في المجموعة القصصية الأولي لأحمد عوني "قلق مزمن" هناك هاجس سياسي ملح علي الأحداث والشخصيات. الإضراب مثلا يحتل قصة، تنتهي بإنسحاب البطل، ولكن الإضراب لا يرتبط بقضية عامة، فالإضراب يحدث من أجل الإسراع في تجميل الحديقة والمباني! كتب عوني نصوص المجموعة الصادرة عن دار "شرقيات" في سن صغيرة، يقول ساخراً:"هي نصوص كتبتها وعمري عشرين عاماً، إنها نصوص لها ما لها، وعليها ما عليها".. ينتمي عوني إلي عائلة يسارية.. هذه المعلومة مهمة لتفهم المجموعة الأولي للكاتب، يوضح أهمية هذه المعلومة بقوله:"ربت _ العائلة- فيّ أفكاراً معينة، هي أفكار مقحمة عليّ، وهذه العائلة في الوقت نفسه تنتمي لطبقة غنية، وهكذا تتضاد أفكار العائلة مع الطبقة!"..لهذا يجد عوني أن النظرة للعالم بوصفه طبقات اجتماعية مفروضة عليه، هي أفكار ثابتة لا يمكن المساس بها، لهذا كان الكلام عنها في المجموعة ضرورياً، يقول أحمد:"كنت أريد السخرية من فكرة التكوين الطبقي، من أجل أن أكون مستقلاً". كان طالب الهندسة بالجامعة الأمريكية يري أن الارتكاز أو الانتماء لهذه الفكرة غير مناسب له، حيث يقول: " الارتكان إلي الكل، إلي الأفكار المطلقة، رغم كونها أرقي معرفياً، إلا أنها لا تناسبني، لا تعد تجربة خاصة بي". كتب عوني هذه المجموعة محاولاً الاستقلال عن " التاريخ المعرفي الإيديولوجي، الذي يعد عميقاً وأعلي معرفياً، لكنه في النهاية لا يعبر عني بشكل ذاتي".. يشبّه عوني نفسه، وكذلك السارد في نصوص مجموعته، ببطلي فيلم "آيس كريم في جليم"، لخيري بشارة. كان نور(أشرف عبد الباقي) مناضلاً، وسيف(عمرو دياب) حالماً، والشخصيتان تقابلتا وعليهما العمل والعيش سوياً، وكتابة الأغاني.. الصراع ما بينهما هو الحالة التي عاشها السارد، لهذا أراد عوني أن يصل إلي النتيجة الختامية للفيلم في مجموعته، أن يغني للناس كلامه مثلما فعل عمرو دياب في الفيلم. أن يستقل عن الخطاب النضالي الخاص بنور، ويقدم خطابه هو حتي لو كان هذا الخطاب ذاتياً بعيداً عن المقولات الكبري.. رغم ذلك لم تندرج نصوص المجموعة في إطار الكتابة الذاتية. عوني يري أن مجموعته تعد نشازاً بين الكتابة الحالية، "الحادث الآن كتابة ذاتية ولا يوجد هم عام، هي كتابة ذاتية بالمعني السطحي للذات"، لكن "كتابتي ليست منغرسة في الشأن الاجتماعي، هي ذاتية أيضاً، لكن ذاتي موجودة داخل إطار المجتمع، أي أن الذات داخل الإطار الأوسع". الرغبة في الاستقلال كانت دافع عوني للكتابة علي أكثر من وجه، فقد حاول الكاتب الشاب أن يبتعد عما يسمي ب"الكتابة الجديدة"، يوضح:" حتي لا تكون أفكارك مشابهة لما يكتبه غيرك.. تلاقح الأفكار في البدايات غير مفيد، لأن ذلك سيخلق موجة من الكتابة والأفكار المفتعلة، التي في الأصل لا تعد تياراً جديداً ولا حتي موجة مختلفة من الكتابة". هاجس، أو حالة واحدة من القلق تكاد تجمع نصوص المجموعة، أسأله عن ذلك فيقول إنه كان مشغولاً بأن تكون المجموعة أقرب لمتتالية قصصية، يضيف:" لكني حذفت بعض النصوص، حتي لا تكون كلها امتداداً لبعضها، مفضلاً ان يكون الرابط خفياً بعض الشيء.. هو الذات وهمومها". النصوص ولدت نفسها، وجدها أحمد تخرج علي شكل قصص.. لم يكن مشغولاً بالنوعية، يقول:" لست مشغولاً بالتصنيف. عندما نستعيد مشهداً من فيلم لا يشغلنا، ولا يهمنا إذا كان منتمياً إلي فيلم تسجيلي، أو روائي طويل، أو روائي قصير". لكن ما ركز عليه عوني أن يؤجل خطوة الرواية قليلا :" أن تبدأ حياتك الأدبية بكتابة رواية مغامرة خطيرة وأمر صعب". اللافت في هذه الكتابة الأسلوب الذي قدم به الكاتب الشخصيات. ما يمكننا تسميته بالحضور الخفي لشخصيات العمل، كأنها أطياف تتنقل بين النصوص، عن هذا التواجد يتكلم عوني قائلاً:" قصدت أن أقدم الشخصيات من خلال وصف مجرد. ألا يكون لها ثقل. هي مجرد أنماط. يريد السارد التخلص من هذه الأنماط. هو ليس ضدها كأفراد، كبشر، ولكنه ضد هذه الأنماط حتي يكون نفسه!". لكن هل يتطلب الاستقلال كل هذه الحروب؟ أسأله فيجيب:" الكتابة في النهاية مصنع للحوارات، للجدل.. هي الدخول في صراعات لن تمر بها في حياتك الواقعية، هكذا يمكننا التخلص من ثقل الهم الطبقي، والتخلص من الثورية، والنضال، بالكتابة عنه. بعد كتابة المجوعة شعرت براحة، تخلصت من عبء كبير بالفعل."، ثم يضيف: " لم أكن أريد أن أحاكم الإنسان في شخصيات الكتاب، بل أحكامها كأنماط للتأكيد والبحث عن الاستقلال".