حريق يلتهم 4 أفدنة قمح في قرية بأسيوط    متحدث الصحة عن تسبب لقاح أسترازينيكا بتجلط الدم: الفائدة تفوق بكثير جدًا الأعراض    بمشاركة 28 شركة.. أول ملتقى توظيفي لخريجي جامعات جنوب الصعيد - صور    برلماني: مطالبة وزير خارجية سريلانكا بدعم مصر لاستقدام الأئمة لبلاده نجاح كبير    التحول الرقمي ب «النقابات المهنية».. خطوات جادة نحو مستقبل أفضل    ضياء رشوان: وكالة بلومبرج أقرّت بوجود خطأ بشأن تقرير عن مصر    سعر الذهب اليوم بالمملكة العربية السعودية وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الأربعاء 1 مايو 2024    600 جنيه تراجعًا في سعر طن حديد عز والاستثماري.. سعر المعدن الثقيل والأسمنت اليوم    تراجع أسعار الدواجن 25% والبيض 20%.. اتحاد المنتجين يكشف التفاصيل (فيديو)    خريطة المشروعات والاستثمارات بين مصر وبيلاروسيا (فيديو)    بعد افتتاح الرئيس.. كيف سيحقق مركز البيانات والحوسبة طفرة في مجال التكنولوجيا؟    أسعار النفط تتراجع عند التسوية بعد بيانات التضخم والتصنيع المخيبة للآمال    رئيس خطة النواب: نصف حصيلة الإيرادات السنوية من برنامج الطروحات سيتم توجيهها لخفض الدين    اتصال هام.. الخارجية الأمريكية تكشف هدف زيارة بليكن للمنطقة    عمرو خليل: فلسطين في كل مكان وإسرائيل في قفص الاتهام بالعدل الدولية    لاتفيا تخطط لتزويد أوكرانيا بمدافع مضادة للطائرات والمسيّرات    خبير استراتيجي: نتنياهو مستعد لخسارة أمريكا بشرط ألا تقام دولة فلسطينية    نميرة نجم: أي أمر سيخرج من المحكمة الجنائية الدولية سيشوه صورة إسرائيل    جونسون: الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين داخل الجامعات الأمريكية نتاج للفراغ    قوات الاحتلال تعتقل شابًا فلسطينيًا من مخيم الفارعة جنوب طوباس    استطلاع للرأي: 58% من الإسرائيليين يرغبون في استقالة نتنياهو فورًا.. وتقديم موعد الانتخابات    ريال مدريد وبايرن ميونخ.. صراع مثير ينتهي بالتعادل في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    معاقبة أتليتيكو مدريد بعد هتافات عنصرية ضد وليامز    موعد مباراة الأهلي والإسماعيلي اليوم في الدوري والقنوات الناقلة    عمرو أنور: الأهلي محظوظ بوجود الشناوي وشوبير.. ومبارياته المقبلة «صعبة»    موعد مباريات اليوم الأربعاء 1 مايو 2024| إنفوجراف    ملف رياضة مصراوي.. قائمة الأهلي.. نقل مباراة الزمالك.. تفاصيل إصابة الشناوي    كولر ينشر 7 صور له في ملعب الأهلي ويعلق: "التتش الاسطوري"    نقطة واحدة على الصعود.. إيبسويتش تاون يتغلب على كوفنتري سيتي في «تشامبيونشيب»    «ليس فقط شم النسيم».. 13 يوم إجازة رسمية مدفوعة الأجر للموظفين في شهر مايو (تفاصيل)    بيان مهم بشأن الطقس اليوم والأرصاد تُحذر : انخفاض درجات الحرارة ليلا    وصول عدد الباعة على تطبيق التيك توك إلى 15 مليون    إزالة 45 حالة إشغال طريق ب«شبين الكوم» في حملة ليلية مكبرة    كانوا جاهزين للحصاد.. حريق يلتهم 4 أفدنة من القمح أسيوط    دينا الشربيني تكشف عن ارتباطها بشخص خارج الوسط الفني    استعد لإجازة شم النسيم 2024: اكتشف أطباقنا المميزة واستمتع بأجواء الاحتفال    لماذا لا يوجد ذكر لأي نبي في مقابر ومعابد الفراعنة؟ زاهي حواس يكشف السر (فيديو)    «قطعت النفس خالص».. نجوى فؤاد تكشف تفاصيل أزمتها الصحية الأخيرة (فيديو)    الجزائر والعراق يحصدان جوائز المسابقة العربية بالإسكندرية للفيلم القصير    حدث بالفن| انفصال ندى الكامل عن زوجها ورانيا فريد شوقي تحيي ذكرى وفاة والدتها وعزاء عصام الشماع    مترو بومين يعرب عن سعادته بالتواجد في مصر: "لا أصدق أن هذا يحدث الآن"    حظك اليوم برج القوس الأربعاء 1-5-2024 مهنيا وعاطفيا.. تخلص من الملل    هل حرّم النبي لعب الطاولة؟ أزهري يفسر حديث «النرد» الشهير (فيديو)    هل المشي على قشر الثوم يجلب الفقر؟ أمين الفتوى: «هذا الأمر يجب الابتعاد عنه» (فيديو)    ما حكم الكسب من بيع وسائل التدخين؟.. أستاذ أزهرى يجيب    هل يوجد نص قرآني يحرم التدخين؟.. أستاذ بجامعة الأزهر يجيب    «الأعلى للطرق الصوفية»: نحتفظ بحقنا في الرد على كل من أساء إلى السيد البدوي بالقانون    إصابات بالعمى والشلل.. استشاري مناعة يطالب بوقف لقاح أسترازينيكا المضاد ل«كورونا» (فيديو)    طرق للتخلص من الوزن الزائد بدون ممارسة الرياضة.. ابعد عن التوتر    البنك المركزي: تحسن العجز في الأصول الأجنبية بمعدل 17.8 مليار دولار    نصائح للاستمتاع بتناول الفسيخ والملوحة في شم النسيم    "تحيا مصر" يكشف تفاصيل إطلاق القافلة الإغاثية الخامسة لدعم قطاع غزة    القوات المسلحة تحتفل بتخريج الدفعة 165 من كلية الضباط الاحتياط.. صور    أفضل أماكن للخروج فى شم النسيم 2024 في الجيزة    اجتماعات مكثفة لوفد شركات السياحة بالسعودية استعدادًا لموسم الحج (تفاصيل)    مصدر أمني ينفي ما تداوله الإخوان حول انتهاكات بسجن القناطر    رئيس تجارية الإسماعيلية يستعرض خدمات التأمين الصحي الشامل لاستفادة التجار    الأمين العام المساعد ب"المهندسين": مزاولة المهنة بنقابات "الإسكندرية" و"البحيرة" و"مطروح" لها دور فعّال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جورج أورويل.. حياة في خطابات
نشر في أخبار الأدب يوم 09 - 07 - 2016

ما أنجزه جورج أورويل خلال حياته، التي لم تدم إلا ستة وأربعين عاما، يعتبر نوعا من المعجزة، فبالرغم من أنه عاني في معظمها من الفقر واعتلال الصحة، إلا أنه تمكن خلال تلك الفترة القصيرة نسبيا من نشر عشرة كتب ومجموعتين من المقالات، بالإضافة إلي التعليقات وعروض الكتب والتقارير الصحفية، إلا أن أكثرها حيوية وشفافية وبراعة علي الإطلاق الرسائل التي كتبها لأصدقائه ومعارفه، والتي حرص فيها علي تدوين حياة كل شخص قابله، وتسجيل رأيه في كل شيء من حوله، بداية من الطبخ الإنجليزي إلي الأدب والشمولية، فضلا عن الزواج، وتقاريره عن الحرب الأهلية الإسبانية، وكذلك مشاهداته خلال السنوات الأولي في الحرب العالمية الثانية.
نعرض هنا بعضا من رسائله التي وردت في كتابه "عصر مثل هذا 1920-1940" من تحرير سونيا أورويل وأيان أنجوس، وهو كنز من الرسائل والمقالات والتعليقات، وعروض الكتب، والتقارير الصحفية.
استهل أورويل الكتاب بمقاله الشهير "لماذا أكتب؟" الذي اعترف فيه أنه كان يخطط منذ نعومة أظافره أن يصبح كاتبا، إلا أنه كاد يتخلي عن ذلك وهو في عمر بين السابعة عشرة والرابعة والعشرين، ثم عاد مدركا أن ذلك ضد طبيعته، وأنه إن آجلا أو عاجلا عليه الاستقرار علي تأليف الكتب، ولأنه كان من النادر أن يري والده حين كان طفلا يقول: "لذلك ولأسباب أخري كنت وحيدا، بطريقة أو بأخري، وسرعان ما تطورت سلوكياتي غير المقبولة التي جعلتني منبوذا أيام الدراسة، فاكتسبت طباع الطفل الوحيد، من اختلاق القصص، والتحاور مع شخصيات وهمية، وأعتقد منذ بداياتي المبكرة اختلطت طموحاتي الأدبية مع إحساسي بالانعزال والتقليل من شأن نفسي، إلا انني كنت أعرف امتلاكي براعة التعامل مع الكلمات، والقدرة علي مواجهة الحقائق غير السارة، مما ساعدني علي خلق نوع من العالم الخاص الذي مكنني من مواجهة فشلي في الحياة".
جورج أورويل هو اسم الشهرة لإريك آرثر بلير المولود في البنغال في 25 يونيو سنة 1903 ، لوالده "ريشار والمسلي بلير" الذي كان يعمل في الخدمة المدنية الهندية بإدارة الأفيون، ووالدته "إيدا مابي ليموزين" من ميانمار.
خطابات أورويل تميل إلي أن تكون عملية، فهو سريع في تقديم الاعتذار، بطيء في شرح أسباب بعض تصرفاته، ولا يهتم بالمجاملات الاجتماعية، موجزا في عبارات التودد رغم رغبته في إظهار محبته، حتي في حزنه العميق تجاه وفاة أمه وأبيه وأخته كان متحفظا في التعبير عن ألمه .
