بوبو ومروان حمدي في قائمة بيراميدز لمواجهة إنبي بالدوري    بحوزته 10 قطع.. تفاصيل سقوط المتهم بمخدر الحشيش في الوراق    أول تعليق ل نجوى فؤاد بعد خروجها من المستشفى    جوتيريش: التصعيد في رفح الفلسطينية سيكون تأثيره كارثيا    الحكومة: السياسات النقدية وتوافر النقد الأجنبي أسهم في ضبط الأسواق وانخفاض الأسعار    دراما الثواني الأخيرة على طريقة NBA.. ثلاثية الجندي تقود سلة الأهلي إلى نهائي كأس مصر (فيديو)    هيئة الدواء المصرية تستقبل ممثلي جمعية المعلومات الدوائية الدولية    ننشر تفاصيل لقاء وزير النقل برئيس الوكالة الفرنسية للتنمية    فى شباك التذاكر «شقو» على القمة ب 60 مليون جنيه.. و«أسود ملون» فى القاع بإيرادات محبطة    وزير الصحة يبحث مع شركة «أبوت» نقل تكنولوجيا التصنيع الدوائي للسوق المصري    رئيس جهاز الشروق يقود حملة مكبرة ويحرر 12 محضر إشغالات    رئيس الوزراء يهنيء السيسي بمناسبة الاحتفال بعيد العمال    مجموعة الهبوط.. أبوقير للأسمدة يفوز على دكرنس بدوري المحترفين    ستبقى بالدرجة الثانية.. أندية تاريخية لن تشاهدها الموسم المقبل في الدوريات الخمسة الكبرى    سفيرة مصر بكمبوديا تقدم أوراق اعتمادها للملك نوردوم سيهانوم    مصرع زوجين وإصابة طفليهما في حادث انقلاب سيارة بطريق سفاجا - قنا    «التعليم» تحدد موعد امتحانات نهاية العام للطلاب المصريين في الخارج 2024    إعلام عبري: حزب الله هاجم بالصواريخ بلدة بشمال إسرائيل    لوقف النار في غزة.. محتجون يقاطعون جلسة بمجلس الشيوخ الأمريكي    مي القاضي تكشف أسباب عدم نجاح مسلسل لانش بوكس    بالأبيض.. لينا الطهطاوى رفقة هنا الزاهد وميرهان في ليلة الحنة    «تحيا مصر» يوضح تفاصيل إطلاق القافلة الخامسة لدعم الأشقاء الفلسطينيين في غزة    مقتل 6 أشخاص في هجوم على مسجد غربي أفغانستان    هيئة سلامة الغذاء تقدم نصائح لشراء الأسماك المملحة.. والطرق الآمنة لتناولها في شم النسيم    بالفيديو.. خالد الجندي: القرآن الكريم لا تنتهي عجائبه ولا أنواره الساطعات على القلب    النائب العام يقرر إضافة اختصاص حماية المسنين لمكتب حماية الطفل وذوي الإعاقة    دعاء ياسين: أحمد السقا ممثل محترف وطموحاتي في التمثيل لا حدود لها    مصرع طفل وإصابة آخر سقطا من أعلى شجرة التوت بالسنطة    جامعة طنطا تُناقش أعداد الطلاب المقبولين بالكليات النظرية    موعد إجازة عيد العمال وشم النسيم ل القطاع الخاص 2024    هيئة الرقابة النووية والإشعاعية تجتاز المراجعة السنوية الخارجية لشهادة الايزو 9001    دورتموند يستعيد نجوم الفريق قبل مواجهة سان جيرمان بدوري الأبطال    موقف طارق حامد من المشاركة مع ضمك أمام الأهلي    "بتكلفة بسيطة".. أماكن رائعة للاحتفال بشم النسيم 2024 مع العائلة    القوات المسلحة تحتفل بتخريج الدفعة 165 من كلية الضباط الاحتياط    الآن داخل المملكة العربية السعودية.. سيارة شانجان (الأسعار والأنواع والمميزات)    وفد سياحي ألماني يزور منطقة آثار بني حسن بالمنيا    غرق بمياه ترعة.. العثور على جثة شخص في الصف    رئيس غرفة مقدمي الرعاية الصحية: القطاع الخاص لعب دورا فعالا في أزمة كورونا    «التنمية المحلية»: فتح باب التصالح في مخالفات البناء الثلاثاء المقبل    مجهولون يلقون حقيبة فئران داخل اعتصام دعم غزة بجامعة كاليفورنيا (فيديو)    حملات مكثفة بأحياء الإسكندرية لضبط السلع الفاسدة وإزالة الإشغالات    "بحبها مش عايزة ترجعلي".. رجل يطعن زوجته أمام طفلتهما    وزير الأوقاف يعلن إطلاق مسابقة للواعظات للعمل بإذاعة القرآن الكريم خلال أيام    تقرير حقوقي يرصد الانتهاكات بحق العمال منذ بداية 2023 وحتى فبراير 2024    رموه من سطح بناية..