلقاً لتنمية إحدي زوايا الحدث. وتتكرر التقنية الثانية خلال استخدام تيار الوعي في العمل الروائي. حيث يتوقف التيار فجأة في لحظة يمكن أن يطلق عليها لحظة التقاط الأنفاس.. وهي لحظة خاطفة لكي يعود التيار بعدها إلي استكمال تدفقه الباطني. وطرحت الروائية إقبال بركة فكرة "التليرواية" وهو نوع فني جديد يجمع بين خصائص الرواية والدراما السينمائية والتليفزيونية التي يمكن طباعتها في كتب لما تحويه من عناصر التشويق والإثارة والعمق والرؤية الشاملة. وضربت مثلاً بأعمال نجيب محفوظ في السينما. في الأربعينيات والخمسينيات. ثم أعمال العديد من مؤلفي الدراما التليفزيونية. فالمتأمل لتلك الأعمال يري أنها كتبت علي شكل حوار درامي. وإن لم ينقصها الحبكة وبناء الشخصيات من الواقع والرؤية الشاملة والوحدة العضوية. وكل الخصائص المتعارف عليها للرواية. وفي تقدير الناقد أحمد رشاد حسانين أن النموذج السردي الجديد صار يرتكز علي شعرية النص. وشعرية الأداء ايضا. وهو يعيد إلي اللغة وظيفتها الأولي باعتبارها طاقات انفعالية. لهذا اتجهت النصوص إلي شعرية اللغة المركزة المكثفة. وهو أمر طبيعي لسرد اتجه معظمه إلي تقديم الواقع الداخلي للإنسان أكثر من اهتمامه بتقديم الواقع الخارجي الذي لم يعد كافياً لتقديمه علي مستوي حركته الداخلية والخارجية. وهو ما يلاحظ في تكنيك المونولوج الداخلي الذي أصبح ظاهرة في صياغة السرد المعاصر. خصوصاً الكتابات الشابة. وعرض د. حامد أبوأحمد للمشهد الروائي خلال النصف الثاني من القرن الماضي. أشار إلي نقلات مهمة ومؤثرة ليس في أوروبا فقط. وإنما في بلاد أخري كثيرة. ومنها أمريكا اللاتينية. لدرجة أنه صار من الصعب جداً ملاحقة ما يكتب في كل مكان. ولا شك أن عدداً كبيراً من الكتاب. كان لهم بصمات واضحة وتأثير واضح. من بينهم الكاتب الأرجنتيني خوليو كورتاثار. والكاتب البيروني ماريو بارجس يوسا. والبرتغالي يوسا. والتركي باموق. وغيرهم. إن من يقرأ بعض الأعمال لكل كاتب من هؤلاء سيلاحظ أن الكتاب استخدموا تقنيات جديدة لم تكن مألوفة من قبل. وحدة الفنون وفي محاولة لتنظير وحدة الفنون. أو تداخلها. قدم إبراهيم محمد عامر بحثاً يدرس تأثير الخطاب السينمائي بتقنية المونتاج في الخطاب العربي. فتداخل الفنون والعلاقات القائمة بينها أمر مطروح منذ القدم. كقدم الأنواع الفنية نفسها. ابتكر الروائيون أشكالاً روائية جديدة تتلاءم والظروف التي عاشها هذا الجيل من المبدعين. وحاول الكاتب تطوير أدواته وتغيير أساليب تعبيره لاستيعاب هذه الحالة الجديدة. ولجأ الكتاب إلي فن السينما يستعيرون منه التقنيات التي تساعدهم في إنتاج هذه الأشكال الروائية الجديدة. وكان من بين أهم الأدوات التي استعارتها الرواية العربية من منجزات فن السينما تقنية المونتاج السينمائي. وأكدت إيمان حميدان أن السرد أنثوي بالرجوع إلي شهرزاد التي اشترت حياتها بالسرد. كتابة المرأة هي باستمرار نوع من الشوق إلي الحياة وموازاتها.. مع أن شهرزاد بالنسبة لي لم تروي لتعيش فحسب. بل لتقول نفسها. وتغير ميزان القوي