من أهم الخصائص التي تميز خطاباته أنها تنم عن كرم شخصيته، فهو يكتب، حتي لمن يعرف أنه ربما لن يقابله أبدا، كما سعي من خلالها إلي تدوين لحظات خاصة من حياته الحافلة بالأحداث خاصة وأنه لم يكتب مذكراته، إلا أنه أرخ الوقائع الدرامية المضطربة في حياته في تلك الخطابات، مثال علي ذلك خطاب ظهر تحت الأضواء مؤخرا، كان ضمن مقتنيات شخص رفض الإفصاح عن هويته، وتم إدراجه في الطبعة الرابعة من الكتاب، تكمن أهميته في أنه لم ينشر من قبل، كتبه إلي ريتشارد أوزبورن رئيس تحرير "استراند"، وهي جريدة شهرية أدبية كانت تصدر خلال الفترة من يناير 1891 إلي مارس 1950، حيث طلب منه الإسهام في الكتابة للمجلة بالكتابة عن حياته، وظهر في الفقرة الأخيرة أنه مشغول عن المساهمة في الكتابة كان يكتب وقتها رواية "1984" - وواجهته متاعب في قبول طلب أوزبورن لأنه كان بالكاد يعرفه، فكتب له من بارنهيل في الجورا في 2 أغسطس 1947 .
1
خطاب رفض
عزيزي السيد أوزبورن:
شكرا جزيلا علي رسالتكم المؤرخة في 22 يوليو، وسأرد علي استفساراتك بقدر استطاعتي، ولدت سنة 1903 وتعلمت في دايتون حيث حصلت علي منحة دراسية، وكان والدي موظفا مدنيا هنديا ووالدتي أيضا منحدرة من عائلة أنجلو هندية، وعن طريق اتصالات خاصة في بورما، بعد تركي المدرسة، خدمت خمس سنوات في البوليس الإمبراطوري في بورما، إلا أن هذا العمل كان غير مناسب لي علي الإطلاق، واستقلت بعد أن عدت إلي البيت في إجازة سنة 1927، أردت أن أصبح كاتبا، وعشت السنتين التاليتين في باريس، علي مدخراتي، أكتب روايات لن ينشرها أحد، وهي تلك التي دمرتها في وقت لاحق، ولأنه لم يكن لدي المزيد من المال عملت لبعض الوقت في غسل الصحون، ثم عدت إلي إنجلترا والتحقت بسلسلة من الأعمال قليلة الأجر كمدرس في كثير من الأحيان، تخللتها فترات من البطالة والفقر المدقع (كان ذلك فترة الركود) تقريبا جميع الأحداث التي تم وصفها في "صعود وخروج" حدثت بالفعل، لكن في أوقات مختلفة، حيث نسجتها معا لصنع قصة متراتبة، وعملت في متجر لبيع الكتب لمدة عام تقريبا سنة 1934-1935 إلا أنني كتبت هذا فقط كخلفية في "دع الزئبقة تطير"، وهي ليس، كما أعتقد، سيرة ذاتية، ولم أعمل أبدا في مكتب إعلانات، كتبي أقل سيرة ذاتية عما يفترضه الناس، هناك أجزاء صادقة عن السيرة الذاتية في "ويجان بيير" وبطبيعة الحال في "احتفظ ب إي إف"، وهي واحدة من روايات عديدة لا أبالي بها تم حظرها.
فيما يتعلق بالسياسة، كنت فقط مهتما بشكل متقطع بشأنها حتي حوالي عام 1935، بالرغم من اعتقادي أنني كنت تقريبا "يساري"، في "ويجان بيير" في البداية حاولت قمع أفكاري، أحسست، ولا زلت، أن هناك أوجه قصور كبيرة في التصور الكامل للاشتراكية، وكنت ومازلت أتساءل إذا كانت هناك طريقة أخري للابتعاد، بعد أن ألقيت نظرة بوضوح وحيادية علي التصنيع الإنجليزي في أسوأ حالاته، أي في مناطق التعدين، توصلت لاستنتاج مفاده أن من الواجب العمل من أجل الاشتراكية، حتي لو لم يكن هناك من ينتبه إلي ذلك، لأن استمرار الأوضاع الحالية ببساطة غير مقبول، ولا حل إلا في نوع من الجماعية القابلة للتطبيق، لأن هذا ما يريده معظم الناس، في ذات الوقت أصبحت مصابا بالرعب من الشمولية، بالفعل كان قد تشكل لدي عداء تجاه الكنيسة الكاثوليكية، حاربت لمدة ستة أشهر (1936-37) في إسبانيا إلي جانب الحكومة، وأصبحت لسوء الحظ مشوشا في صراع داخلي تجاه جانب الحكومة تركني علي اقتناع أنه لا مفر من الاختيار بين الشيوعية والفاشية، لكن لأسباب مختلفة سأختار الشيوعية إذ لم يكن هناك اختيار آخر متاح، لدي ارتباط غامض بالتروتسكيين (تيار شيوعي يختلف عن الشيوعية في أنه يري أن الثورة الاشتراكية يجب أن تنتقل للعالم كافة، وأن قيادة الثورة الاشتراكية للعمال والفلاحين وليس للجبهة الشعبية، وقيام الثورة التروتسكية لا يتطلب أن تصل الرأسمالية لأعلي مراحلها)، وأكثر قربا من الجناح الأيسر لحزب العمل، كنت المحرر الأدبي لل"تريبيون"، ثم جريدة "بيفن" لحوالي سنة ونصف (1943-1945) وكتبت لهم لفترة أطول من ذلك، لكن لم يسبق لي الانتماء لحزب سياسي، وأعتقد انه حتي من الناحية السياسية أنا أكثر قيمة إذا سجلت ما أعتقد أنه صادق، ورفضت اتباع خط الحزب حتي النخاع.
في بداية العام الماضي قررت الحصول علي إجازة من مهمة كتابة أربع مقالات أسبوعيا لمدة عامين، وأمضيت ستة شهور في جورا، خلال ذلك الوقت لم أكتب شيئا، ثم عدت إلي لندن ومارست الصحافة علي النحو المعتاد خلال فصل الشتاء، ثم عدت إلي جورا وبدأت رواية آمل الانتهاء منها بحلول ربيع سنة 1948، وأحاول ألا أفعل شيئا آخر بينما أقوم بذلك، أحيانا أكتب مراجعات الكتب لل" نيويوركر"، أنوي قضاء الشتاء في جورا هذا العام، يرجع ذلك جزئيا إلي عدم إنهائي ذلك العمل المتواصل في لندن، لاعتقادي أنه من الأسهل الحصول علي الدفء هنا، الجو ليس غاية في البرودة، ومن السهل الحصول علي المواد الغذائية والوقود، منزلي هنا مريح جدا، بالرغم من وقوعه في مكان بعيد، أختي إفرايل تعتني بالمنزل من أجلي، وأنا أرمل لدي ابن تخطي ثلاث سنوات بقليل.
آمل أن تكون تلك الملاحظات عونا لك، وأخشي أنني لا أستطيع كتابه شيء لاستراند في الوقت الحالي، لأن، كما قلت، أحاول عدم التورط في عمل خارجي، لدينا فقط بريد مرتين أسبوعيا، وذلك الخطاب لن يرسل قبل يوم 30 في الشهر، لذا سأرسله إلي "ساسكس".
المخلص
جورج أورويل
2
خطاب إلي أمه
بعد عودة أورويل لإنجلترا، كان يستخدم منزل العائلة في "ساوثووك" كمقر رئيسي يعود إليه بعد غزوات التسكع والرقص، مع بدء قبول نشر مقالاته (مقابل القليل جدا من المال)، وفي الفترة من إبريل سنة 1932 حتي يوليو 1933 كان يعمل في التدريس لتلاميذ تتراوح أعمارهم بين عشر إلي ست عشرة سنة بمدرسة خاصة في هاوثورنز، إلا أنه لم يعد إليها في الخريف، مما تسبب في مواجهته لصعوبات مالية، إلا أنه ما لبث أن التحق بالتدريس في "كولدج فرايز" وهي مدرسة خاصة للبنات والأولاد، ومن هناك كتب رسالة لوالدته في 9 يناير 1933:
أمي العزيزة
أرجو أن تكوني بخير بالأمس كان عيد ميلاد السيدة ويلكز- زوجة مدير المدرسة- استمتعنا بعد الشاي ولعبنا مباريات في جميع أرجاء البيت، ثم خرجنا للتمشية حتي بيتش هيد. كان ترتيبي الثالث في الحساب. الجو اليوم غائم جدا، ولم يكن دافئا كما كنا نتوقع.
أشكرك علي رسالتك.
اقتربنا كثيرا من نهاية الفصل الدراسي، لم يبق سوي ثمانية عشر يوما، مساء السبت هناك حفل راقص، وسألقي قطعة من الشعر، بينما يغني بعض الفتيان.
أبلغي حبي لأبي وإفرايل، هل توجو علي ما يرام، بالأمس كان لدينا مباريات مع "أوكسفورد" و"كامبريدج"، فازت كامبريدج في الشوط الأول والثالث، وفي الثاني لم يكن هناك توازن في المستوي، أسعدني كثيرا أن الكولونيل جلاد (جاره) منحني بعض طوابع البريد، مشيرا إلي أنه لم يكن لديه منها العام الماضي إلا أنني أعتقد أنه كان ناسيا، إنه يوم كئيب، رطب، ممطر باستمرار وبارد.
أنا غاية في الأسف لسماع عودة تلك المسوخ البغيضة من الفئران البيضاء كريهة الرائحة، وآمل ألا تكون كريهة الرائحة، إذا كانوا كذلك فسوف أحبهم.
ابنك المحب
إي إيه بلير
3
مغامرته كصعلوك!