الجيش الإسرائيلي يقتل شابا فلسطينيا في الخليل    كراسي وأحذية وسلاسل بشرية.. طرق غير تقليدية لدعم فلسطين حول العالم    الصحة: الانتهاء من مراجعة المناهج الخاصة بمدارس التمريض بعد تطويرها    استشاري طب وقائي: الصحة العالمية تشيد بإنجازات مصر في اللقاحات    إلغاء رحلات البالون الطائر بالأقصر لسوء الأحوال الجوية    حمد الله يتحدى ميتروفيتش في التشكيل المتوقع لكلاسيكو الاتحاد والهلال    دعاء آخر أسبوع من شوال.. 9 أدعية تجعل لك من كل هم فرجا    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    حزب الله يستهدف مستوطنة أفيفيم بالأسلحة المناسبة    هل ذهب الأم المتوفاة من حق بناتها فقط؟ الإفتاء تجيب    نجم الزمالك السابق: جوميز مدرب سيء.. وتبديلاته خاطئة    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    أخلاقنا الجميلة.. "أدب الناس بالحب ومن لم يؤدبه الحب يؤدبه المزيد من الحب"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل انتهي عصر المجلات الثقافية؟!
نشر في أخبار الأدب يوم 16 - 04 - 2016

في العدد الأخير الذي صدر في 23 فبراير 1953 من مجلة الرسالة، كتب رئيس تحريرها وصاحب امتيازها الكاتب والأديب أحمد حسن الزيات مقدمة شبه طللية، جاء فيها: (في الوقت الذي كانت "الرسالة" تنتظر فيه أن يحتفل أصدقاؤها وقراؤها وأولياء الثقافة والصحافة في وادي النيل، وزعماء الأدب والعلة في أقطار الشرق، بانقضاء عشرين سنة من عمرها المبارك المثمر، وفي الوقت الذي أشرق فيه علي مصر صباح الخير بثورة الجيش المظفر، بعد ليل طال في الظلام، وعمّق في الهول، فأسفر وجه العيش، وافتر ثغر الأمل، وشعر كل مصري في العهد الجديد أن وجوده إلي سمو، وعمله إلي نمو، وأمره إلي استقرار، نعم في هذا الوقت الذي نشأ لتوجيه الإرشاد وزارة، ولتنمية الإنتاج مجلس، ولتعميم الإصلاح خطة، تسقط "الرسالة" في ميدان الجهاد صريعة بعد أن انكسر في يدها آخر سلاح، ونفد من مذودها آخر كسرة، فكأنها جندي قاتل اليهود في عهد فاروق، أو فدائي جاهد الإنجليز بالقناة في حكومة فاروق !ولكن فاروق دال ملكه وزال حكمه، فبأي سبب من الأسباب يؤتي المجاهد من جهة أمنه لا من جهة خوفه، ويقتل بيد شيعته لا بيد عدوه !).
ويستكمل في أسي مثير للدهشة :(تموت الرسالة اليوم في ضجة من أناشيد النصر في مصر، وأهازيج الحرية في السودان، فلا يفطن إلي نزعتها هاتف، ولا يصغي إلي أنينها منشد ! ومن قبل ذلك بشهر، ماتت أختها "الثقافة" وكان الناس يومئذ في لهو قاصف من مهرجان التحرير، فلم تبكها عين قارئ، ولم يرثها قلم كاتب !).
ولا أريد أن أسترسل في تفاصيل المقدمة التي تشبه النعي أو المرثية، تلك المرثية التي تشمل مجلتي "الرسالة"، و"الثقافة"، وكذلك الناس الذين لم ينتبهوا إلي انهيار المجلتين، وكأن تاريخ هاتين المجلتين ذهب إلي أدراج الرياح، في حمي الانشغال بأفراح النصر والانتصار والتخلص من عهد الملكية.
