في مجموعته القصصية الأولي قلق مزمن الصادرة عن دار شرقيات للنشر حاول الكاتب الشاب أحمد عوني, عبر16 قصة ان يبرز اشكالا مختلفة للقلق الذي يسيطر علي مجتمع كامل وليس علي السارد الرئيسي لقصص المجموعة فقط, فقد حاول الكاتب من خلال بطل مهزوم لا يستطيع انتماؤه الطبقي ان يفر من مشاكله الذاتية بتوريط المجتمع كله بها. في المجموعة وهي الأولي لكاتبها الذي لا يزال طالبا بالجامعة الامريكية كشف عن قلق حقيقي فاضح لتناقضات المجتمع وطرح لتساؤلات عن العلاقةمع المدينة.فإلي نص الحوار... ** لماذا ارتبط عنوان المجموعة بفكرتها وليس إحدي قصصها؟ * لم اتعامل مع مجموعة قلق مزمن كمجموعة قصص يجمعها كتاب, ربما لقربها من قلبي او رؤيتي انها الأجود فنيا, تعاملت مع المجموعة كنص كامل مكون من نصوص اصغر, فالقصة هنا نص كامل في ذاته لكنها جزء من نص اكبر ولهذا كان لابد وان يرتبط اسم المجموعة بالنص الكبير الذي يحوي فكرة القلق المزمن التي تجمع كل النصوص. ** القصص اقرب لمتتالية أو رواية لوحدة السارد والمكان والشخصيات فما تفسيرك؟ * اعتقدانها بالفعل اقرب إلي متتالية قصصية, او هي في المساحة بين القصة والرواية, وان كان هذا غير مقصود بالمرة, فأثناء كتابة النصوص لم ترد في ذهني فكرة نشرها في كتاب, إذ كنت أكتب عن نفسي وعن عالمي و الجدل الدائر من حولي وحين انتهيت من الشحنة وعاودت قراءة النصوص وجدت ان القصص ترتبط وتتأثر ببعضها. ** لماذا ظهرت الشخصية الساردة مهزومة؟ * الشخصية الساردة في المجموعة تعيش دائما خارج سياق المحيط حولها, ابن طبقة وسطي لا يتبني افكارها, ينحاز للطبقات الشعبية ويشك تماما في صدق وجدية هذا الانحياز اذا تطلب منه التخلي عن مكتسباته في المجتمع الحالي في سبيل فرصة افضل للآخرين, يدرس مع اغنياء الجامعة الامريكية دون ان يستطيع التحول إلي هذا النموذج بمعناه الطبقي, مثقف شاب, ويشعر بضجر من سهرات المثقفين ويصفها بالانتحارية, يحب البنات البرجوازيات دون أن يملك الجرأة علي البوح بحبه لاحداهن, يسعي للاستقلال ويشعر بأنه نمط مثل كل انماط المجتمع, اري ان كل الشخصيات او الانماط في القصص متسقة مع وضعها ولا تشعر بالهزيمة مثل السارد الذي يملك تركيبة اجتماعية شديدة التعقيد, بل السارد هو الذي يقوم بتصدير الهزيمة لهم من داخل عقله, يود رؤيتهم مهزومين ربما ليشاركوه محنته او رغبة في تورط المجتمع حوله في مشكلته الذاتية. ** طرحت علاقة المدينة بالاحساس بالوحدة, كيف تري هذه العلاقة؟ * المدينة مكان دافيء ومريح للمنتصرين فقط, لمحققي النجاحات الاجتماعية والاقتصادية, للمنسجمين مع وضعهم والذي يجدون ملاذهم في الصخب والسرعة والزحام, هي مكان بديع ان كنت تتفق مع معاييرها وتتبع قواعدها بطاعة شديدة, ولكنها باردة وقاسية ان كنت خارج سياقها وتعيد النظر في تركيبتها وقواعدها, إذا رغبت في التفكير لأن ليس بها مساحة للانتظار, والراوي هنا وحيد لان المدينة بالنسبة له دائرة مسرعة وهو في النقطة المركزية, والمركز لا يدور وسرعته صفر مما يقلقه ولكن يتيح له مراقبة الدائرين بسرعة من حوله من اصحاب الفيلات الفخمة وجيرانهم ساكني الصفائح ونيونات الاعلانات التي تبهج من يملكون فقط, وانعدام تكافؤ الفرص والظلم اليومي, تعيش الوحدة في المدينة اذا قررت وحدك التوقف والتفكير. ** يتضح أن أبطالك في تحد دائم للعالم كأنهم ضد محيطهم لماذا؟ * ابطالي يشعرون بالهزيمة, ويعرفون ان ازماتهم اكبر منهم كأفراد ولا يمكنهم حلها, انها ازمات بسبب العالم الذي يعيشون فيه بقواعده وتركيباته لذلك فهم مستسلمون لهزيمتهم في الواقع لكن يبقي لهم الجدل بداخلهم الذي يجبرهم علي طرح اسئلة حول العالم فيلجأون إلي عقولهم والفنتازيا بداخلهم لينتصروا عليه واحيانا يمارسون الهجاء والتشهير ضد محيطهم لانهم لا يملكون سواه لمواصلة الحياة. ** أتري ان القلق والوحدة هما السمة المميزة لهذا الجيل؟ * أي جيل؟ لأ أفهم هذه الألفاظ المطلقة مثل الجيل والشباب المصري وأبناء الوطن الواحد كي استطيع التعبير عن سمة مميزة لهم. جيلنا نشأ في طبقات وجزر معزولة لا تسمح لهم بالالتقاء وبالتالي تعرض أبناء كل جزيرة لخبرات وأفكار رسمت سماتهم وهمومهم واحلامهم بشكل بعيد جدا عن الجزر الأخري, جيلنا لم ينشأ في هم وطني جامع مثلا كي يصبح هناك نسيج مجتمعي يخلق بيننا سمات مشتركة. هل ينتمي شباب الزمالك والمعادي والدويقة والعمرانية إلي نفس الجيل كي يحملوا سمات وهموما مشتركة؟ ربما يكون القلق والوحدة سمات مميزة لانها خصائص انسانية في كل انحاء العالم لكني ارفض لصقها بمفهوم الجيل والشباب المصري الذي ارفضه. ** أردت أن تبرز كل تناقضات المجتمع في عمل واحد, ألم تخش ان تضيع الفكرة الرئيسية وسط هذا الازدحام؟ * لم أكن أعني بالكتابة ابراز تناقضات المجتمع, بل كانت رحلة ابسط وهي اكتشاف التناقضات بداخلي, الفكرة الرئيسية هي قلق السارد من وجوده وسط كل هذه التناقضات والأنماط وتأثيرها علي استقلاليته, وبالتالي جرت هذه الرحلة معها تناقضات مجتمعية كثيرة في الخلفية.