أغسطس 1920 جروف تراس
بولبيرو
عزيزي ستيفن رانسيمان:
لدي بعض من وقت الفراغ، وينتابني إحساس أن أحكي لك عن أول مغامرة لي كصعلوك هاو، مثل معظم الصعاليك كنت مدفوعا إلي ذلك التصرف، حين وصلت إلي مكان صغير بائس يقع في ديفون شاير جاء السيناتور هونيكش مايرز الذي كان عليه مواصلة سفره من هنا، جاء إلي عربتي ليخبرني أن أوبيديان البغيض، الذي كان يجبرني علي السفر معه في نفس المقصورة، أرسل في طلبي، كما لو كنت غريبا عن المكان، غادرت للذهاب إليه عندها بدأ القطار في التحرك، أنت تحتاج لكلتا يديك لركوب قطار متحرك، وبسبب حقيبة الأدوات، والحزام.. الخ، لم يكن هناك سوي يد واحدة متاحة، باختصار، فاتني، أرسلت بسرعة تلغرافا يفيد أنني سوف أصل في وقت متأخر (وصلت اليوم التالي)، بعد حوالي ساعتين ونصف عرفت أن هناك قطارا في بلايموث يتجه نحو الشمال، مكتشفا عدم وجود قطارات أخري إلي لوو تلك الليلة، والوقت تأخر وليس هناك تليفون متاح، كما أغلق مكتب البريد، تشاورت مع نفسي حول موقفي المالي، كان معي ما يكفي لقطع المسافة المتبقية زائد مبلغ 7,5 شلن، يتيح لي إما النوم في "نزل" وأجوع، أو أحصل علي ما آكله بلا مكان للنوم، واخترت الأخير، تركت حقيبة المعدات في حجرة الإيداع، وحصلت علي 12 كعكة مقابل ستة شلنات، وفي التاسعة والنصف وجدت نفسي أسير متسللا داخل أحد حقول الفلاحين، حيث هناك عدد قليل من الحقول محشورة بين صفوف المنازل، علي ضوء ذلك بدوت كشرطي يتمشي في جولة تفقدية، وفي الطريق سألني المارة إن كنت مسرحا من الخدمة حديثا، وأخيرا اكتشفت ملاذا في ركن بأحد الحقول بالقرب من أحد الأماكن الخاصة، عندها تذكرت أن كثيرا من الناس يتاح لهم النوم لأربعة عشر يوما في حقول الآخرين، دون وجود أي وسائل ظاهرة للدعم، خاصة وأن كل كلب بالمنطقة ينبح إذا بدرت مني أي حركة، اخترت زاوية بها شجرة كبيرة، مع شجيرات أخري للتمويه، إلا أن البرد لا يحتمل ولما لم يكن معي أي غطاء استخدمت الكاب كوسادة، وتمددت متدثرا بزيي العسكري مرددا مقطعا من قصيدة ساخرة "دفن سير جون دور بعد كورونا" لتشارلز وولف (كتبها أورويل أيام الجامعة)، وتجمدت أوصالي في درجة حرارة حوالي درجة مئوية، وحين عدلت وضع ساقي رحت في سبات عميق ليفوتني قطار الساعة الرابعة وعشرين دقيقة الذي مر قبل ساعة، فكان عليّ انتظار قطار آخر الساعة السابعة وخمسة وأربعين دقيقة.
حين استيقظت كانت أسناني لازالت تصطك ببعضها، ولما وصلت إلي لوو كان عليّ السير أربعة أميال تحت الشمس الحارقة، أنا فخور للغاية بتلك المغامرة، إلا أنني لن أكررها.
تفضل بقبول فائق الاحترام
إي إيه بلير
هامش: مكتب السكك الحديدية كان يعمل فقط كمكتب إيداع، وليس محطة قطارات، وأقرب محطة تقع في لوو علي مسافة ثلاثة أميال، وفي هذه الرحلة كان أورويل عائدا من فيلق تدريب الضباط لذا كان مرتديا الزي العسكري.
4
اهتمامه بالخوارق
كان جورج أورويل يشكو أحيانا أن الإنجليز غير قادرين علي التوازن الفكري، وأحد المجالات التي تدل علي تناقضه هو اهتمامه الخاص بالخوارق، وكان مهتما بالعواقب الأخلاقية والثقافية والدينية لتراجع الإيمان الديني، إلا أنه أيضا كان مهتما بالخوارق وأن هناك الكثير منهم بين السماء والأرض، وهو ما كان يحلم بوجوده في فلسفة برتراند راسل، وتعامل مع الرعب حين أصيب زميل له في "إيتون" يدعي فيليب يورك بتمزق في قدمه ثم توفي بعد فترة قصيرة بسرطان الدم، ولقائه العابر مع شبح بمقبرة، الذي تناوله في خطاباته إلي ساشفريل سيتويل ودينيز كولينز، مما أثار تساؤلات: لماذا كان أورويل من المهتمين بالخوارق؟ ولأي مدي كان هذا الافتتان مرتبطا بمخاوف فكرية أوسع من المبالغة في الانغماس في الحداثة، حيث تشبعت العديد من أعمال الحداثيين البريطانيين بالسحر والتنجيم، بينما لم يتعرض لها بعضهم إلا لماما؟ وكان أكثرهم شهرة هو دبليو بي ييتس الذي تعتمد جميع كتاباته علي الخوارق، وكان نهج أورويل في المقام الأول هو التحليل الأيديولوجي، مثل نقاد اشتراكيين آخرين من أبناء جيله، مفسرا ذلك أنه حاول شرح كيف أن الاعتقاد في السحر والتنجيم يتقاطع مع التحيزات السياسية للحداثة، وظهر ذلك في مقال له عن ييتس نشر في "هوريزون" سنة 1934، إلا أنه ناقض ذلك في خطابه لدينيس كولينز في 16 أغسطس 1931، بالإضافة إلي أنه في روايته "1984" بدا فيها أنه يتنبأ بالمستقبل.
وهذا هو الخطاب:
عزيزي دينيس :
قلت إنني أود الكتابة إليك، دون أن أهتم كتيرا بتقديم تقرير عن بعد حول "الطبقات الدنيا"، في الحقيقة أكتب لك لأحكي عن شبح بمقبرة والبرسويك، أريد وضعه علي الورق قبل أن أنسي التفاصيل، أنظر إلي الرسم التوضيحي أدناه:
بالأعلي فوق الكنيسة كما أتذكر، حوالي الساعة الخامسة وعشرين دقيقة مساء في 27-7-1931، كنت جالسا في بقعة كاشفة تطل تجاه السهم المنقط، حدث وفي لمحة خاطفة من فوق كتفي، أن رأيت جسما مر بمحاذاه السهم الآخر، مختفيا خلف المبني، مفترضا ظهوره داخل باحة الكنيسة، لم أنظر إليه مباشرة، لذا لم أستطع تبين أكثر من كونه علي هيئة رجل، صغير الحجم، أحدب، يرتدي ملابس باللون البني الفاتح، كنت أرجو أن أقول أنه أحد العمال، كان لدي انطباع أنه حملق نحوي بينما يختفي، لكني لم أتبين ملامحه، في لحظة عبوره لم تراودني أي أفكار، لكن بعد ثوان قليلة صعقني أن الجسم لم يصدر عنه أي ضجيج، تابعت أنتظر خروجه إلي باحة الكنيسة، لم يكن هناك أحد في الكنيسة، ولا علي مسافة من الطريق، مرت حوالي عشرين ثانية بعد أن رأيته، وعلي أي حال لم يكن هناك سوي شخصين علي الطريق، وأي منهما لا يشبه هذا الشخص علي الإطلاق، نظرت داخل الكنيسة، كل الموجودين بها من الكهنة، يرتدون السواد، وهناك عامل علي ما أتذكر كان يستخدم المنشار طوال الوقت، علي أي حال كان أطول كثيرا من هذا الشخص، لذا فقد اختفي، مع افتراض أن كل ذلك كان هلوسة.
في بداية الشهر كنت بالبلدة، وكنت قد وضعت الترتيبات لحضور قطف نبات الحنجل، لكننا لن نبدأ قبل بداية سبتمبر، وفي نفس الوقت كنت منشغلا بالعمل، أنا مؤخرا أحد محرري جريدة جديدة تبدأ الصدور في أكتوبر، وأرجو أن أكون قادرا علي إنجاز بعض العمل لهم، وليس علي ما يكفيني للعيش، بالطبع، لكن بما فيه الكفاية للمساعدة ،كل ما فعلته مجرد بعض الاستفسارات بين المهمشين، وهم ثلاثة كانوا أصدقاء لي، أحدهم أعتقد أنه قتل أو دهس، والآخر أدمن الشراب واختفي، وواحد يمضي وقته في واندسورث، قابلت رجلا اليوم كان قبل ستة أسابيع، صائغا، تسمم إصبع السبابة في يده اليمني، فكان عليه بتر جزء من المفصل، وهكذا أصبح عليه أن يعيش في الشارع طوال حياته، المثير للجزع، قدرة الحوادث الصغيرة علي تدمير رجل يعمل بيديه. بمناسبة الحديث عن الأيدي، يقولون إن جمع نبات الهوب، يصيب يديك بالشلل لأسابيع بعدها، هل سبق ونظرت إلي فاترينة أحد متاجر جمعية الكتاب المقدس؟ لقد فعلت اليوم ورأيت ملاحظات هائلة، أقل سعر لكتاب الروم الكاثوليك من 5 إلي 6 جنيهات، وأرخص كتاب للبروتستانت جنيه واحد، ونسخة "دواي" غير موجودة هنا ..الخ..الخ، ربما لفترة طويلة قد يتقاتلون، أقول، طالما، الروح علي الأرض فنحن في مأمن من "آر. سي".
تلك المتاجر بالمناسبة كانت فقط خارج سان بول، إذا كنت قريبا في أي وقت من سان بول، وفي مزاج مكتئب، ألق نظرة علي تمثال أول أسقف بروتستانتي في الهند، وسوف تضحك، سأكتب مرة أخري عندما يكون لدي أخبار، سأرسل ذلك إلي إس. وولد "رئيس الحزب الجمهوري"
صديقك
إيريك إي بلير
5
قصيدته البائسة !
دينيس كولينز صديق لأورويل منذ سنة 1921، والده أصبح طبيب العائلة، عمل أمينا مساعدا لمتحف "ساملز"، أسره اليابانيون في سنغافورة سنة 1932 لكنه نجا من الحرب، وهو متزوج من اليانور جاك وهي صديقة مقربة لأورويل، حيث كانا جيرانا في شارع سترادبروك، كتب لها الرسالة التالية في 14 يونيو سنة 1932:
عزيزتي إليانور:
كيف تسير الأمور معك؟ آمل أن يكون والدك أفضل، وأن تكون حديقتك في أبهي شكل، أعمل بالتدريس في المكان الخطأ منذ ما يقرب من شهرين، ولا أجده عملا رتيبا إلا أنه مرهق للغاية، وبصرف النظر عن بضع ملاحظات...الخ، بالكاد أنجزت شوطا في كتابة، قصيدتي البائسة، التي كانت مبشرة ألا تكون غاية في السوء، وبالطبع سقطت ميتة، الأكثر إزعاجا هنا ليس الوظيفة في حد ذاتها، بل اليوم الدراسي، حمدا لله، لذا ليس لدي ما أفعله مع الصعاليك خارج ساعات الدراسة، إلا أن هايز في حد ذاتها تعتبر أحد أكثر الأماكن التي اكتشفتها بؤسا علي الإطلاق.