وفي حقيقة الأمر، كان الزيات يرثي عهدا كاملا من الثقافة والمثقفين والفكر والمفكرين والصحافة والصحافيين، ليحلّ عهد آخر يلتزم بوزارة ومجلس وهيئة، وكافة التنظيمات التي نتجت عن الحركة المباركة الجديدة، وهناك من استطاع أن يتعلق بأذيال السلطة الجديدة، ويسير علي نهجها، ويقدم ما تشتهيه تلك السلطة، وهناك من آثر الانزواء الأقرب إلي الاختفاء، وهناك الشباب الذي اعتبر نفسه متمما لتلك الثورة في الصحافة والثقافة والفكر والفن، فعرفنا منهم أحمد بهاء الدين وإحسان عبد القدوس وصلاح جاهين وعبد الحليم حافظ وأحمد عبد المعطي حجازي وغيرهم، حتي أبناء اليسار مثل محمود أمين العالم ولطفي الخولي وحسن فؤاد وصلاح حافظ وعبد الرحمن الخميسي ويوسف ادريس وغيرهم، لبّوا نداء الثورة، وقدموا أشكالا لا نظير لها من الدعم الفكري والفني والثقافي والأيديولوجي لسلطة يوليو الجديدة، وكانت مجلات "التحرير والرسالة الجديدة" علي وجه الخصوص، بديلا مناسبا عن مجلتي الرسالة والثقافة.
ولا يستطيع أي باحث أو قارئ لثقافة ماقبل ثورة 23 يوليو 1952، أن يدرك طبيعتها، دون أن يتعرّف بشكل كامل علي مجلتي الرسالة والثقافة في مصر، بل في العالم العربي كذلك، حيث إن المجلتين كانتا من أوسع المجلات الثقافية والعربية تأثيرا وانتشارا، فالرسالة كانت قد نشأت في عام 1933، مستفيدة من الزخم الفكري والسياسي والثقافي والأدبي الذي تفتّق بعد ثورة 1919، وكانت هناك نهضة صحافية قد أرست دعائمها، فكانت الصحف السياسية والفنية مثل البلاغ اليومي والأسبوعي، والسياسة اليومية، والأسبوعية، وروز اليوسف، والمسرح، والكواكب، والعصور، وكوكب الشرق، والجديد، وأبوللو والمجلة الجديدة، وكذلك المقتطف والهلال اللتين كانتا مستمرتين منذ مايزيد علي أربعة عقود في ذلك الزمان، وكانت أقلام طه حسين ومحمد حسين هيكل ومصطفي صادق الرافعي وعباس محمود العقاد وأحمد أمين وسيد قطب ومحمود محمد شاكرومحمد فريد وجدي ومصطفي وعلي عبد الرازق وسلامة موسي وزكي مبارك ومحمد التابعي وفكري أباظة وتوفيق الحكيم وفيليكس فارس وسامي الكيالي وغيرهم، تعمل في جد ونشاط وحيوية، وكانت المعارك الثقافية والفكرية والسياسية مفتوحة بشكل شبه مطلق علي كل القضايا السياسية والأدبية والفنية والدينية، إنه عصر صاخب بكل معني الكلمة، ولا مفر من دراسة هذه المجلات وتوجهاتها، لإدراك مفاتيحه الذهبية.
