حديث.. وقفت هنيهة أنصت لعم مصطفي المسحراتي وهو ينقر طبلته الصغيرة "وهي عبارة عن سلطانية من الصاج شدت عليها قطعة من الجلد « وينشد: بديت باسم الله قبل الكلام محمد المولي علي كل حال ثم الصلاة علي النبي الرسول من شرفه ربه وزاده كمال سيدي فؤاد باشا يارب خليه لنا واجعل لياليه من ليالي الهنا وسيدي إبراهيم يا أصيل الجدود بالكرم طبعك وزندك يجود يارب تزور النبي وتكيد الحسود أحياكم لنا المولي إلي كل عام باسأل الله الكريم الودود تطوفوا بالكعبة ودار السلام وبينما كان يهم بالخروج من الحارة "السد" التي أنشد فيها هذا النشيد، اعترضت طريقه ودار بيننا الحديث التالي: - كل سنة وأنت طيب يا عم مصطفي. - وأنت بالصحة والسلامة يا سعادة البيه، إزاي البيه الكبير؟ - البيه الكبير مين فيهم، أبويا ولا جدي؟ الاتنين ماتوا علي كل حال يا عم مصطفي! - طيب يا بيه قوللي علي أسمائهم وأنا افتكرهم تمام وأقول لسعادتكم بيتكم كان فين.. - سيبنا أنت من كده، وقول لي بقي لك كام سنة مسحراتي، وصنعتك إيه بالنهار في غير شهر رمضان؟ شيخ المسحراتية - أنا يا بيه لي 45 سنة وأنا مسحراتي، وصنعتي بالنهار دبغ الجلود، والمسحراتي لابد أن يكون عنده رخصة من (شيخ المسحراتية) وهو الآن حسين افندي الصواف، الذي يمر علينا قبل رمضان ببضعة أيام ليعين لكل منا المنطقة التي يقوم بالعمل فيها، وحسين أفندي هو ابن شقيق شيخنا الأكبر المرحوم السيد محمد الصواف الذي كان قياس الخليج، وفي يوم قطع الخليج سقطت بنت الحاكم في الماء وكادت تغرق فنزل السيد محمد إلي الماء وأنقذها من الغرق، فأراد الحاكم أن يكافئه وقال له: "أطلب ما تشاء فأمنحك ما تطلب".. فقال السيد محمد الصواف: "أطلب أن أكون شيخ المسحراتية والمداحين الذين ينادون ليعلنوا الناس بزيادة البحر- أي جماعة "عوف الله"- فاستغرب الحاكم هذا الطلب وأصدر فرماناً باسم السيد محمد الصواف بما طلب، وهكذا تولي مشيخة المسحراتية وسجلها في المحافظة لأبنائه من بعده، فلما مات تولي ابنه المشيخة، ثم مات هذا أيضاً فتولاها من بعده شيخنا الحالي حسين افندي الصواف وهو ابن شقيق شيخنا الأكبر . ألذ ذكرياته - ألا تحدثنا عن ألذ ذكرياتك؟ - قال: حدث مرة في أول رمضان أن كنت أنادي أمام منزل (م.ن.بك) وبعد أن انتهيت من سرد الأسماء التي أعرفها، أطلت بعض السيدات من النافذة وقالت لي إحداهن: - وقول كمان نازك هانم يا عم مصطفي. فأجبت بالسمع والطاعة، وجعلت من يومها أردد اسم نازك هانم وأقول فيها كلاماً كثيراً كل ليلة، حتي انتهي رمضان وذهبت لآخذ عديتي وقلت بعدما أعطوني العادة: - وأين عيدية نازك هانم؟ فنادت إحدي السيدات: - نازك.. نازك.. وإذا بقطة تتقدم إليّ بجلاجلها وتموء "ناو.. ناو" وضحكت السيدات وقدمن لي فطائر ونقوداً زيادة عما أخذته من قبل. أناشيد عذبة والمسحراتي لا ينقطع عن النشيد والترنم من وقت خروجه من منزله وحتي عودته إليه، ومن الأناشيد التي يترنم بها وهو سائر في الطريق: يا غفلان وحِّد ربك وبالتقي عمَّر قلبك ما يوم تقلق علي رزقك دا ربنا عالم بالحال
ربنا عليم وحكيم مُحيي الخلق وهو كريم خالقنا في خير ونعيم كله وابن آدم بطران ثم يلقي موعظة في قالب فكاهي قائلاً: يارب قدرنا علي الصوم واحفظ إيماننا بين القوم وارزقنا يارب باللحم المفروم أحسن يارب ماليس أسنان وحين يأذن الشهر المبارك بالرحيل تتبدل بأناشيد يرتلونها في نغم محزن، منها: لا أوحش الله منك يا شهر الصيام لا أوحش الله منك يا شهر الصيام لا أوحش الله منك يا شهر الولايم يا شهر الحفلات والعزايم أما في سوريا فقد روي لنا أحد أصدقائنا أنه كان يطربه جداً ويضحكه كثيراً قول أحد المسحراتية وهو يطوف بسرعة علي منازل القرية: يا أهل الضبعة بأجمعكن أبو سعدون بيسحركن ان كلتو شي ينفعكن وان ما كلتن عنكو ما كلتن!