يبدو أن السكان هنا يقتصرون علي رجال الدين الذين يترددون علي الكنائس المسقوفة بالصفيح أيام الآحاد، وبالنسبة للبقية فإنهم يحبسون أنفسهم وراء الأبواب، صديقي الروحي القسيس، إنه إنجليكي رفيع الأخلاق، إنه رفيق غاية في الصلاح، بالطبع ذلك يعني أن عليّ الذهاب إلي الكنيسة، وهي مهمة شاقة هنا، كطقس ديني وحتي ككاثوليكي لا أعرف طريقي تجاه هذا الموضوع، أشعر أنني شديد الغباء بفظاعة.
عندما أري الجميع يركعون، ويحيطون بي من كل جانب، ولا يمكنني ملاحقتهم أو أن أحذو حذوهم، بينما الكاهن العجوز الفقير، الذي أظن أنه يبغض كل تلك البابوية، مرتديا زي الكاهن وقلنسوة مربعة الشكل، يقود جولة في موكب مع الشموع وما إلي ذلك، يبدو الأمر مثل تزيين ثور من أجل الأضحية، لقد قطعت وعدا بأن أعيد طلاء أحد تماثيل الكنيسة (للعذراء مريم في نصف الحجم الطبيعي) وسأبذل قصاري جهدي، أن تبدو مثل أحد الصور التوضيحية الموجودة في "الحياة الباريسية"، وزرع الكوسة من أجل مهرجان الحصاد، وعلي أن "أتناول" أيضا، إلا أنني أخشي أن يتسبب الخبز في إصابتي بالشرقة.
هل قرأت ما يثير الاهتمام في الآونة الأخيرة؟ لقد قرأت للمرة الأولي "فاوست" لمارلو وأعتقد أنها بغيضة، وأيضا كتاب رث عن شكسبير يحاول إثبات أن هاملت يتساوي مع إيرل إسكس (ربما شكسبير الأساسي لدوفر ويلسون الصادر في 1932)، كذلك طبعة عنوانها "العدو من ميندهام لويز" (ليس المحترف آر.سي) يبدو أن لديك أيضا شيئا عنه، وشيئا من أوسبيرت سيتويل، وأيضا بعض قصائد هوراس، أرجو ألا أكون أغفلت شيئا، خلاف ذلك، لا أجد له وقتا كافيا أو طاقة، أرسلت لي السيدة كار (صديقة لساوثوولد وأورويل) كتابين عن علوم الدفاع وعن المسيحية الكاثوليكية.
وكان من دواعي سروري كتابة مراجعة لأحدهما (روح الكاثوليكية لكارل آدم)، من أجل النشر في جريدة جديدة هي "نيو إنجليش ويكلي"، تلك هي المرة الأولي التي كنت فيها قادرا علي إرساء قاعدة الضرب بالعصا تجاه "آر . سي" المحترف، لقد حصلت علي بضعة أقدام مربعة من الحديقة، لكن لم يكن بد من أن يصبح عائد المحصول عفنا بسبب الأمطار، والديدان والفئران، بالإضافة إلي عثوري بالكاد علي أعشاش للطيور، في مكان يقع في ضواحي لندن، بالطبع ظللت محتفظا بحوض السمك المصنوع من برطمان المخلل، من أجل تعليم الأولاد، لدينا سحالي وضفادع صغيرة وفراشات.. الخ.
إذا حدث ومررت في أي وقت بمحطة الضخ في بداية العبارة، ستري بيض طائر السنور علي أشجار الحور، وسوف أكون ممتنا بفظاعة إذا تفضلت بالتقاط أوراق الشجر. أرسليها لي عبر البريد، أرغب في بعض منها، تمكنت فقط من العثور علي واحدة أو اثنتين هنا، لا أقصد بالطبع تنظيم رحلة استكشافية، أقصد إذا حدث ومررت عابرة بالصدفة.
ماذا يفعل دينيس هذه الأيام؟ (دينيس كولينج) أريد استشارته عن الفطريات الغريبة التي كانت تنبت هنا، لكنه بالطبع لم يسبق له من قبل الرد علي رسائل، قد أعود أو لا أعود إلي وولدز لقضاء عطلة الصيف، سأكون منكبا علي رواية "أيام بورمية"، وإذا أمكن الانتهاء من القصيدة، وأعتقد ربما يكون من الأفضل الذهاب إلي مكان هادئ في "فرنسا"، حيث أستطيع العيش بثمن بخس، وحيث الإغراءات أقل من باقي العالم "الجسد والشيطان" في سوالد، يمكنك تقرير أي من الفئتين تنتمي إليها، بالمناسبة، إذا جئت لندن أرجو إبلاغي لنتقابل، ذلك إذا أردت، أرجو أن تذكريني لوالديك، وأيضا للسيد والسيدة بولين إذا رأيتيهما.
صديقك
إيريك إي بلير
هامش: في حال رؤيتك لدينيس قولي له إن الفطريات مثل التي رسمتها، وهي تحفر تحت الأرض.
يوجد هنا رسم .
6
توقعاته السياسية والاجتماعية والأدبية
الفترة من سنة 1934 حتي 1938 هي الأكثر إنتاجا بالنسبة لأورويل، كتب خلالها "أيام بورما" و"ابنة القسيس" و"الطريق إلي رصيف ويجان" وغيرها، بالإضافة إلي تجاربه في المناطق المنكوبة مثل إسبانيا التي ساهمت في تكوين شخصيته وتوقعاته السياسية والاجتماعية، بالإضافة إلي مقالاته في المجلات الأدبية.
وفي طريقه لإسبانيا تناول العشاء مع هنري ميلر في باريس الذي كتب له رسالة في 27 أغسطس سنة 1936:
عزيزي ميلر:
شكرا جزيلا علي رسالتكم، التي أشعرتني بالضيق أيضا، لأنني كنت قد عزمت علي أن أكتب اليكم، ثم أستمر في تأجيل ذلك، حسنا، "ربيع أسود" وصلت بسلام، وأحببت جزءا كبيرا منها كثيرا، خاصة الفصول الافتتاحية، لكنني أعتقد، ويجب أن أقول ذلك عند كتابة مراجعتي عنها، إن الكتاب مثل "مدار السرطان" يتعامل مع الأحداث التي وقعت أو قد تحدث في عالم عادي ثلاثي الأبعاد، وذلك موجود في منهجك الأدبي، لقد أحببت "مدار السرطان" (نشرت سنة 1934) خاصة من أجل ثلاثة أشياء، أولا وقبل كل شيء جودة الإيقاع المميزة في لغتك الإنجليزية، وثانيا أنك تعاملت مع الحقائق المعروفة للجميع لكن دون ذكر ذلك، (علي سبيل المثال عندما يفترض أن يقيم شخص علاقة مع إمرأة بينما يتحرق شوقا للتبول) ثالثا طريقة تسكعك داخل نوع من الفكر الخيالي، التي تراجعت خلالها قوانين الواقع المادي قليلا وليس كثيرا، كان يمكنك القيام بذلك أيضا في "الربيع الأسود"، علي سبيل المثال تأملك بدءا من صفحة 60 إلي 64، لكن علي وجه العموم أعتقد أنك ابتعدت كثيرا عن العالم العادي داخل نوع من عالم "ميكي ماوس"، حيث الأشياء والناس ليس عليهم الانصياع لقواعد المكان والزمان، أجرؤ علي قول إنني قد أكون علي خطأ وربما غاب عني تماما انجرافك، لكن لدي نوعا ما موقفا تجاه الأرض، وأشعر دائما بعدم الارتياح عند الابتعاد عن العالم العادي، حيث العشب أخضر، والأحجار صلبة.. الخ، أعرف، من الفظيع أن يكون عليك تأليف كتاب غير عادي بسبب إلقاء اللوم عليك لأنك لم تكتب آخر مثله تماما، لكن لا أريد أن تفكر أنه ليس هناك الكثير مما استمتعت به في "الربيع الأسود"، جودة النثر غاية في الجمال، خاصة تلك الفقرة التي أشرت لها سابقا عن الروث والملائكة، حين أقرأ قطعة من هذا القبيل أشعر كأنما ترمح بحصان أصيل علي أرض دون أن يكون عليك البحث عن مخابئ الأرانب، سوف أبذل جهدي في أسلوب المراجعات، "أدلفي" أخبروني ان يمكنني العمل مدة قصيرة، لكن سرعان ما تصبح ثلاثة شهور، وسيحدث ذلك أيضا مع "نيو إنجليش"، إلا أن عليهم إغلاق المكتبة في أغسطس كما يفعلون دائما، لذا المراجعات ستكون متأخرة بعض الشيء كما أتوقع، لكن في حالتك لن يهم ذلك كثيرا كما هو الحال مع رواية زهيدة القيمة، يتم سحبها خلال أسبوع وبعد انتهاء النسخ تباع ككتاب راكد، عليّ الذهاب الآن لحلب الماعز، لكن سوف استكمل الرسالة لدي عودتي .