وبعدما كان يتولي تحرير تلك المجلات كتّاب ومثقفون ومبدعون مثل محمد حسين هيكل للسياسة الأسبوعية، وأحمد حسن الزيات للرسالة، والأديب والكاتب والمترجم عبد القادر حمزة للبلاغ، والدكتور أحمد أمين للثقافة، والشاعر والأديب عادل الغضبان لمجلة الكتاب، والشاعر أحمد زكي أبو شادي لأبوللو، سلامة موسي للمجلة الجديدة، واسماعيل مظهر لمجلة العصور، ثم المقتطف فيما بعد، وأنور كامل لمجلة التطور، أصبحت المجلات الثقافية يترأسها ضباط، فمجلة "التحرير" كان أول رئيس تحرير لها الصاغ أحمد حمروش، واستمر فيها ثلاثة أشهر، ثم قبض عليه، وتولاها من بعده مباشرة الصاغ ثروت عكاشة الضابط بسلاح المدرعات، ولا يعني ذلك أن المجلة كانت تقدم ثقافة وصحافة متوسطتي القيمة، بالعكس كانت تقدّم ثقافة راقية، لأن إدارة المجلة استعانت بكتّاب ومبدعين لهم باع في الثقافة والصحافة مثل حسن فؤاد وصلاح حافظ ومصطفي بهجت بدوي وغيرهم، ولكنها كانت تحت المراقبة، وتحت بصر وأذن السلطة، لذلك تم استبعاد أحمد حمروش والقبض عليه بعدما كتب الشاعر الغنائي مأمون الشناوي مقالا لم يرض عنه أولو الأمر في ذلك الوقت، وكذلك تم إقالة واستبعاد ثروت عكاشة نفسه بعد عام بالضبط، لأسباب تشبه الأسباب التي استبعد بها حمروش، كذلك تولي رئاسة تحرير مجلة "الرسالة الجديدة" الضابط يوسف السباعي، والذي استعان بفريق واسع من الكتّاب والمبدعين المدنيين، ونشر لأسماء كانت حاضرة في المشهد آنذاك، مثل طه حسين وتوفيق الحكيم ومحمود تيمور ومحمود أمين العالم ومحمد مندور ومحمد أبوطائلة ويحيي حقي وعباس خضر، ونشر رواية "بين القصرين" علي حلقات في المجلة، مصحوبة برسومات فائقة الجمال للفنان الحسين فوزي.
إذن كان من الطبيعي أن تنتهي استمرارية مجلات الثقافة والرسالة والكتاب والمجلة الجديدة والكاتب المصري، وماشابهها من المشهد، لأن هناك خيوطا جديدة بدأت تمد ظلها الفكري والسياسي والاجتماعي علي المشهد ككل، ولا بد من الأصوات الجديدة تعبّر عن نفسها في منابر جديدة، وبالتالي لم تتوار المجلات القديمة فحسب، بل تواري أصحابها ورؤساء تحريرها وممثلوها الذين برزوا في لحظات تاريخية سابقة، لتحل ّ محلها نماذج أخري ملائمة لتلك المرحلة، حتي عندما عادت مجلتا الرسالة والثقافة للصدور مرة أخري في أوائل الستينيات لم تستمرا، حيث أنها كانت تشكّل صوتا ناشزا في اللحن الجديد، ولم تتناسب مطلقا مع النغمات الجديدة.
وإذا كانت مجلتا التحرير والرسالة الجديدة وبضع مجلات ثقافية أخري مستقلة، استطاعت أن تصبح بديلا محليا عن مجلتي الرسالة والثقافة القديمتين، فهناك في لبنان بدأت مجلة جديدة تخطو خطواتها الأولي، وفي ذات الوقت أي عام 1953، وهي مجلة "الآداب"، والتي استطاعت أن تقدّم البديل الثقافي العربي الأشمل لكل الأصوات القومية والطليعية الثقافية والفكرية والأدبية الجديدة، وجدير بالذكر أن التحضير لصدور هذه المجلة تمت مناقشته مع أحد أقطاب مجلة الرسالة القديمة، وكانت المناقشات تتم بين سهيل ادريس مؤسس المجلة، والناقد أنور المعداوي ناقد مجلة الرسالة الكبير، وجاءت مجلة لتحمل أشواق الكتّاب والمبدعين الشباب الجدد، فتألق في رحابها شعراء من طراز صلاح الدين عبد الصبور ومحمد الفيتوري وعبد الوهاب البياتي وخليل حاوي وبلند الحيدري وبدر شاكر السياب ونازك الملائكة وأحمد عبدالمعطي حجازي ومحمد ابراهيم أبوسنة وفاروق شوشة ونزار قباني وفدوي طوقان وسلمي خضراء الجيوسي وآخرين، كذلك استقطبت أقلام قصاصين مثل سليمان فيّاض وعبدالسلام العجيلي وغسان كنفاني ومحمد خضير وأبوالمعاطي أبو النجا وغيرهم، كما تألق علي صفحاتها نقاد شباب مثل رجاء ووحيد النقاش ومحيي الدين محمد وسامي خشبة وغالب هلسا وغيرهم، وقدّمت المجلة أعدادا خاصة في الشعر والقصة والرواية والمسرح والنقدالأدبي، وحرّكت المياه الساكنة الثقافية في كافة ربوع العالم العربي، وكان رئيس تحريرها الدكتور سهيل ادريس يتمتع برؤية ثاقبة لكافة القضايا الثقافية والفكرية والأدبية في كل أقطار الشرق العربي، لذلك حملت المجلة معارك حامية الوطيس لمفكرين ونقاد ومبدعين بطول وعرض العالم العرض، وكانت نموذجا مشرفا
وعظيما للصحافة الثقافية المسئولة، واتسعت المجلة لكي تنشئ وحدة نشر للكتب والدواوين الشعرية والمجموعات القصصية، ولكن المجلة بعد أكثر من نصف قرن، بدأت خطواتها تتعثر تحت الأزمات الاقتصادية الحادة، وأمام تراجع قارئ المجلات الورقية، فصمتت تماما عام 2006، لتصبح جدارية ثقافية تاريخية، لرصد وقراءة أكثر من خمسة عقود من الزمان.