بالسرد الذي بفضله أصبحت الأقوي. وأمسكت بمفتاح اللعبة حين أدخلت شهريار في عالمها الخيالي. وذهبت إيمان إلي أن الأدب النسائي هو اعتراف المرأة. تقول حقيقة جسدها. حقيقة شعورها. وتقدم عبر الكتابة وثيقة عن حياتها الجسدية والداخلية. فهي بذلك تغني الواقع وتجعل له حقيقة ومعني. وأثار الناقد والمترجم ربيع مفتاح هذا السؤال: لماذا اتجهت معظم الكتابات النسائية إلي الرواية؟.. وأجاب: لقد تصدرت الرواية المشهد الثقافي العربي. وقد يعود ذلك إلي أن الرواية فضاء واسع يعطي الحرية بعيداً عن قيود الزمان والمكان. كما أنها ملحمة ذاتية يستطيع فيها الكاتب تصوير العالم علي طريقته الخاصة. من خلال الرواية يستطيع الكاتب أن يعري ذاته. كما أنها تستوعب التفاصيل. وتصبح اللغة مرادفة لذات الكاتب. وأصبح التداخل بين فن الرواية وفن السيرة الذاتية كبيراً إلي الدرجة التي أصبح عندها التمييز بينهما أمراً بالغ الصعوبة. وركز الروائي محمد الجمل علي قضية المستقبل في رواية الخيال العلمي.. قال إن حلم الإنسان بالمدينة الفاضلة حلم قديم. وقد تأثرت المدن الفاضلة بظهور تيار الخيال العلمي في الأدب الغربي في منتصف القرن التاسع عشر. ثم انتقل التأثر بهذا التيار إلي الأدب العربي في منتصف القرن العشرين. إن مثل هذه اليوتوبيات واليوتوبيات المضادة تعد اعترافاً من مؤلفيها بقلقهم علي مصير كوكبنا الأرضي. من خلال تساؤلات عن هذا المصير. دون الوصول إلي إجابات حاسمة. وحول معني الكتابة. قال الروائي محمد الفخراني: إن الكتابة تجربة حياة. والحياة تجربة كتابة. العالم مكان للكتابة. والكتابة مكان لاحتواء العالم. وكل الموجودات في جزء كبير من حقيقتها تجارب. والمختلف المميز منها هو ما يصنع الفارق في هذا العالم. كذلك الكتابة في جزء كبير ومهم منها تجريب. والتجريب الجميل المختلف الذي يحمل رؤية للعالم هو ما يصنع الفارق في الكتابة. فتسقط كل التجارب المتشابهة العادية. وفقط التجارب الإبداعية التي تأتي بجديد يمثل فارقاً. ويترك كلمة. ويضع علامة. هي ما سيبقي. أحوال القراءة وحاولت بسمة عبدالعزيز أن تناقش الأسباب والدوافع التي حققتها الرواية في مقابل التوزيع المحدود للمجموعات القصصية ودواوين الشعر. كما تطرقت إلي الدلالات النفسية والاجتماعية التي يمكن استقاؤها من خلال نمط القراءات. وحاولت الورقة الربط بين تدعيم دور النشر أحد الأنواع الأدبية من ناحية. والرواج الذي يلاقيه هذا النوع وسط القراء العاديين من ناحية أخري. وتطرقت الرواية ايضا إلي وجود كتب ودراسات نقدية أدبية مهمة لم تلق رواجاً. وأسباب عدم الإقبال عليها. وعلاقة ذلك بالبنية العقلية للقارئ المصري. وما تعنيه فكرة القراءة لديه بشكل عام. وكان أهم ما أثير في الملتقي كلمة الروائية الفلسطينية سحر خليفة. أبدت أسفها لما صارت إليه أحوال القراءة في الوطن العربي. وقالت: إن مكانة الأديب تآكلت بصورة لافتة. وأضافت إن مثقفينا يسرفون في التحدث عن نوبل وغيرها. متناسين أن المكانة الحقيقية للمبدع يجب أن تتحقق بإبداعه أولاً. ثم باتساع جمهور القراء.