27 - 8- 1936 أسعدني حصولك علي نسخة من "السقوط والخروج"، فلم يتبق لدي منها نسخة واحدة، وقد نفدت طبعاتها، لذا سأرسل لك نسخة مترجمة بالفرنسية (افترض أن الطبعة الإنجليزية) هي التي رأيتها، حين تلقيت رسالتك، نعم، كانت بعد أن نشرت في أمريكا أيضا، لكنها لم تكن صفقة رابحة، ولا أدري نوع المراجعات التي حصلت عليها في فرنسا، رأيت فقط نحو اثنتين، إما لأن رقابة الصحافة منعت الناس من الحصول عليها، أو لأنني لم أرتب للحصول علي نسخ لإرسالها مع خطابات إطراء لكبار النقاد، وهو ما قلت إن عليك أن تفعله في فرنسا، بعض كتبي الأخري نشرت في أمريكا، "أيام بورما" نشرت هناك قبل نشرها في إنجلترا، لأن ناشري كان يخشي أن يتخذ مكتب الهند خطوات لقمعها، وبعد ذلك بعام جلب ناشري نسخا منها بأسماء متعددة.. الخ، هذا هو الكتاب الوحيد ضمن كتبي الذي أسعدني ليس لأنه رواية جيدة، بل لأن تصوير المشاهد ليس سيئا، وهو فقط ما أغفله القارئ العادي، كتابي الثالث "إبنة القسيس" الذي ظهر في انجلترا منذ حوالي عام، نشر في أمريكا العام الماضي، هذا الكتاب هراء إلا أنني أجريت بعض التجارب المفيدة لي من خلاله، آخر كتبي "دع الزئبقة تطير" لا أتخيل نشره في أمريكا لأنه نوع من القصص المحلية مع تيمة إنجليزية تماما، والرأي العام الأمريكي يثور ضد ما يعتقد أنه ما يطلقون عليه "الأشياء البريطانية المخنثة"، لاحظت أيضا عندما كنت أعمل في محل لبيع الكتب، أنه أصعب وأصعب بيع الكتب الأمريكية في إنجلترا، وأن اللغتين تنجرفان أبعد وأبعد عن بعضهما.
نعم أوافقك بشأن الفقر الإنجليزي، إنه فظيع، مؤخرا كنت مسافرا متنقلا بين أسوأ مناطق الفحم في لانكشاير ويوركشاير- أعمل حاليا علي كتاب حول ذلك- من المخيف رؤية كيف ينهار الناس ويفقدون كل شجاعتهم في آخر عشر سنوات، لقد كتبت عرضا لرواية "كونولي" في "نيو إنجليش ويكلي" لكن بالرغم من أنه كان مسليا إلا أنني أعتقد أن ليس كذلك في كثير منه...
دعابة مغالي فيها، لا شك سأصبح السير إريك بلير، أكتب إذا أو عندما تشعر بميل.
صديقك
إيريك إي بلير

7
إلي حبيبته الوحيدة
بالإضافة إلي رسائل أورويل إلي بريندا سالكت التي نشرت في الأعمال الكاملة هناك علي الأقل 19 رسالة أخري كتبها لبريندا منهم 17 رسالة خلال الفترة من 13 مايو إلي يونيو 1940، تلك الخطابات ضمن مقتنيات أحد هواة جمع الرسائل، تم الكشف عن وجودها عندما سمح لجوردون بوكر بقراءتها لكتابة مذكراته، وجوردون كاتب سيرة ذاتية (1905-1985) له العديد من الكتب منها "رقصات أفريقية سنة 1935 و"الشعب الأمريكي" سنة 1946 .
تكمن أهمية تلك الرسائل، بالإضافة إلي احتوائها علي أحداث من حياة أورويل، إلي أنه ظهر من خلالها رغبته في الارتباط ببريندا، التي رفضت بدورها تلك الرغبة إلا أنهما ظلا أصدقاء طوال حياته، ففي رسالته قبل الأخيرة لها والمؤرخة في 15 فبراير 1946 دعاها علي فنجان شاي في كانونبري سكوير ولبت الدعوة، كما استجابت لدعوة إفريل أخت أورويل بالبقاء في جورا في آخر تلك الخطابات المؤرخ في 30 يونيو 1946 وكان أورويل أرسل لسالكت تعليماته بشأن الرحلة.
بريندا سالكت ابنة رجل دين 1903 -1999 كانت تدير صالة ألعاب رياضية بمدرسة "سانت فليكس"، قابلت أورويل في ساوثوولر، وبالرغم من عدم توافق وجهات نظرهما الأدبية والشخصية إلا أنهما ظلا أصدقاء حتي النهاية.
8
الأحد 1 سبتمبر 1932
محبوبتي بريندا
أكتب لك كما وعدت، لكن دون حتي أن يكون خطابا منطقيا، بسبب أنثي في الطابق السفلي حولت المنزل إلي مكان غير قابل للسكني بسبب عزف ترنيمة ايقاعات، تضافرت مع الأمطار بالخارج، ونباح كلب في مكان ما بالشارع، مما أهلني علي الفور لدخول مستشفي الأمراض العقلية، أرجو أن تكوني عدت للبيت بسلام، دون أن تجدي الباب موصدا في وجهك، لأنك وصلت في منتصف الليل، رؤياك مرة أخري هو ألطف ما مرّبي، مع إحساسي بسعادتك لرؤيتي، برغم التعصب الشنيع ضد جنسك، وشعوري بالقلق تجاه "آر. إس" ...الخ.
لقد مررت بأحد أكثر الأيام كآبة، أولا الذهاب إلي الكنيسة، ثم قراءة "صنداي تايمز"، التي تزداد غباء، ثم محاولة كتابة قصيدة لم تتجاوز المقطع الأول، ثم قراءة مسودة روايتي الصعبة "أيام بورمية" التي أحبطتني بفظاعة، لا أعرف في الحقيقة أيهما أكثر دناءة، "الصنداي تايمز" أم "الأوبزرفر"، مترددا بين إحداهما أو الأخري مثل عاجز يتقلب في الفراش من جنب إلي آخر دون الحصول علي راحة من أي جنب يتقلب عليه، كنت أعتقد أن "الأوبزرفر" سوف تصبح أقل غباء حين توقف "سكوير" عن إزعاجها، (جون سي سكوير
1884-1958 صحفي وكاتب وشاعر ومحرر أدبي ومؤسس جريدة "لندن ميركوري")، لكن يبدو أنهم تعمدوا البحث عن أكثر الناس غباء ممن يمكنهم كتابة مراجعات لأغبي كتب.
بالمناسبة إذا كنت تبحثين عن فرصة تريدين بها التكفير عن نفسك، أعتقد ربما حاولي قراءة رواية "هوف ويلبول" الأخيرة التي تقع في 800 صفحة "القلعة"، كما أرجو قراءة واحد أو اثنين من الكتب التي ذكرتها لك، (الكتب التي أوصي بها أورويل خلال الثلاثينات كانت لهوارد مينك، و"شفق الآلهة"، كما تضمنت قائمته أيضا " دكتورنيقولا)، بالمناسبة نسيت أن أذكر ما أعتقد أنك ذكرتيه لي من قبل أنك لم تقرئي رواية دكتور جارنيت "شفق الآلهة" (ليس ريتشارد جارنيت أو إدوارد جارنيت) وغيرها من الحكايات التي نشرت سنة 1888 ووصفت بأنها (خرافات أخلاقية ساخرة)، إذا لم تقرئيها، فعليك بالتأكيد فعل ذلك، الحكاية أن العنوان مأخوذ من أبعد ما يكون عن كونه الأفضل، لكن بعض الآخرين، مثل "رئيس بنفسجي" غاية في الروعة.
أعتقد أنك قرأت رواية "مارك توين" "الحياة علي نهر المسيسبي"؟ وروايةجي إس هالادان "عوالم ممكنة"؟ ورواية جاي بوثبي دكتور نيقولا والسيدة شيروود رواية "عائلة فيرتشايلد"؟ كلها بطرق مختلفة بعيدة عن السياق (دكتور نيقولا قصة مثيرة لصبي، إلا انها تحتل المرتبة الأولي في قراءتها" ويمكن أن أوصي بها كلها، ورواية "الدفاع عن المرأة" لإتسن .إل. مينكن ربما تكون مسلية، إلا أنني لم أقرأها، كما أري ويندهام لويز ( ليس دي. بي. ويندهام الكريه) ، جلبت كتابا للتو بعنوان "اسنوتي المتعجرف" علي ما يبدو أنه رواية من نوع ما، ربما يكون مثيرا للاهتمام، كل ما قرأته له عبارة عن مجلة ضعيفة اسمها "العدو"، مقالات غريبة، إلا ان من الواضح أنه تلقي ركلة، سواء كان يبدو مفكرا أم لا، ولا يمكن التأكد إلا بالمزيد من المعلومات، النسخة التي طالعتها من "العدو" كلها هجوم شرس حول الطول المعتاد للرواية، عن "جيرترود شتاين"، ما يجب قوله، إنه إهدار للطاقة، حسنا، إلي اللقاء، فليس لدي أخبار، سأكتب لك مرة أخري خلال أسبوع، في غضون ذلك أصبح في مزاج أكثر مرحا، وآمل ألا تكوني في حالة لا تطاق.
مع خالص الحب
إريك
9
إلي مترجمه
تضم مجموعة الرسائل رسالة إلي مترجم أعماله رينيه نويل ريمبولت تعطي فكرة رائعة عن نهج أورويل مع كتاباته، ومخاوف مترجمه، وردود أفعال كتاباته، كتب اورويل "جميع رسائله إلي ريمبولت بالفرنسية عدا خطابين، وريمبولت رسام وكاتب ومترجم درس الأدب الفرنسي واليوناني واللاتيني في "الليسيه"، ثم تخصص في ترجمة الأدب خاصة أعمال ويليام فوكنر وهو أول من ترجم لأورويل الذي أشاد بعمله.
9 أكتوبر 1934
36 هاي ستريت هاوثورد، سوفولك
سيدي العزيز ريمبولت:
سأرد علي خطابك بالفرنسية، آملا أن تغفر لي الأخطاء النحوية، منذ سنوات قليلة كنت أعيش في فرنسا، وبالرغم من ميلي لقراءة الكتب الفرنسية إلا أنني غير قادر علي كتابة لغتك بشكل غاية في الدقة، حين كنت في باريس كان الناس دائما يقولون لي: "أنت كرجل إنجليزي لا تتحدث بشكل غاية في السوء، إلا أن لديك لكنة رائعة"، للأسف كل ما حافظت عليه هو اللكنة، إلا أنني سوف أبذل قصاري جهدي، أعطيك أدناه إجابات عن أسئلتك، وعن الكلمات الناقصة في صفحة 239، التي تشير إلي أنها كلمات محظور نشرها في إنجلترا، لكن ذلك لن يسبب، يمكن أن نأمل، أي فضيحة في فرنسا، أما بالنسبة للمقدمة، سأكون سعيدا للغاية بكتابتها بالإنجليزية بالطبع- وإرسالها اليك في غضون عشرة أو خمسة عشر يوما، أنا غير قادر علي الانتهاء منها قبل ذلك لأنني علي وشك الذهاب إلي لندن، وسأكون منشغلا للغاية طوال الأسبوع القادم.