بالطبع فالأزمات الاقتصادية التي تمر بها المجلات الثقافية تكون سببا مباشرا لإغلاقها، أو حتي طباعة عدد محدود من نسخها، وهناك مجلة طليعية لبنانية أخري، صدرت في عام 1941، وكانت تمثّل الثقافة اليسارية عموما، ولكنها كذلك قدّمت الصوت الوطني الديمقراطي الثقافي عموما، واتسع قوسها علي مختلف التيارات الطليعية، وبعد ستين عاما من صدورها، بدأت تتعثر، وتقلل من مرّات صدورها، ففي الأربعينيات كانت تصدر مرتين في الشهر، وصارت في بدايات الألفية الجديدة تصدر مرة واحد كل شهرين، وفي عام 2006 أعلن رئيس تحريرها الكاتب الراحل الكبير محمد دكروب أن المجلة سوف تتوقف قليلا تحت ضربات الأزمة الاقتصادية، وربما تعود مرة أخري عندما تنفرج تلك الأزمة، وتعاطف كثيرون من الكتّاب والمثقفين مع أزمة المجلة، لكن الأمر لا يتعلق إلا ظاهريا بالمسألة الاقتصادية، ولكن في حقيقة الأمر ملابسات وظروف تاريخية أخري، خلقت قارئا جديدا، لا تناسبه تلك المجلات التي لعبت أدوارا عظيمة في يوم ما، ذلك القارئ الذي يبحث عن ضالته أولا في الفضاء الالكتروني، ثانيا فلابد من حدوث معجزة ما لتطوير الصحافة الثقافية القديمة، والتخلص من أبعاد صحافية أصبحت مملة، وربما سخيفة أيضا لتناسب القارئ النزق والعصري، ثالثا بالنسبة للمجلات الحكومية المدعومة لا بد من إنهاء طقس المجاملات البائس الذي أسّست له وزارة الثقافة المصرية بامتياز، وذلك منذ عقود عديدة، فتجد رؤساء تحرير لا يملكون أدني مواهب صحفية، ورغم ذلك فهم يصرّون علي البقاء.
وإذا كنا تعرضنا لأبرز المجلات الطليعية المستقلة وانهيارها مثل الرسالة والثقافة، وهناك تجارب أخري شبيهة مثل الغد وأدب وجاليري 68، وكافة المجلات غير الدورية التي صدرت في عقد السبعينيات، هناك تجربة حكومية ومدعومة من الدولة، بدأت في مطلع الستينيات، وهي مجلة "الكاتب"، والتي صدرت عن دار التحرير في ابريل 1961، وترأس تحريرها في البداية أحمد حمروش، وضم مجلس تحريرها الدكتور لويس عوض والدكتور محمد مندور، ثم انتقلت رئاسة التحرير في يناير 1964 للناقد أحمد عباس صالح، واتسع مجلس التحرير ليضاف إليه الكتّاب كامل زهيري ومحمد عودة ويوسف ادريس ونعمان عاشور، وكان شعارها "مجلة المثقفين العرب"، واتخذت المجلة طابعا يساريا واضحا، في ظل مجلات محايدة، وربما كانت يمينية جدا في ذلك الوقت، وعندما أتي الصحفي حلمي سلّام رئيسا لمجلس إدارة دار التحرير، كان ضجرا من المجلة، راح يبطش بالكتاب اليساريين العاملين فيها، فقام بنقل رئيس تحريرها أحمد عباس صالح إلي شركة لتجارة الخشب، وكذلك تم نقل الآخرين إلي شركات للقطاع العام ليست لها أي علاقة بالصحافة أو الثقافة، ولولا تدخل جمال عبد الناصر شخصيا، وأمر بصدور المجلة خارج الدار، ولكن علي نفقة مجلس تحريرها، وبالفعل صدر عدد أكتوبر 1964 علي نفقة هيئة تحريرها، بمعاونة بعض من المثقفين التقدميين في ذلك الوقت، وفي مطلع عام 1966 قرر د. عبد القادر حاتم نائب وزارة الثقافة ضم