"تلتحم أحياء القاهرة ليلاً، لكي تفوز المدينة الصاخبة بالوحدة". تصير المدينة ملكاً للذات الساردة وحدها، والتي تنطق بأغلب نصوص "قلق مزمن". تصبح القاهرة "زجاجة خمر لا تنتهي، ولا أقرر أبداً البدء في شربها". تسمع الذات الساردة المزيكا التي تحب، دون أن تتسرب آذان المارة إلي داخل السيارة.. (المطرب الشعبي محمود الليثي، وتحديداً أغنية "أنا القتيل")، المدينة تصبح- ليلاً- "عالماً خفياً جميلا"ً ا يرسم أحمد عوني هذا العالم من حوله عبر ملمحين أولهما الوحدة.. وثانيهما يقارب أولهما من حيث الاشتقاق، حيث يتساءل القاص الشاب عن أسباب انتماء "الوحدة" و"الاتحاد" إلي نفس المصدر. عبر وحدة البطل في سيارته ليلاً، وجلسته، اتحاده، مع الرفاق تتشكل حالتا مجموعة الكاتب القصصية الأولي"قلق مزمن"، الصادرة عن دار "شرقيات" مؤخراً. "المتصل غالباً رفيق والرفاق دائما عابسون، مملون يفتقدون مثلي التفاصيل. يبعث رفيقي خوفي من مرقده حين يحادثني عن "العالم"، و"الطبقة"، و"البشر"، كل ما هو مجمل، كل ما هو كئيب." رغم ذلك يفتتح عوني عالمه بمحاولة لصنع البهجة..أن العالم مهرجان شارع، نيون الإعلانات لوحات فن تشكيلي، رجال الشرطة يركبون دراجات مخصصة للأطفال.. لكن محاولة البهجة تُحبط. القاص هنا يخرج من تأثير نقد إيديولوجي، حينما تتناول الذات الساردة قصة عن شخص معين، تعرفه بشكل شخصي، لكن الاتهام، الاتهام وليس الرأي النقدي، أن الكاتب لا يعرف الشخص الذي يكتب عنه "نصحوني أن أكتب عما أراه، صارحني رفيق بأن الصراع الطبقي لابد منه في قصتي فقط لأني لا أستطيع أن أري في الفقراء تفاصيلهم الإنسانية"..لهذا يشعر الراوي أنه يعيش "في عالمين متوازيين"، من هنا- ربما- جاء عنوان المجموعة "قلق مزمن". كما يمكننا أن نجد حلاً آخر في نص آخر بالمجموعة، "نعمة الحياد"، لأن كل شئ "قد يكون عظيماً أو تافهاً في نفس الوقت تبعاً لدرجة وعي المتلقي وذوقه".. تشاهد مجموعة من الرفاق فيلماً أخرجه "شادي"، لكن المجموعة اتفقت علي عدم فهم الفيلم. "جاء دوري في التعليق علي الفيلم، تلعثمتُ، لم أجد ما أقوله، لكنني بلا إرادة تكلمت، لنصف ساعة تكلمت، سألني شادي بوضوح ما إذا كان الفيلم جيداً ام سيئاً؟ ارتبكت، تأكدت انني فعلياً لا أملك إجابة، أجبت بشرح قانون النسبية فرد بصفعة علي وجهي" .. هكذا تجد الذات الساردة الحل في إدعاء الحياد، وإن كان ليس إدعاءً بقدر ما هو قدر الذات الساردة الحائرة، التي لا تعالج القلق، بقدر ما تجعله مُزمناً. من ناحية أخري يكتب عوني القصة كما لو كانت قصيدة.. تبدأ مكثفة، ثم يفككها عبر التفاصيل.."أمامي زجاج سميك، خلفه ميدان تبحث فيه عيني عن قصيدة، صدري يحترق وفي يدي قلم" هكذا يفتتح نصاً عن شاعر موزع ما بين الجميلة التي تقطع نهديها "وتقدمهما في طبق للراوي وفتاة صغيرة تبيع الورد في مطعم بميدان التحرير".. وهو الملمح نفسه الذي ألتقطه أحمد زغلول الشيطي في تقديمه للمجموعة.