في نفس الوقت أرسل لك نسخة من "السقوط والخروج" موقعة باسمي الأدبي جورج أورويل، وهي نسخة من الطبعة الأمريكية، فليس لدي نسخة من الطبعة الإنجليزية، وبالنظر أن الكتاب صدر قبل ثمانية عشر شهرا، فإنه ربما يكون من المستحيل الحصول علي نسخة دون بعض التأخير، حين يتم نشر النسخة الفرنسية، سوف، بالطبع، أرسل لك نسخة.
لابد أن تكون واجهت العديد من الصعوبات في ترجمة كتاب مثل "السقوط والخروج"، ولطف منك اقتراح ترجمة روايتي القادمة وعنوانها "أيام بورمية"، وهي علي وشك النشر في "هاربر" بنيويورك، وتتناول حياة الإنجليز في بورما بالهند، وسوف تنشر في نيويورك لأن ناشري جولانز لا يجرؤ علي نشرها في إنجلترا بسبب الملاحظات التي أبديتها فيما يتعلق بالإمبريالية الإنجليزية.
مع ذلك نأمل قريبا العثور علي ناشر بالإنجليزية يكون أكثر شجاعة، ولا يبدو مرجحا أن مثل هذا الكتاب يمكن أن يحظي باهتمام جمهور القراء الفرنسي، لكن علي أي حال سأخبر وكيل أعمالي الأدبي أن في إمكانك الحصول علي نسخة في أقرب وقت ممكن بعد تلقي البعض منها في نيويورك، لتكون قادرا علي الحكم بنفسك إن كانت الترجمة ستلقي نجاحا في فرنسا.
بالمناسبة قلت لي إن السيد أندريه مالرو كتب مقدمة لكتاب ويليام فوكنر، إذا لم أكن مخطئا، السيد مالرو كتب روايات تجري أحداثها في الصين والهند، وما إلي ذلك، في تلك الحالة يمكن أن تثير "أيام بورمية" اهتمامه، ويكون غاية في اللطف لو كتب مقدمة لي، وهو مما لاشك فيه يضمن نجاح أي كتاب يحمل اسم مثل ذلك الكاتب المميز، إلا أن حكمك سيكون أفضل بعد رؤية نسخة من "أيام بورمية"، في الختام يبق لي أن أشكركم علي الخدمة الجليلة التي أسديتموها لي بترجمة كتابي إلي الفرنسية، وآمل عند نشر الكتاب أن تتلقي تعويضا مناسبا لجهودكم، وآمل أيضا عند الترجمة إلي الفرنسية ألا أكون قد فرضت عليك أسوأ مهمة ترجمة عن الآخرين.
أهدي إليك سيدي العزيز، التعبير عن مشاعري الفياضة.
جورج أورويل
هامش
نشرت "أيام بورمية" في فرنسا عن دار نشر "ناجل" تحت عنوان "تراجيديا بورمية" في 31 أغسطس 1946 من ترجمة "جيلوت دوساكس".
أما أندرو مالرو 1901-1976 روائي ومفكر يساري غادر الهند الصينية والصين وهو في الواحدة والعشرين من عمره، وانخرط في الحركات الثورية، فسافر إلي إيران وأفغانستان، ثم عاد إلي الهند الصينية سنة 1926، ليحول تجاربه إلي روايات، وأصبح وزيرا للإعلام ثم الثقافة في حكومة ديجول.
10
الصديق اللدود
أورويل كان يعتقد أن الشاعر والروائي والناقد والمترجم ستيفن سبندر شخص خارج عن المألوف، وكان ينتقده من وقت لآخر إلا أنه بعد كتابه خطابا له في إبريل سنة 1938 أصبحا صديقين، وهذا هو الخطاب:
الجمعة 15 إبريل 1938
جليكو، جناح بريستون، قاعة إيليسفورد، كنت.
عزيزي سبندر:
شكرا جزيلا علي خطابك والنسخة من روايتك، انتظرت لأقرأ الأخيرة قبل الرد عليك، لقد أثارت انتباهي، إلا أنني غير متأكد تماما من رأيي حولها، أعتقد أن شيئا من هذا القبيل يحتاج رؤيته معروضا، لأنك عند الكتابة يبدو من الواضح أن لديك تأثيرات مشهدية مختلفة، وضوضاء تكميلية، وعلي العقل تحديد إيقاع النثر، لكن هناك الكثير حول ذلك أود مناقشته معك حين أراك المرة القادمة.
تساءلت كيف أهاجمك دون أن ألتقي معك، من ناحية أخري لقد غيرت رأيي بعد أن التقيت بك، لا أعرف بالتحديد إن كنت هاجمتك في أي وقت، لكن كان لدي بالتأكيد بعض التصريحات الهجومية العابرة حول "صالون البلاشفة" مثل "أودن" و"سبندر" أو كلمات بهذا المعني، وأنا علي استعداد لتوظيفك كرمز لصالون بولشي بسبب نثرك، ماذا قرأت عن هذا، ذلك لا يعنيني كثيرا، إلا أنني أنظر إليك كشخص ناجح أنيق، وأيضا شيوعي أو متعاطف مع الشيوعية، وأنا عدائي للغاية تجاه الحزب الشيوعي منذ حوالي سنة 1935 .
لأنني لم ألتق بك يمكن اعتبارك نموذجا، وأيضا فكرة مجردة، حتي لو كنت حين التقيت بك لم يحدث أن أحببتك، علي الالتزام بتغيير موقفي، لأن عندما نقابل أي شخص بشحمه ولحمه ندرك فورا انه آدمي وليس نوعا من الكاريكاتير يجسد أفكارا مؤكدة، جزئيا لذلك السبب لا أختلط كثيرا بالأوساط الأدبية، لأنني أعرف بالتجربة أن بمجرد لقائي وتحدثي مع أي شخص لن أكون قادرا أبدا علي إظهار أي وحشية فكرية تجاهه مرة أخري، حتي حين أشعر أنه يجب أن أفعل ذلك، مثل قائمة النواب في حزب العمال ممن لديهم من يربت علي ظهورهم من الدوقات فضاعوا أكثر إلي الأبد.
غاية في اللطف منك كتابة مراجعة لكتابي الإسباني، لكن لا تذهب وتزج نفسك في متاعب مع حزبك، انه لا يستحق ذلك، علي أي حال، بالطبع، تستطيع الاختلاف مع كل ما لدي من الاستنتاجات، كما أعتقد انك ربما تفعل علي أي حال، دون أن تدعوني بالكاذب فعلا، إن استطعت الحضور زرني لبعض الوقت، إذا لم يكن في ذلك الكثير من الإزعاج، أنا لست معديا، ولا أعتقد أن ذلك المكان من الصعب الوصول اليه، لأن محطه أتوبيس ذاجرين لاينز تصل للبوابة، أنا سعيد للغاية هنا، وهم غاية في اللطف معي، لكن بالطبع شيء ممل ألا تكون قادرا علي العمل، وأقضي معظم وقتي في حل الكلمات المتقاطعة.
إريك بلير
11
الرواية المشكلة!
تعرض أورويل بسبب روايته "الطريق إلي ويجان بيير" لهجمات شرسة من الشيوعيين من ناحية، ومن صحافة اليسار المتطرف من ناحية أخري، حيث كتب هاري بوليت زعيم الحزب الشيوعي البريطاني في "الديلي ووركر" في 17 مارس 1937: "ها هو جورج أورويل خائب الأمل، ذلك الفتي المنتمي للطبقة الوسطي، الذي ظهر خلال الإمبريالية، قد قرر اكتشاف ما علي الاشتراكية تقديمه"، إلا أن فيكتور جولانز ناشر أورويل أنقذه بنشر تلك الرواية الذي شعر أنه متورط معه في كتابتها، حين كلفه بالكتابة عن الطبقة العاملة في مدن شمال انجلترا، بالرغم من ميله لليسار وتأييده للحركات الاشتراكية، فكتب له أورويل رسالة في 20 أغسطس 1937:
ا ستورز ويلنجتون
عزيزي السيد جولانز:
لم أتوقع رؤيتك للمقطع الجارح للشعور في رسالة علي أنه إسقاط لأي شيء سبق ونشرته لي.
لذا "انظر إلي ما تحته خط من الكلمات" هو-أعتقد- ثالث تحوير في "الديلي ووكر" عما يفترض أنني قلته، وهو أن الطبقة العاملة "تفوح منها رائحة عفنة"، كما تعلم، لم يسبق لي إطلاقا قول شيء من هذا القبيل، في الواقع ما قلته بالتحديد عكس ذلك، ما قلته في الفصل الثامن من "ويجان بيير"، كما قد تتذكر، أن أفراد الطبقة المتوسطة تربت علي الاعتقاد أن الطبقة العاملة "تفوح منها رائحة عفنة"، وهو ببساطة مجرد أمر واقع يمكن ملاحظته، عدد الرسائل التي تلقيتها حول ذلك الأمر، تنم بيانا أو ضمنا أن أعتقادي كون الطبقة العاملة "تفوح منها رائحة عفنة" هي كذبة متعمدة تستهدف أناسا لم يقرأوا هذا الكتاب أو أيا من كتبي الأخري، لكي ترسخ في ذهنهم فكرة أنني سوقي متكبر، وبالتالي الضرب بشكل غير مباشر في الأحزاب السياسية التي أرتبط بها .
تلك الهجمات في "الووركر" لم تبدأ إلا بعد أن أصبح معلوما لدي الحزب الشيوعي انني كنت أخدم مع ميليشيا "بي إم أو يو" أو "حزب توحيد الإسبانية الإشتراكي" الإسباني.