المجلة إلي وزارة الثقافة، وكانت توزع اثني عشر ألف نسخة حسب رواية ابراهيم منصور في مجلة الآداب، ومنذ اليوم الأول بدأ الصدام بين الوزارة والمجلة، وطلب د. حاتم أن يطلّع علي أصول المقالات قبل نشرها، ولكن أسرة تحرير المجلة رفضت بالإجماع هذا الأمر، ولذلك قرر السيد حاتم رفع الدعم عن المجلة، وعاد مجلس التحرير مرة أخري لإصدار المجلة بالمجهود الخاص، ونشرت سلسلة تحقيقات عن الأوضاع المتردية في قطاع النشر، وتشكلت بعد هذه التحقيقات ست لجان لفحص ماجاء بالتحقيقات، وفي أعقاب ذلك تقدم د. حاتم بالاستقالة من منصبه، ولكنه بعد رحيل جمال عبد الناصر، وفي سبتمبر عام 1971 عاد ليصبح نائبا لمجلس الوزراء، ويصدر قرارا عجيبا وهو إغلاق المجلات التي كانت تصدرها وزارة الثقافة، وعلي رأسها مجلة الكاتب، وكأنه يثأر من المجلة ومجلس تحريرها، وكانت حجة د. حاتم بأن المجلات تخسر، ولكن إدارة مجلة الكاتب قدمت مايثبت أن المجلة لا تخسر، ورغم ذلك استمر الصدام قائما، بعد اضطرار وزارة الثقافة أن تستمر المجلة ولكن دون إعطاء أي مكافآت مالية لهيئة التحرير التي وافقت علي ذلك الشرط.
وفي مارس 1973 تم تعيين يوسف السباعي وزيرا للثقافة، وبدأت أشكال الترصد تزداد وتتفاقم، وراحت الرقابة التقليدية تعمل بضراوة، فتم الاعتراض علي فقرة وردت في مقال للكاتب الصحفي حسنين كروم حول المساعدات الإيرانية للأكراد المتمردين في العراق، وتم الاعتراض كذلك علي مقالين للأستاذين عباس صالح وصلاح عيسي، وبدأت في 11 ابريل عام 1974 طقوس الإزاحة والاستبعاد، وعقد اجتماع في الهيئة المصرية العامة للكتاب برئاسة الدكتور محمود الشنيطي رئيس مجلس الإدارة آنذاك، وأثار فيه الشاعر صالح جودت التناقض بين أن تصدر الهيئة مجلة، وفي الوقت نفسه تهاجمها، وتدرجت وسائل الضغط علي المجلة ومجلس تحريرها الذي طالب برفع سيف الرقابة المسلط علي المجلة، حتي تم إزاحة مجلس الإدارة، وتم تعيين الشاعر صلاح عبد الصبور رئيسا للتحرير، بدلا من عباس صالح، وبدأت حرب شعواء علي المجلة، وعلي أعضاء هيئة تحرير، وارتفعت في الأفق اتهامات بالشيوعية واليسارية أطلقها الكاتب الصحفي ابراهيم الورداني وعبدالعزيز الدسوقي ويوسف السباعي نفسه، ولكن قامات كبري آنذاك دافعت عن المجلة، وعلي رأسهم نجيب محفوظ الذي كتب مدافعا عن المجلة، ولائما يوسف السباعي، وكذلك يوسف ادريس ورضوي عاشور وابراهيم أصلان، وسعيد الكفراوي، لتتحول قضية إغلاق المجلة إلي قضية رأي عام .
وفي ديسمبر 1974 استضافت مجلة الطليعة اليسارية أعضاء هيئة التحرير، ليصدروا ملحقا صغيرا داخل مجلتهم، ولكن هذا لم يستمر، وبالتالي فالمجلة لم تستمر بطابعها القديم، الذي لم يصبح مناسبا للتوجهات السياسية الجديدة، والتي راحت لتعمم مبادئها في كافة الإصدارات الأخري، لتبدأ مرحلة جديدة من عصر المجلات الثقافية، ليصل بنا الحال الآن لتكرار المشهد القديم الذي يفرض نفسه بقوة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.