ليس هناك اتصال بيني وبين هؤلاء الناس "العاملين في ووكر" ولم يصدر عني أي شيء له وزن معهم، لكنك بالطبع وضعك مختلف، وأعتذر بشدة لإثارة متاعب حول ما يعتبر أمورا شخصية خاصة بي لا أكثر ولا أقل، ولكن أعتقد أن ربما ما يستحق بالنسبة لك هو التدخل لوقف هجمات من هذا النوع، التي، بالطبع، لن تفيد الكتب التي نشرتها لي أو ربما تنشرها لي في المستقبل، إن كان من أجل ذلك الغرض، وكنت علي صلة بأي شخص ذو سلطة علي العاملين في "ووركر"، سأكون ممتنا لو أخبرتهم شيئين:
1-في حالة تكرار تلك الكذبة المتعلقة بما أقوله عن الطبقة العاملة بأنهم "عفني الرائحة" سأنشر مع الاستشهاد بالعبارات اللازمة، أضم بها ما قاله "جون ستراتشي" لي حول هذا الموضوع قبل أن أغادر لإسبانيا "حوالي 20 ديسمبر"، لاشك أن "ستراتشي" سيتذكره، ولا أعتقد أن سي. بي سيهتم برؤية ذلك منشورا.(ستراتشي نائب عمالي، دارس متخصص في السياسة، بدعم من الشيوعية اعتلي منصب وزير العمل للغذاء، ثم وزيرا للحرب).
2 تلك مسألة غاية في الخطورة، حملة تشهير منظمة تجري ضد أشخاص ممن كانوا يعملون مع "حزب توحيد الإسبانية الاشتراكي" في إسبانيا، رفيق لي، وهو صبي في الثامنة عشرة، كنت أعرفه في الصف ستافورد كوتمان مؤخرا تم ليس فقط طرده من فرعه في "الواي سي إل" بسبب اقترانه مع "حزب توحيد الإسبانية" الذي ربما يكون مبررا، كما يتنافي تماما أيضا مع سياسات "بي أو" أو " حزب التوحيد الاشتراكي"، لكن أيضا تم وصفه في خطاب بأنه "يتبع فرانكو" هذا التصريح الأخير مسألة مختلفة تمام الاختلاف، لا أعرف إن كان تشهيرا بالمعني المقصود في القانون، إلا أنني سأستشير محاميا، وبطبيعة الحال، نفس الشيء "أنا محسوب علي الفاشية" وعرضة أن يقال عني ذلك، ربما مرة أخري، إذا تحدثت مع شخص في منصب رسمي، يمكنك إخبارهم أن في حالة وجود أي شيء يقال ضدي موجب لإقامة دعوي، لن أتردد في اتخاذ قرار رفع دعوي قذف وتشهير علي الفور، أكره اتخاذ هذا الموقف المتوعد، ويجب أن أكره الاستمرار في المزيد من التورط في التقاضي، خاصة ضد أعضاء من حزب آخر للطبقة العاملة ، لكنني أعتقد أن الواحد من حقه الدفاع عن نفسه ضد تلك الهجمات الشخصية الحقودة، التي لو كانت حقيقية فالقضية ستكون أن"سي.بي" علي حق تماما، و"حزب التوحيد الاشتراكي" و"إي . إل. بي" علي خطأ تماما بكل معني الكلمة، ولا يمكن علي المدي الطويل، أن تجدي نفعا للطبقة العاملة، أنت تري هنا (كما أكد المقطع الثاني) الاقتراح الضمني ألا "أسحب ثقلي وسيطرتي" في المعركة ضد الفاشيين، بداية من ذلك، هناك فقط خطوة قصيرة، لتسميتي بالجبان، المتخاذل... وما إلي ذلك، وليس لدي شك أن هؤلاء الناس يفعلون ذلك لاعتقادهم أنه شيء آمن.
أنا غاية في الأسف لتحميل مثل هذا الشيء فوق كاهلك، ويحب أن أكون متفهما، دون إهانة، إذا شعرت أنك لن تستطيع فعل شيء حيال ذلك، إلا أنني لن أجرؤ علي الاقتراب لأنك ناشري، وربما، قد، تشعر أن اسمك اللامع متورط إلي حد ما مع اسمي.
المخلص إريك بلير
12
خطاب إلي زوجته إيلين بلير
5 إبريل1937 مستشفي مونفلوريت
الأعز:
يالك من زوجة رائعة حقا، حين رأيت السيجار قلبي ذاب، سوف يحلون جميع مشاكل التبغ لفترة طويلة قادمة، أخبرني ماكنير أنك علي ما يرام بشأن المال، يمكنك الاقتراض ومن ثم السداد طالما بوب إدواردز يجلب بعض البيزيتا، لكن لا تتمادين في التضييق علي نفسك، وفوق كل شيء لا تقتصدي في الطعام والتبغ..وما إلي ذلك، أكره سماع إصابتك بالبرد وشعورك بالإرهاق والضعف، لا تدعيهم يحملونك أكثر من طاقتك، وأيضا لا تصابي بالقلق بشأني فأنا أفضل بكثير ومن المتوقع عودتي للصف غدا أو بعد غد، الحمد لله لم ينتشر التسمم في يدي، وهو حاليا يكاد يقترب من الشفاء، بالرغم من أنه، بالطبع، الجرح لايزال مفتوحا، إلا أنني أستطيع استخدامها بشكل جيد إلي حد ما، وأعتزم الحلاقة اليوم للمرة الأولي بعد توقف حوالي خمسة أيام، الطقس أفضل كثيرا، ربيع حقيقي معظم الوقت، منظر الأرض يحثني كثيرا علي تذكر حديقتنا بالوطن، والتساؤل إن كانت الأزهار قد تفتحت، وإن كان هاتشيت العجوز (جار أورويل) قدر زرع البطاطس.
نعم مراجعة بوليت كانت غاية في السوء (هاري بوليت 1890- 1960 الأمين العام للحزب الشيوعي في بريطانيا، كتب عرضا لرواية "الطريق إلي ويجان بيير" في الديلي ووكر)، مع أنها بالطبع مفيدة بالنسبة للدعاية، أفترض أنه ربما سمع أنني كنت أخدم في ميليشيا حزب العمال الماركسي الإسباني، لم أعر اهتماما كبيرا بالمراجعة التي نشرتها "صنداي تايمز"، كما أعلن "جولانز" (ناشره) عدة مرات انهم لن يجرؤوا علي إسقاط وركود كتبه، لكن "الأوبزرفر" تقدمت للأفضل في آخر مرة، قلت لماكنير إنني عندما أحصل علي إجازة أريد كتابة مقال ل"نيو ليدر" كما طلب مني، إلا أنه سيكون بمثابة فقد منزلتي بعد "بي. إي. أو" لذا أتوقع انهم لن ينشروها، أخشي أن يكون توقع حصولي علي إجازة بلا فائدة، فلن أحصل عليها قبل 20 إبريل، وهو أمر مزعج في حالتي، فخلال ذلك سيتم نقلي من وحدة إلي أخري، وعدد كبير من الرجال الذين جئت معهم من الجبهة حاليا في إجازة، إذا اقترحوا حصولي علي إجازة قبل ذلك لا أعتقد أنني سأقول لا، لكن ليس من المحتمل أن يفعلوا ذلك، ولن أضغط عليهم، هناك أيضا بعض المؤشرات- لا أعرف لأي مدي يمكن لأي شخص الاعتماد علي ذلك- إنهم يتوقعون مبادرة في ذلك الصدد، ولن أحصل علي إجازة إلا إذا أمكنني المساعدة علي القيام بذلك.
معاملة الجميع لي جيدة للغاية وأنا بالمستشفي، يزوروني يوميا وما إلي ذلك، أعتقد الآن أن الطقس يتحسن، يمكنني الصمود لشهر آخر دون تعب، وما يتبقي أن نفعله هو الذهاب للصيد إذا كان ذلك متاحا.
بينما أكتب ذلك فإن ميشيل وباركر، وبوتون شو وصلوا للتو وسوف ترين وجوههم حين يرون السمن المارجرين (مايكل ميشيل إنجليزي، وباركر من جنوب أفريقيا وبوتون الأمريكي كانوا زملاء في الوحدة العسكرية مع أورويل، وزملاء آخرين قالوا لآيان أنجوز سنة 1970 إن بوتون شو متعاطف للغاية مع اليسار الأوروبي ويعتبرون أورويل نموذجا للرجل الإنجليزي فهو طويل القامة يعتني بنفسه، كما تلقي تعليما جيدا، ويتحدث ببراعة)، أما بالنسبة للصور، طبعا هناك كثيرون يطلبون نسخا منها، وقد كتبت العدد المطلوب من كل منها خلفها، وربما يمكنك الحصول علي نسخ، أعتقد أن ذلك لن يكلف كثيرا، وليس من الواجب أن أخيب ظن رجال المدفعية الإسبان...إلخ، بالطبع بعض الصور تظهر فيها حالة من الفوضي، تلك التي يبدو فيها بوتون شو الذي يمكنك رؤيته علي نحوغير واضح ناحية اليسار خلف المنزل وهي صورة انفجار قذيفة.
علي التوقف تلك اللحظة ، وأنا غير متأكد متي يعود ماكنير وأريد أن تكون تلك الرسالة في متناول يده، أشكرك للغاية علي الأشياء التي أرسلتها، عزيزتي، أعتني بنفسك، وكوني سعيدة، أخبرت ماكنير أنني أود أن يكون حديثه معي حول الظروف حين أحضر في إجازة، وربما يكون لديك فرصة لتتحدثي معه عن رغبتي في الذهاب إلي مدريد وما إلي ذلك، إلي اللقاء، ياحبي، سأكتب لك مرة أخري قريبا.
مع خالص حبي
إريك
13
تي. إس. إليوت.. علاقة متقلبة
يحتوي الكتاب علي خطابين قصيرين من أورويل إلي تي .إس.إيليوت الذي كان مديرا لدار نشر "فابر آند فابر" التي كانت حينها تقبل نشر معظم أعمال أورويل، إلا ان "إيليوت" في وقت لاحق سنة 1944 رفض نشر روايته الشهيرة "مزرعة الحيوانات" بسبب ميلها للسياسة التروتيسكية بالرغم من أن أورويل نجح في أن تكون رمزا للشيوعية الستالينية، إلا أن اليوت أوضح في رسالة لأورويل أنها رواية جيدة مشيدا بنزاهته السياسية بالرغم أنه رأي أن شخصية الخنزير بالرواية تستند إلي ستالين الذي أجبر منافسه، "كرة الثلج" الذي كان يعمل لصالح المزرعة، يري أنها تستند لشخصية منافسه "تروتسكي" الذي تم طرده من الحزب الشيوعي سنة 1927، وتم نشر الرواية عن دار نشر"سيكر آند ماربورج" بعد رفضها من أربع دور نشر أخري.
14
ويندسور ستريت
لندن 30 أكتوبر 1931
عزيزي مستر إليوت:
أكتب اليك شخصيا، حيث أخبرني ريتشارد رييز (رسام وكاتب وناقد) أنه تحدث معك نيابة عني، قرأت للتو رواية مثيرة للانتباه تدعي "جرس الليل" لجاك روبرتي، هي قصة عاهرة، أقرب إلي الحياة الحقيقية، مما يمكن للمرء أن يحكم عليها وأكثر قسوة في روايتها، لكنها ليست مجرد استغلال موضوع قذر، إنها تبدو لي تستحق الترجمة، إذا كان السادة "فابر آند فابر" يودون محاولة الترجمة أعتقد أن في استطاعتي القيام بالمهمة، بنفس جودة معظم الناس، أنا لا أدعي المعرفة العلمية باللغة الفرنسية لكن، تعودت المزج بنوع من رواية وصف المجتمع الفرنسي، كما أعرف اللغة العامية الفرنسية، إن لم يكن إلي حد بعيد، أفضل من غالبية الإنجليز، لا أدري إن كان مثل هذا الكتاب سوف ينفذ فور صدوره، لكن أعتقد أن روايات زولا بيعت في إنجلترا، وذلك الكاتب يبدو أنه سوف يحذو حذو زولا.
ربما آمل أن تدعني أعرف إن كان السادة في "فابر آند فابر" يرغبن في سماع المزيد عن ذلك؟ إن أرادوا رؤية الكتاب يمكنني إرساله علي طول، أو ترجمة بعض صفحات كعينة، أظن أن حقوق الترجمة محفوظة، لكن أعتقد أنني أستطيع معالجة ذلك إذا صدر قرار بترجمته.
المخلص
إيريك إي بلير
بعد ذلك كتب رسالة استكمالا لنفس الموضوع في 4 نوفمبر 1931:
عزيزي مستر اليوت:
شكرا علي رسالتك، أرسل إليك "جرس الليل" في غلاف منفصل، كما قلت، يجب أن تحصل علي فرصة أكثر من معظم الروايات الفرنسية، إذا كان السادة في "فابر آند فابر" أرادوا ترجمة أي كتب من الفرنسية، أكون ممنونا أن يسمحوا لي بتلك المحاولة، وأنا متلهف للحصول علي اتفاق عمل من هذا النوع، وأعتقد أنني أستطيع القيام به مثل عامة المترجمين.
المخلص
إيريك إي بلير
15
مسلسل للإذاعة
راينر هيببنستول ( 1911- 1981) ناقد ومؤرخ للجريمة، تشارك مع أورويل بالعيش في مسكن واحد سنة 1935، إلا أن اجتماعهما في مكان واحد لم يحقق النجاح المرجو لكل منهما، فافترقا، إلا أن راينر أنتج بعض أعمال أورويل للإذاعة البريطانية، خاصة سيناريو روايته "رحلة إلي بيجل"، كما قام بإعادة صياغة ل"مزرعة الحيوانات":
إلي راينر هيبنستول
ليلة الثلاثاء 24 سبتمبر 19350 لوفورد شارع كيش تاون.
عزيزي راينر:
شكرا جزيلا علي رسالتك، آمل أن تكون المخطوطة الأولية المرفقة برسالتي، هي ما كنت تريده، استنتجت منها أنك حتما كنت تستدعي خط يدك الذي تعلمت كتابته بالمدرسة، والنتيجة أنني لم أتمكن من قراءة كلمة واحدة من الجزء الذي كتبته في خطابك من المخطوطة الأولية، لذا لم أتبع تعليماتك حرفيا.
أعاني عذابا لا يمكن وصفه مع طبعتي المسلسلة، فقد عكفت عليها بالفعل لأربعة أيام ولازلت في الصفحة الثانية، ذلك لأنني جلست وكتبت ما لم يكن سيئا من الحلقة الأولي، ثم عندما أحصيت عدد كلماتها، اكتشفت أنها بلغت 3500 كلمة بدلا من 2000، مما يعني بالطبع أنني سأعيد كتابتها عن بكرة أبيها، ولا أعتقد أنني سأحذف منها في سبيل أن أصبح كاتب مسلسل، وسوف يسعدني العودة لرواياتي الخوالي الجميلة، حين كان يتعين علي المرء وجود مساحة كافية للتحرك، لدي المزيد من العمل للانتهاء منها، هناك ثلاثة فصول أخري وخاتمة لا بد من الانتهاء منها، عندها يمكنني قضاء حوالي شهرين مرتديا ملابس مزخرفة.
حتي لو لم يصل مسلسلي لأي شيء، وأنا لا أتوقع ذلك، أنوي الحصول علي أسبوع أو نحو ذلك إجازة الشهر القادم، أهلي طلبوا مني النزول والبقاء معهم، وإن استطعت إقناع أختي أن تقود لي طالما لا أعتقد أن في إمكاني قيادة سيارتها الحالية، سوف أحضر لرؤيتك، لا أعرف شيئا عن هذا الجزء من البلاد، لكن إن كان مثل ما عندنا، لا بد ان يكون لطيفا في هذا الوقت من السنة.
أرسلت إليك هذا المساء التجارب الطباعية العاجلة، أرجو أن تصلك في الوقت المناسب، لكنها موجودة بالفعل في عنوانك القديم، يجب أن تدع رؤساء التحرير والناس يعرفون أنك غيرت عنوانك، أنت علي حق بالنسبة لإيلين (كان أورويل علي وشك الزواج منها إلا انها كانت تدرس للحصول علي الماجستير في علم النفس من لندن)، فهي ألطف شخصية قابلتها منذ زمن طويل، لكنني حاليا لا أستطيع تحمل ثمن خاتم، عدا ربما واحدا من "وول وورث"، مايكل كان هنا مع إدنا (ابنة عم مايكل الذي كان علي علاقة بها)، وتناولنا العشاء سويا، وأخبرني أن له قصة ضمن مجموعة مختارات من القصص علي وشك الصدور، لكنه بدا متكتما حول شيء ما، كنت بالقرب من منزل فيرز الأحد الماضي وقابلت بريندا وموريس هناك الذي بلاشك تتذكره ، وكان في جعبتهم العديد من القصص علي ما يبدو تتداول بين الشيوعيين حول حقيقة أن الكولونيل لورانس "لورانس العرب" لم يمت في الحقيقة بل تم تدبير قصة وفاة وهمية له علي مراحل، وهو الآن في الحبشة، لم أكن معجبا بلورانس إلا أنني تمنيت أن تكون تلك قصة حقيقية.
إلي اللقاء رجاء اذكروني لدي موريز
الملخص
إيريك بلير
هامش: راينر كان مقيما عند موريز، الذي وجد اورويل في منزله مأوي منذ أول مرة ذهب فيها إلي لندن، وتعرف هناك علي ليونارد مور الذي أصبح فيمنا بعد وكيلا أعماله.
أما لورانس فقد توفي نتيجة حادث موتوسيكل في 19 مايو سنة 1935 .
16
إلي ناقده الأدبي
الرسالة التالية كتبها أورويل لسيريل كونولي وهو ناقد أدبي، ورئيس تحرير مجلة "هورايزون" الأدبية، أهم كتبه: "أعداء الوعد" الذي جمع فيه بين النقد الأدبي واستكشاف سيرته الذاتية، خاصة فشله في أن يصبح كاتبا روائيا، كتب عنه أورويل عرضا، وكان زميلا لأورويل في قبرص وإيتون، ثم التقيا بعد أن كتب كونولي عرضا لرواية "أيام بورمية"، وتشاركا في عدد من الأنشطة الأدبية.
14 مارس 1938
ويلنجتون
عزيزي سيريل:
أري بناء علي قائمة مجلة "نيوستاتسمان" السياسية الأدبية أن لك كتابا علي وشك الظهور في وقت ما خلال الربيع، إن استطعت تدبير نسخة منه أرسلها لأكتب عرضا عنها ل"نيو إنجليش" وربما أيضا ل"تايم آند تايد"، لقد رتبت مع واربورج لإرسال نسخة من كتابي الإسباني "تحية إلي كتالونيا"، أرجو أن يكون في إمكانك كتابة عرض لها، واحدة بواحدة.
أكتب لك من الفراش، قد لا أذهب إلي الهند في النهاية، في كل الأحوال ليس قبل الخريف، لا يعتقد الأطباء أن عليّ الذهاب، لقد بصقت دما مرة أخري، دائما ما يتحول ذلك إلي شيء ليس خطيرا، إلا أن حدوثه يثير القلق، سوف أدخل مصحة في "كنت" لعمل أشعة إكس (أظهرت سجلات المصحة انه سعل دما في أعوام 1919 و1931، و1934 بسبب الالتهاب الرئوي، وقبلها حين كان في "بورما" بسبب حمي الدنج)، ليس لدي شك سيكتشفون كما حدث من قبل أنني في حالة جيدة، لكنها علي أي حال ذريعة لعدم ذهابي إلي الهند، وهو ما لا أرغبه بتاتا (تمت دعوة أورويل لكتابة مقالات رئيسية وعروض كتب، وكتابات أدبية، وكتابة مقالات رئيسية في صحيفة "بايونير" الهندية، وصحيفة "لوكنو" في "باكستان").
تلك الفوضي الدموية حدثت لي في أوروبا لذا لا يمكنني بالفعل كتابة أي شيء، أري جولانز قد وضع روايتي القادمة علي قائمته، برغم أنني لم أكتب منها سطرا أو حتي رسمتها، يبدو لي الأمر مثل حزم حقائبنا للذهاب إلي معسكر الاعتقال، كنج فارلو كان هناك في ذلك اليوم، وسوف أبقي معه نهاية الأسبوع المقبل بعد مغادرتي المصحة، حين نكون بالمدينة سأحاول البحث عنك، ويكون لطفا منك كتابة سطر علي"24 كروم هيل ذ جرين ويتش إس إي" لإعلامي برقم هاتفك، الذي بطبيعة الحال فقدته مرة أخري، حتي يمكن مهاتفتك إذا حانت الفرصة، أرجو تبليغ سلامي لزوجتك، آمل رؤيتك حين عودتي.
المخلص
إريك بلير


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.